الدفع بالبطلان يعتبر من الدفوع الشكلية وقد نصت عليه المواد 60 و 61 و 62 و 63 و 64 و 65 و 66 من قانون الاجراءات المدنية والادارية. نص المادة 60 ق ا م ا : { لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا ، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك ، وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه }.
الشرح :
ما يلاحظ أن إجراءات سير الخصومة القضائية ليست كلها بالأهمية التي يترتب على مخالفتها الجزاء الإجرائي، فهناك إجراءات حتى وان كانت معيبة تكون قابلة للتصحيح والتنازل عنها ولا تتأثر الخصومة بمخالفتها، هناك إجراءات ذات أهمية استوجب المشرع احترامها تحت طائلة الجزاء الإجرائي ولا يمكن تصحيحها لكونها جوهرية ونص عليها في العديد من المواد باستعماله مصطلح (يجب) وأعطى صلاحية للقاضي في غير ما نص عليه لتطبيق الجزاء الإجرائي على مخالفة القاعدة كلما تبين له تعلق المخالفة بقاعدة جوهرية.
تعريف الدفع بالبطلان :
يضع القانون نموذجا للعمل الإجرائي ينبغي إتباعه ، فإذا تمت مخالفة هذا النموذج فإن العمل يصبح معيبا و يوصف بأنه باطل ولا ينتج أثاره التي يرتبها القانون ، فالمشرع يسعى من خلال ترتيب البطلان كجزاء إلى ضمان سير العدالة وتفاديا من تعسف القضاء وصيانة لحقوق الأفراد ، فالبطلان وسيلة فعالة لحسن سير الخصومة. أولا : لغة : بطل الشيء : يبطل بطلان بمعنى ذهب ضياعا و خسرا فهو باطل. ثانيا : اصطلاحا : هو جزاء يرتبه المشرع أو تقضي به المحكمة بغير نص إذا افتقد العمل القانوني لأحد الشروط الشكلية المطلوبة لصحته قانونا ويؤدي هذا الجزاء إلى عدم إنتاج الأثار التي يرتبها القانون إذا كان صحيحا.
كما يعرفه البعض " التمسك ببطلان أوراق المرافعات أو إجراءاتها لعدم مطابقتها للأوضاع التي نص عليها القانون أو لنقص كل أو بعض البيانات الجوهرية الواجب اشتمالها عليها أو بلغت في غير المواعيد.
وعليه فالبطلان هو وصف يلحق بالعمل القانوني و يمنع ترتيب الآثار أصلا على مثل هذا العمل و القانون عادة يحدد عناصر العمل و الشروط الواجب توافرها فيه لإنتاج الآثار التي تترتب على القيام به واذا لم تتوافر هذه العناصر فإن العمل يعتبر باطلا.
- نص قانون الاجراءات المدنية الادارية على اجراءات يتعين اتباعها تحت طائلة البطلان ونص في المادة 60 منه على انه لا يقرر بطلان الاعمال الاجرائية شكلا الا اذا نص القانون على ذلك وعلى من يتمسك به ان يثبت الضرر اللاحق به يتضح لنا وان المشرع الجزائري لم يرتب على مخالفة الاجراءات من خلال قراءة هذه المادة البطلان المطلق وانما اوقف ابطالها على تمسك الاطراف بها مع اثباتهم الضرر اللاحق بهم ويتعين اثارة الدفع ببطلان الاعمال الاجرائية شكلا خلال القيام بها وذلك قبل تقديم أي دفاع في الموضوع ( المادة 61) لاحقا للعمل المشوب بالبطلان دون اثارته وهنا يجوز للقاضي ان يمنح اجلا للخصوم لتصحيح الاجراء المشوب بالبطلان بشكل يرفع كل ضرر على ان يسري اثر هذا التصحيح من تاريخ الاجراء المشوب بالبطلان واذا كان المشرع لم يحصر حالات الدفع بالبطلان المقرر لمصلحة الخصوم وجعله يتعلق بكل مخالفة للأحكام القانونية فانه حدد حالات البطلان المطلق على سبيل الحصر في المادة 64 ق إ م إ وحصرها في انعدام الاهلية سواء للشخص الطبيعي او المعنوي ومنح للقاضي حق اثارتها تلقائيا دون الحاجة للدفع بها كما يجوز له ان يثير تلقائيا انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي او المعنوي .
وعليه نستنتج من خلال ما سبق بيانه واستنادا الى نص المادة 49 ق ام إ، إن القاضي يفصل في الدفع الشكلي إما بعدم صحة الاجراءات، او بانقضاء الخصومة او بوقفها وان كان المشرع قد حدد صراحة الدفوع الشكلية السابق اذكرها الا ان هناك انواع اخرى للدفوع الشكلية تستشف من نص المادة 49 ق ام إ وهي التي ترمي الى التصريح اما :
- بعدم صحة الاجراءات
- أو بانقضاء الإجراءات (سقوط الخصومة م 222).
-او بوقف الاجراءات ( وقف الخصومة طبقا للمواد 213 وما يليها من نفس القانون ).
1- انقضاء الخصومة :
ورد النص على انقضاء الخصومة في الفصل الرابع من الباب السادس المتعلق بعوارض الخصومة حيث نص في المادة 220 ق ام إ على ان الخصومة تنقضي تبعا لانقضاء الدعوى بالصلح او بالقبول بالحكم او بالتنازل على الدعوى ، كما يمكن ان تنقضي بوفاة احد الخصوم ما لم تكن الدعوى قابلة للانتقال .
وقد فرق المشرع بين الانقضاء بسبب انقضاء الدعوى وانقضاء الخصومة كأصل وذلك سبب سقوطها او التنازل عنها طبقا لنص المادة 221 ق ام إ وفي هذه الحالات لا مانع من رفع الدعوى مجددا ما لم تكن الدعوى قد انقضت لأسباب اخرى. 2- سقوط الخصومة :
وتسقط الخصومة نتيجة تخلق الخصوم عن القيام بالمساعي اللازمة حين يجوز تقديم طلب السقوط ، اما عن طريق دعوى او عن طريق دفع يثيره احد الخصوم قبل انه مناقشة في الموضوع المادة 222 ق ا م ا وتسقط الخصومة بمرور سنتين تحسب من تاريخ صدور الحكم او امر القاضي الذي كلف احد الخصوم القيام بالمساعي وتتمثل المساعي في كل الاجراءات التي تتخذ بهدف مواصلة القضية وتقدمها (المادة 223).
اثر سقوط الخصومة : لا يؤدي سقوط الخصومة طبقا لنص المادة 226 الى انقضاء الدعوى انما يترتب عليه انقضاء الخصومة وعدم الاحتجاج باي اجراء من اجراءات الخصومة المنقضية او التمسك به 3- وقف الخصومة :
نصت المادة 213 ق ا م ا على ان الخصومة توقف وذلك في حالتين :
إما بإرجاء الفصل فيها او شطبها من الجدول
وقد سبق لنا بيان الدفع بإرجاء الفصل باعتباره دفعا شكليا اما الشطب فلا علاقة له بموضوع الحال وعليه لن تفصل فيه وفي الاخير سنتناول الدفع بعدم القبول نظرا لتميزه وما يثيره من مسائل قانونية.
أنواع البطلان :
باستقراء مواد قانون الإجراءات المدنية و الإدارية نجد أن المشرع نص على نوعين من الدفع بالبطلان : أولا- الدفع بالبطلان الذي هو من النظام العام :
و هو المتعلق بقواعد الاختصاص النوعي فانه يثار في أي وقت ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا كعدم إطلاع النيابة على القضايا المحددة في المادة 36 من القانون 08-09 التي نصت على أن ( الاختصاص النوعي من النظام العام تقضي به الجهة القضائية تلقائيا في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ) إضافة إلى ما نص عليه المشرع بالمادة 64 فيما يخص إلزامية إثارة القاضي انعدام الأهلية تلقائيا.
يعتبر البطلان من النظام العام إذا ترتب عن مخالفة قاعدة مقرة لحماية المصلحة العامة، إذ أن فكرة النظام العام تعبر عن ضرورة حماية المصلحة العليا للمجتمع ، ولما كانت القواعد التي تحمي المصلحة العليا للمجتمع في مجتمع ما متغيرة ، من الصعب تحديد ما يتصل مباشرة بالنظام العام ؛ فتختلف القواعد التي تحكم كل نوع من أنواع البطلان عن الأخرى، فإذا كانت المصلحة عامة كان البطلان متعلق بالنظام العام أي كل الحالات التي تتعلق بحسن سير مرفق القضاء كتشكيل المحكمة و علنية الجلسات، وتمكين الأطراف من حق الدفاع أو صحة تمثيلهم.
ومن أمثلة ذلك البطلان المترتب في حالة عدم صدور الأحكام القضائية باللغة العربية طبقا لنص المادة 8 فقرة 4 ق ا م ا تصدر الأحكام باللغة العربية؛ تحت طائلة البطلان المثار تلقائيا من القاضي.
وأيضا ما جاء في نص المادة 65 ق ا م ا يثير القاضي تلقائيا انعدام الأهلية...".
نخلص من مضمون نص المادتين أن للقاضي صلاحية إثارة مسألة انعدام (الأهلية أو صدور الأحكام القضائية بغير اللغة العربية) بصفة تلقائية ، وهو ما يعني أن هذا النص من النظام العام.
ومنه تمسك المشرع الجزائري بفكرة البطلان لصالح النظام العام الذي يحق للمحكمة أن تحكم به ، كالقواعد الإجرائية المتعلقة بالخصوم وأهليتهم أو صحة تمثيلهم.
إن التطبيق الفعلي للقاعدة يستلزم في كل الحالات البحث عما إذا كان عنصر النظام العام متوفرا أم لاء ففكرة النظام العام مرنة بطبيعتها غير قابلة للتحديد ،و هذا ما يفرض قراءة و تمعن النصوص القانونية بحذر لمعرفة نية المشرع عند إقراره لإجراء معين .
وتأكيدا لذلك أصدرت المحكمة العليا قرار بتاريخ 19-03-1990 جاء فيه ما يلي :
" من المبادئ المقررة قانونا أن القاضي لا يمكن له أن يثير تلقائيا إلا أوجه البطلان أو عدم صحة الإجراءات المخالفة للنظام العام ، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون.
ولما كان من الثابت -في قضية الحال - أن قضاة المجلس باعتمادهم لرفض الاستئناف شكلا على أوجه بطلان أو عدم صحة إجراءات في مجملها ليست من النظام العام لم يعطوا لقرارهم الأساس القانوني ".
كما نصت أيضا في قرار آخر لها صادر في 30-04-1990 مؤداه ما يلي:
"من المقرر قانونا أنه إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام؛ فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه.
ولما كان ثابتا - في قضية الحال - أن المجلس القضائي لما قضى بعدم قبول الاستئنافين الذين قدمهما الطاعن بحجة عدم توقيع عريضته الأولى وعدم إدخال الوالي في العريضة الثانية بالرغم من أن هذا الإجراء ليس من النظام العام يكون بقضائه كما فعل قد خالف القانون ".
ثانيا - البطلان المتعلق بالمصلحة الخاصة (البطلان النسبي) :
يعتبر البطلان خاصا إذا ترتب على مخالفة قاعدة مقررة لحماية مصلحة خاص لأحد الخصوم ويمكن القول أن غالبية الأشكال في قانون المرافعات مقررة للمصلحة الخاصة ومثالها كل الحالات المتعلقة بإجراءات الدعوى، بدءا من إجراءات تكليف الخصم بالحضور للجلسة المقررة إلى إجراءات السير فيها وما يتخللها من عوارض أثناء سير الخصومة.
القانون الجديد 08-09 بالمادة 64 فقرة 04 بطلان التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي نلاحظ أن المشرع الجزائري في تقريره للبطلان أخذ بعين الاعتبار القيمة الإجرائية للإجراء القضائي في إطار حسن سير الخصومة.
ينقسم الجزاء الإجرائي إلى بطلان متعلق بالنظام العام (البطلان المطلق) و بطلان متعلق بالمصلحة الخاصة (البطلان النسبي) ، ومناط تنوع البطلان هو المصلحة التي قصد المشرع حمايتها ، وهل هي عامة أو خاصة؛ ذلك أن معيار المصلحة العامة المتعلقة بفكرة النظام العام معيار نسبي وهذا نظرا لنسبة فكرة النظام العام في حد ذاته ويؤدي هذا إلى أن البطلان المقرر جزاء لمخالفة قاعدة من القواعد التي تتعلق بالنظام.
ثالثا : التمييز بين البطلان الخاص و البطلان العام :
تختلف القواعد التي تحكم كل نوع من أنواع البطلان عن الأخرى فيما يلي :
1- إذا كان البطلان خاصا فلا يجوز أن يتمسك به إلا الخصم الذي شرع البطلان لمصلحته، فالمعلن إليه وحده هو الذي يتمسك ببطلان الإعلان بسبب تخلف بيان من بياناته، فإذا تعدد المدعي عليهم و كان الإعلان لأحدهما معيب فلا يجوز أن يتمسك بالبطلان إلا المدعي عليه الذي كان إعلانه معيبا.
2- إذا كان البطلان خاصا فلا يجوز للنيابة العامة التمسك به و لو كانت عضوا متدخلا في الخصومة؛ أما إذا كان البطلان عاما فيجوز للنيابة العامة إذا كانت متدخلة في الدعوى في التمسك ببطلان العمل الإجرائي.
3- إذا كان البطلان خاصا، فإن التمسك به يعتبر من الدفوع الإجرائية و لذا يجب إبداؤه قبل أي طلب أو دفاع في موضوع الدعوى أو دفع بعدم القبول و إلا سقط الحق في إبداءه، أما إذا كان البطلان عاما، فيجوز التمسك به في أي حالة كانت عليها الإجراءات وأمام أي درجة من درجتي التقاضي.
4- إذا كان البطلان خاصا فإنه يزول إذا تنازل عنه صراحة أو ضمنا الخصم الذي شرع لمصلحته، أما إذا كان البطلان عاما فلا يجوز التنازل عنه.
إجراءات الدفع بالبطلان و المتمسك به :
فالدفع بالبطلان يخضع للقواعد العامة المطبقة على الدفوع، ولكن باعتبار أن أعمال الإجراءات تباشر وتبلغ طوال سير الخصومة، فإنه يخضع لبعض القواعد التي تتسم بالمرونة، و يثار هذا الدفع شكلا خلال القيام بها ولا يعتد به إذا قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع اللاحق للعمل الإجرائي المنسوب بالبطلان دون إثارته.
كما يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الإجراء المنسوب بالبطلان بشرط عدم بقاء أي ضرر بعد التصحيح، يسري أثر هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المنسوب بالبطلان.
بعد أن تناولنا في الفصل الأول مفهوم البطلان الناتج عن تخلف العناصر الشكلية و الموضوعية للعمل الإجرائي، وتمييزه عما يشابهه من جزاءات أخرى، و كذا أنوعه.
اعتبر المشرع في ق ا م ا الدفع بالبطلان من الدفوع الشكلية، يخضع للقواعد العامة التي تحكم مختلف هذه الدفوع ؛ وقد ميز المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي بين البطلان لعيب في الشكل (م 61 62 63) أو لبطلان لعيب في الموضوع (م64،65) وسوف نتعرض في البداية إلى التمسك بالبطلان من ناحية الشخص الذي يتمسك به.
المتمسك بالدفع بالبطلان :
لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه؛ وهي قاعدة قديمة تنتمي بجذورها للقانون القديم الذي كان يقرر أنه ليس لأحد أن يفيد من باطل صدر عنه؛ وتمثل هذه القاعدة الآن مبداً مستقرا عليه لا يحتاج إلى التصريح للعمل به؛ و يمكن اعتبار هذا المبدأ بمثابة إحدى وسائل الحد من البطلان ذلك أن الإجراء يقع باطلا ولكن لا تحكم المحكمة ببطلانه رغم إثارة أحد الخصوم لذلك، و يعتبر هذا الإجراء و كأنه إجراء صحيح.
بالتالي يجب أن نميز بين البطلان المقرر لحماية مصلحة خاصة؛ فيتقرر الحق في التمسك به لصاحب هذه المصلحة وحده، فليس لغيره أن يتمسك به سواء كان هذا الغير من الخصومة أو النيابة العامة أو القاضي نفسه في حالة عدم النص على نوع البطلان يجب الرجوع إلى إرادة المشرع لمعرفة ما إذا كان البطلان يهدف إلى حماية المصلحة الخاصة وهذا ما ستتناوله ( فرع أول) ثم سنتطرق إلى البطلان المتعلق بالمصلحة العامة ( فرع ثان) . 1- البطلان المتعلق بالمصلحة الخاصة :
إن البطلان النسبي يتطلب بالضرورة التمسك به من طرف من له الحق في ذلك، فهو صاحب المصلحة وهو نفسه الذي بإمكانه التنازل عنه (أولا) كما أن من كان سببا في البطلان لا يجوز التمسك به (ثانيا). أ- الحق في التمسك بالبطلان لمن شرع لمصلحته :
القاعدة في التمسك بالبطلان هو أنه لا يجوز أن يتمسك به إلا لمن قرر لمصلحته، ومقتضى ذلك أن البطلان المتعلق بالمصلحة الخاصة لا يجوز أن يتمسك به إلا من شرع هذا البطلان لمصلحته.
إذ لصاحب هذه المصلحة وحده حق التمسك به، فإن لم يكن ذلك فليس لغيره ولا النيابة العامة الحق بالتمسك به، كما لا يكون للقاضي الناظر في الدعوى حق إثارته من تلقاء نفسه، فمثلا لا يجوز لمن تقرر إعلانهم من الخصوم التمسك ببطلان إعلان غيرهم في نفس الدعوى، ولمعرفة صاحب المصلحة نرجع دائما إلى نية المشرع في الإجراء المشوب بالعيب. ب- المتسبب في البطلان لا يجوز له التمسك به :
ليس لمن كان سببا في بطلان العمل الإجرائي أن يتمسك به، ولو كانت القاعدة المخالفة مقررة لمصلحته، و يستوي في ذلك أن يكون المتسبب في البطلان هو الخصم نفسه أو شخص أخر يعمل لحسابه كالمحامي أو المحضر أو النائب القانوني؛ كما لا يشترط لذلك أن يقع من الشخص غشا أو خطأً أو أن يكون فعله هو السبب الرئيسي أو الوحيد أو العادي أو المباشر وانما يكفي أن تقوم بين عمله وبين العيب الذي لحق الإجراء رابطة سببية.
وأساس هذه القاعدة هو أنه من تسبب في الخطأ لا يستفيد منه كمبدأ.
2- البطلان المتعلق بالمصلحة العامة :
إذا كان البطلان مقرر للمصلحة العامة أي متعلق بالنظام العام فانه من المصلحة العامة أن يحكم به؛ و عليه فان للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها (أولا) و للنيابة العامة أن تتمسك به (ثانيا)، كما يجوز ذلك لكل ذي مصلحة سواء كان طرفا أصليا أو منظما و سواء قام بالعمل الباطل هو أو خصمه (ثالثا).
ذلك باعتبار أن المصلحة العامة تعلو كل اعتبار آخر، فإن مخالفة قاعدة مقررة يترتب عليها البطلان مباشرة. أ- المحكمة :
يجوز للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها و دون حاجة إلى تمسك الأطراف به و في أي مرحلة تكون عليها الدعوى و هذا ما قد ينص عليه القانون صراحة في إعطاء المحكمة هذه السلطة مثل ما جاءت به المادة( 65 ق ا م ا) بقولها صراحة " يثير القاضي تلقائيا انعدام الأهلية..."؛ كما أن للمحكمة سلطة الحكم بالبطلان في كل مرة يتعلق فيها بالنظام العام دون حاجة لنص صريح؛ وهنا تطرح صعوبة تحديد فكرة النظام العام الذي يجيز للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، لكن يمكن القول بأن جميع القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي، وأهلية الخصوم وكل الأشكال التي ترمي إلى ضمان حسن سير القضاء كمرفق عام، أو بالتنظيم العام للخصومة القضائية فإن المشرع ينص في مجمل هذه القواعد أنها من النظام العام ، إلا أنه في حالة عدم النص على ذلك فيجب على القاضي تقدير المصلحة التي شرعت القاعدة لأجلها. ب- النيابة العامة :
للنيابة العامة التمسك بالبطلان، فالنيابة العامة مكلفة بالدفاع عن المصالح العامة باعتبارها ممثلة للمجتمع؛ ولذلك لها الحق أن تتدخل في الخصومة لإبداء الرأي ، فقد تشترك النيابة العامة في الخصومة كطرف أصلي؛ وقد تشترك كطرف منضم؛ فإذا كانت طرفا أصليا ، فليس في الأمر صعوبة إذ يكون لها كل حقوق الخصم ويصدق عليها ما يصدق على الخصم أيا كان :
أما إذا كانت طرفا منظما في الخصومة فتتمتع بالسلطات القانونية نفسها التي يتمتع بها الخصوم إلى جانب إثارة الدفع المتعلق بالنظام العام.
يمكن القول تبعا لما سبق بأنه يجوز للنيابة العامة إذا كانت متدخلة في الدعوى التمسك ببطلان العمل الإجرائي إذا كان متعلقا بالنظام العام أما إذا كان البطلان متعلقا بالمصلحة الخاصة فلا يجوز للنيابة العامة التمسك به إلا إذا كانت مدعية أو مدعى عليه في الدعوى فلها كأي خصم التمسك بالبطلان المقرر لمصلحتها.
ج- الخصم الذي شرع لمصلحته البطلان :
لكل ذي مصلحة يقصد به كل من يكون في مركز قانوني قد يتأثر من شأنه ببطلان العمل الإجرائي المعيب، وبالتالي يكون له الحق في التمسك به، ويكون له هذا الحق سواء كان طرفا أصليا أو متدخلا، أو هو قائم بالإجراء أو كان الإجراء موجها إليه.
بصفة عامة يكون التمسك ببطلان إجراءات الخصومة إما عن طريق الدفع في دعوى قائمة أما الأحكام فيتم التمسك ببطلانها عن طريق الطعن فيها إما بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض فإذا كان الإجراء المطلوب من إجراءات الخصومة فإن طلب الإبطال يكون في صورة دفع شكلي يبديه صاحب المصلحة ، الذي يكون إما خصما أصليا أو متدخلا بصفة هجومية أو إنضمامية ويرفع الدفع بالبطلان مثل الأوضاع المقررة للدفوع الشكلية أي يجب أن يثار قبل أي طلب أو دفاع في الموضوع أو دفع بعدم القبول، والا سقط الحق فيه باستثناء الدفوع المتعلقة بالنظام العام.
أما إذا كان البطلان واردا على حكم لعيب أصاب جانبه الشكلي كصدور حكم في تشكيلة غير قانونية أو عدم توقيعه من قاض مختص، أو لعيب في شقه الموضوعي كعدم تضمين الحكم حيثيات التسبيب، ويتم التمسك ببطلان هذا الحكم بواسطة أحد أطراف الطعن المقررة قانونا لأن المبدأ الإجرائي السائد في قانون الإجراءات هو عدم
جواز رفع دعوى أصلية ببطلان الحكم؛ ولأن فتح هذا المجال يؤدي إلى إهدار حجية الأحكام، فإن لم يطعن في الحكم بالطرق المناسبة وفي الميعاد القانوني أعتبر الحكم صحيحا مهما شابه من أوجه البطلان، ذلك أن العيب الإجرائي لا يضل دائما، وانما يصحح عندما يصبح غير قابل للطعن فيه، وذلك حفاظا على حجية الأحكام .
فالبطلان المتعلق بالنظام العام يمكن التمسك به من كل ذي مصلحة من الخصوم حتى ولو كان من جانب الشخص الذي تسبب في البطلان.
أما البطلان المتعلق بالمصلحة الخاصة فلا يجوز أن يتمسك به إلا الخصم الذي شرع البطلان لمصلحته ولم يتسبب فيه أو يتنازل عنه تنازلا صحيحا وفي الوقت المناسب الذي حدده القانون.
شروط الدفع بالبطلان :
- نص القانون الجديد 08-09 صراحة بالمادة 60 منه أن بطلان الأعمال الإجرائية يجب أن يكون بنص قانوني مثل ما ورد بالمادة 64 من القانون 08-09 بأن حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها هي
( انعدام الأهلية للخصوم أو انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي ).
- أن يتم تقديم الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا من طرف الخصم قبل أي دفاع له في الموضوع لاحق على للعمل الإجرائي المشوب بالبطلان دون إثارته المادة 61 من القانون 08-09 باستثناء البطلان المتعلق بقواعد الاختصاص النوعي وكذلك اذا كان متعلقا بالنظام العام ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا كعدم إطلاع النيابة على القضايا المحددة في المادة 260 من القانون 08-09.
- لا يجوز التمسك ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا إلا لمن تقرر البطلان لصالحه ، (المادة 63 من القانون 08-09 ).
أثار الدفع بالبطلان :
- لا يقضى ببطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح إذا زال سبب ذلك البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة، (المادة 66 من القانون 08-09).
- إذا ما شاب البطلان إجراءا معينا فان هذا الإجراء يعتبر كأن لم يكن ويتم استبعاده من ملف الإجراءات دون التأثير على الحق، بحيث يمكن للطرف إعادة المطالبة بنفس الحق كما في حالة بطلان صحيفة افتتاح الدعوى ويمتد البطلان إلى الإجراءات اللاحقة المرتبطة بالإجراء الباطل كبطلان الحكم لبطلان التكليف بالحضور .
- يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان بشرط عدم بقاء أي ضرر قائم بعد التصحيح مع سريان هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان وهو ما جاءت به المادة 62 من القانون 08-09.