شرح جريمة إهمال الزوجة لاطفالها معنويا
مفهوم الإهمال المعنوي
أركان جريمة الاهمال المعنوي للأولاد
الإجراءات الجزائية المتبعة لحماية الكيان الأسري
الجزاءات المقررة لجريمة إهمال الزوجة لاطفالها معنويا
المادة 330 من قانون العقوبات الجزائري (معدلة) بموجب القانون رقم 15-19 المؤرخ في 30 ديسمبر 2015 { يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى سنتين (2) وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج
1- أحد الوالدين الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين (2) ويتخلى عن كافة التزاماته الأدبية والمادية المترتبة عن السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية، وذلك بغير سبب جدي.
ولا تنقطع مدة الشهرين (2) إلا بالعودة إلى مقر الأسرة على وضع ينبئ عن الرغبة في استئناف الحياة العائلية بصفة نهائية،
2- الزوج الذي يتخلى عمدا ولمدة تتجاوز شهرين (2) عن زوجته وذلك لغير سبب جدي،
3- أحد الوالدين الذي يعرض صحة أولاده أو واحد أو أكثر منهم أو يعرض أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم ب أن يسيء معاملتهم أو يكون مثلا سيئا لهم للاعتياد على السكر أو سوء السلوك، أو بأن يهمل رعايتهم، أو لا يقوم بالإشراف الضروري عليهم، وذلك سواء كان قد قضي بإسقاط سلطته الأبوية عليهم أو لم يقض بإسقاطها.
4- وفي الحالتين 1و 2 من هذه المادة لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناء على شكوى الزوج المتروك.
ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية }.
مفهوم الإهمال المعنوي :
رتب المشرع الجزائري كغيره من التشريعات مجموعة من الواجبات تقع على الزوجة من بينها رعاية الابناء و تربيتهم ، وهو ما نصت عليه المادة 36 من قانون الأسرة بقولها : " يجب على الزوجين التعاون على مصلحة الاسرة، و رعاية الاولاد و حسن تربيتهم ".
لذا فان اي اهمال في تربية الابناء و رعايتهم تعد جريمة ذات أثر خطير يؤدي الى نتائج وخيمة على الاسرة و المجتمع ككل؛ و قد جرم المشرع أي فعل صادر من الوالدين من شأنه إساءة معاملة الاولاد، وهو ما نصت عليه المادة 330 فقرة الثالثة التي جاء فيها : " يعاقب بالحبس و الغرامة أحد الوالدين الذي يعرض صحة أولاده أو واحد أو أكثر منهم، أو يعرض أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم، بأن يسيء معاملتهم أو يكون مثلا سيئا لهم، بالاعتياد على السكر و سوء السلوك، أو بأن يهمل رعايتهم، أو لا يقوم بالإشراف الضروري عليهم و ذلك سواء قد قضي بإسقاط سلطته الابوية عليهم، أو لم يقض بإسقاطها ".
الإهمال هو الفشل في توفير أو تلبية احتياجات الطفل الأساسية من الناحية البدنية والعاطفية والتعليمية والطبية؛وقد يترك الوالدان أو مقدمو الرعاية الطفلَ في عهدة شخص يعرف بكونه مُعتديًا، أو قد يتركون طفلًا وحده من غير إشراف.هناك أشكال عديدة للإهمال،
وبالنسبة إلى الإهمال البدني، قد يفشل الآباء أو مقدمو الرعایة في توفیر ما يكفي من الطعَام والملبس والمأوى والإشراف والوقاية من الأذى المحتمل أما بالنسبة إلى الإهمال العاطفي، فقد يفشل الآباء أو مقدمو الرعاية في توفير الحنان أو الحب أو أنواع أخرى من الدعم العاطفي.قد يجري تجاهل الأطفال أو رفضهم أو منعهم من التفاعل مع الأطفال الآخرين أو البالغين.
وأما بالنسبة إلى الإهمال الطبي، فقد لا يتمكن الوالدان أو مقدمو الرعاية من الحصول على رعاية مناسبة للطفل، مثل المعالجة اللازمة للإصابات أو اضطرابات الصحة البدنية أو النفسية،وﻗﺪ يقوم الآباء بتأجيل الحصول على رعاية طبية عندما يكون الطفل مريضاً، مما يضعه في مواجهة خطر أن تزداد شدة المرض لديه وحتى الوفاة.
وبالنسبة إلى الإهمال التعليمي، قد لا يقوم الآباء أو مقدمو الرعاية بتسجيل الطفل في المدرسة، أو قد لا يتأكدون من أن الطفل يذهب إلى المدرسة في بيئة متفق عليها، مثل المدرسة العامة أو الخاصة أو في المنزل.
أركان جريمة الاهمال المعنوي للأولاد :
إن جريمة الاهمال المعنوي للأولاد كغيرها من الجرائم لها ركن مادي و ركن معنوي.
الركن المادي للجريمة :
إن إساءة الاولياء لأبنائهم لها مجال واسع مما يجعل صعوبة في التفريق بين ما يدخل في صلاحيات الاولياء في تأديب أبنائهم و بين ما يعتبر إساءة لهم، و من خلال تحليل الفقرة الثالثة من المادة 330 من قانون العقوبات يتبين ان الركن المادي يتكون من ثلاث عناصر وهي:
1- صفة الام.
2- أعمال الاهمال المبينة في المادة 330 فقرة 3 من قانون العقوبات.
3- النتائج الجسيمة المترتبة على الاهمال.
أ- صفة الأم :
من خلال النص يتبين ان المشرع يتحدث عن الوالدين الشرعيين أي يجب أن تربط بين الجاني و الضحية علاقة أمومة و بنوة، و يتعين أن يكون المتهم أما شرعيا و حقيقية.
و أن تكون هاته الضحية ابن شرعي للأم ، و بالتالي فلا مجال للحديث عن التبني لأنه ممنوع شرعا و قانونا كما نصت عليه المادة 46 من قانون الاسرة.
ب - أعمال الاهمال المبينة في المادة 330 فقرة 3 من قانون العقوبات :
تقسم هاته الأفعال إلى أفعال ذات طابع مادي و أفعال ذات طابع أدبي:
أ/ الأفعال ذات الطابع المادي :
و تتمثل في سوء المعاملة كضرب الولد أو قيده إن كان صغيرا كي لا يغادر البيت أو تركه بمفرده في البيت و الانصراف الى العمل. و انعدام الرعاية الصحية كعدم عرض الولد المريض على الطبيب ، أو عدم تقديم الدواء الذي وصفه له الطبيب أو عدم اقتناء الدواء .
ب/ الأفعال ذات الطابع الأدبي :
الأعمال ذات الطابع الأدبي تتمثل في المثل السيء الذي يتحقق بالاعتياد عليه كالسكر أو سوء السلوك كالقيام بأعمال منافية للأخلاق، و الآداب العامة و عدم الرعاية و الاشراف الضروري للأبناء.
و الاعتياد بهاته الافعال يكون بتكرارها وهو ما يتبين من عبارة " الاعتياد " الواردة في الفقرة الثالثة من المادة 330 من ق ع ، وهاته الافعال لم ترد على سبيل الحصر بل هي على سبيل المثال فقط وهو ما يبدو من خلال استعمال المشرع لعبارة واسعة مثل " يسيء معاملتهم " ، " يكون مثلا سيئا "، " يهمل رعايتهم" ، " الإشراف الضروري عليهم" ، مما يجعلها تحتوي على مختلف أنواع الأضرار المعنوية التي قد تطال الاولاد بسبب أوليائهم.
و ما إدراج المشرع لفعل الاعتياد على السكر الا على سبيل المثال و التوضيح فيمكن أن نضيف أيضا تناول جرائم الإخلال بالالتزامات الأسرية الفصل الثاني: تجريم الاعتداء على افراد الاسرة هم القصر الذين لم يبلغوا سن الرشد ذلك ان المشرع في نص المادة 330 من قانون العقوبات نص على " سواء قضي بإسقاط سلطته الأبوية عنهم أو لم يقض بإسقاطها "، والسلطة الأبوية لا تنقضي في الأحوال العادية إلا ببلوغ سن الرشد.
عادة ما يمتنع المشرع عن التدخل في الحريات الفردية فيحجم عن العقاب على السلوك السيء لدى الأفراد ، غير انه لما يتعلق الامر بحماية الأطفال القصر تدخل المشرع لتجريم الافعال مستندا على حقيقة علمية ثابتة مفادها أن الطفل أثناء نموه يتأثر بوعي و بغير وعي بمحيطه؛ و يحتاج إلى التقليد و المحاكاة، و نقل التصرفات التي يشاهدها لحياته المستقبلية و من أجل ذلك جرم السلوك من أجل تهيئة محيط أنسب لتربية و نمو جيل الغد.
ج- النتائج الجسيمة المترتبة على الإهمال :
يجب أن لا تعرض سلوكيات الأم صحة أولادهم و أمنهم و خلقهم لخطر جسيم ومن بين النتائج الجسيمة المترتبة عن الاهمال نجد انحراف الاولاد، وهو سلوك غير اجتماعي، و يتم ذلك من خلال القيام بأعمال تتصل بالدعارة و الفسق و فساد الأخلاق، أو المخدرات أو القمار أو نحوها كذلك مخالطة المعرضين للانحراف أو المشتبه فيهم الذين اشتهر عنهم سوء السيرة، و نجد أيضا اعتياد الهروب من معاهد التعليم و التدريبة .
و من أخطر النتائج التي تنجر عن الاهمال المعنوي للأولاد ما نشاهده في الآونة الاخيرة من تعدد الجرائم الواقعة عل الأطفال خصوصا جريمة الخطف و الاعتداء عليهم باستئصال أعضاء أجسامهم و بيعها بمبالغ طائلة و سقوطهم في شبكات الإتجار بالبشر.
الإجراءات الجزائية المتبعة لحماية الكيان الأسري :
لما ترتكب جريمة تمس بالأسرة كجريمة ترك مقر الأسرة والتي اعتبرها المشرع من الجرائم العائلية العمدية فلابد من معاقبة مرتكبيها.
لهذا سنتطرق في هذا القسم إلى الإجراءات المتبعة لضبط ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم ومعرفة العقوبات المقررة لهم، حيث سنتناول الإجراءات (الفرع 1) والعقوبات المقررة (ثانيا) .
الفرع الأول : إجراءات المتابعة لحماية الكيان الأسري :
الأصل في تحريك الدعوى العمومية هو من اختصاص النيابة العامة وحدها باعتبارها وكيلة على المجتمع، كما نصت عليه المادة 1 و29 من قانون الإجراءات الجزائية، حيث نصت المادة 1 منه على أن : ” الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات يحركها ويباشرها رجال القضاء أو الموظفون المعهود إليهم بمقتضى القانون كما يجوز أيضا للطرف المتضرر أن يحرك الدعوى طبقا للشروط المحددة في القانون .”
والمادة 29 من نفس القانون ” تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع وتطالب بتطبيق القانون وهي تمثل أمام كل جهة قضائية، ويحضر ممثلها المرافعات أمام الجهات القضائية المختصة بالحكم….”.
نستشف من خلال هذه النصوص القانونية أن تحريك الدعوى العمومية في هذه الجريمة مقيد على شرط تقديم شكوى من قبل الزوج المتروك وهذا طبقا لنص الفقرة الأخيرة من المادة 330 من قانون العقوبات بل الأكثر من ذلك فقد ذهبت المحكمة العليا إلى جعل أحد الأسباب المؤدية إلى النقض هو عدم الإشارة إلى شكوى الزوج المتروك وهو ما نصت عليه في إحدى قراراتها الذي جاء في حيثياتها “…. يعتبر مشوبا بالقصور ومتقدم الأساس القانوني وبالتالي يستوجب نقض القرار … ولم يشر إلى شكوى الزوجة المهجورة ”.
لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناءا على شكوى من الزوج المتروك المادة 330 قثرة 3 من قانون العقوبات ويترتب على ذلك النتائج التالية :
- إذا باشرت النيابة العامة المتابعة بدون شكوى، تكون هذه المتابعة باطلة بطلانا نسبيا لا يجوز لغير المتهم إثارته، على أن يثيره أمام المحكمة أول درجة وقبل أي دفاع في الموضوع .
- إذا كانت النيابة العامة مقيدة في تحريك الدعوى العمومية بشكوى الزوج المتروك بحيث لا يجوز لها مباشرة المتابعة الجزائية بدون شكوى، فإنها تبقى صاحبة سلطة ملائمة، ومن ثم يجوز لها تقرير حفظ الشكوى ان هي رأت بأن شروط المتابعة غير متوفرة، مادامت المتابعة معلقة على شكوى وبالتالي فإن سحب الشكوى يضع حدا للمتابعة حسب المادة 6 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية.
مما سبق نجد أن المشرع الجزائري قيد تحريك الدعوى العمومية بالنسبة لها أيضا بضرورة تقديم شكوى من الزوج الذي بقي في مقر الأسرة، وإن تنازل عن هذه الشكوى يكون مقبولا بالنسبة لهذه الجريمة ما لم يكن قد صدر حكم نهائي فإنه في هذه الحالة لا يوقف التنازل تنفيذ الحكم النهائي.
ما يمكن قوله أن أحد الزوجين الذي قدم شكوى ضد الزوج الآخر يجب أن يكون لازال باقيا في مقر الزوجية، لأنه إذا كان الزوج قد ترك محل الزوجية وقامت الزوجة هي الأخرى بترك مقر الزوجية، فإنه لا مجال لقبول الشكوى من أحدهما، ولا مجال لتطبيق المادة 330 من قانون العقوبات، لأن بقاء الشاكي في مقر الزوجية يعتبر شرطا لقبول الشكاية ولإمكانية القيام بإجراءات المتابعة.
وبالطبع لابد من وجود رابطة سببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة التي تتحقق مع توافر القصد الجنائي الذي يتمثل في اتجاه الجاني وإدراكه إلى إلحاق الضرر بعائلته وأسرته وأولاده، نتيجة التخلي عنهم لمدة زمنية محددة لا تقل عن الشهرين، أما إذا كان الزوج ينفق عن عائلته ويهتم بأحوالهم وتفقدهم بالسؤال عنهم، ورغم غيابه عنهم، فهذا ما يجعل من الجريمة واقعة غير متكاملة الأركان وينفي عن صاحبها العقاب، ولو كانت المدة تتجاوز الشهرين، وتحسب هذه المدة ابتداء من ترك الزوج لمقر الزوجية والتخلي عن الالتزامات العائلية إلى تاريخ تقديم الشكوى ضده.
الجزاءات المقررة لجريمة إهمال الزوجة لاطفالها معنويا :
لما تجتمع أركان الجريمة يمكن أن تتم المتابعة الجزائية، وعند حدوثها إما أن يحكم القاضي بالبراءة في حالة عدم ثبوت إدانة المتهم أو لعدم وجود أدلة كافية، وإما أن يحكم القاضي بالعقوبة المقررة في حالة ثبوت التهمة في حق المتهم .
تعاقب المادة 330 في فقرتها الثالثة على ترك مقر الأسرة ” يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 50.000 إلى 200.000 دج أحد الوالدين الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز الشهرين ويتخلى عن كافة التزاماته الأدبية والمادية المترتبة عن السلطة الأبوية والوصاية القانونية ”.
وعلاوة على العقوبة الأصلية سابقة الذكر نصت المادة 332 من قانون العقوبات على جواز الحكم على المتهم بالحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية، كعقوبة تكميلية، وذلك من سنة إلى خمس سنوات .
وبوجه عام يجيز قانون العقوبات الحكم على الشخص المدان لارتكابه جنحة ترك مقر الأسرة بالعقوبات التكميلية الاختيارية المنصوص عليها في المادة 9 المتمثلة في المنع من ممارسة مهنة أو نشاط، إغلاق المؤسسة، الإقصاء من الصفقات العمومية، الحضر من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع، سحب أو توقيف رخصة جديدة، سحب جواز السفر وذلك لمدة تتجاوز 5 سنوات لا يعاقب بهذه العقوبة حسب القضاء الفرنسي إلا المدين بالالتزامات العائلية أي الأب والأم دون غيرهما ممن قد يوصف بالشريك
مما سبق ذكره يرى الباحثون انه إذا رأت المحكمة أن كافة العناصر الجرمية متوفرة وقررت إدانة الزوج المشتكي منه، فانه سيكون من الأفضل لها أن تحكم عليه بعقوبة مالية رمزية مخففة وان تحكم عليه بعقوبة مدنية مع وقف التنفيذ كلما ظهر لها ذلك من دراسة ظروف الحال إن العقاب المخفف أو الرمزي أو الموقوف من شأنه أن يساعد في إعادة بناء قواعد الأسرة على أساس المحبة والتعاون والوفاق