مفهوم الغبن في القانون المدني
تعريف الغبن le lesion
هو عدم التعادل بين ما يأخذه العاقد وما يعطيه يتجسد في الضرر المالي الذي يصيب أحد المتعاقدين بسبب عدم تعادل قيمة الأداءين كشراء مبيع بثمن مرتفع جداً أي أنه عدم التوازن بين الأخذ و العطاء ،
فهو اختلال بالمعادلة الاقتصادية ....و الغبن بهذا المعنى ليس عيباً من عيوب الإرادة ، و إنما هو عيب يصيب العقد ذاته , و يتمثل بعدم التكافؤ بين التزامات كل من المتعاقدين و هو اختلال التوازن الاقتصادي في عقد المعاوضة ،نتيجة عدم التعادل بين ما يأخذه كل عاقد فيه و ما يعطيه .
- فهو الخسارة التي تلحق بأحد طرفي العقد فهو بذلك يعتبر المظهر المادي للاستغلال
وعليه الغبن أن يرى أحد المتعاقدين في الآخر طيشا بينا أو هوى جامحا في أمر من الأمور بحيث يحجب هذا الطيش أو الهوى فيه ملكة الموازنة، وبالتالي يستغله لجره إلى عقد يغبنه فيه بحيث لا تتوازن فيه التزاماته الناتجة عن العقد مع ما أفاد، أو مع التزامات الطرف الغابن، ولم يكن الطرف المغبون ليبرم هذا العقد لولا هذا الاستغلال من الطرف الآخر. ومثال ذلك أن يتزوج رجل مسن من امرأة في مقتبل شبابها، فتعمد الزوجة إلى استغلال ما تلقاه عند زوجها من هوى، فتدفعه إلى إبرام عقد معها أو مع أولادها. وكذلك لو تزوجت امرأة مسنة غنية من فتى شاب عن ميل وهوى، فعمد الزوج إلى استغلال هواها لابتزاز مالها عن طريق عقود يستكتبها.
نقصد بالطيش البين والهوى الجامح :
1- الطيش هو خفة وقلة اتزان في أعمال الإنسان وأوضاعه، كشاب يبدد الثروة التي ورثها.
2- الهوى هو ميل نفس إلى ناحية تغلب فيه العاطفة الإرادة، كرجل مسن متزوج من صبية استغلت هواه لها وحملته على إبرام عقود لمصلحتها. والقصد من وصف الطيش بالبين والهوى بالجامح،
أن يكونا قويين متجاوزين الحدود التي ترى في كثير من الأفراد بدرجة عادية لا تجعل من الشخص ميداناً لاستغلال ذوي الأطماع. وهذا أمر موضوعي يدخل ضمن نطاق سلطة القاضي التقديرية.
الغبن le lésion هو عدم التعادل في الالتزامات المتقابلة التي يرتبها العقد، يلاحظ أنه من النادر أن يتساوى البدلين تماما في عقود المعاوضة، ومن ثم لا بد من التسامح، فلا يعتد بالغبن إلا إذا كان فاحشا، لأنه لو جاز أن كل حيف مهما يكن شأنه في العقد يحل بأحد المتعاقدين يجر العقد إلى الإبطال، لتعرضت جميع العقود أو معظمها لنلك النتيجة القاسية، وفي ذلك ما فيه من إضرار بالمعاملات المدنية والعلاقات التجارية على السواء ، لذا نجد القانون المدني الجزائري أخذ بالغبن في حالات معينة، وهي الغبن في بيع العقار بما يزيد على الخمس (المواد 358 -359 من القانون المدني الجزائري(، فيكون للبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل، كما اعتبر الغبن في القسمة الرضائية إذا تجاوز خمس نصيب المتقاسم، فيكون له أن يطلب خلال السنة التالية للقسمة- نقضها (المادة 732 القانون المدني الجزائري). ثم أخذ به كقاعدة عامة في المادة 90 من القانون المدني الجزائري.
والغبن بهذا المعنى المادي لا يوجد إلا في عقود المعاوضة، أما العقود الاحتمالية، وعقود التبرع فلا يتصور فيها الغبن، وذلك أن العقود الاحتمالية كعقد التأمين، وعقد البيع في مقابل إيراد مرتب لمدى الحياة، فإن طبيعتها تقضي بإمكان وقوع غبن فيها على أحد المتعاقدين، وفي عقود التبرع يعطي أحد المتعاقدين دون مقابل، ولذلك لا يثار عدم التعادل.
والغبن لا يمكن الكلام عنه إلا عند إنشاء العقد، فينظر إلى تعادل الأداءات في هذا الوقت... أما إذا تغيرت القيمة بعد وقت إنشاء العقد، فارنفعت قيمة ما يؤديه أحد العاقدين، فلا نكون بصدد غبن، وكذلك الأمر إذا تغيرت الظروف، ونتج عنها غبن أثناء تنفيذ العقد، أو بعد انعقاده ولكن قبل تنفيذه، فالغبن هنا لا بتحقق، بل نكون أمام ظرف طارئL'imprévision .
واذا كان الغبن على ما ذكرنا- هو اختلال التوازن في الأداءات العقدية، فهو بذلك عيب في العقد، وليس عيبا في الرضا، لأنه بمجرد هذا الاختلال يتحقق الغبن، ولو كانت إرادة المتعاقد الآخر سليمة وفي ذلك يقول الشرقاوي: " والمعنى اللغوي لكلمة غبن (Lésion) يجعل منه شيئا يتصل بمقدار الالتزام مباشرة، ولذا لا يتصور أن يكون عيبا في الرضا (الإرادة)، فكلمة الغبن تعني الضرر الذي يحيق بمصدر التصرف، دون أن يشير إلى أصل الواقعة التي سببت هذا الضرر، ولذا لا تسمح بالكشف عن طبيعة العيب الذي يسبب هذا الغبن.
الطبيعة القانونية للغبن :
أما طبيعة الغبن، فقد أراد بعض الفقه أن يقف في معرفة طبيعة العيب المصاحب للغبن عند ظاهرة عدم تناسب ما يتعهد به أحد الداخلين في معاملة مع ما يحصل عليه من مقابل،
واجدا في هذا الاختلال الموضوعي بين الطرفين كل عناصره، ومبعدا بذلك الغبن عن نطاق عيوب الرضا، بل عن أن يكون سببا من أسباب البطلان بصورة مطلقة... لكن القول بجواز الانتقاص أو الزيادة في التزامات أحد طرفي الرابطة العقدية هو تسليم بالبطلان كشرط أولي لإمكان هذا التغيير... ولعل هذا السبب في أن لجأ بعض مؤيدي هذا النظر في استبعاد الغبن كسبب للبطلان، إلى فكرة المسؤولية لتفسير أثر الغبن، فقال إن الغبن فعل خاطئ يستوجب التعويض على مرتكبه، وهذا التعويض يتخذ صورة إنقاص التزام المغبون أو زيادة التزام الغابن... وفي هذا خلط بين قواعد البطلان وقواعد المسؤولية... ولكن العدد الأكبر من الفقهاء الفرنسيين يرى أن الغبن يتصل بعيوب الرضا، وأنه إن لم يكن عيبا بذاته فهو مظهر لأحد عيوب الرضا المعروفة (الغلط والتدليس والإكراه)، أو هو بالأحرى قرينة قانونية على وجود هذا العيب في الرضا، وأن البطلان في الغبن هو بسبب عيب مفترض في الرضا.
أما القانون الألماني فقد اعتبر الغبن عملا منافيا للآداب، وحصر النظر إلى عمل الغابن الذي يحصل على منفعة لا تتناسب مع التزاماته"، ولذا وجدنا الفقه الألماني يفسر نظرية "الفسخ الذي هو حل ارتباط العقد، هو جزاء يهدف إلى اعتقاد أحد طرفي العقد من التزامه به، بعد أن تبين تعذر حصوله على المقابل لهذه الالتزامات أي التزامات الطرف الآخر - لما بين هذه الالتزامات من ارتباط .