شرح عقوبة الاكراه البدني في القانون الجزائري
تعريف الإكراه البدني و المقصود منه
شروط تطبيق إجراء الإكراه البدني و تحديد مدته
تعريف الإكراه البدني :
هو وسيلة تهدف إلي الضغط علي شخص المدين لحمله علي تنفيذ التزاماته بحرمانه من حريته لمدة مؤقتة، إن التنفيذ بالإكراه البدني يكون بحبس المدين لإكراهه على الوفاء بالالتزام الذي عليه، فالمدين الذي يمتنع عن التنفيذ وهو قادر عليه أو يهرب أمواله إضرار بدائنيه يستحق العقاب، فيستعمل الإكراه البدني كوسيلة لإجباره على التنفيذ، وذلك بحرمانه مؤقتًا من حريته.
من خلال ما سبق يمكن تعريف الإكراه البدني بــ : هو وسيلة تهدف إلي الضغط علي شخص المدين لحمله علي تنفيذ التزاماته بحرمانه من حريته لمدة مؤقتة .
الاكراه البدني عبارة عن وسيلة ضغط لإجبار المحكوم عليه للوفاء بما في ذمته المالية من التزام للطرف المدني ( التعويضات المدنية )، الخزينة العمومية (الغرامة المالية)، رد ما يلزم رده او المصاريف القضائية، وهذا هو نطاق الاكراه البدني والذي يكون تنفيذه بتوافر شروط معينة محددة قانونا، مثل عدم ورود اي قيد من القيود المنصوص عليها في المواد 600 و 601 من قانون الإجراءات الجزائية.
المادة 600 ق إ ج : (معدلة) يتعين على كل جهة قضائية جزائية حينما تصدر حكما بعقوبة غرامة أو رد ما يلزم رده أو تقضي بتعويض مدني أو مصاريف أن تحدد مدة الإكراه البدني.
غير أنه لا يجوز الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه في الأحوال الآتية :
1) قضايا الجرائم السياسية.
2) في حالة الحكم بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد.
3) إذا كان عمر الفاعل يوم ارتكاب الجريمة يقل عن الثامنة عشر.
4) إذا ما بلغ المحكوم عليه الخامسة والستين من عمره.
5) ضد المدين لصالح زوجه أو أصوله أو فروعه أو إخوته أو أخواته أو عمه أو عمته أو خالته أو أخيه أو أخته أو ابن أحدهما أو أصهاره من الدرجة نفسها.
المادة 601 ق إ ج : لا يجوز المطالبة بتطبيق الإكراه البدني ضد الزوج وزوجته في آن واحد حتى ولو كان ذلك لتغطية وفاء مبالغ متعلقة بأحكام مختلفة.
شروط تطبيق إجراء الإكراه البدني :
يتعين توافر عدة شروط لتطبيق الإكراه البدني على المحكوم عليه منها شروط شكلية وأخرى موضوعية.
أ- الشروط الشكلية :
- المطالبة بتطبيق هذا الإجراء لا تكون إلا من قبل الطرف المدني، فلا يمكن للنيابة العامة اتخاذه من تلقاء نفسها – في حالة التعويض البدني-،
- لا يجوز مباشرة تنفيذ الإكراه البدني إلا بعد توجيه ، التنبيه بالوفاء إلى الشخص المحكوم عليه بالوفاء بالالتزام الذي على عاتقه طبقا للمادة 604 فقرة 1.
- يتعين أن يصدر حكم أو قرار بتسديد المبالغ المالية للطرف المدني، مستنفذا لكافة طرق الطعن العادية وغير العادية، - حائز لقوة الشيء المقضي فيه.
- ضرورة مباشرة كافة طرق التنفيذ على المحكوم عليه من قبل طالب التنفيذ، قبل المطالبة بالإكراه البدني،
- أن لا يقوم المحكوم عليه بالإكراه البدني بالطعن بالنقض، كون هذا الإجراء يوقف تنفيذ الإكراه البدني حتى لو تعلق الأمر بالتعويضات المدنية، وهذا منصوص عليه في المادة 599 فقرة 3 ق. إ. ج وذلك خلافا للمادة الســـابقـة قبل التعديل،
- لا يمكن مباشرة إجراء تنفيذ الإكراه البدني إلا في مواد الجنايات والجنح، وبالتالي تستبعد الأحكام الصادرة في المخالفات وهذا ما لم يكن منصوص عليه في القانون السابق والذي كان في كافة المواد الجزائية.
ب الشروط الموضوعية :
- تنفيذ الإكراه البدني لا يكون إلا في مواجهة الشخص الطبيعي،
- ضرورة صدور حكم قضائي بإدانة الشخص المطلوب منه التنفيذ،
- عدم وجود قيد على الحكم بالإكراه البدني، حيث أن القانون استثنى بعض الأشخاص من اتخاذ هذا الإجراء ضدهم وذلك في نص المادة 600 فقرة 2 و 601 من ق إ ج وهم :
- الأشخاص المرتكبين للجرائم السياسية،
- الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد.
- أن لا يقل عمر الفاعل يوم ارتكاب الجريمة عن 18 سنة،
- أن لا يكون المحكوم عليه قد بلغ 65 سنة،
- كما لا يجوز الحكم بالإكراه البدني لصالح زوجه، أو أصوله أو فروعه، أو إخوته أو أخواته أو عمه أو عمته أو خالته أو أخيه أو ابن أحدهما أو أصهارهما من الدرجة نفسها.
- لا يمكن المطالبة بتنفيذ الإكراه البدني ضد الزوج وزوجته في آن واحد. ويتعلق الأمر هنا بمنع التنفيذ المتزامن فقط للإكراه البدني ولا يتعلق بمنطوق الحكم، وذلك رعاية لكيان الأسرة ( حتى ولو لم يكن هناك أولاد).
تحديد مدة الإكراه البدني :
المادة 602 ق إ ج : (معدلة) تحدد مدة الإكراه البدني من قبل الجهة القضائية المنصوص عليها في المادة 600 أعلاه، وعند الاقتضاء، بأمر على عريضة يصدره رئيس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو التي يقع في دائرة اختصاصها مكان التنفيذ بناء على طلب المحكوم له والتماسات النيابة العامة، في نطاق الحدود الآتية، ما لم تنص قوانين خاصة على خلاف ذلك :
- من يومين إلى عشرة أيام إذا لم يتجاوز مقدار الغرامة أو الأحكام المالية الأخرى 5000 دج.
- من عشرة أيام إلى عشرين يوما إذا كان مقدارها يزيد على 5000 دج ولا يتجاوز 10.000 دج.
- من عشرين إلى ستين يوما إذا زاد على 10.000 دج ولم يتجاوز 15.000 دج.
- من شهرين إلى أربعة أشهر إذا زاد على 15.000 دج ولم يتجاوز 20.000 دج.
- من أربعة إلى ثمانية أشهر إذا زاد على 20.000 دج ولم يتجاوز 100.000 دج.
- من ثمانية أشهر إلى سنة واحدة إذا زاد على 100.000 دج ولم يتجاوز 500.000 دج.
- من سنة واحدة إلى سنتين إذا زاد على 500.000 دج ولم يتجاوز 3.000.000 دج.
- من سنتين إلى خمس سنوات إذا زاد على 3.000.000 دج.
وفي قضايا المخالفات لا يجوز أن تتجاوز مدة الإكراه البدني شهرين.
وإذا كان الإكراه البدني يهدف إلى الوفاء بعدة مطالبات حسبت مدته طبقا لمجموع المبالغ المحكوم بها.
.
إن مدة الإكراه البدني تحدد من طرف القاضي الاستعجالي وفقا للجدول المنصوص عليه في المادة 602 ق. إ. ج ويتم تنفيذ الأمر من طرف النيابة عملا بنص المادة 604 ق. إ. ج بحيث يوجه إنذار إلى المحكوم عليه بالإكراه البدني للوفاء في مدة عشرة أيام وبعد انتهائها يوجه وكيل الجمهورية الأوامر اللازمة للقوة العمومية لإلقاء القبض على المحكوم عليه ويتم إيداعه الحبس لتنفيذ المدة المحددة من الأمر.
يجب أن يتم النص على إجراء الإكراه البدني في حكم جزائي يتضمن تحديدا لمدته، وهذا ما نصت عليه المادة 602 ق. إ. ج وفي غير ذلك، يتم بأمر على عريضة يصدره رئيس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو التي يقع في دائرة اختصاصها مكان التنفيذ، بناء على طلب المحكوم عليه والتماسات النيابة العامة.
ويكون تحديد مدة الحبس حسب تاريخ صدور الحكم بالإدانة وليس حسب ، تاريخ ارتکاب الوقائع لأن الغاية من الإكراه البدني هي تنفيذ الحكم وليس المعاقبة على الجريمة.
وقد كانت قيمة المبالغ الممكن تنفيذها عن طريق الإكراه البدني محددة بـــ 5000 دج ، غير أن المشرع في ظل قانون 18- 06 ضاعف قيمة الغرامات والأحكام المالية، مع الإبقاء على نفس مدة الحبس المقررة سابقا، وحدد الحد الأدنى بـ 20.000 دج و والذي تكون مدة الحبس فيه من يومين إلى 10 أيام.
ويلاحظ على المادة 602 المعدلة أن المشريع الغى مدة الإكراه البدني المقررة من سنتين إلى خمس سنوات التي كانت مقررة سابقا، واكتفى بمدة سنتين كحد أقصى على كل الغرامات والأحكام المالية الأخرى التي تـتـجـاوز 10.000.000 دج .
نطاق تطبيق الإكراه البدني :
حددت المادة 599 ق. إ. ج مجالات تطبيق إجراء الإكراه البدني وهي أربعة :
- الغرامة المالية،
- رد ما يلزم رده والمتمثلة في مجموع المبالغ المالية والممتلكات المأخوذة دون وجه حق وبطرق غير قانونية،
- التعويضات المدنية وهي المبالغ الممنوحة للطرف المدني المتضرر من الجريمة،
- المصاريف القضائية المتمثلة في المبالغ التي تعود للخزينة العمومية.
.
يمكن وقف تنفيذ الإكراه البدني على المحكوم عليه في حالة ما إذا قام بتسديد نصف المبلغ المدان به، مع الالتزام بأداء بقية المبلغ كاملا أو على أقساط، وذلك وفقا للآجال التي يحددها وكيل الجمهورية، وبعد موافقـة طـالـب الإكراه البدني ويتم الإفراج عن المدين المحبوس بعـد التحقق من الشروط السابقة وهذا ما جاءت به المادة 609 من قانون 18- 06، وهذا خلافا للمادة السابقة قبل التعديل، حيث لم يتم تحديد نسبة المبلغ الواجب دفعه ضمنها، بل اكتفت بقولها " دفع مبلغ كاف للوفاء بديونهم"، ويفرج عليه وكيل الجمهورية بعد التحقق من أداء الديون.
وفي حالة عدم تنفيذ المدين الالتزام بدفع المبالغ المالية المتبقية في ذمته والتي أدت إلى إيقاف تنفيذ الإكراه البدني، فإنه يجوز من جديد عليه وذلك ما قضت به المادة 610 ق.إ.ج.
كما نصت الفقرة 3 من المادة 599 ق. إ. ج أن الطعن بالنقض يوقف تنفيذ الإكراه البدني.
كما يمكن وقف تنفيذ الاكراه البدني عند إثبات العسر المالي، والذي قبل قانون 18-06 كان يتم إثباته بتقديم شهادة فقر يسلمها رئيس المجلس الشعبي البلدي، أو شهادة الإعفاء من الضريبة يسلمها لهم مأمور الضرائب بالبلدة التي يقيمون بها.
غير أنه بعد التعديل قضت المادة 603 ق.إج بإمكانية إثبات المحكوم عليه لعسره المالي بكل الطرق أمام النيابة العامة، وبالتالي يعفى من التسديد.
غير أنه لا يستفيد من هذا الشرط أو القيد المحكوم عليهم بسبب جناية أو جنحة اقتصادية أو أعمال الإرهاب والتخريب أو الجريمة العابرة للحدود الوطنية وكذا الجنايات والجنح المرتكبة ضد الأحداث.
.
آثار تطبيق الإكراه البدني :
بحكم أن التنفيذ بالإكراه البدني هو وسيلة لإرغام وإجبار المدين على الوفاء بالالتزام القائم في ذمته فإن الالتزام لا ينقضي بتنفيذ الإكراه البدني، بحيث يجوز أن تتخذ بشأنها متابعات لاحقة بطرق التنفيذ العادية وهذا طبقا لنص المادة 599 ق. إ. ج.
لا يجوز توقيع الإكراه البدني على شخص المحكوم عليه مرتين من أجل نفس الدين ولا من أجل أحكام لاحقة لتنفيذه، طبقا لنص المادة 611 ق. إ. ج. واستثناء على ذلك ما قضت به المادة 610 ق. إ. ج، أنه يجوز التنفيذ بالإكراه البدني من جديد على المحكوم عليه إذا لم يقم بتنفيذ التزاماته المالية المتبقية في ذمته والتي أدت إلى إيقاف تنفيذ الإكراه البدني.
كما يجوز توقيع إكراه بدني على إكراه بدني، إذا كانت مجموع المبالغ الواردة في الأحكام اللاحقة على تنفيذ الإكراه البدني الأول تستلزم مدة إكراه أطول من المدة التي تم تنفيـذهـا على المحكوم عليه، وفي هذه الحالة يتم إسقاط مدة الحبس الأول من الإكراه الجديد، وهذا ما تناولته المادة 611 ق. إ. ج.
من آثار تنفيذ الإكراه البدني، إمكانية المحكوم عليه في المطالبة في رد الاعتبار من الجهات القضائية المختصة لمحو كل آثار الحبس.
خلاصة :
الإكراه البدني هو عبارة عن وسيلة تنفيذ يتم بواسطتها إرغام وإجبار المدين على الوفاء بالالتزام الذي يقع في ذمته، وبالتالي فهو آلية لتحصيل الديون المستحقة للطرف المدني المتضرر من الجريمة، وذلك متى توافرت شروطه، وهو بذلك يختلف عن العقوبة من حيث السبب والغاية.
ومن خلال التعديلات التي طرأت على النظام القانوني للإكراه البدني وفقا لقانون 18-06 نجد أن المشرع قد أولى أهمية بالغة لهذه الوسيلة، من حيث كيفية إثبات العسر فيها، وعدم حصره لوسيلة الإثبات والتوسيع فيها، والتي كانت سابقا متوقفة على شهادة الفقر أو شهادة الإعفاء من الضريبة، إضافة إلى مضاعفة قيمة الغرامات والأحكام المالية التي يمكن تطبيق الإكراه البدني بشأنها وكذلك تحديده لمجال التنفيذ في الأحكام الصادرة في مواد الجنايات والجنح واستبعاد المخالفات من تطبيق هذا النظام.
وأهم ما جاء به التعديل هو وقف تنفيـذ الإكراه البدني بدفع نصف المبلغ المدان به علي ، المحكوم عليه.