بحث حول جريمة عدم تسديد النفقة
وفق القانون الجزائري
المادة 331 ق ع { يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى (3) سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 300.000 دج كل من امتنع عمدا، ولمدة تتجاوز الشهرين (2) عن تقديم المبالغ المقررة قضاء لإعالة أسرته، وعن أداء كامل قيمة النفقة المقررة عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه، وذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع نفقة إليهم.
ويفترض أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس، ولا يعتبر الإعسار الناتج عن الاعتياد على سوء السلوك أو الكسل أو السكر عذرا مقبولا من المدين في أية حالة من الأحوال.
دون الإخلال بتطبيق أحكام المواد 37 و 40 و 329 من قانون الإجراءات الجزائية، تختص أيضا بالحكم في الجنح المذكورة في هذا المادة ، محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة.
ويضع صفح الضحية بعد دفع المبالغ المستحقة حدا للمتابعة الجزائية }.
المبحث الأول : ماهية جريمة الامتناع عن تسديد النفقة
المطلب الأول : مفهوم جريمة الامتناع عن تسديد النفقة
المطلب الثاني : أركان وشروط جريمة الامتناع عن تسديد النفقة
المبحث الثاني : المتابعة الإجرائية والجزاء لجريمة الامتناع عن تسديد النفقة
المطلب الأول : الإجراءات الجزائية المتبعة في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة
المطلب الثاني :العقوبة في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة
المبحث الثالث : صندوق النفقة و مدي نجاعته
المطلب الأول : ماهية صندوق النفقة
المطلب الثاني : مدى نجاعة صندوق النفقة
خاتمة
مقدمة :
حظيت الأسرة باهتمام خاص في الشرائع السماوية والقوانين الوضعية باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع واللبنة الأساسية لتطوره وصلاحه، وعلى هذا الأساس حرصت التشريعات على إرساء قواعد خاصة لتنظيم العلاقات بين أفراد الأسرة الذين تجمع بينهم صلة الزوجية والقرابة.
وعلى غرار العديد من التشريعات الوضعية المقارنة فإن التشريع الجزائري صان حقوق الأسرة بما تمليه عليه أحكام الشريعة الإسلامية.
وفي مقدمة النصوص القانونية التي كفلت حماية للأسرة؛ الدستور الجزائري، والذي نص في المادة 71 الفقرة 1 على ما يلي (تحضى الأسرة بحماية الدولة والمجتمع)، كما تضمن قانون الأسرة قواعد تنظيم وبناء الأسرة، أما قانون العقوبات فقد تضمن القواعد التي تكفل حماية للأسرة وتضمن احترام كافة حقوق أفرادها ومعاقبة كل من يعتدي على هذه الحقوق أو يخل بما يلزمه من واجبات.
فقد تضمن قانون العقوبات الجزائري جرائم الإهمال العائلي، أو كما سماها المشرع جرائم ترك الأسرة، المنوه عنها في القسم الخامس من الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الثالث من الجزء الثاني و منها نجد 331 من قانون العقوبات.
حيث أن المشرع تولى تجريم مجموعة من الأفعال التي تشكل إهمالا للعائلة، فإلى جانب جرائم ترك مقر الأسرة و إهمال الزوجة الحامل الإهمال المعنوي للأولاد جرم المشرع الجزائي عدم القيام بتسديد النفقة.
و الملاحظ أن أروقة العدالة الجزائرية أصبحت تعج بهذا النوع من الجرائم، على نحو جعل كيان الأسرة مهزوز، وخلق نوعا من البغضاء والخلاف المستمر بين عمادي الأسرة، مما جعل أطفالها محل ضياع وتيه.
المبحث الأول : ماهية جريمة الامتناع عن تسديد النفقة
جريمة الامتناع عن تسديد النفقة من الجرائم الماسة بالأسرة؛ لذا تكتظ بها المحاكم في مختلف درجاتها وقبل الولوج إلى تبيان الأركان المؤسسة لقيام هذه الجريمة يجب أولا وضع مفهوم لها وذلك ببيان المصطلحات المكونة لها (المطلب الأول)، في حين يتم استخلاص الأركان المشكلة لها من نص المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : مفهوم جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
منع المشرع الأفراد من القيام ببعض الأعمال تحت طائلة جزاءات عقابية حفاظا على النظام العام، بينما نجده في أحيان أخرى يلزمهم بالقيام ببعض الأفعال، فعدم الخضوع لهذه القواعد يدخل في زمرة الجرائم السلبية التي يعاقب عليها القانون.
والحال كذلك في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة التي تشكل موضوع البحث، حيث سنتطرق في هذا المطلب إلى تبيان المقصود بجريمة الامتناع عن تسديد النفقة وذلك من خلال بيان مصطلحاتها ( الفرع الأول) ثم إبراز خصائصها ( الفرع الثاني).
الفرع الأول: تعريف جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
يعد الامتناع عن تسديد النفقة من الأعمال المجرمة من طرف المشرع الجزائري بسبب الضرر الذي قد يلحق الأسرة من جراء هذا العمل، ولتبيان المقصود بهذه الجريمة يجب ضبط مصطلحاتها المتمثلة في: الجريمة، الامتناع، النفقة.
أولا: تعريف الجريمة يقصد بالجريمة إتيان فعل يجرمه القانون؛ أو الامتناع عن عمل يفرضه القانون ولا يعتبر الفعل أو الترك جريمة في نظر القوانين الوضعية إلا إذا كان معاقبا عليه وفقا للتشريع الجزائي.
ثانيا : تعريف الامتناع هو كل فعل سلبي يأتيه الشخص عن قدرة واستطاعة بمقتضاه يحجم عن القيام بعمل إيجابي ألزمة المشرع الجزائي به.
ثالثا : تعريف النفقة يقصد بالنفقة عند الاصطلاحين الإدرار على الشيء بما به بقائه، كما تعرف بأنها كل ما يعد من مستلزمات الحياة من طعام وكسوة ومسكن وخدمة وكل ما تعارف عليه البشر.
وفي إطار هذا المفهوم ذهب المشرع الجزائري في نص المادة 78 من تقنين الأسرة إلى أن مشتملات النفقة : "... الغذاء والكسوة والعلاج والسكن أو أجرته، وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة ".
رابعا : أطراف جريمة الامتناع عن تسديد النفقة إن جريمة الامتناع عن تسديد النفقة لا تقوم إلا بين أشخاص تجمعهم رابطة الزوجية أو النسب، وبذلك فمحل الجريمة الزوج والزوجة والأصول والفروع.
الفرع الثاني : خصائص جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
لجريمة الامتناع عن تسديد النفقة مجموعة من الخصائص والمميزات التي تنفرد بها عن باقي الجرائم الأخرى بصفة عامة، وجرائم الإهمال العائلي بصفة خاصة؛ ذلك أنها جريمة مستمرة (أولا)، والتي يتوسع فيها الاختصاص المحلي خلافا للقواعد العامة المعمول بها (ثانيا). بالإضافة إلى أنها من الجرائم التي يضع فيها صفح الضحية حدا للمتابعة (ثالثا) هذا ما سنبرزه
أولا : جريمة الامتناع عن تسديد النفقة جريمة مستمرة :
هي الجريمة التي يمتد فيه تحقق عناصرها على مدة زمنية نسبيا، وهي بذلك تختلف عن الجريمة الوقتية التي تتأسس فيها الجريمة في فترة وجيزة كالقتل.
كما أن الجريمة المستمرة بدورها تنقسم إلى نوعين جرائم ثابتة وجرائم متجددة ففي الوضع الأول تبقى الجريمة مستمرة حتى ولو لم يحدث أي تدخل من قبل الجاني؛ أما في الوضع الثاني فالقول بالاستمرارية لابد من تدخل جديد من قبل الجاني.
إن خاصية الاستمرارية التي تتميز بها جريمة عدم تسديد النفقة تجعلها تتصف بما يلي :
أ- يسري القانون الجديد على الجريمة المستمرة إذا بدء سريانه في ظل استمرار الجريمة.
ب- قد تخضع الجريمة المستمرة لقوانين دول عدة إذا تحققت عناصرها في هذه الدول.
ج- قد يمتد اختصاص النظر في الجريمة المستمرة إلى أكثر من جهة قضائية كلما امتدت عناصرها إلى نطاق اختصاص هذه الجهات القضائية.
د- تتقادم الدعوى العمومية في الجرائم المستمرة من اليوم التالي للإنهاء حالة الاستمرار.
ه- إن الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به؛ في الجريمة المستمرة لا يمنع من تحريك الدعوى العمومية المتعلقة بنشاط إجرامي لا حق للحكم.
ثانيا : توسيع الاختصاص المحلي :
يمثل الاختصاص المحلي لجريمة الامتناع عن تسديد النفقة، استثناءا عن القاعدة العامة وذلك على النحو التالي :
أ- الأصل العام في الاختصاص طبقا المادة 329 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري " تختص محليا بالنظر في الجنحة محكمة محل الجريمة أو محل إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محل القبض عليهم ولو كان هذا القبض وقع لسبب آخر.
لا تكون محكمة محل حبس المحكوم عليه مختصة إلا وفقا الأوضاع المنصوص عليها في المادتين 552 و553 .
كما تختص المحكمة بالنظر في الجنح والمخالفات غير قابلة لتجزئة أو المرتبطة.
تختص المحكمة التي ارتكبت في نطاق دائرتها المخالفة أو المحكمة الموجودة في بلد إقامة مرتكب المخالفة بالنظر في تلك المخالفة.
يدرك من نص هذه المادة أن المحكمة المختصة محليا بالفصل في الجنحة؛ هي محكمة وقوع الجريمة، أو محكمة مكان إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محكمة القبض عليهم.
ب- الاستثناء في الاختصاص تختص بالنظر في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بإعانة، فهو امتياز يمنحه المشترع للدائن بالنفقة يحق له التنازل عنه برفع شكواه أمام محكمة محل إقامة المتهم؛ ففي هذه الحالة فلا يملك أي طرف من أطراف القضية أن يدفع بعدم الاختصاص المحلي.
ثالثا: تأثير صفح الضحية على المتابعة الجزائية :
أ- الأصل العام أن للنيابة العامة :
هي ذات الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوى العمومية باعتبارها ممثلة الحق العام؛ فلها أن تحرك الدعوى العمومية وتختص بمتابعتها أو تقضي بالحفظ أو بألا وجه للمتابعة من باب الملائمة.
ب- الاستثناء :
حماية للصالح الخاص أجاز المشرع للضحية في بعض الجرائم الحق في التدخل في سير الدعوى العمومية، من خلال صفحه الذي يضع حدا للمتابعة هذا ما قضت به الفقرة الأخيرة من نص المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري بنصها "....و يضع صفح الضحية بعد دفع المبالغ المستحقة حدا للمتابعة الجزائية ".
المطلب الثاني: أركان وشروط جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
تعد جريمة الإمتناع عن تسديد النفقة من الجرائم المسماة ، التي حدد أركانها وشروطها وكذا العقوبة المقررة لها المشترع الجزائي الجزائري، ومنه فهي كباقي الجرائم لابد لها من أركان (الفرع الأول) وشروط ( الفرع الثاني).
الفرع الأول : أركان جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
الركن عند الاصطلاحين ما يكون به قوام الشيء إذ يعد جزءا داخلا في حقيقته وتكوينه وأركان جريمة عدم تسديد النفقة ثلاث: الركن الشرعي (الفرع الأول) والركن المادي (الفرع الثاني) والركن المعنوي (الفرع الثالث).
أولا : الركن الشرعي :
يتجسد الركن الشرعي للجريمة في النص القانوني؛ الذي يجرم الفعل حيث نصت المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري ما يلي " يعاقب بالحبس من ستة(6) أشهر إلى ثلاث سنوات (3) وبغرامة من 50.000 دج إلى 300.000 دج كل من امتنع عمداء ولمدة تتجاوز الشهرين (2) عن تقديم المبالغ المقررة قضاء لإعالة أسرته؛ وعن أداء كامل قيمة النفقة المقررة عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه؛ وذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع نفقة إليهم.
ويفترض أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس؛ ولا يعتبر الإعسار الناتج عن الإعتياد على سوء السلوك أو الكسل أو السكر عذرا مقبولا من المدين في أية حالة من الأحوال دون الإخلال بتطبيق المواد 37 و40 و329 من قانون الإجراءات الجزائية تختص أيضا بالحكم في الجنح الذكورة أعلاه في هذه المادة محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة.
ويضع صفح الضحية بعد دفع المبالغ المستحقة حدا للمتابعة الجزائية.
ثانيا : الركن المادي :
تتشكل الجريمة من سلوك إجرامي ونتيجة؛ تربط بينهما علاقة سببية.
أ- الإمتناع عن تسديد المبلغ المالي المحكوم به :
يقصد بالفعل الإجرامي، ذلك السلوك الذي يظهر إلى العالم الخارجي في صورة فعل أو الإمتناع عن القيام بفعل، و جريمة الامتناع عن تسديد النفقة من الجرائم السلبية التي يتمتل فعلها الإجرامي في الإحجام عن إتيان فعل ملزم قانونا بمعنى القيام بعمل سلبي، يتمثل في امتناع المتهم عن أداء مقدار النفقة المحكوم بها قضاء.
ولا يشترط تحقق النتيجة الإجرامية؛ في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة ومناط الأمر أنها جريمة سلبية محضة، هذا ما يدرك من نص المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري.
ومنه فلقيام جريمة الامتناع عن تسديد نفقة، يجب أن يصدر سلوك سلبي من جانب المتهم، هذا الامتناع إما أن يكون صراحة عن طريق رفضه لتنفيذ فحوى الحكم القضائي النهائي، كما قد يكون ضمني عن طريق تسلمه نسخة من الحكم القضائي، وسكوته دون أي مبادرة للتنفيذ تجدر الإشارة في هذا المجال، أن التنفيذ الجزئي لفحوى الحكم، يعد امتناعا تقوم به الجريمة، الأمر نفسه ينطبق إذا قدم مقدار النفقة عيناء أو تمسك بمقاصة قبل المحكوم لمصالحه بالنفقة.
ب- استمرارية الامتناع عن التسديد لمدة تتجاوز الشهرين :
لقيام جريمة الامتناع عن تسديد نفقة، يجب إثبات أن الامتناع عن التسديد جاوز الشهرين وذلك عن طريق المحضر الذي يحرره المحضر القضائي.
و يثار إشكال، يتعلق بسريان مدة شهرين؛ التي لم يحسم فيه المشرع؛ فيستحسن تدخله لإزالة هذا اللبس، وذلك بالنص صراحة عن سريان هذا الميعاد؛ وفي ظل هذا الفراغ القانوني فإن الفقه القانوني يميز بين حالة ما إذا بدأ المدين بتنفيذ الحكم الملزم بالنفقة، ثم توقف عن ذلك فهنا مدة شهرين تسري من تاريخ التوقف عن الأداء، بينما إذا لم يقم بتنفيذ الحكم كليا فالمدة تسري من تاريخ التبليغ الرسمي، من هنا نستخلص أن هذه المهلة، يجوز أن تكون متقطعة ذلك أن إشتراط الإستمرارية وعدم الانقطاع؛ يمنح فرصة للمتهم للإفلات من العقاب إن دفع المبلغ لمدة معينة ثم انقطع عن ذلك ضف إلى ذلك فإن المغزى من إشتراط المشرع هذه المهلة هو منح المتهم مهلة ليفي بالتزاماته كليا بطريقة ودية وبانقضاء هذه المدة دون الدفع تقوم الجريمة ضده.
ثالثا: الركن المعنوي :
يعد القصد الجنائي ثالث أركان جريمة عدم تسديد النفقة ويتمثل في صدور الفعل الإجرامي عن إرادة حرة هذا ما سنوضحه فيما يلي :
أ- العمد :
إن جريمة الامتناع عن تسديد النفقة من الجرائم العمدية، التي تستدعي توفر القصد الجنائي أي امتناع المتهم عن دفع النفقة المقررة قانونا لمدة شهرين وبالتالي فلا تقوم هذه الجنحة إلا إذا توافر عنصر العمد أي العلم والإرادة.
فعنصر العمد لا يتحقق إلا بعلم المتهم بالحكم القضائي الممهور بالصيغة التنفيذية، مبلغ وفقا للقواعد العامة للإجراءات.
ب- قرينة سوء نية :
إن سوء النية في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة مفترض فمجرد الامتناع عن تسديد النفقة يعد قرينة على سوء النية، مالم يثبت العكس، ومنه لا يعد الإعسار الناتج سوء السلوك أو الكسل أو السكر عذرا مقبولا.
ج- عبء إثبات القصد الجنائي :
يقصد بعبء الإثبات، إقامة الدليل على صحة الواقعة المدعى بها أو نفيها فالأصل في الأفعال البراءة وعلى من يدعى خلاف الأصل إثبات ذلك، فالنيابة العامة والطرف المضرور هما المكلفان بالإثبات.
الفرع الثاني : شروط جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
الشرط في الإصطلاح، أمر خارج عن ماهية وحقيقة وتكوين الشيء؛ لكن يتوقف وجود الشيء على وجوده.
وتتمثل شروط جريمة عدم تسديد النفقة في وجود دين مالي (أولا) بالإضافة إلى حكم قضائي نهائي (ثانيا).
أولا: وجود علاقة دائنية مالية بين الزوجين والأصول والفروع :
تعد العلاقة الدائنية المالية أولى الشروط المطلوبة قانونا لقيام الجريمة محل الدراسة، وهي علاقة محصورة بين الزوجين والأصول والفروع.
ويستند الدين المالي في مفهومه إلى نص المادة 78 من تقنين الأسرة الجزائري على نحو ما مر بنا سابقا وهي بذلك تشمل الطعام والملابس والتطبيب والسكن أو أجرته وما يعد من ضروريات الحياة على حسب العرف والعادة. غير أن الدارس لقرارات المحكمة العليا يرى مدى الإضطراب الذي شاب قرارتها في تحديد مفهوم الدين المالي الوارد في المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري فتارة تقصره في النفقة الغذائية وتارة حددته بمعيار نص المادة 78 السالفة الذكر.
والرأي الراجح أن النفقة محددة طبقا للمادة 78 من تقنين الأسرة الجزائري.
ثانيا : صدور حكم قضائي :
لقيام جريمة الامتناع عن تسديد نفقة؛ لابد من صدور حكم قضائي نهائي فاصل في موضوع النفقة وممهور بالصيغة التنفيذية؛ وفيما يلي: سوف نوضح الشروط الواجب توفرها في هذا الحكم.
أ- وجود حكم قضائي نافذ :
لابد من صدور حكم قضائي عن قسم أو غرفة شؤون الأسرة يلزم الدائن بأداء النفقة فلا يعتد بالنفقة، إذا كانت مجرد تطوع أو اتفاق بين الجاني وأفراد اسرته الملزم بإعالتهم.
والحكم القضائي النافذ والممهور بالصيغة التنفيذية، مستنفذ لطرق الطعن العادية من معارضة واستئناف، لكن هنالك الأحكام الابتدائية، مثل النفقة تلحقها القوة التنفيذية عن طريق وصف النفاذ المعجل، كما يمكن تنفيذ الأحكام الأجنبية القاضية في النفقة في الجزائر إذا كانت ممهورة بالصيغة التنفيذية متى استوفت كل الشروط الشكلية و الموضوعية، و الحكمة من وجوب شمولية أحكام النفقة بالنفاذ المعجل؛ هو منع الضرر الذي قد يلحق أصحاب المصلحة نتيجة الإجراءات العادية التي قد تستغرق وقتا طويلا.
ب- تبليغ المدين بالحكم القضائي :
لقيام جريمة الامتناع عن تسديد نفقة، يجب أن يصل إلى علم المكلف بالحكم مضمون الحكم، ومقدار النفقة المحكوم بها وذلك بتبليغه بنسخة من هذا الحكم القضائي بواسطة محضر تبليغ سند رسمي لسند تنفيذي محرر من قبل محضر قضائي وكذا محضر تكليف بالوفاء ومحضر تبليغ تكليف بالوفاء؛ مع منحه مهلة 15 يوما للوفاء بمبلغ الدين.
المبحث الثاني : المتابعة الإجرائية والجزاء لجريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
إن المشرع الجزائري كلما أقر حقا محددا فإنه في مقابل ذلك حدد جزاء وعقوبة لكل من أخل بهذا الحق؛ وتعتبر العقوبة أشد أنواع الجزاء اذ انه لا يتصور تقرير العقوبة دون إتباع مجموعة من الإجراءات الجزائية.
انطلاقا من هذه القواعد؛ نحدد مختلف الإجراءات المتبعة منذ وقوع جريمة الامتناع عن تسديد النفقة إلى غاية صدور الحكم النهائي (المطلب الأول) ليعقبه الجزاء المقرر لهذه الجريمة ( المطلب الثاني)، على نتناول في الأخير دراسة صندوق حماية النفقة كآلية قانونية إستحدثها المشرع الجزائري (المطلب الثالث).
المطلب الأول : الإجراءات الجزائية المتبعة في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
أجاز المشرع قبل تحريك الدعوى العمومية اللجوء إلى نظام الوساطة ( الفرع الأول) فإن لم تنجح الوساطة تم تحريك الدعوى العمومية ( الفرع الثاني) فإذا صدر الحكم وعجز الضحية عن إستفاء دينه أوجد له المشترع ضمانة قانونية تتمثل في صندوق النفقة (الفرع الثالث).
الفرع الأول : الوساطة القضائية :
كان الإعتقاد سائد أن عدالة القانون تتحقق فقط بسير الدعوي القضائية وفقا للشروط المنصوص عليها قانوناء من أجل الفصل فيها بحكم قضائي بات و توقيع العقوبة على كل من أخل بالنظام العام غير أن تطور المجتمع وقواعد العدالة الإنسانية دفع في بعض الحالات إلى إتباع طرق بديلة للدعوي القضائية منها الوساطة.
أولا: تعريف الوساطة القضائية :
إستحدث هذا النظام في المواد من 37 مكرر إلى37 مكرر 09 من تقنين الإجراءات الجزائية؛ بموجب الأمر رقم 02-15 المؤرخ في 23 جويلية 2015.
لم يعرف المشرع الجزائري نظام الوساطة في قانون الإجراءات الجزائية غير أنه تبنى هذا المصطلح في القانون رقم 12-15 المؤرخ في 15 جويلية 2015 المتضمن قانون حماية الطفل في المادة 2 منه التي جاء فيها " الوساطة آلية قانونية تهدف إلى إبرام اتفاق بين الطفل الجانح و ممثله الشرعي من جهة و بين الضحية أو ذوي حقوقها من جهة أخري و تهدف إلى إنهاء المتابعات و جبر الضرر الذي تعرضت له الضحية ووضع حد لآثار الجريمة والمساهمة و إعادة إدماج الطفل ".
والوساطة الجزائية هي محاولة التوفيق والصلح بين أطراف الدعوى من قبل شخص ثالث إستنادا لإتفاقهم بغية جبر ضرر الضحية وإنهاء النزاع القائم.
ثانيا : شروط الوساطة :
1- أن تكون الجريمة ممن يقبل فيها الوساطة
حددت المادة 37 مكرر 02 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري؛ جرائم مسماة تكون محل للوساطة منها جريمة عدم تسديد النفقة فجاء في نص المادة " يمكن أن تطبق الوساطة في مواد الجنح على جرائم...و الامتناع العمدي عن تقديم النفقة ..."
2- إكتمال عناصر الجريمة
لتكريس نظام الوساطة يجب أن يكون هناك دعوي جزائية؛ أي جريمة مكتملت الاركان واعتداء على مصلحة محمية قانونا تنشا بموجبها حق النيابة العامة في إتباع الإجراءات المنصوص عليها قانونا لإثبات وقوع الجريمة أو نفيها.
3- قبول الأطراف للوساطة
إجراء الوساطة يتم برضا الأطراف، فالنيابة العامة تكتفي بعرض إجراء الوساطة على أطراف النزاع دون إلزامهم بها و يحق للأطراف الادعاء ببطلان رضاءهما لوجود عيب من عيوب الرضا كالتدليس.
4- تحقيق الهدف من الوساطة
أغراض الوساطة كثيرة م متنوعة لم تحددها مختلف التشريعات على سبيل الحصر غير انه هناك مجموعة من الضوابط يستعان بها من قبل النيابة العامة و الغرض الأساسي من اللجوء إلى الوساطة هو جبر الضرر.
ثالثا : إجراءات وآثار الوساطة :
أ- إجراءات الوساطة
جاء في المادة 37 مكرر على ما يلي : " يجوز لوكيل الجمهورية قبل أي متابعة جزائية أن يقرر بمبادرة منه أو بناءا على طلب الضحية أو المشتكي منه إجراء وساطة عندما يكون من شأنها وضع حد للإخلال الناتج عن الجريمة أو جبر الضرر المترتب عليها.
تتم الوساطة بموجب اتفاق مكتوب بين مرتكب الأفعال المجرمة و الضحية. "
بينما نصت المادة 37 مكرر1 على ما يلي : " يشترط لإجراء الوساطة قبول الضحية و المشتكي منه.
و يجوز لكل منهما الاستعانة بمحام".
في حين حددت المادة 37 مكرر3 كيفية صقل إتفاق الوساطة بقولها : " يدون اتفاق الوساطة في محضر يتضمن هوية و عنوان الأطراف و عرضا وجيزا للأفعال وتاريخ ومكان وقوعها ومضمون اتفاق الوساطة وأجال تنفيذه.
يوقع المحضر من طرف وكيل الجمهورية وأمين الضبط و الأطراف و تسلم نسخة منه إلى كل أما مضمونه فأبرزته المادة 37 مكرر4 بقضائها: " يتضمن اتفاق الوساطة على الخصوص ما
يأتي :
- إعادة الحالة إلى ما كانت عليه.
- تعويض مالي أو عيني عن الضرر.
- كل اتفاق آخر غير محالف للقانون يصل إليه الأطراف " .
ب- آثار الوساطة
يعد اتفاق الوساطة غير قابل للطعن بأي طريق كانت، كما أنه يكتسب صفة السند التنفيذي.
أما بالنسبة للدعوى العمومية لجريمة عدم تسديد النفقة؛ فإنها توقف خلال الآجال المحددة لتنفيذ الإتفاق إذا لم ينفذ الإتفاق في آجاله القانونية فلي وكيل الجمهورية أن يتخذ ما يراه مناسبا إستنادا إلى خاصية الملائمة، هذا دون الإخلال بالعقوبات التي يتعرض لها الممتنع عن تنفيذ إتفاق الوساطة.
الفرع الثاني : الدعوى العمومية :
يقصد بالدعوى العمومية مخاطبة الدولة بوسطة النيابة العامة المحكمة لغرض تطبيق القانون على مرتكب الفعل.
أولا: تحريك الدعوى العمومية :
تحريك الدعوى العمومية هو طرحها على القضاء الجزائي للنظر في ما مدى حق الدولة في إنزال العقاب بالمتهم ويتم مباشرة الدعوى العمومية إما من قبل النيابة العامة (أ) أو من قبل المضرور (ب).
أ- تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة
للنيابة العامة بإعتبارها ممثلة الحق العام الحق في تحريك الدعوى العمومية ولها في ذلك سلطة الملائمة، ولها في هذا الصدد مباشرة كافة إجراءات البحث والتحري.
ب- تحريك الدعوى العمومية من الطرف المضرور
للطرف المضرور الحق في تحريك الدعوى العمومية؛ إما بوسطة التكليف المباشر أو الإدعاء المدني أمام قاضي التحقيق.
1- التكليف المباشر لحضور جلسة المحاكمة بعد إذن النيابة
الادعاء المباشر هو حق المدعي في تحريك الدعوى العمومية، مباشرة بإقامة دعواه للمطالبة : بالتعويض عن الضرر اللاحق به أمام القاضي الجزائي وذلك مقابل تسديد رسوم الدعوى.
فعلى المضرور قبل اللجوء إلى طريق التكليف المباشر للحضور إلى الجلسة الحصول ترخيص مسبق من النيابة العامة طبقا لما نصت عليه الفقرة 06 من المادة 337 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
2- الادعاء المدني أمام قاضي التحقيق
يراد به قيام المضرور من جناية أو جنحة بتحريك الدعوى العمومية، بتقديم شكواه أما قاضي التحقيق، لغرض التأسيس كطرف مدني والمطالبة بالتعويضات وذلك بعد سداده لرسوم الدعوى.
نص عليه المشرع الجزائي في المادة 72 من قانون العقوبات الجزائري، بموجبه يكون للمضرور من عدم تسديد النفقة المحكوم بها قضاءا بصفتها جنحة الحق في اللجوء إلى هذا الطريق القانوني لمباشرة الدعوى العمومية.
ثانيا : انقضاء الدعوى العمومية :
تنقضي الدعوى العمومية في جريمة عدم تسديد النفقة؛ إما وفقا للأسباب العامة (أ) أو وفقا للأسباب الخاصة (ب).
أ- الأسباب العامة
الأسباب العامة التي تنقضي بها الدعوى العمومية هي وفاة المتهم؛ والتقادم» وصدور حكم بات، وهذا ما سنوضحه فيما يلي :
1- وفاة المتهم
تنقضي الدعوى الجزائية بوفاة المتهم، ويختلف أثره باختلاف المرحلة التي بلغتها الدعوى العمومية، فإذا كانت الوفاة خلال التحقيق قبل المحاكمة، يصدر أمر بألا وجه للمتابعة، أما إذا حدثت الوفاة خلال مرحلة المحاكمة، فيصدر حكم بانقضاء الدعوى العمومية.
غير أنه إذا صدر حكم غير بات فمآله الزوال، وبالتالي لا يجوز للوارث التمسك بهذا الحكم ولا الطعن فيه، أما إذا حدثت الوفاة بعد الطعن في هذا الحكم فمآل الدعوى هو الانقضاء، ولا يكون لهذه الوفاة أي تأثير على الدعوى المدنية المرفوعة معها فتظل سارية نفس هذه الأحكام تطبق على جريمة الامتناع عن تسديد النفقة طبقا للقواعد العامة.
2- التقادم
تخضع جنحة عدم تسديد النفقة لقواعد التقادم؛ المنصوص عليها في المادة 8 من قانون إ ج ج وذلك بقولها : " تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنح بمرور ثلاث سنوات كاملة ويتبع أن التقادم الأحكام الموضحة في المادة 7 ".
يقصد بتقادم الدعوى العمومية؛ انقضائها بمرور مدة من الزمن؛ دون أن يتخذ في شأنها أي إجراء من الإجراءات؛ فهذا التقادم المقرر ينهي الدعوى العمومية؛ غير أن هذا لا يكون له أي تأثير على الدعوى المدنية؛ هذا ونشير في هذا المجال أن آجال التقادم في الدعوى العمومية المتعلقة بالجنح ضدّ الأحداث تسري منذ بلوغ الحدث سن الرشد وفقا لنص المادة 8 مكرر 1 من قانون إ ج ج التي تنص على أنه : " تسري آجال التقادم في الدعوى العمومية المتعلقة بالجنايات والجنح المرتكبة ضدّ الحدث، ابتداء من بلوغه سن الرشد المدني".
فالتقادم يسقط الدعوى العمومية وبانقضائها لا يمكن ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء الجزائي، وإنما يمكن أن تقام أمام القضاء المدني فقط وعلى هذا يجب عدم خلطه مع تقادم العقوبة، وباعتبار أن جريمة الامتناع عن تسديد النفقة من الجرائم المستمرة فإن مدة ثلاث سنوات تسري من تاريخ انتهاء حالة الاستمرارية.
3- الحكم البات
الحكم البات هو الحكم الحائز على قوة الشيء المقضي فيه، فيصبح بذلك واجب التنفيذ فهو طريق طبيعي للانقضاء الدعوى العمومية وانتهاء النزاع بصفة نهائية، فيمنع إثارة نفس الدعوى العمومية التي تتحد فيها الوقائع والأشخاص المتهمين مرة ثانية، وإذا حدث ذلك يجوز لمن له مصلحة الدفع بقوة الشيء المقضي فيه؛ نفس هذه الأحكام تطبق على جريمة الامتناع عن تسديد النفقة التي تنقضي الدعوى العمومية بشأنها في حالة صدور حكم نهائي طبقا للقواعد العامة.
ب- الأسباب الخاصة (الصفح)
أجاز المشرع الجزائري الصفح في جرائم الامتناع عن تسديد النفقة حيث نصت المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري على ما يلي ".... ويضع صفح الضحية بعد دفع المبالغ المالية المستحقة حدا للمتابعة الجزائية ".
فالصفح سبب من الأسباب الخاصة لانقضاء الدعوى العمومية، إلا أن هذا غير مطلق بل مقيد بتسديد جميع مستحقات النفقة، فيجب على القاضي ألا يكتفي بتصريح الضحية بأنه تلقى المبالغ المحكوم بها قضائيا المتعلقة بالنفقة؛ بل يجب أن يتأكد بصرفها لصالح الضحية.
1- تمييز الصفح عن الصلح والتنازل
تجدر الإشارة أن نظام الصفح يختلف عن الصلح؛ فيكمن الخلاف بينهما في أن الصلح يصدر عن إرادة مزدوجة بينما الصفح؛ تصرف بإرادة منفردة للضحية كما يختلف أيضا عن التنازل إذ أن هذا الأخير يرتبط بالجرائم المقيدة بالشكوى كجريمة ترك مقر الأسرة والإهمال الزوجة الحامل.
2- إجراءات الصفح
- صاحب الحق في الصفح
إن صاحب الحق في الصفح هو الضحية دون غيره من الأشخاص» أي المجني عليه في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة.
- الجهة التي يعلن أمامها الصفح
لم يوضح المشرع بدقة الجهة المختصة بتلقي الصفح، فلذلك يمكن للمجني عليه في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة الصفح على المتهم أمام ضابط الشرطة القضائية قياسا على نص المادة 17 من قانون الإجراءات الجزائية، التي تنص أنه من المهام المخولة لضابط الشرطة القضائية تلقي الشكاوى بالمقابل من ذلك يختصون أيضا بإثبات صفح الضحية.
كما يمكن أن يكون الصفح أمام أعضاء النيابة العامة، المتمثلين في وكيل الجمهورية على مستوى المحاكم الابتدائية، والنائب العام على مستوى المجالس القضائية، أو أمام قاضي التحقيق، بل أبعد من ذلك فقد يكون الصفح أمام قاض الحكم.
3- آثار الصفح
الآثار المترتبة على صفح المجني عليه؛ تختلف باختلاف الجهة التي تكون أمامها الدعوى العمومية إذا كانت أمام النيابة العامة؛ فعلى هذه الأخيرة أن تصدر أمرا بالحفظ أما إذا كانت أمام قاضي التحقيق أصدر أمر بأن لا وجه للمتابعة بينما لو عرضت أمام المحكمة تصدر حكم بانقضاء الدعوى العمومية.
المطلب الثاني :العقوبة في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
العقوبة جزاء يحدده المشرع ويوقعه قاضي الحكم على من تثبت مسؤوليته في إرتكاب الفعل المجرم؛ وبالتالي فهي تهدف لإيلام الجاني والإنقاص من كل أو بعض حقوقه.
وفيما يلي سوف نوضح بالتفصيل الجزاء المقرر لجريمة الامتناع عن تسديد النفقة حيث نتحدث عن العقاب المقرر قانونا ضد مرتكبي جريمة الامتناع عن تسديد النفقة (الفرع الأول) ثم نوضح الأسباب التي تؤدى إلى تشديد هذه العقوبة وانقضائها (الفرع الثاني).
الفرع الأول : العقوبات المقررة :
يحكم مبدأ الشرعية نظام العقوبة؛ فلا عقوبة بغير قانون ومن ميزات القاعدة محل التجريم العمومية والتجريد بالإضافة إلى شخصية العقوبة؛ لذا فهنالك عقوبات ضد الفاعل الأصلي (أولا)، وعقوبات ضد الشريك وحالة الشروع (ثانيا).
أولا: عقوبة الفاعل الأصلي :
قرر قانون مجموعة من العقوبات الأصلية والتكميلية ضد الفاعل الأصلي وذلك على النحو التالي :
1- العقوبات الأصلية
تنص المادة 331 من قانون العقوبات الجزائري على ما يلي : " يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى ثلاث (3) سنوات وبغرامة مالية من 50.000 إلى 300.000 دج كل من امتنع عمدا ولمدة تتجاوز الشهرين عن تقديم المبالغ المقررة قضاء لإعالة أسرته..."
من هنا يتضح أن العقوبات الأصلية المقررة قانونا في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة، تنقسم إلى عقوبات سالبة للحرية، يتم من خلالها حرمان المحكوم عليه من حقه في الحرية وذلك بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، إضافة إلى عقوبات مالية على شكل غرامات تتراوح ما بين 50.000 دج إلى 300.000 دج؛ وما يميز هذا النوع من العقوبات أنها وجوبية بالنسبة
2- العقوبات التكميلية بالنسبة للعقوبات التكميلية المقررة لجريمة الامتناع عن تسديد النفقة
حددتها المادة 332 من قانون العقوبات الجزائري التي تنص على ما يلي : " ويجوز الحكم علاوة على ذلك؛ على كل من قضي عليه بإحدى الجنح المنصوص عليها في المادتين 330 و331 بالحرمان من الحقوق الواردة في المادة 4 من هذا القانون؛ من سنة على الأقل إلى 5 سنوات على الأكثر".
وبالرجوع لنص المادة 14 من ق ع ج، نجدها تنص على ما يلي : " يجوز للمحكمة على قضائها في جنحة، وفي الحالات التي يحددها القانون تحظر على المحكوم عليه ممارسة حق أو أكثر من الحقوق الوظيفية المذكورة في المادة 9 مكرر 1 وذلك لمدة تزيد عن 5 سنوات ". بالرجوع للمادة 9 مكرر 1 نجدها تنص على ما يلي : " يتمثل الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية :
- العزل أو الإقصاء من جميع الوظائف؛ والمناصب العمومية التي لها علاقة بالجريمة.
- الحرمان من حقوق الانتخاب و الترشح؛ و من حمل أي وسام.
- عدم الأهلية، لأن يكون مساعدا محلفا؛ خبيرا أو شاهد على أي عقد أو شاهدا أمام القضاء إلا على سبيل الاستدلال.
- الحرمان من الحق في حمل الأسلحة؛ والتدريس وفي إدارة مدرسة؛ وخدمة في مؤسسة لتعليم بوصفه أستاذا أو مدرسا أو مراقبا.
- عدم الأهلية أن يكون وصيا أو قيما.
- سقوط حقوق الولاية كلها أو بعضها...".
ما يميز هذا النوع من العقوبات المقررة في نص المادة 332 من قانون العقوبات الجزائري أنها جوازيه بالنسبة للقاضي؛ يجوز له تقدير ضرورة الحكم بها أو الامتناع عن ذلك.
ثانيا : الاشتراك والشروع في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة :
كل جريمة تستأثر بظروفها الخاصة بها والتي تحدد مدى جسامة الجريمة فقد ترتكب الجريمة من عدّة أشخاص وهو ما يعرف بالاشتراك، كما قد يرتكب الجاني السلوك المادي دون إتمامه وهو ما يعرف بالشروع، هذا ما سنوضحه فيما يلي:
1- عقوبة الشريك
متى قام الاشتراك في الجريمة تصح معاقبة الشريك على كافة الأفعال التي قام بها هذا ما قضت به نص المادة 41 و 42 من قانون العقوبات الجزائري، التي سوت بين الفاعل الأصلي والشريك حيث تنص علي ما يلي: 'يعتبر فاعل كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي.
أما المادة 44 من قانون العقوبات الجزائري فتنص على ما يلي : " يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة..." لا يوجد لمانع يمنع من تطبيق أحكام الاشتراك على جريمة الامتناع عن تسديد النفقة إلا أنه يصعب تصور الاشتراك في هذه الجريمة؛ فلا وجود لوسائل تحضيرية تسهيلية يقوم بها الشريك لصالح الفاعل الأصلي.
2- إنتفاء العقاب على الشروع
بالرجوع لنص المادة 31 من قانون العقوبات الجزائري نصت على الشروع فيما يلي : المحاولة في الجنحة لا يعاقب عليها إلا بناءا على نص صريح في القانون، والمحاولة في المخالفة لا يعاقب عليها إطلاقا ".
علما أن جريمة الامتناع عن تسديد النفقة، لم يرد نص صريح يعاقب على الشروع، كما أن اعتبار جريمة الامتناع عن تسديد النفقة من الجرائم السلبية، فإنه لا يتصور إمكانية وجود وقائع تمثل شروع في هذه الجريمة بحكم طبيعتها.
الفرع الثاني : تشديد العقوبة وانقضاءها :
من المعروف قانونا أن العقوبات تخضع لمبدئين أساسيين هما: مبداً تفريد العقاب بمعنى أن المشرع يحدد الحد الأقصى والأدنى للعقوبة كما يمنح السلطة التقديرية للقاضي لتشديد العقوبة (أولا) أما المبدأ الثاني فيتمثل في شخصية العقوبة ومن أهم النتائج المترتبة عن هذا المبدأ هو انقضاء الدعوى العمومية بوفاة المحكوم عليه أو بالتقادم في حالة إفلات هذا الأخير من العقاب (ثانيا).
أولا: تشديد العقاب
يجوز للقاضي في جريمة الامتناع عن تسديد النفقة أن يحكم بحالة العود تلقائيا وفقا لنص المادة 54مكرر 10 من قانون العقوبات الجزائري التي تنص: "يجوز للقاضي أن يثير تلقائيا حالة العود إذا لم ينوه عنها في إجراءات المتابعة واذا رفض المتهم المحاكمة على هذا الظرف المشدد فتطبق عليه تدابير الفقرتين 3 و 4 من المادة 338 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري". فتشدد بذلك العقوبة المقررة قانونا لتصل الضعف.
ثانيا : انقضاء العقوبة
إذا كان تنفيذ العقاب هو الطريق العادي لانقضاء العقوبة؛ فإن هذه الأخيرة تنقضي بطرق أخرى تتمثل في تقادم العقوبة المنطوق بهاء وبوفاة المحكوم عليه.
1- انقضاء العقوبة بوفاة المحكوم عليه
يقضى مبداً شخصية العقاب انقضاء العقوبة بوفاة المحكوم عليه في جميع الجرائم دون استثناء؛ غير أن الغرامات المالية التي تصبح نهائية قبل وفاة المحكوم عليه تبقي على ذمة المتوفي وفقا لقواعد القانون المدني فلا تقسم التركة إلا بعد سداد الديون.
2- تقادم العقوبة
يستفيد الجانحون الذين يتملصون عن تنفيذ العقوبة بانقضاء الحق في تنفيذها بقوة القانون بعد انقضاء المدة المقررة قانونا التي تختلف باختلاف وصف الجريمة، وتنص المادة 614 من ق إ ج ، على ما يلي : " تتقادم العقوبات الصادرة بقرار أو حكم يتعلق بموضوع الجنح، بعد مضي خمس سنوات كاملة ابتداء من تاريخ الذي يصبح فيه هذا القرار أو الحكم نهائيا...".
باعتبار أن جريمة الامتناع عن تسديد نفقة تحمل وصف جنحة فإن العقوبة تتقادم بمرور 5 سنوات تسري من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا.
المبحث الثالث : صندوق النفقة و مدي نجاعته :
سعيا من المشرع كأصل عام لتوفير أكبر قدر ممكن من الحماية القانونية، للطرف الأضعف في العلاقة الأسرية، استحدث بموجب القانون رقم 15-01 صندوق النفقة.
المطلب الأول : ماهية صندوق النفقة :
الفرع الأول: تعريف صندوق النفقة :
من خلال استقراء نصوص المواد الأولى والثانية والثالثة من القانون رقم 15- 01 المتضمن صندوق النفقة، يتضح أنه صندوق إحتياطي وجد لسداد مبالغ النفقة المحكوم بها قضاءا للطفل المحضون بعد طلاق الوالدين أو في حال رفع دعوى الطلاق وكذا للمرأة المطلقة المحكوم لها بالنفقة.
الفرع الثاني : الأشخاص المستفيدين من صندوق النفقة وشروط الاستفادة :
أولا : الأشخاص المستفيدين من صندوق النفقة
حدد المشرع الجزائري بمقتضى أحكام المادة الثانية من القانون رقم 15- 01 المتضمن صندوق النفقة؛ فئة الأشخاص الذين لهم الحق في أموال هذا الصندوق؛ وكأصل عام خص المشرع الجزائري الطفل بهذا الحق؛ واستثاءا جعل للمرأة المطلقة نصيبا في هذا الصندوق وفقا للحدود التي ضبطها المشرع.
ثانيا : شروط الإستفادة من المستحقات المالية لصندوق النفقة
وضع المشرع الجزائري مجموعة من الشروط والضوابط القانونية، لإستفادة كل من الطفل المحضون والمطلقة من أموال صندوق النفقة.
أ- شروط إستفادة الطفل المحضون
عملا بأحكام المادتين الثانية والثالثة من القانون رقم 15-01 المذكور أعلاه، لإستحقاق الطفل المحضون لنفقة الصندوق لابد من توافر الشروط التالية :
1- إسناد الحضانة بحكم قضائي.
2- صدور حكم قضائي بالنفقة مع تعذر تنفيذه.
ب- شروط إستفادة المرأة المطلقة
1- صدور حكم قضائي بالطلاق.
2- الحصول على محضر تعذر التنفيذ الكلي أو الجزئي للحكم أو الأمر القضائي المحدد
المطلب الثاني : مدى نجاعة صندوق النفقة :
إن إستحداث المشرع الجزائري لصندوق النفقة؛ يأتي في إطار سلسة النصوص التشريعية التي أصدرها لحماية الطفل بصفة خاصة والأسرة بصفة عامة؛ غير أن مدى تحقيق هذا القانون نجاعة هذا القانون سواء من ناحية الأشخاص الذين لهم الحق في الإستفادة أو من ناحية نجاح هذا القانون من الحياة العملية، هو محل نظر وبحث؛ وفي هذا الصدد يمكن إبداء الملاحظات التالية :
أ- إقتصر هذا القانون على حماية الطفل المحضون والمطلقة؛ وكان من الأجدر توسيع هذه الحماية لتشمل حق الطفل والزوجة في النفقة قبل فك الرابطة الزوجية؛ هذا دون إغفال حق الأصول خصوصا مع كبرهم في السن.
ب- ضرورة سعي الجهات الوصية إلى تفعيل نصوص هذا القانون على أرض الواقع، الأمر الذي يستلزم ضرورة إرفاقه بنصوص تنظيمة وتطبيقية.
خاتمة :
المشرع الجزائري لقد سعى ، إلى حماية ميثاق الترابط الأسري، من خلال تنظيم العلاقة الأسرية، وذلك بتحديد حقوق والتزامات كل طرف من أطراف العلاقة، ومن بينها الحق في النفقة والطرف الملزم بأدائها.
لذا رتب على كل إخلال بهذا الإلتزام المالي جزاء جزائي، وهو ما يعرف بجريمة عدم تسديد النفقة حيث حدد الإطار المادي والمعنوي للجريمة والعقوبة المقررة لها، غير أن كثرة هذا النوع من الدعاوى وما ينجم عنه من زيادة البغضاء والخلاف بين أعضاء الأسرة الواحد، دون أن ننسى ما يعانيه الأطفال من إجحاف في حقهم المالي، مع عدم وجود آليات حقيقة وفعالة تمكن من قدرتهم على تحصيل حقوقهم المالية، دفع بالمشرع إلى إنشاء صندوق النفقة، حيث يحل هذا الأخير محل المدين بالنفقة وهو والد الطفل أو الأطفال المحضونين أو الزوج السابق وإذا كان هذا الصندوق سعى لحماية الطفل المحضون إلا أنه لازال يراوح مكانه في الحياة العملية، مما جعل مدى نجاعته محل نظر ودراسة.
كما أنه على المشرع أن يراعي في إطار سياسة التجريم والعقاب أن الجزاء في جرائم الأسرة يختلف عن غيره من الجرائم الأخرى، ومنبع ذلك إختلاف الحق الأسري عن الحق المالي، لأن الزجر الأسري قد يأتي بنتائج عكسية تفكك كيان الأسرة بدلا من الحفاظ عليه.
لذا نرى أنه على المشرع الجزائري البحث عن حلول لمشكلة عدم تسديد النفقة على نحو يحافظ على الأسرة ، يغلب فيه الجانب الوقائي والعلاجي بدل الزجري، من ذلك على سبيل المثال الإقتطاع من الراتب الشهري للممتنع عن تسديد النفقة.
كما أن على المشرع تفعيل جميع الأوساط الإجتماعية والقانونية والإقتصادية وإشراكها في إيجاد أنجع الحلول لتمكين المستفيد من النفقة من حقه مع حفظ الأسرة او محاولة لم شملها من ذلك تفعيل عمل لجان الحكماء كما متعارف علية في بعض المناطق القبلية من الوطن.
المراجع :
1- بوسقيعة محمد، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجزء الأول، الطبعة السادسة عشر، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر.
2- بوسقيعة أحمد، قانون العقوبات وتعديلاته إلى غاية 28 فبراير 2009، مدعم بالإجتهاد القضائي، طبعة 2011.
3- سعد عبد العزيز، الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري، الطبعة الثالثة، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 1996.
4- سعد عبد العزيز، جرائم الاعتداء على الأموال العامة والخاصة، الطبعة الرابعة، 2004 ، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2007.
5- بلحاج العربي، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر، 1999.
6- بن خدة بن يوسف، شرح قانون الإجراءات الجزائية، طبعة مدعمة بالاجتهاد القضائي، 2008-2009.
7- بن وارث محمد، مذكرات في القانون الجزائي، القسم الخاص، الطبعة الثالثة، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر.
8- عتو عبد القادر، مبادئ العقوبات الجزائري؛ القسم العام، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2010.
9- نظير فرج مينا، الموجز في الإجراءات الجزائية الجزائري، الطبعة الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
10- بن شيخ اث ملويا الحسين، المنتقى في القضاء الجزائي، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر.
11- إبراهيم منصور إسحاق، المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر.
12- الألفي عبد الحميد محمد، الجرائم السلبية في قانون العقوبات، دار المطبوعات الجامعية؛ الإسكندرية، 2003.
13- تلقاني أحمد شوقي، مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري، الجزء الثالث، الطبعة 1999، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، الجزائر.
14- حامد الطنطاوي إبراهيم، قيود حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية، دار الكتب القانونية، مصر، الجزء الأول؛ الطبعة الأولى، 1996.
15- خلفي عبد الرحمان، الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري والمقارن؛ دار بلقيس للنشر، 2016؛ الجزائر.
16- دلاندة يوسف، قانون العقوبات منقع وفق التعديلات التي أدخلت عليه بموجب القانون 01-09 المؤرخ في 26 يونيو 2001 و مزود بالإجتهادات القضائية، طبعة 2001، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر .