تحليل نص المادة 13 من القانون التجاري الجزائري
دور الدفاتر التجارية المنتظمة في الاثبات
اولا التحليل الشكلي لنص المادة 13 ق ت
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 13 ق ت
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي
تنص المادة 13 ق ت :
{ يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال التجارية}
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 13) في
الأمر رقم 75- 59 مؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، يتضمن القانون التجاري المعدل والمتمم.
و قد جاء في الكتاب الأول وعنوانه
التجارة عموما ، من الباب الثاني وعنوانه
الدفاتر التجارية .
البناء المطبعي :
النص عبارة على مادة قانونية هي المادة 13 من القانون التجاري الجزائري تتألف من فقرة واحدة.
تبدأ من
" يجوز للقاضي " وتنتهي عند
" للأعمال التجارية "..
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 13من قانون التجاري الجزائري محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع دور الدفاتر التجارية المنتظمة في الاثبات ،و كمثال على ذلك نشير إلى :
" القاضي " ، " الدفاتر التجارية " ، " كإثبات ".
البناء المنطقي :
نلاحظ ان المادة 13 ق ت بدأت بعبارة
" يجوز "وهنا أي القاضي يجوز له قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات بين التجار وهذا بالنسبة للأعمال التجارية.
- يلاحظ أن المادة اعتمدت
أسلوبا إخباريا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 13 ق ت يتضح أن المشرع قد سمح للقاضي بأن يقبل الدفاتر التجارية المنتظمة كوسيلة إثبات بين التجار وذلك بالنسبة للأعمال التجارية.
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 13 ق ت يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
هل يجوز للقاضي القبول بالدفاتر التجارية المنتظمة كوسيلة إثبات بين التجار ؟ وما هي حجية هذه الدفاتر في الإثبات ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : مفهوم الدفاتر التجارية
المطلب الأول : تعريف الدفاتر التجارية و أهميتها
المطلب الثاني : أنواع الدفاتر التجارية
المبحث الثاني : قبول الدفاتر التجارية كأداة إثبات أمام القضاء
المطلب الأول : شروط قبول الدفاتر التجارية
المطلب الثاني : جزاء الإخلال بالإلتزام بمسك الدفاتر التجارية وعدم تنظيمها
المبحث الثالث : حجية الدفاتر التجارية في الإثبات
المطلب الأول : حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر
المطلب الثاني : حجية الدفاتر التجارية في الإثبات ضد التاجر
خاتمة
مقدمة :
تخضع المنازعات التجارية في إثباتها لكافة طرق الإثبات من بينها الإثبات بالدفاتر التجارية٬ فلا تعتبر هذه الأخيرة حجة في الإثبات لمصلحة التاجر ضد تاجر آخر إلا إذا كانت مطابقة لأحكام القانون أي تكون منتظمة وحتى في هذه الحالة لا تكون حجيتها مطلقة و إنما حجية نسبية، حيث يجوز لخصم التاجر نقض البيانات الواردة في هذه الدفاتر و إقامة الدليل بأي طريق أخر على عدم صحتها .
لم يلزم القانون القاضي بقبول الدفاتر التجارية في الإنبات لمصلحة التاجر فله سلطة أن لا يولي لهذه الدفاتر أية حجية حتى ولو كانت منتظمة فله سلطة تقديرية في تقدير الدليل المقدم في الدعوى، إما بإعطاء ها حجية كاملة لتلك البيانات المدونة في الدفاتر كما يمكن له جردها من كل قيمتها في الإثبات ،إذاً حرية الإثبات بالدفاتر التجارية ليست مطلقة بل هي مقيدة ببعض القواعد التي لا يجوز مخالفتها وهذه القواعد مقررة في المعاملات المدنية ومن أهمها القاعدة الأولى لا يجوز إجبار شخص على تقديم دليل ضد نفسه ،القاعدة الثانية لا يجوز للشخص أن يخلق دليلا لنفسه ضد غيره سواء كان تاجر أو غير تاجر.
المبحث الأول : مفهوم الدفاتر التجارية
المطلب الأول : تعريف الدفاتر التجارية و أهميتها
القانون التجاري الجزائري يفرض على كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة التاجر ملزم بمسك دفتر اليومية يقيد فيه يوما بيوم عمليات المقاولة أو أن يراجع على الأقل نتائج هذه العمليات شهريا بشرط أن يحتفظ في هذه الحالة بكافة الوثائق التي يمكن معها مراجعة تلك العمليات يوميا .
نستنتج أن الدفاتر التجارية
هي تلك السجلات التي يقيد فيها التاجر كل حساباته التجارية، وكل العمليات والصفقات التي يقوم بها يوم بيوم مما يسمح له بمراقبة أعماله .
لقد خص المشرع الجزائري للدفاتر التجارية أهمية كبيرة. وكرّسها كالتزام قانوني يقع على عاتق كل التجار سواء كانوا أشخاص طبيعية أو معنوية؛ قاصدا بذلك مصلحتهم ومصلحة كل الذين يتعاملون معهم.
ولما كانت البيانات المدونة في هذه الدفاتر ذات أهمية كبيرة في حالة قيام نزاع بين التجار فتلعب الدفاتر التجارية دورا هاما كألية اثبات أمام القضاء إلى جانب أدلة الإثبات الأخرى المنصوص عليها في القانون التجاري.
أولا) بالنسبة للتاجر :
إن مسك الدفاتر التجارية بشكل منتظم وتدوين العمليات بشكل واضح تجعل التاجر في وضع يستطيع معه معرفة حالة تجارته ومركزه المالي من خلال نسبة أرباحه، من خلال الاطلاع على كل ما ورد في الدفتر من بيانات خلال عدة سنوات؛ حيث تسمح له هذه البيانات من معرفة النتائج التي وصل اليها مشروعه؛ كما له أن يتعرف على أسباب مكاسبه وخسائره .
يتمتع التاجر الذي يمسك دفاتر تجارية بصفة منتظمة من حق تقديمها كدليل اثبات أمام القضاء ضد التجار أنفسهم أو اتجاه المتعاملين معه؛ فضلا عن ذلك؛ تلعب الدفاتر التجارية دورا هاما عند افلاس التاجر؛ فإذا أشهر إفلاس التاجر فإن دفاتره التجارية تساعد على الكشف عن مدى سلامة أعماله التجارية؛ إذ تستطيع المحكمة عن طريقها التحقق عما إذا كان مفلسا بالتقصير أو بالتدليس؛ أم افلاسه يعود لأسباب خارجة عن إرادته، ذلك أن التاجر قد يعد مفلسا بالتدليس إذا أخفى دفاتره التجارية وأتلفها أو غيرها ويكون مفلسا بالتقصير إذا لم يمسك دفاتر تجارية بطريقة تكفي للوقوف على حقيقة مركزه المالي .
وتجدر الملاحظة أنه يمكن للتاجر أن يستفيد من التسوية القضائية ومن ثم يتجنب شهر إفلاسه عند توقفه عن الدفع شرط أن يقدم دفاتر تجارية منتظمة للسنوات الثلاث الأخيرة على الأقل أو من تاريخ بدء احترافه النشاط التجاري.
وفي هذه الحالة، ينبغي على التاجر أن يثبت حسن النية عند عدم قدرته على دفع ديونه للاستفادة من التسوية القضائية وتفادي شهر افلاسه، ولكن يشترط في ذلك أن تكون دفاتره التجارية منتظمة حتى يتم قبولها من طرف المحكمة كدليل اثبات.
ثانيا) بالنسبة للغير :
إن استخدام الدفاتر التجارية كدليل اثبات من قبل التاجر لا يعود بالنفع له فقط وإنما على الغير الذي يتعامل مع هذا التاجر.
فالدفاتر التجارية لها فائدة هامة تتمثل في تمتعها بالحجية الكاملة في الإثبات، و التي منحها لها المشرع من خلال ما تتضمنه من بيانات تشكل بمثابة اقرار كتابي صادر من التاجر الذي يمسكها والتي يمكن اتخاذها كدليل إثبات ضده.
ثالثا) بالنسبة للدولة :
لا تنحصر أهمية الدفاتر التجارية فيما بين التجار المتعاملين معه فقط بل تمثل هذه الدفاتر سندا هاما لمصلحة الضرائب؛ إذ يمكن لإدارة الضرائب عند الرجوع إليها الاعتماد على محتواها الدفاتر لتحديد نسبة الضريبة المفروضة عليهم.
كما أن عدم التزام التاجر بمسك الدفاتر التجارية لا يمكن أن يشكل سببا لإعفائه من الضريبة، وفي هذه الحالة ما على مصلحة الضرائب إلى اللجوء إلى نظام التقدير الجزافي للضريبة وهي طريقة لا يطمئن إليها التجار لأنها غالبا ما تكون مجحفة و ليست في صالح التاجر و عادة ما تثير عملية التحديد الجزافي للضريبة شكوى أو طعن أمام الجهات الفضائية
وتستطيع الدولة من خلال الدفاتر التجارية التي يستخدمها التاجر، معرفة نوع البضائع التي يتعامل بها التاجر فيما إذا كانت مشروعة أم لا، كما تتمكن الدولة من هذه الدفاتر والبيانات التي تتضمنها بإحصاء كافة العمليات التجارية والمعلومات الخاصة بتجارته.
ظهور وتطور الدفاتر التجارية :
يرجع ظهور الدفاتر التجارية إلى العرف التجاري وتطورت هذه الأخيرة مع تطور القانون التجاري، حيث يتضمن القانون التجاري مجموعة من القواعد التي تنظم النشاط التجاري والالتزامات المترتبة عنه ومن أهمها الالتزام بمسك الدفاتر التجارية، لذا يرتبط تاريخ ظهور هذه الدفاتر بتاريخ التجارة ذاتها.
لقد تزامن تطور الدفاتر التجارية بتطور القانون التجاري منذ ظهوره في العصر القديم وتطوره عبر العصور الوسطى إلى أن ارتقت إلى التزام قانوني في العصور الحديثة.
أولا : ظهور الدفاتر التجارية في العصر القديم :
تميز هذا العصر بالاهتمام أكثر بالنشاط الفلاحي الذي يمثل النشاط الأساسي للأفراد في هذه الفترة أما النشاط التجاري فلقد ترك للأجانب والرقيق والعبيد واليهود، بسبب الاعتقاد الذي كان سائدا آنذاك والذي كان يرى في التجارة عملا لا يناسب للشرفاء والأحرار بل ويخط من قيمة النبلاء منهم ويقلل من نشأنهم كالمصريين القدماء والرومان.
أما عن الالتزام بمسك الدفاتر التجارية، فيرجع إلي عرف قديم سار عليه التجار منذ الصيارفة الرومانيين الذين وضعوا النواة الأولى لفن المحاسبة التجارية الحديثة.
لقد إعتبر الأستاذ
" سيشرون " أنه من الأفضل على كل روماني استعمال الدفاتر يدون فيها جميع عملياته فمن المتعارف عليه أن رب الأسرة يسجّل في دفاتر خاصة أحداث عائلية ومصروفاته وحساباته.
أما الأستاذ
"جورج هاميل " فيرى أن الحضارة المصرية بالرغم من أنها تع ن أقدم الحضارات وأعرقها؛ إلا أنها لم تترك لنا أثر يتعلق بالنشاط التجاري، وهذا لا يعني أن الشعوب في هذه الفترة لم تزاول النشاط التجاري نهائيا أو لم تعرف قانونا أو عرفا أو عادات تجارية بل أن السبب راجع لكونها كانت تحتل مركز ثانويا مقارنة بالنشاطات الأخرى.
كان اهتمام البابليين بالتجارة كبيرا. ويرجع هذا الاهتمام الى القواعد التجارية التي جاء بها حمو رابي ودونها والتي كانت قليلة وتناولت أساسا بعض المواضيع مثل الشركة...» وقد انتقلت هذه القواعد إلى الفينيقيين الذين ارتبط اسمهم بالبحر، وببعض التنظيمات البحرية التي تعرف الآن بقواعد التجارة البحرية.
يظهر من خلال ما تقدم أن القانون التجاري هو المنبع الأصلي للدفاتر التجارية، نظرا لكون هذه الأخيرة جزء من أحكام القانون التجاري، فظهر أحكام هذا القانون هو الذي ساهم في ظهور الدفاتر التجارية.
ثانيا : مرحلة العصور الوسطى :
شهدت هذه المرحلة انتعاشا كبيرا للتجارة بفضل الرومان الذين فرضوا سيطرتهم في هذا المجال، حيث بلغت الإمبراطورية الرومانية أوج قوتها وعصمتها من خلال الابتعاد عن كل مظاهر التمييز العنصري؛ غير أنه مع مرور الزمن سقطت الإمبراطورية الرومانية وعمت بعدها الفوضى وأصبحت التجارة في خطر مما أدى إلى ظهور نظام الطبقية، بمعنى طغيان الطبقة الكبرى على الصغرى وذلك من خلال استيلائها على المدن الإيطالية.
وقد تميز هذا العصر وما قبله بالطابع الحضاري الإسلامي، خاصة بعد انتشار الإسلام في الهند؛ والصين وإفريقيا والأندلس، وقد اهتدى المسلمين إلى كثير من الأنظمة والقواعد القانونية الحديثة.
ثالثا : مرحلة العصر الحديث :
تميز هذا العصر بظهور الاكتشافات الجديدة والتي ساهمت بدورها في ظهور المصاريف الكبرى؛ كما ظهر استعمال الأوراق النقدية وانتشر التعامل بالأوراق التجارية.
ازدهرت التجارة في هذه الفترة وراجت رواجا كبيرا مما أدى إلى إتباع سبل لتنظيم الأعمال التجارية، وذلك من خلال سن القوانين حفاظا على مصلحة التجار وتنظيم العلاقات ومن بين القواعد التي تطورت مع تطور القانون التجاري، الأحكام الخاصة والمنظمة للدفاتر التجارية حيث وضعت هذه الأخيرة لتنظيم تجارتهم وتدوين مالهم من حقوق وما عليهم من ديون، كما تساهم هذه الدفاتر في عدم إغفال أو نسيان تسجيل بعض العمليات التجارية المنجزة.
لذا تناولت التقنيات الحديثة ومن بينها التقنين التجاري الجزائري موضوع الدفاتر التجارية في الباب الثاني في المواد من 9 إلى 18 منه، فقد أشارت المواد من 9 إلى 14 منه إلى الأشخاص الملزمين بمسك الدفاتر التجارية، وفي المادة 11 من القانون التجاري الجزائري إلى أنواع الدفاتر التجارية التي يلتزم على التاجر مسكها وبالأخص الشروط الخاصة بتنظيمها.
فضلا عن ذلك حدت أحكام القانون التجاري الجزاء المترتب عن الإخلال بالالتزام بمسك الدفاتر التجارية أو عدم مسكها بشكل منتظم كما بين المشرع الجزائري في المواد 5 إلى 18 من القانون التجاري دور الدفاتر التجارية وحجيتها في الإثبات.
بالنتيجة يمكن القول أن الدفاتر التجارية قد عرفت في هذه الرحلة تطورا تدريجيا حيث وصلت إلى الهدف الذي يسعى إليه التجار ن مسك هذه الدفاتر وزادت أهميتها مع تطور الزمن.
المطلب الثاني : أنواع الدفاتر التجارية
أوجب المشرع الجزائري التجار على مسك بعض الدفاتر التجارية بشكل إلزامي وتتمثل في دفتر اليومية ودفتر الجرد وأما الأنواع الأخرى فترك له الحرية في مسكها أم لا حيث تساهم هذه الأنواع لتسهيل مزاولة نشاطه التجاري.
الفرع الأول : الدفاتر الالزامية :
ألزم القانون التجاري على كل تاجر بأن يتقيد بدفترين تجاريين على الأقل هما دفتر اليومية ودفتر الجرد باعتبارها من أهم الدفاتر التي يستعين بها التاج، لتدوين كل عملياته التجارية.
هذا ما يستفاد من استقراء المواد 9. 10. 11 من القانون التجاري الجزائري.
أولا : دفتر اليومية Livret Journal
تنص المادة 09 من التقنين التجاري الجزائري على ما يلي : " كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة التاجر ملزم بمسك دفتر اليومية يقيد فيه يوما بيوم عمليات المقاولة أو أن يراجع على الأقل نتائج هذه العمليات شهريا بشرط أن يحتفظ في هذه الحالة بكافة الوثائق التي يمكن معها مراجعة تلك العمليات يوميا ."
يعد دفتر اليومية أهم الدفاتر التجارية. حيث يسجل فيه التاجر العمليات التي يقوم بها يوما بيوم والمتعلقة بنشاطه التجاري من شراء أو بيع أو مصروفات وغيرها من العمليات التجارية، كما لا يلزم المشرع التاجر بقيد مصروفاته الشخصية ، لأن ذلك مساس بحياته الخاصة.
ومن الناحية العملية لا يكفي دفتر واحد لقيد العمليات التجارية على اختلاف أنواعها، لذلك يجوز للتاجر أن يمسك أكثر من دفتر يومي مساعد له.
إن هدف المشرع من إلزام التاجر بمسك هذا الدفتر هو الحرص على أن يبين التاجر جميع المعاملات التي يقوم بهاء ولكثرة الأعمال التي يقوم بها التاجر فقد يغفل في تدوينها يوميا لذا أجاز المشرع قيد العمليات شهريا بشرط حفظ الوثائق والمستندات المتعلقة بها لمدة لا تقل عن عشرة سنوات.
ثانيا : دفتر الجرد Livret d inventaire
نصت المادة 10 من القانون التجاري الجزائري على ما يلي: " يجب عليه أيضا أن يجري سنويا جردا لعناصر أصول وخصوم مقاولته وأن يقفل كافة حساباته بقصد إعداد الميزانية وحساب النتائج وتنسخ بعد ذلك هذه الميزانية وحساب النتائج في دفتر الجرد".
يستفاد من نص المادة أن دفتر الجرد يمكن التاجر من معرفة قيمة وعدد البضائع الموجودة في محله أو مخازنه، الأمر الذي يمكنه من معرفة وضعيته التجارية للسنة، وتحديد ميزانية السنة المقبلة.
كما لدفتر الجرد دور هام في معرفة المركز المالي للتاجر ومن ثم يسمح لدائني التاجر في حالة إفلاسهم من معرفة مالهم من حقوق وما عليهم من التزامات.
الفرع الثاني : الدفاتر الاختيارية :
يستعمل التجار بالإضافة إلى الدفاتر التجارية الإلزامية دفاتر أخرى لتسهيل مزاولة نشاطاتهم فهي دفاتر غير الزامية بل اختيارية وتتمثل أساسا في :
أولا : دفتر الأستاذ Le Grand Livre
يتمثل دفتر الأستاذ في سجل تدون فيه خلاصة أعمال التاجر التجارية، فهو بمثابة الدفتر الرئيسي التي تنصب فيه كل الدفاتر الفرعية السابقة حيث تنقل إليه القيود التي سبق تدوينها في دفتر اليومية“، وتظهر فيه النتائج النهائية لتحركات عناصر المشروع التجاري.
و يتألف دفتر الأستاذ من مجموعات رئيسية من الحسابات تتلخص فيما يلي :
1- الحسابات الشخصية باسم الأشخاص الذين يتعامل معهم التاجر.
2- الحسابات العامة أو الحقيقية تمثل الأصول والموجودات التي يتألف منها المحل التجاري كحساب رأس المال؛ والصندوق، أو البضاعة أو الآلات، أو الإسناد التجارية للقبض أو للدفع، وحسابات إسمية تمثل نفقات وإرادات أو أرباح أو خسائر .
ثانيا : دفتر المسودة أو الخرطوش Livret Brouillon
هو الدفتر الذي يستعمله التاجر ساعة بساعة في متجره، يسجل فيه جميع العمليات التجارية فور حصولها على سبيل التذكير ويقوم بعد ذلك بنقل كل هذه البيانات في نهاية اليوم إلى دفتر اليومية.
ثالثا : دفتر الصندوق Livret de Caisse
هو دفتر يسجل فيه التاجر كل المبالغ التي تدخل أو تخرج من الخزانة، حيث يبين هذا الدفتر حركة الأموال من وإلى الصندوق؛ بمعنى أن كلّ المداخل وجميع المخارج النقدية، وهذا لتسهيل موجودات الصندوق النقدية التي تسمح للتاجر ببيان رصيده في أخر كل يوم.
يعتبر دفتر الصندوق من أهم الدفاتر بالنسبة للمشروعات ذات الحركة النقدية العالية كالبنوك مثلا إذ يمثل هذا الدفتر حركة النقود الداخلة والخارجة من خزانة التاجر مما يسمح له بمعرفة موجودات الصندوق من النقود في نهاية كل يوم.
رابعا : دفتر المخزن Livret de Stocks
هو الدفتر الذي تدون فيه البضائع التي تدخل وتخرج من مخزن التاجر، يسمح هذا الدفتر للتاجر من معرفة كمية الموجودات المتوفرة لديه وهذا من شأنه أن يمنع أي تلاعب.
خامسا : دفتر الأوراق التجارية
ويسمى أيضا بدفتر القبض وأوراق الدفع، يدون في الدفتر تواريخ استحقاق السفاتج والسندات الإذنية التي يكون التاجر دائنا أو مدينا بمبالغها حتى يتسنى له مراعاة المواعيد التي ينص عليها قانون الصرف بشأن الوفاء بقيمة الأوراق التجارية أو استفتاء هذه القيمة.
زيادة عن ذلك، يسجل التاجر في هذا أسماء الدائنين أو المظهرين وعنوان كل واحد منهم ومواعيد الإنذارات والاحتجاجات، وكل ما يتعلق بالأوراق التجارية، بالإضافة إلى قيد حركة النقود التي تدخل في الصندوق والتي تخرج منه.
المبحث الثاني : قبول الدفاتر التجارية كأداة إثبات أمام القضاء
لا يلتزم بمسك الدفاتر التجارية إلا الشخص الذي يكتسب صفة التاجر ويشترط لاكتساب صفة التاجر تمتع الشخص بالأهلية التجارية. وممارسة الشخص للعمل التجاري والامتهان فيه ومتى توفرت هذه الشروط التزام بمسك الدفاتر التجارية لذا يترتب الإخلال بالالتزام بمسك الدفاتر التجارية أو عدم مراعاة القواعد التي تحكم انتظامها تعرض التاجر لجزاءات معينة؛ منها جزاءات ذات طبيعة مدنية وجزاءات أخرى ذات طبيعة جزائية.
المطلب الأول : شروط قبول الدفاتر التجارية
لا يمكن قبول الدفاتر التجارية كأداة للإثبات أمام القضاء إلا إذا كانت تتوفر على بعض الشروط التي نص عليها صراحة القانون التجاري، هذا ما نصت غليه صراحة المادة 14 من القانون التجاري الجزائري : " إن الدفاتر التجارية التي يلتزم الأفراد بمسكها والتي لا تراعي فيها الأوضاع المقررة أعلاه، لا يمكن تقديمها للقضاء ولا يكون لها قوة الإنبات أمامه لصالح من يمسكونها وذلك مع عدم المساس بما ورد النص بشأنه في كتاب الإفلاس والتفليس ".
الفرع الأول : أن بكون الشخص تاجرا وموضوع النزاع متعلق بعمل تجاري :
من الشروط الواجب توافرها في الدفاتر التجارية كأداة إثبات أمام القضاء، أن يكون الشخص تاجرا وأن يكون موضوع النزاع عمل تجاري.
أولا : ان يكون الشخص تاجرا :
لما كان قبول الدفاتر التجارية كأداة إثبات أمام القضاء يستوجب ان يتوفر في صاحب الدفاتر صفة التاجر فيقتضي منا التوقف على تعريف المشرع الجزائري للتاجر والشروط الواجب توفرها لاكتساب هذه الصفة.
1- تعريف التاجر :
تنص المادة الأولى من القانون التجاري الجزائري على ما يلي : " يعد تاجرا كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملا تجاريا ويتخذه مهنة معتادة له؛ ما لم ينص القانون بخلاف ذلك ".
وعليه فالتاجر هو كل شخص طبيعي أم معنوي كالشركات يمارس الأعمال التجارية على وجه الاحتراف باسمه ولحسابه الخاص وتتوفر لديه الأهلية التجارية.
أما في القانون التجاري الفرنسي، فيعرف التاجر كل فرد يزاول على نحو ظاهر الأعمال التجارية ويجعل منها حرفة رئيسية.
2- شروط اكتساب صفة التاجر :
يشترط لاكتساب صفة التاجر احتراف الأعمال التجارية واتخاذها سبيلا يضمن تحقيق العيش وإشباع حاجيات التاجر. وتتلخص الشروط الأساسية لاكتساب هذه الصفة فيما يلي:
أ- مباشرة الأعمال التجارية باسم الشخص ولحسابه الخاص :
يشترط لاكتساب الشخص لصفة التاجر أن يقوم بممارسة النشاط أو العمل التجاري بنفسه؛ وأن يقوم بذلك على وجه الاستقلال ولحسابه الخاص.
بالتالي فهو الذي يتحمل مسؤولية النتائج والآثار المترتبة عن مزاولته للنشاط التجاري.
لذلك لا يعتبر تاجرا كل من يقوم بإدارة المحلات التابعة لوالده، وكما لا تعتبر تاجرة المرأة التي تعمل في محل زوجها لأنها لا تزاول العمل التجاري باسمها الشخصي ولا لحسابها الخاص.
ب- احتراف الأعمال التجارية :
لا يكتفي لاكتساب صفة التاجر أن يقوم الشخص بمباشرة الأعمال التجارية باسمه و لحسابه الخاص‘ بل يجب أن يباشر ذلك على وجه الاحتراف؛ بمعنى توجيه النشاط التجاري بصفة منتظمة ومستمرة و دون انقطاع، و ذلك بقصد اتخاذه مهنة أو نشاطه الرئيسي، و منه مصدرا لإشباع حاجاته الشخصية.
ج- الأهلية التجارية :
يشترط القانون التجاري الجزائري على كل شخص يرغب في مزاولة النشاط التجاري ويتخذه مهنة له أن يتمتع بالأهلية التجارية؛ وتتحدد هذه الأهلية ببلوغ سن الرشد مع ذلك أجاز القانون التجاري للقاصر مزاولة التجارة ولكن بشروط.
- أهلية الراشد :
لم ينص المشرع الجزائري على أهلية الراشد في القانون التجاري، لذا يجب الرجوع إلى أحكام القانون المدني باعتباره الشريعة العامة، لذا تقتضي المادة 40 من القانون المدني الجزائري على ما يلي : " كل شخص بلغ سن الرشد بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية وسن الرشد تسعة عشر 19 سنة كاملة ".
نستنتج من فحوى النص أن كل من بلغ 19سنة كاملة، ولكن أصيب بعارض من عوارض الأهلية فيمتنع عليه مباشرة التجارة. أما بالنسبة للمرآة أجاز لها القانون ممارسة التجارة مثلها مثل الرجل بمجرد بلوغها سن 19سنة كاملة، أو سن 18 سنة كاملة بعد حصولها على الإذن. هذا ما نصت عليه المادة 8 القانون التجاري الجزائري : " تلتزم المرأة التاجرة شخصيا بالأعمال التي تقوم بها لحاجات تجارتها.. "
- أهلية القاصر :
لا يجوز للقاصر المرشد ذكرا كان أم أنثى و البالغ من العمر 18 سنة كاملة و الذي يريد مزاولة التجارة أن يقوم بعمليات تجارية، كما لا يمكن اعتباره راشدا بالنسبة للتعهدات التي يبرمها عن اعمال تجارته إذا لم يكن قد حصل مسبقا على إذن والده أو أمه أو على قرار من مجلس العائلة مصادق عليه من المحكمة؛ فيما إذا كان والده متوفيا أو غائبا أو سقطت عنه سلطته الأبوية أو استحال عليه مباشرتها وفي حالة انعدام الأب والأم ويجب أن يقدم هذا الإذن الكتابي دعما لطلب التسجيل في السجل التجاري .
ثانيا : أن يكون موضوع النزاع متعلق بعمل تجاري :
يشترط القانون أن يكون موضوع النزاع القائم بين التاجرين متعلق بعمل تجاري وقد نظم المشرع الجزائري الأعمال التجارية من المادة 2 إلى 4 من القانون التجاري.
لقد حد المشرع الجزائري الأعمال التي تعد بطبيعتها أعمال تجارية، حيث اصبغ عليها بنص صريح الصفة التجارية، وقام بإخضاعها لنظام قانوني خاص هو القانون التجاري.
وتصنف هذه الأعمال إلى ثلاثة أنواع هي : الأعمال التجارية بحسب الموضوع، والأعمال التجارية بحسب الشكل، وأخيرا الأعمال التجارية بالتبعية .
الفرع الثاني :أن تكون الدفاتر التجارية منتظمة :
إن مسك الدفاتر التجارية بطريقة دقيقة ومنتظمة هو أمر لا غنى عنه في الحياة التجارية لما تتضمنه من فائدة تعود على التاجر و دائنيه والخزينة العامة على حد سواء كما أن احتفاظ التاجر بدفاتره خلال المدة القانونية المحددة وفي مكان آمن سيسهل عليه الرجوع إليها عند الضرورة أو الحاجة.
أولا : طريقة تنظيم الدفاتر التجارية :
يقصد بتنظيم الدفاتر التجارية؛ أن تون في هذه الدفاتر كلّ المعلومات الخاصة بالعمليات التجارية طبقا لقواعد المحاسبية المتعارف عليها والمعمول بهاء لذا من الضروري تدوين كل هذه العمليات التجارية بحسب تاريخها؛ وتدوين هذه البيانات بطريقة صحيحة دون أخطاء أو فراغ أو شطب إضافة إلى ضرورة ترقيم صفحات هذا الدفتر .
1- تنظيم الدفاتر التجارية بحسب التاريخ :
يشترط في تنظيم الدفاتر التجارية أن يتم تسجيل العمليات التجارية من بيع وشراء وغيرها من العمليات بشكل متتابع بحسب تاريخ إجراءها فلا يجوز أن تسجل بغير تاريخها أو أن تسجل قبل عملية سابقة لها في التاريخ؛ هذا ما نصت عليه المادة
- القانون التجاري الجزائري : "يمسك دفتر اليومية ودفتر الجرد بحسب التاريخ.... ".
وفي حالة ماذا وقع خطأ من التاجر في كتابة أحد البيانات الخاصة بعملياته التجارية فلا يجوز له شطبها أو كشطها أو تصحيحها بين السطور أو على الهامش وإنما عليه أن يصحح الخطأ كتابة عند كشفه مع ذكر تاريخ التصحيح ولعل الهدف من ذلك هو سلامة البيانات الموجودة في الدفتر ومنع إضافة أي بيان في الفراغات الموجودة بين المسطرة.
2- خلو الدفاتر التجارية من أي فراغ أو نقل إلى الهوامش :
يتوجب على التاجر عند مسك دفاتره التجارية أن تكون هذه الدفاتر خالية من أي فراغ أو شطب، أو محو أو كتابة في الهوامش أو بين السطور و هذا ما تؤكده المادة 11 السالفة الذكر بنصها على ما يلي"...وبدون ترك بياض أو تغيير من أي نوع كان أو نقل إلى الهامش.... "
بالإضافة إلى ذلك يجب أن تحفظ هذه الدفاتر وتراعى كما هي، والقصد من ذلك هو سلامة البيانات الواردة بها دون تزييفها؛ لذا يمنع على التاجر إضافة أي بيان في الفراغ الموجود .
والغرض من ذلك حتى لا يمكن للتاجر تغيير أو تعديل أو محو بعض البيانات الواردة في الدفتر حسب ما تمليه عليه.
3- ترقيم الصفحات وتوقيعها من طرف قاضي المحكمة :
إن تدوين كل البيانات الخاصة بالعمليات التجارية من قبل التاجر لا يكفي، بل يجب عليه تقديم دفاتره إلى مراقب السجل التجاري الذي يقوم بدوره بترقيم هذه الدفاتر والتأشير عليها كما يقوم بالتوقيع على كل صفحات الدفتر طبقا لما جاء في نص المادة 11 القانون التجاري التي قضت بما يلي : "...وتزقم صفحات كل من الدفترين ويوقع عليهما من طرف قاضي المحكمة حسب الإجراء المعتاد ".
لذلك يجب ترقيم كل صفحة من صفحات دفتر اليومية والجد وذلك قبل استعمالها ويوقع عليها من طرف قاضي المحكمة المختصة التي يقع في دائرة نشاطها التاجر .
والغاية من ذلك؛ هو الحفاظ على مضمون ومحتوى كل صفحة وبياناتها وبالتالي البقاء على حالها دون إخفاء أو استبدال بعض الصفحات منه أو استبداله بأكمله.
ثانيا : صلاحية الدفاتر التجارية للمدة المحددة قانونا :
تنص المادة 12 من القانون التجاري الجزائري على ما يلي: " يجب أن تحفظ الدفاتر و المستندات المشار إليها في المادتين 9 و10 لمدة عشرة سنوات كما يجب أن تحتفظ المراسلات الواردة ونسخ الرسالات الموجهة طيلة نفس المدة ".
يتضح من فحوى المادة 12 أن نصها جاء بصيغة الوجوب وهي صيغة تفيد إلزام التاجر على أن يحتفظ بدفاتره التجارية لإلزامية ومستنداته لمدة 10 سنوات كاملة " من تاريخ إقفال الدفتر أي من تاريخ التأشير بانتهاء صفحات الدفتر .
وينطبق ذلك على المراسلات الواردة للتاجر والصادرة منه وتبدأ حساب المدة نفسها من تاريخ إرسالها أو تسلمها وفي حالة ما إذا انقضت مدة 10 سنوات أصبح التاجر غير ملزم بالاحتفاظ بهذه الدفاتر ، بالتالي لا يمكن إلزامه بتقديمها أمام القضاء بعد انقضاء هذه الفترة لوجود قرينة قانونية على انعدامها بعد فوات مدة العشر سنوات.
غير أنه يجوز إثبات عكس هذه القرينة وذلك بإقامة الدليل على أن الدفاتر لا تزال موجودة بحوزة التاجر وفي هذه الحالة فالتاجر ملزم بتقديمها إذا اقتضت الضرورة ذلك.
أما بالنسبة لمدة الاحتفاظ بالدفاتر التجارية الاختيارية؛ فلم ينص المشرع الجزائري على المدة التي يلتزم خلالها التاجر للاحتفاظ بهذه الدفاتر ، لذا وفقا لنص المادة 20 فقرة 6 من القانون رقم 11-07 المتعلق بالنظام المحاسبي المالي، فإن مدة الاحتفاظ بالدفاتر التجارية الاختيارية تخضع لنفس مدة الدفاتر التجارية الإلزامية وهي مدة 10سنوات على الأقل ابتداء من تاريخ قفل السنة المالية وهذا ما يستخلص من فحوى المادة التي جاء فيها ما يلي : " ... تحفظ الدفاتر المحاسبية أو الدعامات التي تقوم مقامها ،و كذا الوثائق الثبوتية لمدة عشرة (10) سنوات ابتداء من تاريخ قفل كل سنة مالية محاسبية ".
المطلب الثاني : جزاء الإخلال بالإلتزام بمسك الدفاتر التجارية وعدم تنظيمها
ان التاجر المهمل الذي يمسك الدفاتر التجارية أو لم يراع فيها الأوضاع المقررة قانونا يتعرض جزاءات بعضها ذو طبيعة مدنية والبعض الأخر ذو طبيعة جزائية .
الفرع الأول :
الجزاءات المدنية
لا شك أن الجزاءات التي فرضها المشرع الجزائري على التاجر الذي أخل بالالتزام بمسك دفاتر تجارية أو أهمل في شروط وقواعد تنظيمها”؛ تتمثل في عدم قبولها أو الاعتداد بها في الإثبات في حالة وقوع نزاع بينه وبين تاجر اخر بخصوص اعماله التجارية هذا ما أشارت إليه المادة 14 من القانون التجاري الجزائري.
حيث أن الدفاتر التي يلزم التجار بمسكها خلافا للأوضاع المطلوبة قانونا تفقد قيمتها الثبوتية أمام القضاء وبالنسبة للشخص الملزم بمسكها.
أكثر من ذلك قد تكون سببا للقاضي في الحكم بشهر إفلاسه وبالتالي رفض طلب التاجر للاستفادة من الصلح الواقي من الإفلاس هذا ما تؤكده المادة 226 فقرة 1 من القانون التجاري الجزائري التي تنص على ما يلي : " يقضي بالتسوية القضائية إذا كان المدين قد قام بالالتزامات المنصوص عليها في المواد 215 و 216 و 217 و 218 المتقدمة . "….
فإذا كانت دفاتر التاجر غير منتظمة أو غير موجودة أصلاء فيتعذر هنا تحديد مركزه الماليك زيادة إلى تعرضه لدفع ضريبة جزافية؛ ذلك انه يتوجب على كل تاجر شخص طبيعي أو معنوي يقوم بعمليات خاضعة للرسم على القيمة المضافة أن يمسك محاسبة تحدد رقم أعماله وفق التشريع والتنظيم المعمول بهما وفي حالة مخالفة هذا الالتزام فإنه سيخضع لطريقة التقدير الجزافي في تحديد الضريبة وهي طريقة غالبا ما تكون مضرة بمصلحة التاجر.
فضلا عن ذلك يتعرض التاجر لغرامة قدرها 50 دج ما لم يقدم في الآجال المحددة كدعم لتصريحه الوثائق والمعلومات التي يجب تقديمها وتتضاعف هذه الغرامة بعدد الوثائق التي لا تقدم أو لم تصل إلى الإدارة في حينها وفي حالة ما إذا لم تقدم الوثائق في أجل ثلاثين (30) يوما ابتداء من تاريخ الاعذار الموجهة للمعني بالأمر ، تحدد الضريبة تلقائيا ويضاعف مبلغ الرسوم بقدر 25 بالمئة .
الفرع الثاني : الجزاءات الجزائية
حددت المادة 370 من القانون التجاري الجزائري الحالات التي يعد فيها التاجر مرتكبا لجريمة الإفلاس بالتقصير ، ومن بينها حالة التاجر الذي توقف عن الدفع ولم يمسك حسابات مطابقة لعرف المهنة رغم أهمية النشاط التجاري الذي يمارسه.
حيث جاء في نص المادة 370 فقرة 6 من القانون التجاري الجزائري ما يلي : ".... إذا لم يكن قد أمسك أية حسابات مطابقة لغرفة المهنة نظرا لأهمية تجارته ".
وأضافت المادة 371 فقرة 5 من نفس القانون على اعتبار التاجر مفلسا بالتقصير في حالة توقفه عن الدفع حيث نصت على ما يلي : "...إذا كانت حساباته ناقصة أو غير ممسوكة بانتظام... "
أما المادة 374 فتنص على ما يلي : " يعد مرتكبا للتفليس بالتدليس كل تاجر في حالة التوقف عن الدفع يكون قد أخفى حساباته أو بدد أو اختلس كل أو بعض أصوله أو يكون بطرق التدليس قد أقر بمديونيته بمبالغ ليست في ذمته سواء كان هذا في محرراته بأوراق رسمية أو تعهدات عرفية أو في ميزانيته ".
أما المادة 378 من القانون التجاري الجزائري فلقد تعرضت التاجر شخص معنوي بمعنى الشركات التجارية التي توقفت عن الدفع حيث جاء في مضمونها أنه : " في حالة توقف الشركة عن الدفع تطبق العقوبات الخاصة بالتفليس بالتقصير على القائمين بالإدارة والمديرين أو المصفين في الشركة ذات المسؤولية المحدودة وبوجه عام كل المفوضين من قبل الشركة يكونون بهذه الصفة وبسوء النية :
" .... 5- أو أمسكوا أو أمروا بإمساك حسابات الشركة بغير انتظام."
من خلال استقراء محتوى هذه المواد يتضح لنا مدى أهمية الالتزام بمسك الدفاتر التجارية في حياة التجار وضرورة مسكها بانتظام ودقة والا تزعزعت الثقة في شخص التاجر وكذلك في مركزه المالي مما يعرضه إلى جزاءات قانونية مختلفة.
بالنتيجة ومن خلال هذه النصوص القانونية. يظهر أن المشرع الجزائري قد قرر عقوبات جزائية لكل تاجر أو ذي صفة أخل بالتزامه بمسك الدفاتر التجارية أو لمن يعتني بانتظامها فنظرا لأن هذه الأفعال تشكل جريمة طبقا لقانون العقوبات؛ و بالنظر إلى خطورة هذا النوع من الجرائم سن المشرع نصوصا قانونية في قانون العقوبات الجزائري يعاقب من خلالها التاجر المرتكب لجريمة الإفلاس بالتدليس؛ فنصت المادة 383 من قانون العقوبات الجزائري على ما يلي : " كل من ثبتت مسؤوليته لارتكابه جريمة التفليس في الحالات المنصوص عليها في القانون التجاري يعاقب :
- عن التفليس بالتقصير بالحبس من شهرين الى سنتين وبغرامة من 25.000 دج الى 200.000 دج.
- عن التفليس بالتدليس بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 دج الى 500.000 دج.
ويجوز علاوة على ذلك أن يقضي على المفلس بالتدليس بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة فالمادة 9 مكرر 1 من هذا القانون لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر.
المبحث الثالث : حجية الدفاتر التجارية في الإثبات
يقوم القانون التجاري على مبادئ أساسية هي الثقة والائتمان إلى جانب السرعة في إبرام المعاملات التجارية لذا ألزم المشرع الجزائري كل تاجر بقيد كل ما يتعلق بنشاطه التجاري في دفاتر مخصصة لهذا الغرض وهي الدفاتر التجارية.
حيث تلعب هذه الدفاتر كأداة إثبات هامة أمام القضاء في حل النزاعات التي تثور بينه وغيره من التجار الذي يتعامل معه .
لذا تساهم الدفاتر التجارية بما تحتويه من بيانات على كشف الحقيقة؛ وذلك خلافا للمبدأ السائد أن " الشخص لا يمكن أن يصطنع دليلا لنفسه " وبما أن المعاملات التجارية تتطلب السرعة والثقة فعادة ما يتم إبرام العمليات التجارية دون اتخاذ الإجراءات الشكلية التي يمكن أن تمثل سند إثبات هام في حالة وقوع نزاع؛ لذا تدخل المشرع الجزائري بوضع أحكام قانونية تبن كيفية تدوين المعلومات والبيانات الخاصة بالعمليات والصفقات التجارية التي يمكن تشكل حجة إثبات هامة لصالح التاجر وقد تكون ضده وعليه، أجاز المشرع الجزائري للقاضي في حالة وجود نزاع الاطلاع على محتوى دفاتر التاجر لاستنباط الحل للنزاع المعروض عليه ويتم ذلك عن طرق الرجوع إلى هذه الدفاتر سواء بطلب من القاضي من تلقاء نفسه أو بطلب من أحد الخصوم .
يعد مسك الدفاتر التجارية التزام قانوني يقع على كل تاجر شخصا طبيعيا كان أو معنويا فضلا عن ذلك يلتزم التاجر بمسك دفاتره بطريقة منتظمة بمعنى خالية من كلّ بياض أو حشو أو شطب حتى يمكن الاستعانة بها كدليل إثبات أمام القضاء سواء لمصلحة التاجر نفسه أو ضده ومع تضخم وتطور الأعمال التجارية؛ وبفضل الثورة التكنولوجية وما صاحبها من تقنيات جديدة لإبرام العمليات التجارية.
المطلب الأول : حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر
تقوم المعاملات التجارية على مبدأ حرية الإثبات؛ لذا ألزم المشرع التاجر بتدوين العمليات المتعلقة بنشاطه التجاري في دفاتر خاصة حيث نلعب هذه الأخيرة دورا هاما في مسألة الإثبات إذ تسهل بما تحتويه من بيانات للكشف عن الحقيقة لما تتمتع به من حجية وتختلف حجية الدفاتر التجارية في الإثبات في حالة ما إذا كانت لمصلحة التاجر نفسه أو في حالة ما إذا كانت ضد التاجر
حددت المادة 30 من القانون التجاري الجزائري أهم أدلة الإثبات في المواد التجارية .
وإذا كان المبدأ في القواعد العامة هو عدم جواز اصطناع الشخص دليلا لنفسه؛ إلا أن المشرع الجزائري خرج عن هذا المبدأ في المسائل التجارية إذ أجاز للتاجر تقديم دفاتره كدليل إثبات لمصلحته أمام القضاء غير أن ذلك لا يتحقق إلا بتوفر الشروط التي حددها القانون التجاري وذلك في الحالة التي تتعلق فيه المنازعة بعمل تجاري تم بين تاجرين أو بين تاجر وغير تاجر.
أولا : إذا كانت المنازعة التجارية بين تاجر وتاجر آخر :
إذا كانت الدعوى قائمة بين تاجرين ومتعلقة بأعماله التجارية؛ فلقد أجاز المشرع الجزائري للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات للنزاع القائم بين التجار، وهذا ما تقضي به في المادة 13 من القانون التجاري الجزائري بنصها على ما يلي :" يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال التجارية " غير أن ذلك غير جائز إلا بتوفر ثلاث شروط أساسية هي :
1- يجب أن يكون النزاع بين تاجرين :
يشترط القانون التجاري الجزائري على التاجر الذي يقدم دفاتره لإثبات صحة ما يدعيه أمام القضاء أن يكون موضوع النزاع ذو طابع تجاري حيث يقوم التاجر بتقديم دفاتر في مواجهة دفاتر الخصم.
لذلك يستطيع كل واحد من الخصمين التاجران تقديم وإظهار دفاترهما التجارية أمام القاضي ليطلع عليها ويقرر من خلال البيانات المدونة فيها ما يمكن اعتباره دليلا قاطعا في إثبات ما يدعيه كل واحد منهما فيقوم القاضي بتفحصها بشك دقيق عن طريق المضاهاة أو المقارنة بين الدفترين لاستخلاص الحقيقة منها.
إن فرض هذا الشرط يجعل أو يقيد تقديم الدفاتر التجارية في الإثبات على التجار وحدهم دون غيرهم، باعتبارهم يزاولون نفس النشاط ويخضعون لنقس القانون.
وعند تفحص هذه الدفاتر التجارية؛ إذا تبين للقاضي أن إحدى هذه الدفاتر هي منتظمة على خلاف دفاتر التاجر الخصم وأن التاجر الذي يدون في دفاتره التجارية كل عملية شراء للبضائع أو استلامها والذي أنكر في نفس الوقت هذه الوقائع يجوز للطرف الخصم استعمال دفاتر التاجر الإجبارية لإثبات هذه العمليات.
وعليه تعتبر تكون لدفاتر التاجر حجة في الإثبات ضد خصمه التاجر ولكنها حجة غير قاطعة إذ هي قابلة لإثبات العكس بكافة طرق الإثبات؛ فيجوز للتاجر الخصم أن يأخذ هذا الدليل المخالف من دفاتره التجارية.
2- أن يتعلق النزاع بعمل تجاري :
إذا كان النزاع القائم بين التاجران مدنيا أو ذات طبيعة مختلطة؛ فلا مجال لتطبيق هذه القاعدة تطبيقا لنص المادة 13 القانون التجاري الجزائري لذا يجب أن يكون موضوع النزاع ذات طابع تجاري بالنسبة لكلا الطرفين وأن تكون البيانات المدونة في هذه الدفاتر تتعلق بالأعمال التجارية.
وعليه لا يمكن للتاجر استخدام دفاتره التجارية ضد خصمه التاجر إلا إذا كان النزاع يتعلق بعمل تجاري بالنسبة لكلا الطرفين، ومثال على ذلك شراء تاجر بضاعة من تاجر أخر وكان يقصد من ذلك إعادة بيعها؛ فيعتبر عملا تجاريا لكليهما سواء للمشتري أو البائع الذي يحترف شراء وبيع مثل هذه البضائع؛ فإذا نشأ نزاع من هذه العملية؛ فيمكن الاحتجاج بالدفاتر لإثباته.
3- أن تكون دفاتر التاجر منتظمة :
يقصد بانتظام الدفاتر التجارية؛ إتباع واحترام التاجر لكافة الشروط والإجراءات والضوابط المحددة قانونا والخاصة بمسك الدفاتر التجارية. لذا يتوجب على التاجر قيد جميع البيانات المتعلقة بالعمليات التجارية بشكل منتظم واحترام تسلسل العمليات بحسب تاريخ حصولها أو إبرامها، دون ترك بياض أو فراغ أو نقل إلى الهامش؛ وذلك لتفادي وقوع احتيال وغش من قبل التاجر كمحو أو تعديل بعض البيانات الواردة في الدفتر أو تمزيق بعض صفحاته مما يضفي لمحتوى هذه الدفاتر حجية قوية في الإنبات لمصلحة التاجر أو ضد خصمه.
وعليه نستنتج من نص المادة 13 من القانون التجاري الجزائري أن الدفاتر غير المنتظمة لا يمكن أن تكون لها حجة لمصلحة صاحبها.
يتمتع القاضي عند تقديم دفاتر تجارية منتظمة كدليل إثبات؛ بسلطة تقديرية في الأخذ بها كدليل إثبات عن طريق مقارنتها بدفاتر الخصم واستنباط الدليل منها كما له أن يرفض الاعتداد بها لوجود دليل أقوى أما في حالة ما إذا كانت البيانات المحتوات في الدفاتر متعارضة فللقاضي في هذه الحالة ترجيح إحدى الدفاتر على حساب الأخرى.
ومتى كانت الدفاتر التجارية منتظمة؛ وتم فيها احترام الشروط المحددة قانونا لمسكها وتنظيمها فلا يجوز تجزئة الإقرار الوارد فيها بحيث يأخذ بما يفيد ويستبعد مالا يريده؛ ذلك أنه لا يجوز تجزئة الإقرار هذا ما أكدت عليه المادة 342 فقرة 2 من القانون المدني الجزائري بنصها على ما يلي : " .... ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا أقام على وقائع متعددة وكانت وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود وقائع أخرى."
ثانيا : حجية الدفاتر التجارية في الإثبات ضد شخص غير تاجر:
يقوم التاجر عند مزاولة نشاطه بعدة معاملات؛ فقد تبرم هذه العمليات مع تاجر كما قد تكون مع شخص غير تاجر وفي حالة قيام نزاع بينهما فهل يمكن تقديم دفاتر التاجر أمام القضاء والاستناد إلى بعض بياناتها كدليل إثبات لحل النزاع.
بالرجوع إلى نص المادة 330 فقرة 1 من القانون المدني الجزائري والتي تنص على ما يلي : " دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار... ".
وبالتالي لا يلزم القاضي بالأخذ بالبيانات الواردة في الدفاتر التجارية كحجة لصالح التاجر ، والعبرة في ذلك حماية الطرف غير التاجر لكونه لا يملك دليل مقابلا لدليل التاجر وهي الدفاتر التجارية لهذا يستحيل على غير التاجر تقديم أية دليل ضد دفاتر التاجر.
غير أنه استثناء لذلك؛ إذا كانت دفاتر التاجر تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قام بها التاجر في هذه الحالة يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى أحد الطرفين فيما يكون إثباته بالبينة هذا ما أكدته المادة 30 من القانون التجاري الجزائري التي تنص على ما يلي :
" يثبت كل عقد تجاري :
1- بسندات رسمية
2- بسندات عرفية
3- بفاتورة مقبولة
4- الرسائل
5- بدفاتر الطرفين
6- الإثبات بالبينة أو أية وسيلة أخرى إذا أرادت المحكمة وجوب قبولها ".
بالرجوع إلى نص المادة 330 من القانون المدني الجزائري التي تنص على ما يلي : "...غير أن هذه الدفاتر عندما تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قام بها التجار.
يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى أحد الطرفين فيما يكون إثباته بالبينة.... ".
يستنتج من مضمون المادة أعلاه أن دفاتر التاجر لا يمكن أن تكون حجة على شخص غير تاجر إلا بتوفر الشروط التالية :
- يجب أن يكون محل الالتزام عبارة عن توريدات؛ أي بضائع قام بتوريدها التاجر(المدعى) إلى غير التاجر (المدعى عليه) كالموارد الغذائية.
- يجب ألا تزيد قيمة هذه البضائع عن نصاب البينة بمعنى ألا تفوت قيمة التوريدات 1000 دج هذا ما أكدته المادة 333 من القانون المدني الجزائري التي تنص على ما يلي : " في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على 100.000 دينار جزائري أو كان غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود في وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك.
ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف القانوني ويجوز الإثبات بالشهود إذا كانت زيادة الالتزام على 100000 دينار جزائري لم تأت إلا من ضم الملحقات الى الأصل.
وإذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة؛ جاز الإثبات بالشهود في كل طلب لا تزيد قيمته على 1000.00 دينار جزائري ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة؛ ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم أو تصرفات قانونية من طبيعة واحدة؛ وكذلك الحكم في كل وفاء لا تزيد قيمته على 1000.00 دينار جزائري".
- الاعتياد بالدفاتر التجارية في الإثبات وتكملته بتوجيه اليمين؛ وهذا أمر جوازي للقاضي وللخصوم فلا يجوز للخصم أن يوجه اليمين أو أن يطلب من القاضي توقيعها.
- لا يحوز للقاضي أن يكمل الدليل المستخلص من دفاتر التاجر إلا بطريقة واحدة وهي توجيه اليمين المتممة؛ فلا يجوز له تكملة هذا الدليل عن طريق شهادة الشهود أو القرائن.
المطلب الثاني : حجية الدفاتر التجارية في الإثبات ضد التاجر
للدفاتر التجارية حجية كاملة في الإثبات ضد التاجر سواء كان الخصم الذي يتمسك بها تاجرا أم غير تاجر وسواء كان الدين تجاريا أم مدنيا وسواء كانت الدفاتر التجارية منتظمة أم غير منتظمة؛ هذا ما نصت عليه المادة 330 فقرة 2 من القانون المدني الجزائري في نصها : ".... وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد استخلاص دليل لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها واستبعاد منه ما هو متناقض لدعواه ".
من خلال هذا النص نستنتج أن دفاتر التاجر تكون حجة عليه إذا كانت ممسوكة بطريقة منتظمة ومفاد القاعدة التي جاءت بها هذه الفقرة 2 أن البيانات الواردة في دفاتر التاجر هي بمثابة إقرار مكتوب صادر من التاجر .
فضلا عن ذلك إن القواعد الخاصة بالإقرار تقضي أنه لا يجوز للخصم تجزئة هذه البيانات، ليأخذ منها ما ينفعه ويستبعد ما يضر به، مثال ذلك: أن يسجل التاجر في دفتر اليومية أنه باع بضاعة إلى شخص ما ولم يستوفي منه حقها أي ثمنها فلا يجوز للمشتري أن يطالب التاجر بالبضاعة بالاعتماد على دفاتر هذا التاجر في إثبات عملية البيع ثم يدعي بأنه دفع ثمنها للتاجر. في هذه الحالة؛ عليه أن يتمسك بما ورد في الدفتر كاملا أو أن يستبعده كاملا ويقيد دليل آخر.
بالتالي ليس للتاجر أن يستفيد من أعماله أو بما يرتكبه من خطأ عند مسك دفاتره التجارية لكن بالمقابل على الغير أن يقبل بما تضمنته هذه الدفاتر ككل ولا يقبل التجزئة أي أن يأخذ بما ورد فيها من قيود في مصلحته وفي مصلحة صاحبها.
فإذا كان للغير مطلق الحرية في الاستناد على الدفاتر الإلزامية لخصمه التاجر فإن حقه هذا مقيد بعدم جواز تجزئة البيانات الواردة فيها وبالتالي قبولها بجملتها كما لو كانت إقرار من صاحبها مع الإشارة إلى أن حجيتها ليست قاطعة أو مطلقة؛ لأنه بإمكان إثبات عكسها أو وجود خطأ فيها بتقديم أي دليل آخر.
خاتمة :
تعتبر الدفاتر التجارية المنتظمة حجة أمام القاضي من صنع التاجر، يقدر القاضي صدقها من حيث تنظيمها لكي تكون حجة في الإثبات سواء لمصلحة التاجر أو ضد مصلحته، وعلى الرغم من أن القاعدة العامة في الإثبات هي أنه لا يجوز للشخص أن يصنع دليلا لمصلحته في مواجهة الغير، إلا أنه خروجا على هذه القاعدة يجوز للتاجر الاحتجاج بالدفاتر التجارية المنتظمة، على أنه يجب التفرقة في هذا الصدد بين ما إذا كان الخصم تاجرا أو غير تاجر، حيث إذا كان الخصم تاجرا، فإنه يجوز للتاجر أن يحتج بدفاتره التجارية المنتظمة لإثبات حق له على تاجر آخر، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يعتد بها إذا كانت منتظمة، ومتعلقة بنزاع تجاري بالنسبة إلى الطرفين، إما إذا كان الخصم غير تاجر، فإنه لا يجوز للتاجر أن يحتج بدفاتره التجارية المنتظمة لإثبات حق له على خصمه غير التاجر. هذا وتعد دفاتر التاجر حجة عليه؛ لأن ما يرد فيها من بيانات وقيود يعد إقرارا من قبل التاجر نفسه، حيث إنه من المعلوم أن الإقرار حجة قاطعة على المقر. ولا يجوز للخصم الذي يريد الاستناد إلى الدفاتر التجارية ضد التاجر إذا كانت منتظمة أن يقوم بتجزئة ما ورد فيها من بيانات، ويستبعد ما كان فيها مناقضا لدعواه. ويجوز للتاجر الذي يتم الاستناد إلى دفاتره أن يثبت عدم صحة القيود، والبيانات الواردة فيها بجميع طرق الإثبات، وإن كان ذلك لا يعفيه من المسؤولية عن عدم صحة وانتظام تلك الدفاتر.
أخيرا وليس آخرا، يجوز للمحكمة بناء على طلب الخصم، أو من تلقاء نفسها أن تأمر التاجر بتقديم دفاتره التجارية إليها، وذلك لاستخلاص ما يتعلق بالنزاع المعروض عليها، ويجوز لها في هذه الحالة أن تطلع بنفسها عليها، أو أن تندب خبيرا للاطلاع عليها، على أن يقدم الأخير تقريره للمحكمة لإبداء الرأي فيه، الذي في العادة يكون مجرد تقرير استشاري تستعين به للمحكمة.
المراجـع :
1- القوانين :
- الأمر رقم 75- 59 مؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، يتضمن القانون التجاري المعدل والمتمم.
- الأمر رقم 66-155 مؤرخ في 1 جوان 1966 يتضمن قانون العقوبات الصادر في 8 جوان 1966 المعدل والمتمم .
- الأمر رقم 75-58 مؤرخ في 25 سبتمبر سنة 01975 يتضمن القانون المدني المعدل و المتمم.
- قانون رقم 07-11 المؤرخ 25 نوفمبر 2007 يتضمن النظام المحاسبي المالي.
- قانون رقم 08-09 المؤرخ في 25 فيفري 2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
2- الكتب :
- أكمون عبد الحليم، الوجيز في شرح القانون التجاري، قصر الكتاب، الجزائر 2006.
- عبد القادر البقيرات، مبادئ القانون التجاري الجزائري، طبعة الثالثة؛ ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2015.
- زايدي خالد، التزامات التاجر القانونية، دار الخلدونية ، الجزائر 2016.
- بن زراع رابح، مبادى القانون التجاري، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر 2014.
- أحمد بلودنين ، المختصر في القانون التجاري الجزائري، دار بلقيس للنشر والتوزيع الجزائر 2001 .
- أحمد محرز، القانون التجاري الجزائري؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية دار المطبوعات الجامعية الجزائر 1970.
- أكرم يا ملكي، القانون التجاري، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2010.
- فرحة زراوي صالح، الكامل في القانون التجاري الجزائري؛ النشر الثاني نشر وتوزيع ابن خلدون، الجزائر 2003.
- نادية فضيل القانون التجاري الجزائري، الطبعة الثامنة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2006.
- نسرين شريقى، الأعمال التجارية؛ التاجر المحل التجاري، دار بلقيس للنشر، الجزائر 2003.
- نور الدين الشادلي، القانون التجاري، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر 2003 .