تحليل نص المادة 86 من القانون المدني الجزائري
ابطال العقد بسبب التدليس.
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 86 ق م
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 86 ق م.
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي.
تنص المادة 86 من القانون المدني : { يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه، من الجسامة بحيث لولاها لما ابرم الطرف الثاني العقد.
ويعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة }.
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص (86) في الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم.
و قد جاء في الكتاب الثاني منه عنوانه الإلتزامات و العقود ، من الباب الأول وعنوانه مصادر الالتزام الفصل الثاني بعنوان العقد ،القسم الثاني شروط العقد.
البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 86 من القانون المدني تتألف من فقرتين 2 ربط بينهما حرف العطف المتمثلة في حرف الواو وهي :
الفقرة الأولى : تبدأ من : يجوز إبطال...... و تنتهي بـ : .......الطرف الثاني العقد.
الفقرة الثانية : تبدأ من : ويعتبر تدليسا...... و تنتهي بـ : ........هذه الملابسة.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 86 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية مفتاحية تشير إلى موضوع ابطال العقد بسبب التدليس ،
و كمثال على ذلك نشير إلى :
" للتدليس " : هو مرادف للخداع يقصد به إستعمال وسيلة غير مشروعة بقصد الخديعة و دفع المتعاقد إلى الوقوع في الخطأ حتى يدخل في التعاقد.
" إبطال العقد " : حل الرابطة العقدية لسبب من أسباب البطلان.
" المتعاقدين " : وهم اطراف العقد المدلس و المدلس عليه.
البناء المنطقي :
جاء البناء المنطقي للمادة 86 من القانون المدني متسلسلا ما أعطى للنص صفة السهولة و الوضوح نلاحظ ان المادة بدأت بعبارة " يجوز " وهنا يقصد السماح لأحد المتعاقدين و ربطها بحرف عطف "و" في الفقرة الثانية من المادة .
يلاحظ أن المادة 86 ق م إعتمدت أسلوبا شرطيا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 86 من القانون المدني يتضح أن المشرع قد بين عدم جواز إستعمال التدليس لإبرام العقود و أوجب إبطال هذا العقد إذ كانت تلك الحيل التدليسية هي التي دفعت الطرف الثاني في العقد لإبرامه و بدونها ما كان المدلس عليه أن يبرم العقد مع الطرف المدلس.
- العقد المبني علي تدليس ما يجوز إبطاله بقوة القانون.
- متى أثبت المدلس عليه التدليس، جاز له المطالبة بابطال العقد أو التعويض.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 86 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
ماذا نقصد بالتدليس و ما هي شروطه و عناصره و أثره علي إبطال العقد ؟.
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : مفهوم التدليس في القانون
المطلب الأول : تعريف التدليس
المطلب الثاني : الفرق بين التدليس المدني والتدليس الجزائي.
المبحث الثاني : شروط و عناصر التدليس
المطلب الأول : شـروط التدليس
المطلب الثاني : عناصر التدليس
المبحث الثالث : بطلان العقد بسبب التدليس.
المطلب الأول : العقد القابل للإبطال
المطلب الثاني : أثر التدليس علي إبطال العقد.
خاتمة
مقدمة :
يعد العقد أهم تصرف قانوني في حياتنا العملية، ونظرا أن العقد قد أصبح الوسيلة الأساسية في دائرة المعاملات المالية خاصة في تطورات الاقتصادية. فيتعين علينا أن نعرفه، اذ هو أحد مصادر الالتزام، وهو توافق إرادتين أو أكثر على تحقيق أثر قانوني معين، هذا الأثر قد يكون إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه، ويقوم العقد على ثلاثة أمور أساسية أولها تواجد إرادتين أو أكثر لا إرادة واحدة وثانيهما وجود توافق بين إيرادات أطراف العقد على الأثر القانوني المقصود وثالثهما توجه هذا التوافق لإحداث أثر قانوني معين، ولما كان للعقد من أركان أساسية يبرم عليها حتى ينتج الأثر القانوني المبتغى من إبرامه، كان من الضروري أن تكون هذه الأركان متواجدة وقائمة بصورة صحيحة لاسيما تطل القانون وجودها بشكل معين يراعى وجوبا وما يشوب العقد من أركان وطريقة إبرامه من عوار يسمى بالبطلان.
وان العقد في حقيقته تلاقي إرادتي العاقدين واتفاقهما على إنشاء عقد معين وهذا الاتفاق يتضمن رغبة العاقدين فيه ورضاؤها به، ولكن قد يكون في إرادة العاقد خلل يجعلها معيبة غير صالحة لتكوين عقد سليم، فينشا العقد معيبا لا تترتب عليه الآثار المقررة له شرعا لو كان قد نشا صحيحا، وهذه العيوب التي قد تلحق الإرادة وتلابس إنشاء العقد.
من العيوب التي تجعل الارادة معيبه في القانون المدني الجزائري ، التدليس في إبرام العقود .
المبحث الأول : مفهوم التدليس في القانون.
المطلب الأول : تعريف التدليس :
وهو تغيير الحقيقة باللجوء إلى الكذب، واللجوء إلى الوسائل الاحتيالية لإيقاع المجني عليه في الغلط.
هو خديعة تؤدي إلى إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد، وبتعبير أدق هو تغليط متعمد، يخطط له ويدبره شخص بنية تضليل المتعاقد الآخر وإقناعه بأشياء تخالف الحقيقة فيقع في الغلط ويبرم العقد الذي ينشده المدلس. وللتدليس أنواع وطرق مختلفة، وشرائط يستلزمها القانون ليرتب عليها حكمه.
فهو إما أن يكون مدنياً، أو جزائياً، والتدليس المدني يتحقق بطرق مختلفة :
فإما أن يكون التدليس إيجابياً بأن يرتكب المدلس أعمالاً تدليسية مستخدماً سلوكاً أو تصرفات مادية من شأنها إيقاع الآخرين في ضلالة ووهم، كتقديم وثائق مزورة، أو مخططات غير واقعية، أو رسائل وقوائم غير صحيحة، وإما أن يكون التدليس سلبياً: وذلك عندما يقوم المدلس بإخفاء أو كتمان بعض الحقائق، وخاصة تلك التي يوجب القانون أو طبيعة العقد وظروفه بيانها، ولا يسهل على المتعاقد الآخر معرفتها. كما في حالة كتمان المؤمن أموراً يفرض عقد التأمين بيانها لكونها ذات أهمية خاصة لشركة التأمين. ولكن هل يعد تدليساً الكذب العادي المجرد، كما لو كذب البائع حول المواصفات الفنية للمبيع، أو كذب العامل بشأن الأعمال والوظائف التي سبق له ممارستها ؟
تختلف الإجابة عن هذا السؤال تبعاً لأثر الكذب على المتعاقد الآخر؛ فإذا كان للكذب البسيط أثر حاسم أو دافع لاتخاذ قرار التعاقد بحيث لولاه لما أبرم المتعاقد الآخر العقد عد تدليساً، أما إذا لم يكن كذلك فلا تدليس.
والتدليس المدني يكون أصلياً أو فرعياً: فالتدليس الأصلي (التدليس الدافع) هو التدليس الدافع إلى إبرام العقد. أما التدليس الفرعي (التدليس غير الدافع) فلا يقصد منه دفع المتعاقد وحثه على إبرام العقد بل إثارته وإغواؤه للتعاقد بشروط أبهظ، وغالباً ما يحدث ذلك في البيع بطريق المزاد العلني عندما يتفق بعض المشاركين في المزاد على طرح أسعار مرتفعة ووهمية لإيقاع بقية المزايدين في الخدعة، فيتقدم أحدهم ليزيد على العطاء الوهمي فيرسو عليه المزاد. أما التدليس الجزائي فيتخذ أسلوباً أكثر دهاء وأكثر خطورة ويكون حينئذ احتيالاً.
وهو بذلك يختلف عن التدليس المدني: في أن الاحتيال لابد فيه من اقتراف المحتال لإحدى الطرق الاحتيالية التي حددها القانون على سبيل الحصر. فالكذب العادي أو الكتمان غير كافيين لقيام جرم الاحتيال، على الرغم من أنهما قد يشكلان تدليساً مدنياً، ومن جهة أخرى، يتطلب الاحتيال توافر النية الجرمية لدى المحتال أي نية الاستيلاء على المال احتيالاً، في حين أن كل ما يقصده المتعاقد المدلس في التدليس المدني هو الحصول على شروط تعاقدية أفضل. وبوجه عام، لا يكفي لوقوع التدليس أن يسلك المدلس طرق خداع وأساليب احتيالية، إنما من اللازم أن يتحقق في الفعل التدليسي الشروط التالية:
أن يكون دافعاً إلى التعاقد، وأن يكون صادراً عن المتعاقد أو نائبه، وأن يقصد منه تضليل المتعاقد الآخر.
فلابد أولاً من أن يكون للأعمال التدليسية التي ارتكبها المدلس أثر حاسم أو دافع إلى إبرام العقد.
فلو كذب البائع حول مواصفات الشيء المبيع واكتشف المشتري ذلك قبل إبرام العقد فليس هناك من تدليس. وكذلك لو كذب العامل بشأن الوظائف التي كان قد شغلها واكتشف رب العمل حقيقة الأمر قبل إبرام العقد فلا يعد ذلك تدليساً.
ولمعرفة ما إذا كان التدليس دافعاً إلى التعاقد أم لا، ينبغي الرجوع إلى شخص المتعاقد المدلس عليه والوقوف على ظروفه الشخصية من ذكاء، وخبرة، وجنس، وسن، وثقافة، وغيرها. فالخدع التي تؤثر في الشخص البسيط العادي الساذج، قد لايكون لها التأثير نفسه في الرجل المحنك، الخبير، الممارس، المثقف.وما يؤثر في المرأة قد لايكون له الأثر نفسه في الرجل.
ولابد ثانياً، من أن تكون الأساليب التدليسية صادرة عن أحد المتعاقدين أو نائبه. فإذا صدرت عن أجنبي عن العقد فلا أثر قانونياً لها، مالم يثبت أن المتعاقد الآخر (الذي تم التدليس لمصلحته) كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا التدليس.
علاوة على ذلك كله، يجب أن تكون الأعمال التدليسية قد ارتكبت بنية تضليل المتعاقد المدلس عليه. فالتدليس خطأ متعمد ومقصود، يفترض ممارسة المدلس لأعمال تدليسية بقصد دفع المدلس عليه إلى التعاقد. فإبرام شخص لعقد ما تحت تأثير انخداعه بمظهر الثراء والغنى الذي يسلكه المتعاقد الآخر، لايعد فعلاً تدليسياً، مالم يكن المتعاقد المدلس قد تعمد ذلك قاصداً استجراره لإبرام العقد.
ولكن هل هناك من معيار يمكن الاستهداء به لتمّييز ما يعد عملاً تدليسياً وما لا يعد كذلك؟. نعم إنه معيار السلوك المألوف أو المعتاد: فكل فعل أو تصرف لم يتجاوز حدود المألوف والمعتاد أو المتعارف عليه في التعامل والعرف الجاري لا يكوّن تدليساً، أما إذا تخطى هذه الحدود فيصبح العمل تدليساً. فشركة الاعلانات التي تعلق للجمهور أن ذلك المستحضر التجميلي يعيد إلى البشرة شبابها ونضارتها لا يعد عملاً تدليسياً. لأنه من المتعارف عليه في هذا المجال، أن تنطوي الإعلانات على شيء من المبالغة لاستهواء المستهلك وترغيبه في شراء هذا النوع من المنتجات.
و بالتالي نستنتج ان التدليس هو نوع من أنواع الغش يجعل من العقد فاسدًا لأنه يُفسد عنصر الرضا عند المتعاقد إن التدليس عمل غير مشروع، يستوجب المسؤولية عن الضرر الناشئ منه .
المطلب الثاني : الفرق بين التدليس المدني والتدليس الجزائي :
يختلف التدليس في القانون المدني عنه في القانون الجنائي اختلافا كبيرا:
الفرع الأول : التدليس المدني :
قد جرى التعبير في الفقه المدني على تعريف التدليس بأنه إيقاع أحد المتعاقدين بطرق احتيالية في غلط يدفعه إلى إبرام العقد ، ومن هذا التعريف تظهر الصلة بين الغلط والتدليس، فالتدليس يوقع الشخص في غلط وهذا الغلط يدفع الشخص إلى التعاقد، فالتدليس لا يجعل العقد قابلا للإبطال إلا الغلط الذي يولده في نفس المتعاقد، ويتميز هذا الغلط عن الغلط العادي بأنه غلط خارجي أي أن الشخص لم يقع فيه من تلقاء نفسه بل أوقعه فيه شخص أخر، أما الغلط العادي فهو غلط ذاتي وقع فيه الشخص من تلقاء نفسه .
كما أن التدليس يتفق مع الغش في أن أحد أطراف العقد يرتكبه في مواجهة الطرف الأخر للأول، كما ذكرنا استعمال شخص طرقا احتيالية لإيقاع شخص في الغلط يدفعه إلى التعاقد، بينما التالي هو كل خداع بسوء نية يعمد إليه الشخص بقصد الإضرار بالمتعاقد الأخر معه، أما الغش فنطاقه واسع، وعناصره لايحددها القانون، فهو بذلك القصد منه إما خداع أحد أطراف العقد وإما إحداث أضرار بأصحاب الحقوق أو الغير، وإما التملص من القانون، ويختلفان أيضا في وقت حدوث كل منهما فالتدليس يحدث أثناء تكوين التصرف القانوني، ويدفع الشخص إلى التعاقد، أما الغش فقد يقع بعد تكوين العقد أي في مرحلة تنفيذ العقد أو يقع خارجا عن دائرة العقد، كأن يسدد المدين ما في ذمته حتى لا يجد الدائنون فيها شيئا يوقعون عليه الحجز، يترتب على هذا التدليس أن يفسد العمل الذي أنشأه من أساسه، أما الغش فلا يفسده إبتداءا وإن أفسده فلا يكون ذلك إلا في تنفيذ المشاركة .
يشترط في التدليس توافر شرط استعمال طرق احتيالية قولية أو فعلية، واتصال المتعاقد الأخر بالتدليس إذا أثبت أن العقد قد أبرم تحت تأثير التدليس فإن هذا العقد يكون قابلا للإبطال لمصلحة المتعاقد المدلس عليه، أي أن البطلان هو بطلان نسبي، وعلى ذلك يستطيع هذا المتعاقد أن يطلب إبطال العقد للتدليس إذا توافرت الشروط التي يستلزمها القانون للإبطال.
فإذا لم تتوافر شروط الإبطال فليس معنى هذا استبعاد كل أعمال التدليس، بحيث يترتب على التدليس ضرر كبير يخول لضحية التدليس حق مطالبة المدلس بالتعويض طبقا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية
فإذا كان التدليس عارضا غير دافع كان للمدلس عليه المطالبة بالتعويض، وكذلك إذا كان التدليس قد صدر من الغير بدون علم من جانب المتعاقد الأخر كان الغير مسئولا أمام المخدوع المضرور بالتعويض .
وخلاصة القول أن التدليس عيب من عيوب الإرادة ،يجيز للمتعاقد الذي شاب إرادته عيب أن يبطله من جهة ومن جهة أخرى يعتبر التدليس جريمة مدنية قوامها الخطأ المتمثل في الحيل، الغير مشروعة التي سببت ضررا للمتعاقد المدلس عليه، وهذا الضرر يشكل مسؤولية للمدعى عليه بالتعويض طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية.
ولذا فإن التدليس في القانون المدني يترتب عنه الحكم ببطلان العقد، إذا تم نتيجة تحايل أحد المتعاقدين أيا كان نوع هذه الحيلة، سواء كان السكوت المتعمد عن ملابسة أو واقعة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة، أو هذه الملابسة أو لو كانت عبارة عن أكاذيب على درجة من الجسامة بحيث لولاها لما تم العقد بين المتعاقدين.
الفرع الثاني : التدليس الجزائي :
إن التدليس المدني والمشار إليه سابقا لا يكفي لقيام المسؤولية الجزائية، لأن القانون الجنائي لا يتدخل في معاملات الناس إلا عند الضرورة، وكلما رأى أن أفعال الجاني على درجة من الخطورة ،إذ أن النصب يقوم على تغيير الحقيقة قوامه الكذب الذي يرتبط بواقعة معينة، وحول معايير التمييز بين التدليس المدني والتدليس الجزائي، فقد كثر الحديث حولهما ففي الفقه المعاصر اتجه فريق من الفقه إلى وضع معايير للتفرقة بين نوعي التدليس المدني والتدليس الجزائي وانقسموا في ذلك إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول: يقيم التفرقة بين نوعي التدليس بالنظر إلى خطورة النتائج المترتبة عليهما، وأخيرا ظهر اتجاه آخرفي إيطاليا برفض التفرقة بين نوعي التدليس ويرى أنه لا اختلاف بينهما وأن العلاقة التي تربطهما هي علاقة واحدة أو تماثل .
وفي الواقع أن المعايير التي ذكرها الفقه فيما تقدم للتمييز بين نوعي التدليس المدني والجزائي قد شابها كثير من الغموض واللبس، فلم تفض إلى نتيجة تذكر ولم تسفر إلا عن عبارات مبهمة لا توضح لنا حدود العلاقة القانونية بينهما ولم تصل إلى حل حاسم لهذه المشكلة .
ولذلك يرى الاتجاه المعاصر في الفقه الفرنسي أن العلاقة بين نوعي التدليس هي علاقة تعارض، وذلك من منطلق سعي كل من القانونين الجنائي والمدني إلى تحقيق هدف التكامل بينهما لضمان أخلاقية
المعاملات بطريقة أفضل، ولمواجهة المخالفات الجسيمة في الثقة التعاقدية التي يظهرها التدليس في مجال العقود وعلى الرغم من علاقة التكامل بينهما يمكن إبراز أوجه التشابه والاختلاف فيما يلي :
أولا : أوجه الاتفاق بين نوعي التدليس :
فالتدليس المدني كما سبق أن ذكرنا هو إيقاع أحد المتعاقدين باستعمال طرق احتيالية في غلط يدفعه إلى إبرام العقد، أما التدليس الجنائي هو الاستيلاء بطريق الاحتيال على مال منقول مملوك للغير بنية تملكه نتيجة الوقوع في الغلط.
ويتضح من تعريفنا لنوعي التدليس أنا كلا منهما من طبيعة واحدة، وهي أكاذيب من شأنها إيهام المتعاقد أو المجني عليه بأمر مخالف للحقيقة.
كما أنهما يشتركان في أثرهما وهو إيقاع المدين أو المجني عليه بطريق الحيلة في غلط مما يؤدي إلى حمله على التسليم بأمر لم يكن ليقدم عليه لو أدرك حقيقته، فضلا عن ذلك أنه إذا كان التدليس الجنائي جريمة جنائية فإن التدليس المدني جريمة مدنية ومن ثم فهما يشتركان في العنصر المعنوي وهو قصد خداع الغير بإيقاعه في الغلط .
ثانيا : أوجه الاختلاف بين نوعي التدليس :
من حيث الجوهر :
فالتدليس المدني يكفي فيه كقاعدة عامة الكذب المجرد من كل مظهر خارجي يعززه ،بل إن الكتمان وهو مجرد مسلك سلبي قد يكفي لتحقيقه، إما التدليس الجنائي فلا يمكن أن يكون مجرد أكاذيب شفوية أو مكتوبة ومن باب أولى مجرد كتمان أمر من الأمور بل يلزم أن يكون الكذب الذي يكونه مدعما بمظاهر خارجية يكون من شانها تأكيد صحة الوقائع التي يزعمها المحتال وتبعث الثقة في نفس المجني عليه .
يأخذ التدليس في المجال الجنائي نوعين حسب درجة الجسامة التي تظهر فيها فالتدليس قد يكون بسيطا أو مشددا، ويكون التدليس بسيطا عندما لا يقترن بأي طرق مميزة لإخفائه أو تجعل اكتشافه صعبا على من وقع عليه، أما التدليس المشدد أو الموصوف فيكون عندما يحاط التدليس بعناصر خارجية أو إخراج مسرحي أو أسماء كاذبة أو صفات غير صحيحة تؤيد الإدعاءات الكاذبة وتعطيها مظهر الصدق والحقيقة وفي هذين النوعين للتدليس يقيم القانون الجنائي جريمتين مختلفتين: التدليس البسيط هو الذي يكون جريمة الخداع، والتدليس المشدد هو الذي يكون جريمة الاحتيال .
من حيث النطاق :
فالطرق الاحتيالية التي يتكون بها التدليس الجنائي يتكون بها كذلك التدليس المدني لكن العكس غير صحيح، فنطاق التدليس المدني أوسع من نطاق التدليس الجنائي، كما أنه لا يستلزم أن تبلغ الطرق الاحتيالية في التدليس المدني درجة من الجسامة كما في جريمة الاحتيال، بل يكفي أن تخرج الحيل من المألوف في المعاملات بين الناس، ومرد ذلك أن القانون المدني يعنيه مبدأ حسن النية في إبرام العقود وتنفيذها .
من حيث النتيجة : فالنتيجة في التدليس المدني هي حمل الطرف الأخر على التعاقد، أو على إجراء تصرف قانوني بوجه عام، أما النتيجة التي يقصدها الجاني من التدليس الجنائي هي سلب مال الغير كله أو جزء منه ودون مقابل.
من حيث الجزاء :
التدليس المدني هو عيب من عيوب الإرادة، ومن ثم يرتب القانون المدني بطلان العقد نتيجة للحيل التي يلجأ إليها أحد المتعاقدين، أيا كان نوعها أو الحكم بالتعويض باعتبار أن التدليس المدني عمل غير مشروع يستوجب التعويض، وفقا لقواعد المسؤولية أما التدليس الجنائي فهو جريمة من جرائم الاعتداء على الأموال، ومن ثم يعاقب القانون الجنائي بعقوبة جنائية، وهذا يرجع إلى أن هدف الحماية القانونية مختلف بين نوعي التدليس فالقانون المدني يهدف بتقرير جزاء البطلان هو سلامة الإرادة وحريتها في التعاقد، بينما يهدف القانون الجنائي من تجريم الاحتيال أو التدليس الجنائي هو حماية الملكية الواردة على منقول من الاعتداء عليها.
المبحث الثاني : شروط و عناصر التدليس.
المطلب الأول : شـروط التدليس :
إستعمال طرق احتيالية بقصد الإيقاع بالغلط :
وتتمثل تلك الطرق في أساليب ايجابية أو سلبية من ذلك إعطاء بيانات كاذبة أو وثائق مزورة عن الشيء المتعاقد عليه ( كتغيير أرقام عداد المسافة في السيارات وطلاء الأماكن المتعرضة للضرر بدهن معين في السيارات .....) ، وبالإضافة إلى الأساليب الايجابية فقد تستعمل أساليب سلبية أيضا من ذلك التكتم على المنزل الذي بيع انه ستشرع الإدارة في نزع ملكيته للمنفعة العامة وكتمان المؤمن على حياته انه مصاب بمرض على شركة التامين وكتمان هذه الأمور يجب أن تكون جهة جوهرية ثم يجب أن يعلم بها من كتمها ويجعلها الطرف المتعاقد معه وهذا ما نصت عليه المادة 86 من ق.م "يجوز إبطال العقد للتدليس لذا كانت الحيل التي لجأ إليها احد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما ابرم الطرف الثاني العقد ، ويعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة إذا اثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة ".
أن يكون الاحتيال دافعا لإبرام التصرف :
ويقصد بذلك انه لولا تلك الطرق غير الشريفة لما ابرم المدلس عليه العقد أصلا أما إن كان سيبرم العقد لكن وفق شروط مغايرة فلا مجال للكلام عن التدليس المبطل للعقد بل يمكن فحسب منح تعويض للمدلس عليه لاستعماله تلك الطرق.
إتصال الاحتيال بالطرف الآخر :
فالطرق غير الشريفة لا يحاسب عليها إلا المتعاقد المدلس أو نائبه على اعتبار أن الأخير يتصرف باسم ولحساب الأصيل ، أما إن صدر التدليس من الغير فلا مجال للكلام عن التدليس بين المتعاقدين إلا أن يثبت المدلس عليه ، إن المتعاقد معه كان يعلم أو من المفروض أن يعلم ( للقرابة أو الزمالة الموجودة بينهما مثلا ) بالتدليس الصادر من الغير وهذا ما نصت عليه المادة 87 من ق.م في قولها " إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الأخر كان يعلم ، أو كان من المفروض أن يعلم بضر التدليس".
المطلب الثاني : عناصر التدليس :
يتكون التدليس من عنصرين : عنصر مادي، وعنصر معنوي:
الفرع الاول : العنصر المادي :
يتمثل العنصر المادي في الوسائل المختلفة التي تستعمل لتضليل المتعاقد ودفعه لإبرام العقد
أ-الحيل :
الحيل هي شتى الأعمال والأفعال والطرق المختلفة التي يستعين بها المدلس لإخفاء الحقيقة عن المدلس عليه وإيقاعه في غلط يحمله على إبرام العقد.
فالعبرة في الحيل هي تظليل المتعاقد، بغض النظر عن الوسيلة المستعملة والتي لا يمكن حصرها. ونذكر المثال التالي، استظهار المدلس لسندات أو وثائق مزورة، أو إحضار شهود زورا تدعيما لأقواله، أو انتحال شخصي أو وظيفة، فيدعي أنه ينتسب إلى عائلة معروفة، أو انه محام أو موظف سام إلخ...، وقد يعتمد المدلس كذلك على مظاهر خارجية خداعة، كان ينزل في فندق دولي، أو ينتقل في سيارة فخمة يستأجرها حتى يعتقد الناس انه شخص ثري.
ب-الكذب :
قد يلجأ المدلس إلى الكذب لإخفاء حقيقته ،إن مجرد الكذب ليس بكاف إذا كان من السهل اكتشافه، كمبالغة التاجر في جودة بضاعته كذبا، و لكن قد يكون الكذب وحده كافيا إذا كان المدلس عليه لم يكن يستطيع اكتشافه و كان هو الدافع إلى التعاقد، ولولاه ما أبرم المدلس عليه العقد، فيعتبر الكذب تدليسا في إعطاء بيانات غير صادقة لشركة التأمين، مثل من يؤمن على سيارة من إنتاج سنة 2005 و يقول أنها من من إنتاج 2015.
ج-السكوت العمدي (الكتمان) :
قد يكون السكوت تدليسا إذا كان المدلس قد سكت عمدا عن واقعة أو ملابسة حاسمة في العقد، مثال ذلك أن يبيع شخص منزلا لأخر و يكتم عنه أنه قد صدر قرار بنزع ملكية هذا المنزل للمنفعة العامة أو يكتم عنه أنه مثقل بحق عيني، كحق انتفاع أو حق رهن، أو أنه قد رفعت بشأنه دعوى استحقاق، أو أن يكتم عن المشتري لمحل تجاري أنه قد صدر قرار بإغلاقه لعدم توافر الشروط الصحية فيه، أو أن يكتم المؤمن على حياته مرضا وراثيا خطيرا لو علمت به شركة التأمين ما أمنت على حياته".
الفرع الثاني : العنصر المعنوي :
يتمثل العنصر المعنوي في نية التضليل والخداع عند المدلس، ويقضي هذا العنصر أن يكون الغرض من الحيل المستعملة بشتى أنواعها خداع المدلس عليه إيقاعه في غلط يدفعه للتعاقد.
وعلى عكس السكوت المجرد الذي لا يفيد شيئا فإن السكوت العمدي يرجى منه إخفاء الحقيقة حتى يقدم المدلس عليه على التعاقد، فالمدلس يلتزم السكوت قصد إيقاع المتعاقد معه في غلط يدفعه للتعاقد، فالتظليل خطأ مدني يقتضي إدارك المدلس وانصراف إرادته إلى تحقيق غاية غير مشروعة، تتمثل في إخفاء الحقيقة عن المدلس عليه حتى ينتزع رضاه .
المبحث الثالث : بطلان العقد بسبب التدليس.
المطلب الأول : العقد القابل للإبطال :
هو عقد مشوب بأحد أسباب الإبطال، ويبقى صحيحا ما لم يتقرر إبطاله من الطرف الذي من مصلحته ذلك، ما لم يقرر تصحيحه وإجازته سواء بتعبير صريح أو بتنفيذه طواعية.
إن البطلان يعني انعدام الأثر القانوني للعقد الذي تخلفت احد اركانه التي أوجبها المشرع في العقد.
وهذا على عكس إبطال العقد بسبب التدليس الذي يرمي قبل كل شيء إلى حماية رضا المدلس عليه من دون أن نتجاهل سلوك المدلس الذي يعاقب عن طريق إبطال العقد.
و يترتب على بطلان العقد أو فسخه زوال كل أثاره وهذا هو وجه الشبه بين النظاميين ، فالبطلان مثل الفسخ ( فيرجع ) يؤدي إلى انعدام الرابطة القانونية ، أما بالنسبة لوجه الاختلاف يتمثل في الأسباب التي أصابت العقد ، فالانعدام بسبب البطلان يعود إلى عيب أصاب العقد في احد أركانه ، و اما الفسخ فيرجع إلى عدم تنفيذ احد المتعاقدين لالتزامه في العقد الملزم للجانبين و يزول العقد اي ينقضي و ذلك عن طريق الانحلال و يجمع بين الانحلال و البطلان انه يترتب عليهما زوال العقد لكن الانحلال يرد على عقد نشا صحيحا و قد ينحل العقد باتفاق الطرفين.
- قد ينحل عن طريق الرجوع إلى الإرادة المنفردة لأحد العاقدين.
و العقد الباطل مثله مثل العقد غير النافذ لا يسري في حق الغير و لا يمكن الاحتجاج به لدى الغير.
- يتميز البطلان عن عدم النفاذ بكون العقد الباطل منعدم الوجود قانونا بالنسبة للمتعاقدين نفسيهما و بالنسبة للغير كذلك، أما في حالة عدم نفاذ العقد فهو موجود قانونا بين المتعاقدين و منعدم بالنسبة للغير.
أنواع البطلان :
أولا : البطلان المطلق :
إن العقد الباطل بطلانا مطلقا هو منعدم لم يستوف أركانه ، كانعدام تطابق الإرادتين ، و انعدام المحل أو السبب ، أو عدم مشروعية محله أو سببه.
إن كان من شروط التراضي هناك شروط أساسية و هي أن يصدر ممن بلغ سن التمييز ، وانه إذا صدر من عديم التمييز كان باطلا بطلانا مطلقا و لو كان العقد لمصلحته.
كذلك بالنسبة للمحل يجب أن يكون موجودا أو ممكن الوجود في المستقبل وإذا لم يكون موجودا عند التعاقد بل كان قد هلك فان العقد يكون باطلا بطلانا مطلقا وإذا كان المحل مستحيل الوجود في المستقبل استحالة مطلقة فان العقد يكون باطلا مطلقا.
ثانيا : البـطلان النسبي :
العقد الباطل بطلانا نسبيا هو العقد الذي يقوم مكتمل الاركان الا يكون معيبا بعيب من عيوب الرضا و هي نقص أهلية المتعاقد والغلط و التدليس و الإكراه و الاستغلال .
يكون طلب إبطال العقد المعيب لمصلحة المتعاقد الناقص الأهلية أو لمن وقع في غلط أو للمدلس عليه أو المكره أو لمن استغل، فان احدهم أجاز العقد أو تنازل عن طلب الإبطال فيصبح العقد قائما منتجا لأثاره.
آثارالعقد القابل للإبطال :
مبدأ زوال العقد يترتب على تقرير البطلان أو إبطال العقد زواله الكلي أو بأثر رجعي.
أولا : الزوال الكلي للـعـقـد.
إذا تقرر بطلان العقد إبطاله فانه يزول كليا ، أي انه ينعدم ، أي كان لم يكن أصلا.
ثانيا : زوال العقد بأثر رجعي.
إذا تقرر بطلان العقد أو إبطاله فان سريان هذا الإبطال على المتعاقدين من يوم إبرام العقد ، و في بعض الحالات إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، وذلك بالإضافة للغير إذا كان قد اكتسب حقا من احد المتعاقدين وهذ امانصت عليه المادة 103 مدني.
كيفيات الاسترداد :
إذا تقرر بطلان أو العقد الذي شرع في تنفيذه فلا بد أن يسترد كل منها أداه عينا او بمقابل حتى تزول كل أثار هذا العقد.
الاسترداد العيني :
أفضل حالة لإعادة المتعاقدين إلى ما قبل العقد هي استرداد كل منهما ما أداه عينا.
أما إذا استحال استرداد ما أداه المتعاقدان عينا بسبب هلاك الشئ أو الطبيعة ( كالإيجار ) يكون الاسترداد عن طريق التعويض فإذا تقرير إبطال عقد الإيجار فلا يمكن للمؤجر إن يسترد المنفعة التي تحصل عليها المؤجر منذ إبرام العقد ، في هذه الحالة للقاضي تحديد مبلغ التعويض الذي يحل محل الاسترداد العيني.
سقوط حقوق الغير :
إذا تم تقرير البطلان أو الإبطال في حق المتعاقدين فستسري حتى على الغير الذي استفاد من وراء هذا العقد فتتأثر حقوقه بصحة أو ببطلان العقد ، و الغير ليس الأجنبي عن العقد إنما هو الخلف الخاص الذي يخلف المتعاقدين في حق عيني أو في عين معينة إلا انه هناك استثناء على هذه القاعدة و هو بتوفر حسن النية و عدم العلم ببطلان العقد و حيازة سندا صحيحا أو سند لحامله
فقد نظم المشرع ذلك واقر بحيازة الشيء موضوع العقد و تكون حيازته صحيحة، و ذلك ما نصت عليه م 885 مدني، فيما يتعلق بالرهن.
المطلب الثاني : أثر التدليس علي إبطال العقد :
يكون للتدليس أثر مباشر علي إبطال العقد يجوز إثباته بكل وسائل الإثبات، ومتى أثبته المدلس عليه، جاز له إما المطالبة بابطال العقد أو التعويض فحسب، على اعتبار التدليس خطأ موجبا للمسؤولية، أو المطالبة بالإبطال أو التعويض معا.
ومن بين الحالات يكون فيها العقد قابل للإبطال نجد :
1- اذا صدر العقد مخالفا لنص قانوني خاص.
2- في حالة مضي مدة تقادم العقد فيحق إبطاله.
3- في حالة إكراه المتعاقد و دفعه للتعاقد
4- إذا نص القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد.
5- إذا أبرم العقد من طرف شخص ناقص الأهلية
6- في حالة الغلط والتدليس
7- اذا اختل في العقد ركن الشكلية التي تشترط في بعض العقود.
إن الطرف الذي تقرر البطلان لمصلحته إذا طلب الإبطال، وجب على القاضي حتما أن يحكم به، خلافا للفسخ فللقاضي سلطة تقديرية في أن يحكم به .
ولكن الحكم بإبطال العقد منشئ للبطلان لا كاشف عنه، وهو في ذلك كالحكم بالفسخ. فإذا أبطل العقد، اعتبر باطلا بأثر رجعي منذ البداية ، وصار منذ نشوئه كالعقد الباطل، وألغيت جميع الآثار التي أنتجها من قبل، واعتبر كأن لم يكن. وهذه هي المرحلة الثانية للعقد القابل للإبطال، يكون فيها بمنزلة العقد الباطل ، على أن الحق في طلب إبطال العقد يزول بنزول صاحبه عنه، وهذه هي الإجازة، أو بانقضاء مدة معينة دون أن يستعمل، وهذا هو التقادم. فالعقد القابل للإبطال إذا، خلافا للعقد الباطل، تلحقه الإجازة، ويرد عليه التقادم، ثم هو يختلف عنه أيضا في بعض الأحكام عند تقرير البطلان.
من الناحية القانونية، فإن العقد القابل للإبطال ينتج آثاره ما لم يقض بإبطاله، وإذا قُضي بإبطاله اعتبر كأن لم يكن أصلا.
ومن ضمن الحالات التي تجعل العقد باطلا، أن يكون هناك تدليس أو غلط أو إكراه أو غيره. فوجود أي من هذه الحالات يجعل العقد قابلا للإبطال نظرا لأنه لم يتم برغبة ونية قانونية صحيحة؛ لأن التدليس، مثلا، يتم فيه عرض البضاعة بصورة غير سليمة وغير صحيحة بالرغم من أن من قدمها يعلم أنها غير سليمة وإضافة إلى أنه يعلم أن توضيح هذه الحقيقة قد لا تجعل الطرف الآخر يقبل التعاقد.
ومن هنا، يظهر سوء النية وعدم منح الطرف الآخر المعلومات الحقيقية والتعاقد بموجب تدليس يؤثر على سلامة العقد. وهذا أيضا، ينطبق على الحالات الأخرى المتمثلة في الإكراه والغلط في الوقائع وغيره من الحالات التي تجعل القبول غير مكتمل الأركان وتشوبه شوائب عديدة.
وإذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد ، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإبطال العقد إلا بناء على طلب صاحب الحق. وإذا قــام سبب الإبطال ، وتمسك به من تقرر لمصلحته ، تعين على المحكمة القضاء بإبطال العقد ، وذلك ما لم ينص القانون على خلافه .
ويزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية ممن له حق طلب إبطاله ، وتطهر الإجازة التي تتم العقد من العيب الذي انصبت عليه ، دون إخلال بحقوق الغير.
ويسقـط الحـق فـي إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات من وقت زوال سببه ما لم يقض القانون بخلافه . ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية ، من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب ، وفي حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ينكشف فيه ، وفي حالة الإكراه من يوم زواله ، وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت إبرام العقد.
و وفق القانون، يجــوز لـكل ذي مصلحة أن يعذر من لـه حق إبطال العقد بوجوب إبداء رغبته في إجازته أو إبطاله ، خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ، تبدأ من تاريخ استلام الإعذار من غير أن يترتب على ذلك أي أثر بالنسبة للمدة المقررة لسقوط الحق في الإبطال.
ولا يعتد بإعذار من لـــه حق طلب الإبطال بسبب الغلط أو التدليس أو الإكراه ، إلا إذا كان قد وجه بعد انكشاف الغلط أو التدليس أو زوال الإكراه . كما أنه لا يعتد بإعذار ناقص الأهلية ، إلا إذا كان قد وجه إليه بعد اكتمال أهليته.
فإذا انقضى الميعاد المحدد بالإعذار من غير اختيار ، اعتبر ذلك إجازة للعقد.
وهنا لا بد من التنويه، أن من بأتي للتعاقد عليه أن يكون سليم النية وأن يكون أمينا مع الطرف الآخر وعدم إكراهه أو غشه أو غير هذا من الأفعال المخالفة للقانون.
وعليه أن يعلم أن القانون يعطي الطرف الآخر الحق في المطالبة بإبطال العقد لأن العقد يكون قابلا للإبطال وفق رغبته بعد علمه بما حدث له أثناء التعاقد. وهكذا يوفر القانون، لمن يتم تدليسه أو إكراهه أو بحدوث الغلط ، الحق في إبطال العقد وما ينجم من ذلك من الأضرار والتعويضات اللازمة لذلك.
من الذي يتمسك ببطلان العقد ؟
العقد القابل للإبطال لم تتقرر قابليته للإبطال إلا لمصلحة أحد العاقدين، فهذا للعاقد وحده ، دون العاقد الأخر، هو الذي يجوز له أن يتمسك بالبطلان فإذا كان سبب القابلية للإبطال نقص الأهلية، تمسك بالبطلان ناقص الأهلية، وقد يكون كل من العاقدين ناقص الأهلية، فلكل منهما أن يتمسك بالبطلان. ولا يكون العقد لذلك باطلا بل يبقى قابلا للإبطال، فتصح إجازته ويزول بطلانه بالتقادم، ولو كان العقد باطلا لما جاز ذلك.
وإذا كان السبب هو عيب شاب الإرادة، فمن شاب إرادته العيب هو الذي يتمسك ببطلان العقد وفي بيع ملك الغير المشتري وحده هو الذي يتمسك بالبطلان.
ولا يستطيع أن يطلب إبطال العقد لا الدائن ولا الخلف العام ولا الخلف الخاص بمقتضي حق مباشر لهم. ولكن يستطيعون ذلك باعتبارهم دائنين للعاقد، فيستعملون حقه في طلب إبطال العقد عن طريق الدعوى غير المباشرة. كذلك لا تستطيع المحكمة أن تقضي بإبطال العقد من تلقاء نفسها إذا لم ينمسك بالإبطال المتعاقد ذو المصلحة.
متى يجوز التمسك بالبطلان ؟
ويجوز التمسك بالبطلان ما دام البطلان لم يسقط بالتقادم بانقضاء المدة المقررة ،ويجوز إبداء الدفع بالبطلان في أية حالة كانت عليها الدعوى على النحو الذي بيناه في العقد الباطل.
كيف يتقرر البطلان ؟
إذا لم يتم الاتفاق على إبطال العقد، فالعقد لا يبطل حتي برفع ذو المصلحة من المتعاقدين دعوى البطلان ويحصل على حكم بذلك.
إن حكم القاضي هو الذي يبطل العقد، أي أن هذا الحكم هو الذي ينشئ البطلان، ولا يقتصر على الكشف عنه كما في العقد الباطل، ولكن إذا رفعت دعوى الإبطال أو دفع به، ووجد القاضي سببه قائمة، فهو لا يملك إلا أن يبطل العقد، وليست له السلطة التقديرية التي يملكها في الفسخ .
ويتبين من ذلك أن المتعاقد ذا المصلحة إذا لم يستطع الاتفاق مع المتعاقد الآخر على إبطال العقد، فليس أمامه إلا أن يرفع دعوى البطلان ليحصل على حكم بإبطال العقد، ولا يجوز له أن يستقل بإعلان البطلان بإرادته المنفردة، كما أجاز ذلك كل من التقنين المدني الألماني وتقنين الالتزامات السويسري. فقد قضت الفقرة الأولى من المادة (143) من التقنين المدني الألماني بأن البطلان يتقرر بإعلان يتوجه إلى الطرف الآخر، وقضت المادة (31) من تقنين الالتزامات السويسري بأن العقد إذا شابه غلط أو تدليس أو إكراه يعتبر قد أجيز إذا كان الطرف الذي لا يلزمه هذا العقد سكت سنة دون أن يعلن للطرف الآخر تصميمه على إبطاله، أو دون أن يسترد ما دفعه ، وتسري السنة من وقت انكشاف الغلط أو التدليس أو من وقت زوال الإكراه .
أثر تقرير البطلان :
إذا تقرر بطلان العقد القابل للإبطال ، اعتبر كأن لم يكن، فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير ، فهو في هذا والعقد الباطل سواء .
بزول كل أثر للعقد فيما بين المتعاقدين، ويجب إرجاع كل شيء إلى أصله كما في العقد الباطل. فإذا كان العقد القابل للإبطال بيعة وتقرر بطلانه ، رد المشتري المبيع إلى البائع ورد البائع الثمن إلى المشتري، على التفصيل الذي قدمناه في العقد الباطل. وإذا كان العقد قابلا للإبطال النقص أهلية أحد العاقدين وتقرر بطلانه ، فإن ناقص الأهلية يسترد ما دفع تطبيقا للقواعد التي قدمناها. أما العاقد الآخر فلا يسترد من ناقص الأهلية إلا مقدار ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.
ويزول كل أثر للعقد أيضا بالنسبة إلى الغير. فإذا رتب المشتري بعقد قابل للإبطال على العين التي اشتراها حقا عينيا، كحق انتفاع، أو حق ارتفاق، ثم أبطل البيع، فإن البائع يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشتري، كذلك إذا باع المشتري العين من آخر، فإن البائع الأول بعد إبطال البيع الصادر منه يسترد العين من المشتري الثاني، وهذا عين ما قررناه في صدد العقد الباطل.
إجتهاد المحكمة العليا :
قرار رقم : 233625 بتاريخ : 17-01-2001
تدليس- تحايل إثباته - إلغاء البيع -تطبيق صحيح للمادة 86 من القانون المدني.
المبـدأ : يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد .
أن قضاة الموضوع بإلغائهم سند البيع مع إعادة الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ومنح تعويض للمطعون ضدها لكون الطاعنين ارتكبا تدليسا باستعمال حيلة لإبرام العقد فإنهم قد أحسنوا تطبيق المادة 86 من القانون المدني.
الخاتمة :
من خلال التحليل السابق نستنتج أن التدليس هو إيقاع المتعاقد في خطأ يدفعه إلى التعاقد. والتدليس يختلف عن الغش لأن التدليس إنما يكون أثناء تكوين العقد، أما الغش فقد يقع بعد نشوء العقد أو يقع خارج دائرة العقد، كذلك يختلف التدليس المدني عن التدليس الجنائي وهو النصب، لأن الطرق الاحتيالية في النصب عنصر قائم بذاته، وتكون عادة أشد جسامة من الطرق الاحتيالية المستعملة في التدليس المدني.
عند قيام التدليس يجوز طلب إبطال العقد للتدليس لمن جاء رضاءه نتيجة حيل وجهت إليه بقصد تغريره ودفعه إلى التعاقد، إذا أثبت أنه ما كان ليرتضي العقد على نحو ما ارتضاه عليه لولا خديعته بتلك الحيل. ويعتبر من قبيل الحيل الكذب في الإدلاء بمعلومات تتعلق بوقائع التعاقد.
يكون تقرير البطلان بدعوى البطلان، كما أنه ليس هنالك ما يمنع من التمسك بالبطلان في صورة رفع في دعوى قائمة إزاء ما تقدم، ونظرا أن تقرير البطلان يعني القضاء على التصرف القانوني واثاره، وما تترتب عليه من استثناءات وهو عدم زوال العقد بأثر رجعي في مواجهة الغير.
- باعتبار التدليس طرقا احتيالية فانه يجوز إثباته بكل وسائل الإثبات، ومتى أثبته المدلس عليه، جاز له إما المطالبة بابطال العقد أو التعويض فحسب، على اعتبار التدليس خطأ موجبا للمسؤولية، أو المطالبة بالإبطال أو التعويض معا.
المراجع :
علي فيلالي، " الالتزامات الفعل المستحق للتعويض "، الطبعة الثانية، موفر للنشر، الجزائر، 2007.
خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، عقد البيع ديوان المطبوعات الجامعية, 2003
عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الأول ، نظريـة الإلتزام بوجه عام ، مصادر الإلتزام ، دار إحياء الثرات العربي بيروت ، لبنان 1964.
الدكتور محمد حسنين، الوجيز في نظريـة الإلتزام ، مصادر الإلتزام وأحكامها في القانون المدني الجزائري ، المؤسسـة الوطنيـة للكتاب الجزائر 1983.
محمد شريف أحمد ، مصادر الالتزام في القانون المدني ، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، دار الثقافة للنشر و التوزيع لبنان،1999.
حسين عامر، التعسف في استعمال الحقوق وإلغاء العقود (الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 2 ، القاهرة 1998).
بلحاج العربي ، النظريـة العامـة للإلتزام في القانون المدني الجزائري ، الجزء الثاني ، الواقعة القانونيـة ، ديوان المطبوعات الجامعيـة الجزائر 1999.
محمد صبري السعـدي، شرح القانون المدني الجزائري ، مصادر الإلتزام ، الواقعـة القانونيـة ( العمل غير المشروع ، شبـه العقود والقانون ) الجزء الثاني، الديوان الوطني للأشغال التربوية الجزائر ، الطبعة الثانيـة 2004.