عقوبة الإمتناع عن دفع الغرامات المالية
للأحكام و القرارات القضائية في الجزائر
المبحث الأول جواز تنفيذ الأحكام الصادرة في الجنايات و الجنح التي تتضمن غرامات مالية عن طريق الإكراه البدني
المطلب الأول التنفيذ بالإكراه البدني و مدد الحبس القانونية المقررة وفق مقدار المبالغ المالية المحكوم بها
المطلب الثاني : الحالات التي أخرجها المشرع الجزائري من نطاق التنفيذ بواسطة الإكراه البدني
المبحث الثاني : الطرق المخولة للمحكوم عليه لإيقاف الإكراه البدني
المطلب الثاني : الطعن بالنقض على حكم الإدانة يوقف الإكراه البدني
المطلب الثاني : الطعن بالنقض على حكم الإدانة يوقف الإكراه البدني
المطلب الثالث : إثبات المحكوم عليه عسره المالي يوقف تنفيذ الإكراه البدني ضده
خاتمة
مقدمة :
إن صدور الحكم القضائي ضد أحد المتقاضين غير كافي للحصول علي الحقوق المحكوم بها في الحكم او القرار القضائي بل هو تأكيد لنظرية الحق فقط لذلك لابد من تنفيذ ذلك الحكم حتى يستفي صاحب الحق الحقوق التي قررها الحكم القضائي.
فقد يصدر حكم جزائي تجاه شخص معين يقضي بعقوبة سالبة للحرية مع غرامة مالية و تعويض للمضرور و كذا المصاريف القضائية؛ و مع ذلك يتم تنفيذ العقوبة القاضية بالحبس أو السجن فقط دون دفع مبلغ التعويض أو الغرامة المالية و حتى المصاريف القضائية .
و على هذا الأساس كرس المشرع الجزائري ضمانة جد مهمة من أجل تنفيذ الأحكام الجزائية و تأكيد مصداقيتها مجسدة في الإكراه البدني الذي يعتبر بمثابة وسيلة تهدد المحكوم عليه بالحبس في حالة إمتناعه عن أداء ما في ذمته من مبالغ مالية.
لكن المشكلة تكمن في الحالة التي يكون فيها المحكوم عليه غير قادر على الوفاء بالمبالغ المحكوم بها ضده أو أمواله تكون غير كافية لتغطية تلك الأموال التي مازالت على عاتقه.
فما مدى فعالية الإكراه البدني في تحصيل المحكوم له المبالغ الناشئة عن الجريمة تجاه المحكوم عليهم؟ و هل قدر المشرع الجزائري الظروف المادية للمحكوم عليهم غير القادرين على دفع المبالغ المحكوم بها ضدهم أثناء مباشرة التنفيذ عليهم بواسطة الإكراه البدني ؟
المبحث الأول : جواز تنفيذ الأحكام الصادرة في الجنايات و الجنح التي تتضمن غرامات مالية عن طريق الإكراه البدني
عند إمتناع المحكوم عليه من تنفيذ ما عليه من أموال بطريقة إختيارية تباشر ضده إجراءات التنفيذ من خلال تهديده بالإكراه البدني و هنا لابد من التمييز بين الغرامات المالية و المصاريف القضائية التي تتولاها مصلحة التحصيل و بين التعويضات المالية التي يطلبها المحكوم لصالحه. لكن هناك بعض من الحالات نص عليها المشرع الجزائري صراحة في قانون الإجراءات الجزائية لا يجوز الحكم فيها بالإكراه البدني أو إعماله على المحكوم عليه إطلاقا.
المطلب الأول : التنفيذ بالإكراه البدني و مدد الحبس القانونية المقررة وفق مقدار المبالغ المالية المحكوم بها :
سنتناول في هذا المطلب الجهة المخول لها مباشرة إجراءات النفيذ بواسطة الإكراه البدني و مدد الحبس المقررة للمحكوم عليه في الحالة التي لا يؤدي فيها ما عليه من إلتزامات مالية كما يلي :
الفرع الأول : الجهة المكلفة بإجراء الإكراه البدني :
الأصل أن الإكراه البدني تحدد مدته مباشرة من طرف الجهة القضائية الجزائية الناطقة بعقوبة غرامة أو رد ما يلزم رده أو تقضي بتعويض مدني أو مصاريف قضائية حسب مفهوم المادة 600 معدلة من قانون الإجراءات الجزائية إلا أنه قد يتم تطبيقه فيما بعد؛ أي بعد صدور حكم الإدانة الذي لم يحدد مدة الإكراه البدني، مع إشتراط صيرورة الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي فيه.
أولا : مصلحة تحصيل الغرامات المالية و المصاريف القضائية :
بالرجوع لأحكام المادة 597 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على أنه : " تتولى إدارة المالية تحصيل المصاريف القضائية و الغرامات ما لم ينص على خلاف ذلك في قوانين خاصة ".
لكن بعد صدور قانون المالية لسنة 2017 نجده قد عدل و تمم المادة 597 من قانون الإجراءات الجزائية أعلاه بموجب المادتين 107 و 108 حيث أن الفقرة 01 من المادة 107 تقر بأنه : " تتولى المصالح المختصة التابعة للجهات القضائية تحصيل مبلغ الغرامات و المصاريف القضائية في ظرف 6 أشهر من تاريخ تبليغ الإشعار بالدفع للمعني".
حيث يتضح من نص المادة الجديدة أن مهمة تحصيل المصاريف القضائية و الغرامات المالية تم توكيلها لمصلحة مختصة تابعة للجهة القضائية بعدما كانت تباشر من طرف إدارة المالية.
و لكي يسوغ لمصلحة التحصيل متابعة إستخلاص الأداء بكافة الطرق القانونية من مال المحكوم عليه؛ لابد من توفر مستخرج الحكم بالعقوبة و أن يكون حكم الإدانة حائزا لقوة الشيء المقضي به؛ و هذا ما أكدات عليه الفقرة 02 من نص المادة 107 أعلاه.
هذا و قد راعى المشرع الجزائري الظروف المالية للمحكوم عليه عندما قرر في نص المادة 108 من قانون رقم 16-14 التي إستحدثت المواد 597 مكرر 597 مكرر1 و 597 مكرر2، حيث مكنت المادتين الأخيرتين المحكوم عليه من تخفيض مقدر بنسبة 10% من قيمة الغرامة المحكوم بها عليه في حالة ما أراد تسديدها طوعا و حتى إمكانية تقسيط الغرامة بأمر غير قابل للطعن من رئيس الجهة القضائية لمكان إقامة المحكوم عليه؛ إذا ما قدم هذا الأخير طلب مبرر بعد إستطلاع النيابة.
و ينبغي على مصلحة التحصيل أن توجه تنبيه بالوفاء للمحكوم عليه ليسدد ما عليه في ظرف 10 أيام، و إن إنتهى الأجل دون جدوى تقدم تلك المصلحة طلبا إلى وكيل الجمهورية بغية حبس المحكوم عليه ليقوم بدوره بالإجراءات المقررة في تنفيذ الأوامر القضائية بالقبض، و هذا حسب ما نصت عليه المادة 604 من قانون الإجراءات الجزائية.
ثانيا : مباشرة المضرور التنفيذ بالإكراه البدني لإستيفاء تعويضه المالي :
في حالة ما أرتكبت جريمة ما و صدر حكم جزائي يقضي بتعويض المضرور بمبلغ ما لي معين من أجل جبر الضرر و إمتيع المحكوم عليه من أدائه ذلك التعويض إلى المجني عليه. فبمقدور الشخص المحكوم له أن يطالب بتنفيذ الإكراه البدني ضد الشخص المحكوم عليه.
و هذا ما كرسته
المادة 602 من قانون 18-06 و التي نصت على أنه : " تحدد مدة الإكراه البدني من قبل الجهة القضائية المنصوص عليها في المادة 600.
و عند الإقتضاء، بأمر على عريضة يصدره رئيس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو التي يقع في دائرة إختصاصها مكان التنفيذ بناء على طلب المحكوم له و إلتماسات النيابة العامة ...".
الفرع الثاني: مدة الحبس القانونية التي يواجها المحكوم عليه :
لقد حددت الفقرة 02 من المادة 602 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل لسنة 2018 على أن الغرامات و باقي الأحكام المالية من تعويضات و مصاريف قضائية المقدرة بـ 20.000 دج و لا تفوق 100.000 دج الممتنع تنفيذها تقابلها مدة حبس من يومين (02) إلى عشرة (10) أيام حبس.
و الغرامات و باقي الأحكام المالية التي تساوي 100.000 دج و لا تتجاوز 500.000 دج تقابلها مدة حبس من عشرة (10) أيام إلى عشرين (20) يوم.
تقرر مدة من عشرين (20) يوم إلى (02) شهرين حبس الذي يمتنع عن أداء المبالغ المقدرة بين 500.000 دج إلى 1.000.000 دج.
و تقرر مدة من شهرين (02) إلى أربعة أشهر (04) حبس على المحكوم عليه الذي يمتنع عن الوفاء بالمبالغ المقدرة بأكثر من 1.000.000 دج و لا تتجاوز 3.000.000 دج.
أما الغرامات و باقي المبالغ المالية التي تساوي من 3.000.000 دج و لا تزيد عن 6.000.000 دج الممتنع دفعها تقابلها مدة حبس من أربعة (04) أشهر إلى ثمانية (08) أشهر. أما أقصى مدة حبس في الإكراه البدني فهي سنة 01 واحدة إذا امتنع المحكوم عليه عن دفع المبالغ التي تزيد قيمتها عن 10.000.000 دج.
و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري خفض مدة الحبس مقابل رفع مقدار الغرامات و باقي الأموال المحكوم بهاء بعدما كانت مدة الحبس قبل تعديل قانون الإجراءات الجزائية جد مرتفعة مقارنة بقيمة الأموال المحكوم بها.
حيث أن أقصى مدة حبس كانت مقررة قبل التعديل القانوني، كانت من سنتين 02 إلى خمس سنوات 05 إذا كان مقدار الأموال المحكوم بها يزيد عن 000.000. 3 دج .
المطلب الثاني : الحالات التي أخرجها المشرع الجزائري من نطاق التنفيذ بواسطة الإكراه البدني :
لقد نصت الفقرة 02 من المادة 600 من قانون الإجراءات الجزائية على عدم جواز الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه في الحالات الآتية :
الفرع الأول : إذا كان المحكوم عليه يقل عمر عن 18 سنة أو بلغ 65 سنة :
في هذه الحالة إذا صدر حكم أو قرار جزائي ضد شخص كان عمره أقل من 18 سنة وقت ارتكاب الفعل المجرم و نص الحكم على غرامات مالية و مصاريف قضائية و كذا تعويضات مالية فلا يمكن للقاضي الذي أصدر الحكم أو القرار بأن يحكم بالإكراه البدني عليه و لا يمكن تطبيقه فيما بعد سواء من طرف هيئة التحصيل أو من الشخص المحكوم له.
كذلك الأمر بالنسبة للشخص المرتكب لفعل مجرم إذا كان يبلغ 65 سنة وقت صدور الحكم ضده؛ لا يمكن تحديد مدة الإكراه البدني و لا مباشرته فيما بعد إذا لم تحدد المدة؛ و هذا وفق ما أقرته المادة 600 من قانون الإجراءات الجزائية.
الفرع الثاني : في حالة الإدانة بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد :
كل شخص تمت إدانته بعقوبة الإعدام أو سالبة للحرية لدرجة السجن المؤبد لا يمكن الحكم عليه بالإكراه البدني و لا إعماله عليه فيما بعد.
و الحكمة من ذلك هو أنه لا فائدة من تهديد المحكوم عليه بأداء المبالغ المالية المحكوم بها ضده كونه تلقى عقوبة الإعدام، و نفس الشيء بالنسبة لعقوبة السجن المؤبد كون أنه سيبقى حياته كاملة في السجن فلا داعي للتنفيذ عليه بالإكراه البدني.
الفرع الثالث : عدم إمكانية الحكم بالإكراه البدني أو توقيعه ضد المدين لصالح أقاربه :
إذا كان المدين من أصول الدائن أو فروعه أو إخوته أو عمه أو عمته أو خالته أو أخيه أو أخته أو إبن أحدهما أو أصهاره من الدرجة نفسها لا يجوز الحكم بالإكراه البدنى أو تطبيقه عليه حسب مقتضيات المادة 600 معدلة من قانون الإجراءات الجزائية.
و هذا ما تم تأكيده في إجتهادات المحكمة العليا خاصة منها :
الحكم الصادر بتاريخ 2002-10-23 و الذي نص صراحة على أنه : " لا يجوز الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه في حالة ما إذا كان الشاكي عما للمتهم ".
لكن تجب الإشارة إلى أن المصاريف القضائية و الغرامات المالية المحكوم بها لا يمنع الحكم فيها بالإكراه البدني أو مباشرته و يستشفى ذلك في :
قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 1996-12-30 الذي قرر: " إذا كانت المادة 600 فقرة 5 من قانون الإجراءات الجزائية لا تجيز الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه ضد المدين لصالح زوجه فان الأمر مختلف في قضية الحال لأن الإكراه البدني المحكوم به لا يتعلق بالإسترداد أو التعويض المدني، و إنما يتعلق بالمصاريف القضائية، و متى كان ذلك فإن القرار الذي قضى بالإكراه البدني ضد المدعي في الطعن لم يخرق القانون " .
الفرع الرابع : حالة إرتكاب جريمة سياسية :
إذا أقدم شخص على فعل جريمة من الجرائم السياسية و تمت إدانته بواسطة حكم أو قرار جزائي؛ لا يمكن الحكم عليه بالإكراه البدني و لا حتى تطبيقه عليه وهذا حسب مفهوم المادة 600 (معدلة) من قانون الإجراءات الجزائية.
المبحث الثاني : الطرق المخولة للمحكوم عليه لإيقاف الإكراه البدني
لقد إهتم المشرع الجزائري بظروف السك عليهم المادية عند تعديله لقانون الإجراءات الجزائية. حيث أجاز للشخص المحكوم عليه بالإكراه البدني أن يوقفه مبدئيا بدفعه على الأقل نصف مجموع المبالغ التي حكمت عليه؛ و من ثم يكمل الباقي على شكل دفعات مجزئة خلال مدة زمنية يتم الاتفاق عليها أو من خلال الطعن بالنقض على الحكم الخاص بالإدانة .
و الأبعد من ذلك خول المشرع الجزائري للمحكوم عليه الذي لا دخل و لا أملاك له من وقف تنفيذ الإكراه البدني ضده.
إن هذا ما سنسعى لتوضيحه من خلال المطلبين التاليين على الشكل الآتي:
المطلب الأول : دفع المحكوم عليه مبلغ لا يقل عن نصف المبلغ المدان به من أجل إيقاف الإكراه البدني :
سنوضح المبلغ الجزئي الذي يدفعه المحكوم عليه من أجل إخلاء سبيله مؤقتا و ما الغاية التي جعلت المشرع الجزائري يكرس هذه الحالة، ضمن الحالات التي توقف التنفيذ بالإكراه البدني.
الفرع الاول : شرح حالة دفع مبلغ جزئي في سبيل إيقاف الاكراه البدني :
تقر المادة 609 من قانون 18-06 على أنه : " يمكن للمحكوم عليه بالإكراه البدني الذي يتعذر عليه تسديد المبلغ المدان به كاملا أن يوقف آثاره مؤقتا بدفع مبلغ لا يقل عن نصف المبلغ المدان به مع الالتزام بأداء باقي المبلغ كليا أو على أقساط، في الآجال التي يحددها وكيل الجمهورية و بعد موافقة طالب الإكراه البدني .
و يفرج وكيل الجمهورية عن المدين المحبوس بعد التحقق من توفر الشروط المنصوص عليها في هذه المادة.
الفرع الثاني : الغاية من عدم دفع المحكوم عليه المبالغ كليا :
هذا الإجراء (دفع جزء من المبالغ) سيسهل الأمر بالنسبة للمحكوم عليه بدفعه مبلغ يكون على الأقل يشكل نصف المبلغ الذي هو في عاتقه حتى يتم الإفراج عليه، بشرط أن يكمل ما تبقى له من مبالغ في ذمته بعد خروجه من السجن.
و هذه المبالغ المتبقية يتم أداؤها كليا أو على شكل أقساط في مدة قانونية يحددها وكيل الجمهورية؛ شريطة أن يقبل بها المحكوم لصالحه أي طالب الإكراه البدني.
فما يمكن إستنتاجه من المادة 609 من قانون 18-06 هو أن المشرع الجزائري قدر الظروف المالية للمحكوم عليه من خلال إعتقاده بعدم قدرته على الوفاء كليا و مباشرة.
لذلك أقر بنظام التقسيط كسبيل للإفراج على المحكوم عليه، بعدما كان في القانون السابق، أي قبل التعديل ينص على دفع مبلغ كاف للوفاء حتى يتم تدارك و وقف الإكراه البدني حسب مفهوم المادة 609 من قانون الإجراءات الجزائية القديم.
المطلب الثاني : الطعن بالنقض على حكم الإدانة يوقف الإكراه البدني :
سنحاول تبيان حالة الطعن بالنقض كحالة موقفة للتنفيذ بالإكراه البدني و الغاية من ذلك.
الفرع الأول : المقصود من الطعن بالنقض يوقف الإكراه البدني :
بالرجوع لأحكام الفقرة 03 من المادة 599 من قانون 18-06 نجدها تنص على أن : " الطعن بالنقض يوقف تنفيذ الإكراه البدني ".
فيعتبر الطعن بالنقض على حكم الإدانة هو إجراء مؤقت لوقف تتفيذ الإكراه البدني إلى غاية الفصل في الطعن بالنقض فإن تم رفض الطعن بالنقض فهنا يمكن مباشرة التنفيذ بواسطة الإكراه البدني.
الفرع الثاني : الحكمة من أن الطعن بالنقض يوقف التنفيذ بالإكراه البدني :
لا يمكن للمضرور أن يسعى لتنفيذ ما حكم لصالحه من مبالغ تعويضية مادام أن الحكم تم الطعن فيه بالنقض لأن هذا الإجراء الأخير أي الطعن بالنقض من شأنه أن يحيل القضية من جديد إلى الجهة القضائية الأولى و التي قد تصدر حكما جديدا مغاير للأول و غير في صالح المضرور.
و نفس الشيء ينطبق على مصلحة التحصيل التابعة للجهة القضائية المصدرة لحكم الإدانة، لا يمكنها مباشرة إجراءات التنفيذ ضد المحكوم عليه، في الحالة التي يتم الطعن بالنقض على الحكم الجزائي .
المطلب الثالث : إثبات المحكوم عليه عسره المالي يوقف تنفيذ الإكراه البدني ضده :
لقد منح المشرع الجزائري المحكوم عليه سلطة وقف الإكراه البدني إذا كان غير قادر على أداء ما عليه من مبالغ مالية مستتدا في ذلك على أحكام الشريعة الإسلامية بقول الله عز وجل في محكم التنزيل: { و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة..} سورة البقرة الآية 280.
لكن هذه الصلاحية غير متاحة في كافة الأفعال المجرمة التي يرتكبها الجاني كما سوف نوضحه.
الفرع الأول : القاعدة العامة عن حالة المحكوم عليه المعسر :
تنص المادة 603 من قانون 18-06 على أنه : " يوقف تنفيذ الإكراه البدني لصالح المحكوم عليه الذي يثبت لدى النيابة عسره المالي ".
فبعدما كان يشترط المشرع الجزائري من المحكوم عليه المعسر أن يثبت عسره من خلال وثيقة معوز يسلمها له رئيس المجلس الشعبي البلدي أو بواسطة شهادة الإعفاء من الضريبة يقدمها له المكلف بالضريبة،
أصبح المحكوم عليه في ظل تعديل قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2018 حر في إثبات عدم قدرته على دفع ما في عاتقه من مبالغ مالية، أي أن المشرع لم يقيده كما كان من قبل تعديل قانون الإجراءات الجزائية السابق أي قبل تعديله.
لكن هذه الحرية الممنوحة من قبل المشرع الجزائري في سبيل إثبات العسر المالي، تقابلها حتما حرية للنيابة العامة في تقدير مدى صحة الوسيلة المقدمة إليها من أجل إيقاف الإكراه البدني من عدمه، و ذلك من خلال قيامها بالتحقق من صحة الوثيقة المقدمة لدفع أي تحايل و حماية للحقوق.
فإن ثبت للنيابة عقب إجراءات البحث و التحري أن المحكوم عليه فعلا معسر فلا يمكن إخضاعه للإكراه البدني؛ أما عكس ذلك كأن يتبين لها أنه موسر فينبغي تطبيق الإكراه البدني عليه بقدر الأموال المحكومة ضدة.
الفرع الثاني : الجرائم التي تمنع وقف تنفيذ الإكراه البدني تجاه المحكوم عليه المعسر :
إذا ارتكب شخص ما أحد الجرائم المحددة في الفقرة 02 من المادة 603 من قانون 18-06 فإن حالته المعسرة لا تكون مجدية في إيقاف تنفيذ الإكراه البدني حيث نصت الفقرة 02 على أنه : " لا يستفيد من أحكام الفقرة الأولى المحكوم عليه بسبب جناية أو جنحة إقتصادية أو أعمال الإرهاب و التخريب أو الجريمة العابرة للحدود الوطنية و كذا الجنايات و الجنح المرتكبة ضد الأحداث ".
و هذه الفقرة 02 أعلاه هي بمثابة إستثناء عن الفقرة الأولى من أحكام المادة 603 من قانون 18-06.
و حسب مفهوم الفقرة 02 أعلاه هو أن الجنح و الجنايات ذات الطابع الاقتصادي أو الإرهابي أو التخريبي أو العابرة للإقليم الجزائري و كذا المرتكبة ضد الأحداث، لا تمكن مرتكبها من وقف التنفيذ بالإكراه البدني تجاهه من خلال إثباته للعسر المالي.
و المغزى من ذلك هو خطورة تلك الجرائم و جسامتها و تقدير المشرع الجزائري أنها ستحقق عائدات مالية كبيرة؛ فلا يمكن لشخص ارتكب جنحة أو جناية إقتصادية أن ينبت للنيابة بأنه معسر فمن المنطقي أن يكون موسر نتيجة الفعل الإجرامي الذي قد حقق له عائد مالي.
نستنتج من خلال ورقتنا البحثية هذه أن :
- المشرع الجزائري أحدث تعديلات جوهرية جديدة من خلال قانون 18-06 المعدل لقانون الإجراءات الجزائية و كذا قانوني المالية رقم 16-14 و رقم 18-13 أبرزها تخفيض المدد القانونية للحبس التي تقابل مجموع الأموال المحكوم بها ضد الشخص المدان.
- كما خول المحكوم عليه سلطات تمكنه من إيقاف الإكراه البدني كما هو الحال بدفعه المبالغ الصادرة ضده على شكل دفعات شرط أن يدفع في البداية نصف مبلغ مجموع المبالغ التي في عاتقه؛ و هذا دليل على مراعاة المشرع الجزائري للإمكانيات المادية للمحكوم عليهم.
- و الأبعد من ذلك مكن المشرع الجزائري المحكوم عليهم المعسرين من وقف تنفيذ الإكراه البدني من خلال تقديمهم لدليل يثبت إعسارهم دون إشتراط شكل معين لذلك الإثبات، بإستشاء بعض الجرائم الذين يرتكبونها و المتعلقة بالاقتصاد و الإرهاب و التخريب، الجريمة العبرةللحدود الوطنية و المرتكبة ضد الأحداث.
- كما أنه بالرجوع لقانون المالية رقم 16-14 لسنة 2017 نجد أن المشرع الجزائري استحدث مصلحة مختصة تابعة للجهة القضائية مكلفة بتحصيل الغرامات المالية و المصاريف القضائية بعدما كانت مسندة لإدارة المالية، و هذا الإجراء من شأنه أن يقلص فترة إجراءات التحصيل و التي كانت أطول سابقا.
- هذا و قد راعى المشرع الجزائري الظروف المالية للمحكوم عليه عندما قرر في نص المادة 108 من قانون رقم 16-14 التي مكنت المحكوم عليه من تخفيض مقدر بنسبة 10 ٪ من قيمة الغرامة المحكوم بها عليه في حالة ما أراد تسديدها طوعا و حتى إمكانية تقسيط الغرامة بأمر غير قابل للطعن من رئيس الجهة القضائية لمكان إقامة المحكوم عليه، إذا ما قدم هذا الأخير طلب مبرر بعد استطلاع النيابة.
هذه الإجراءات الجديدة المكرسة في قانون 18-06 من شانها أن تعزز حقوق و حريات المحكوم عليهم في المواد الجزائية من جهة، و في المقابل تضمن للمحكوم لهم اقتناص أموالهم سواء كانوا تابعين لإدارة المالية أي المصلحة الجديدة المكلفة بتحصيل الغرامات المالية و المصاريف القضائية، أو كانوا أشخاص مضرورين من خلال مباشرتهم لإجراءات التنفيذ بالإكراه البدني أمام رئيس الجهة الناطقة بحكم الإدانة أو رئيس الجهة القضائية محل التنفيذ. خاصة و أن المشرع الجزائري اشترط طلب موافقتهم على اقتناص أموالهم بالتقسيط.
أما بخصوص الاقتراحات نوصي في هذا الشأن :
بضرورة مراجعة المدة القانونية المقابلة لمقدار المبالغ الناشئة عن الجريمة؛ باعتبار أن المشرع الجزائري أفرط بعض الشيء في تخفيض مدد الحبس مقارنة بالمبالغ المالية المحكوم بها لان بقاء تلك المدد القانونية الخاصة بالحبس من شانه أن يهدر حقوق المحكوم لفائدتهم.
خاتمة :
إن الأحكام القضائية المعنية بهذا الإجراء هي الأحكام و القرارات القضائية الحائزة على قوة الشيء المقضي به (التي استنفذت طرق الطعن العادية المعارضة و الاستئناف و غير العادية و تتمثل في الطعن بالنقض).
تقوم مصلحة تنفيذ العقوبات بإعداد مستخرجات الأحكام و القرارات و الأوامر النهائية التي استوفت أجال الطعن القانونية و التي تكون قابلة للتحصيل و التي تتضمن غرامات و مصاريف ثم تقوم بإرسالها الى الموظف المكلف بعملية التحصيل.
يقوم أمين ضبط الجهة القضائية التي يقع ضمن دائرة اختصاصها مكان إقامة المحكوم عليه و المكلف بالتنفيذ بإرسال إشعار بالدفع الى المعني غير أنه يمكن للمعني أن يقوم بالدفع لدى أي جهة قضائية على مستوى الإقليم الجزائري.
للمحكوم عليه مهلة ستة أشهر للتنفيذ تسري من تاريخ توصله بالإشعار بالدفع.
إذا قام المحكوم عليه بالوفاء خلال 30 يوما من تاريخ تبليغه بالإشعار بالدفع يخول له الحق في الاستفادة من تخفيض قدره 10 بالمائة من قيمة الغرامة المحكوم بها في حالة تسديده باختياره خلال 30 يوما.
-يمكن دفع الغرامة بالتقسيط بناء على طلب المعني إذا كان له ما يبرره بناء على أمر من رئيس الجهة القضائية المختصة بالتحصيل و في حال عدم احترام جدول التسديد تقوم النيابة العامة بتحصيل المبلغ كاملا و بدون أجل فإذا كان التحصيل أمام المحكمة يتم توجيه الطلب الى رئيس المحكمة و إذا كان التنفيذ أمام المجلس القضائي وجه الطلب الى رئيس المجلس القضائي.
كذلك بعض الأحكام الخاصة بالتحصيل :
كمستخرج الحكم بالعقوبة يسمح بمتابعة استخلاص الأداء بكل الطرق من مال المحكوم عليه بما فيها الحجز و الإكراه البدني.
لا يمكن طلب رد الاعتبار إلا بعد دفع المصاريف و الغرامات و التعويضات المدنية التي قضى بها الحكم القضائية على المحكوم عليه.
لا يجوز تنفيذ الاكراه البدني على المحكوم عليه بالمصاريف القضائية إذا كان المبلغ يقل عن عشرين ألف (20.000 دج ).
يجوز للمحكوم عليه بالمصاريف القضائية أ يوقف تنفيذ الاكراه البدني بعد أن يثبت لدى النيابة عسره المالي و بأي وسيلة كانت .
المراجع :
النصوص القانونية :
- الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966 ، الذي يتضمن قانون الإجراءات الجزائية، المعدل و المتمم في سنة 2007، الجزائر.
- الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون العقوبات، المعدل و المتمم سنة 2015، الجزائر.
- قانون رقم 16-14 مؤرخ في 28 ربيع الأول عام 1438 الموافق 28 ديسمبر سنة 2016، يتضمن قانون المالية لسنة 2017، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية / العدد 77 من سنة 2016.
- قانون رقم 18-06 مؤرخ في 25 رمضان عام 1439 الموافق 10 يونيو سنة 2018، يعدل و يتمم الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966 و المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية /العدد 34 من سنة 2018.
- قانون 18-13 مؤرخ في 27 شوال عام 1439 الموافق 11 يوليو سنة 2018، يتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2018، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية /العدد 42 من سنة 2018.
2- المؤلفات :
- نبيل عمر و أحمد هندي، التنفيذ الجبري ( قواعده و إجراءاته)، دون طبعة، الدار الجامعية الجديدة، الإسكندرية، 2003.
- جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المادة الجزائية الجزء الأول، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الأولى، الجزائر، 1996.
- مخلوف بلخضر، قانون الإجراءات الجزائية، دار الهدى، دون طبعة، الجزائر، 2008.
عثماني عبد الرحمن
دنون محمد بلبنة