التعليق على المادة 68 من القانون المدني الجزائري
السكوت الذي يفيد القبول (السكوت الملابس) السكوت في التعبير الضمني عن الإرادة.
أولا التحليل الشكلي لنص المادة 68 ق م
ثانيا التحليل الموضوعي لنص المادة 68 ق م.
أولا التحليل الشكلي :
طبيعة النص :
النص محل التعليق هو نص تشريعي.
تنص المادة 68 : { إذا كانت طبيعة المعاملة، أو العرف التجاري، أو غير ذلك من الظروف، تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول فإن العقد يعتبر قد تم، إذا لم يرفض الايجاب في وقت مناسب.
ويعتبر السكوت في الرد قبولا، إذا اتصل الايجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين، أو إذا كان الايجاب لمصلحة من وجه إليه }.
موقع النص القانوني :
يقع هذا النص ( المادة 68) في قانون رقم الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني،
و قد جاء في الكتاب الثاني منه الإلتزامات و العقود ، من الباب الاول وعنوانه مصادر الالتزام ، الفصل الثاني وعنوانه العقد ،القسم الثاني وعنوانه شروط العقد.
البناء المطبعي :
المشرع قد حاول إجمال المعنى في نص
المادة 68 من القانون المدني حيث جعلها تتألف من فقرتين 2 .
الفقرة الاولي : يبدأ من " إذ كانت طبيعة " وينتهي عند " في وقت مناسب " ،.
الفقرة الثانية : يبدأ من " و يعتبر السكوت " وينتهي عند " من وجه إليه "،.
البناء اللغوي والنحوي :
استعمل المشرع الجزائري مصطلحات قانونية بحتة و قد جاءت المادة 68 من القانون المدني محملة بمصطلحات قانونية تشير إلى موضوع السكوت في التعبير الضمني عن الإرادة و كمثال على ذلك نشير إلى :
" يعتبر السكوت " ، " المتعاقدين " ، " تصريحا بالقبول " وغيرها من المصطلحات التي تفيد كيفية التعبير عن الارادة.
البناء المنطقي :
نلاحظ نص المادة 68 بدأت بعبارة " إذا كانت "وهنا يقصد طبيعة المعاملات و الأعراف التجارية ، ثم إستعمل حرف العطف ( أو) ليشمل كل الظروف الأخرى التي تفيد أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول، وقام المشرع باربط بين الفقرة الأولي و الفقرة الثانية من المادة بحرف عطف الواو .
- نلاحظ أن المشرع في المادة 68 ق م اتبع أسلوبا شرطيا .
ثانيا التحليل الموضوعي :
تحليل مضمون النص :
من خلال قراءة نص المادة 68 ق م يتضح أن المشرع قد بين بأن السكوت قد يفيد إتمام العقد ، وفي بعض الحالات الموجب لا ينتظر قبولا ، و ذكرت المادة مختلف الحالات التي يكون فيها السكوت يفيد القبول في العقود التقليدية ويقصد بها في الحالات التالية : أولا العرف ، ثانيا حالة كون الإيجاب في مصلحة من وجه إليه كعقد الهبة مثلا ، ثالثا التعامل السابق لا يعتبر هذا السكوت قبولا إلا إذا كان هناك اتفاق صريح أو ضمني بين أطراف التعاقد على ذلك .
تحديد الإشكالية :
و بتحديد مضمون المادة 60 ق م يمكن طرح عدة تساؤلات نلخصها في الإشكالية التالية :
هل يفيد السكوت إتمام العقد ، وهل يعد إيجابا في بعض الحالات ؟
التصريح بخطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : تطابق الإرادتين ( الإيجاب و القبول ).
المطلب الأول : الإيجاب .
المطلب الثاني : القبول .
المبحث الثاني : مفهوم السكوت وحالاته في صدور الإيجاب .
المطلب الأول : التعريف بالسكوت و تمييزه عن التعبير الضمني .
المطلب الثاني : طبيعة السكوت .
مطلب الثالث : السكوت الملابس .
المبحث الثالث : حالات صلاحية السكوت للتعبير عن القبول (الإرادة).
المطلب الأول : حالات الأخذ بالسكوت في ظل التشريعات المقارنة .
المطلب الثاني : حالات الأخذ بالسكوت في ظل التشريع الجزائري .
خاتمة.
مقدمة :
يعتبر التراضي أهم أركان العقد، حيث لا يرتبط الشخص بأي عقد مالم تتجه إرادته لإبرامه، هذا التراضي لا يقوم إلا من خلال تطابق الإيجاب و القبول اللذان يصدران طبقا للقانون .
حيث أن الإرادة هي جوهر العقد، ولكي ينعقد العقد يجب أن يوجد الشخص إرادة ذاتية يعتد بها القانون، ولا يكف وجودها وإنما يجب التعبير عنها فالقانون لا يعتد بها إلا إذا ظهرت للعالم الخارجي، والقاعدة أن للشخص الحرية في أن يعبر عن إرادته بالطريقة التي تحلو له.
فالعاقد له الحرية الكاملة في ذلك ،فالقانون لا يستلزم أن يكون التعبير عن الإرادة بطريقة معينة وهذا تطبيقا لمبدأ رضائية العقود، ولا يستثنى من ذلك إلا الحالات التي نص عليها القانون .
وكطريق للتعبير عن الإرادة هناك تعبير صريح وتعبير ضمني. وهناك جدل حول إذا كان السكوت يعتبر كطريق من طرق التعبير عن الإرادة ولما كان العقد عبارة عن تلاقي إرادتين متطابقتين هما الإيجاب والقبول. لذلك يجب أن نعرض لمدى صلاحية السكوت في أن يكون تعبيرا عن أي منهما ونطرح لدراسة ذلك الإشكال التالي :
هل يعتد بالسكوت كتعبير عن الإرادة ؟
المبحث الأول : تطابق الإرادتين ( الإيجاب و القبول ) :
المطلب الأول : الإيجاب :
الإيجاب عرض بات يتقدم به شخص معين إلى آخر، أو آخرين بقصد إبرام العقد بينهما ، وهو تعبير نهائي عن الإرادة له خصائص معينة و قيمة قانونية ، و يكون التعبير عن الإرادة إيجابا متى توفرت شروطه.
الفرع الأول : شروط الإيجاب :
الإيجاب و كأصل عام هو الإرادة الأولى. التي تظهر في العقد و لذا يجب توفر فيه شرطان :
1-الإيجاب عرض محدد و دقيق :
يجب أن يكون الإيجاب كاملا أي مشتملا على كافة شروط العقد المراد إبرامه ، بحيث يتسنى للموجب له أن يطلع بدقة على مضمون العقد المعروض عليه ، و ينعقد العقد بمجرد صدور القبول دون إضافة أي شيء آخر .
مما يستلزم استيفاء الإيجاب للعناصر أساسية العقد المراد إبرامه ، و هذه العناصر تختلف من عقد إلى آخر فمثلا في عقد البيع هي المبيع و الثمن ، و في الإيجار هي العين المؤجرة و الأجرة و المدة.
2-الإيجاب عرض بات :
الإيجاب هو عرض جازم يعبر عن إرادة قطعية لا رجعة فيها للموجب في إبرا م العقد . ومن ثم فيجب أن لا يكون الإيجاب مصحوب بتحفظ ، غير أن هذا إيجاب تشوبه تحفظات تكون إما ضمنية أو صريحة بقرار إبرام العقد فيمكن اعتبارها مجرد دعوة للتعاقد.
الفرع الثاني : القيمة القانونية للإيجاب :
المقصود بالقيمة القانونية للإيجاب ، قوته الإلزامية ، بمعنى هل أن الموجب ملزم بالبقاء على إيجابه مدة من الزمن ليتمكن الموجب له من القبول أم لا ؟.
1- إلزامية الإيجاب .
إيجاب مقترن بأجل :
قرر المشرع في المادة 63 ق م ، أن الإيجاب الذي يتضمن آجلا يكون ملزما و لا يمكن للموجب أن يعدل عن إيجابه خلال تلك الفترة ، وإذا صدر قبول في الموعد المحدد أنعقد العقد ، و قد يكون آجل القبول ضمنيا أو صريحا فيستخلص من ظروف الحال. كأن يصدر إيجاب في قسنطينة و الموجب له في وهران فمثل هذا الإيجاب يقتضي حتما بقاء الموجب على إيجابه. إلى حين وصول الإيجاب إلى الموجب له ، أو من طبيعة المعاملة التي تتطلب أجلا ، كأن يعرض شخص عقارا للبيع فهذا يتطلب حتما أجل للإطلاع وزيارة العقار المعروض للبيع.
الإيجاب الصادر في مجلس العقد :
يكون الإيجاب هنا غير مقترن بأجل فهو غير ملزما فيستطيع الموجب أن يعدل عنه. بشرط أن يصل العدول إلى علم من وجه إليه قبل أن يصدر قبول من هذا الأخير و هذا ما جاءت به المادة 64 ق م ، و هذا ما يسمى بالتعاقد بين الحاضرين.
2- مذهب المشرع الجزائري.
لقد أخد المشرع الجزائري بنظرية مجلس العقد و ذلك لتحقيق غرضين :
أن يكون الإيجاب و القبول في مجلس واحد حتى ينعقد عقد.
تحديد المدة التي يجب أن تفصل بين الإيجاب و القبول و هذه النظرية بوجه عام. تهدف إلى إيجاد الحل الوسط يوفق بين مصلحة الموجب الذي لا يمكن أن يبقى على إيجابه مدة طويلة ، و مصلحة الموجب له الذي يحتاج إلى مهلة للتفكير قبل الإقدام على القبول أو رفض الإيجاب.
الفرع الثالث : سقوط الإيجاب :
يسقط الإيجاب في الأحوال التالية :
1-حالة الإيجاب الملزم :
إذا كان الإيجاب ملزما يسقط في حالتين:
انقضاء الآجل المحدد للقبول سواء كان أجلا صريحا أو ضمنيا دون رّد الموجب له.
رفض الموجب له للإيجاب الذي وجه إليه و لو لم بنقضي الأجل المعين للقبول .
2- حالة الإيجاب القائم :
هذا لا يكون إلا في التعاقد بين الحاضرين. في مجلس العقد و يسقط في الحالات التالية :
إذا أنفض مجلس العقد ، دون أن يصدر القبول ليقترن بالإيجاب .
عدول الموجب قبل أن بنفض مجلس العقد.
3-القبول الذي يصدر بعد سقوط :
الإيجاب يعتبر إيجاب جديدا.
المطلب الثاني : القبول :
القبول هو تعبير بات عن إرادة طرف الذي وجه إليه الإيجاب. بارتضائه العرض الذي تقدم به الموجب وبعبارة أخرى ، القبول هو الرّد الايجابي على الإيجاب من طرف الموجب له .
فالقبول هو الموافقة على إنشاء العقد ، بناء على الإيجاب و غالبا يتأخر صدوره عن صدور الإيجاب و يسمى الإرادة الثانية و الإيجاب هو الإرادة الأولى .
الفرع الأول : شروط القبول :
يجب أن يكون قبول مطابقا تماما للإيجاب ، و إن يصدر قبل سقوط الإيجاب و هما شرطان أساسين للقبول.
1- مطابقة القبول للإيجاب :
يجب أن يكون القبول مطابقا للإيجاب تطابقا تاما.
إلا أن المشرع الجزائري و كحالة استثنائية رأى أنه يكفي انعقاد عقد. أن يكون تطابقا جزئيا ، الفقرة 2 من المادة 64 ق م .
2- التطابق التام :
و أساس القبول هو مطابقته للإيجاب تمام المطابقة ، فإذا تضمن زيادة أو نقصا أو تعديلا في الإيجاب ، فلا يعتبر الإرادة هنا قبولا ، بل رفضا يتطلب إيجابا جديدا.
ومثال ذلك : الإيجاب الصادر من الشخص بأن يشتري من آخر سيارته. بخمسة ألاف دينار فأرتضى الشخص الآخر أن يبيعها بستة ألاف دينار، فإن إرادة الشخص الأول هذا و إن كانت رفضا للإيجاب ، إلا أنها تعتبر إيجابا جديدا صادر من صاحب السيارة إلى راغب في الشراء ، فإذا قبل الأخير الشراء بستة ألاف دينار أنعقد العقد ، ونصت المادة 66 ق م جزائري ( لا يعتبر القبول الذي يغير الإيجاب إلا إيجابا جديدا ).
3- التطابق الجزئي :
تعتبر هذه حالة استثنائية و قد وردت المادة 65 ق م التي تنص ( إذا اتفق طرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد و احتفظا بالمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد و لم يشترطا أن لا أثر للعقد عند عدم الاتفاق عليها ، اعتبر العقد منبرما و إذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها ، فإن محكمة تقتضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة و لأحكام القانون ، العرف ، و العدالة ).
و لكي يكون الاتفاق جزئي يجب أن تتوفر الشروط التالية :
اتفاق المتعاقدين على جميع المسائل الجوهرية.
إثارة المسائل التفصيلية دون اتفاق عليها.
الاتفاق على مناقشة المسائل التفصيلية لاحقا.
عدم اشتراطهما أن عدم الاتفاق على هذه المسائل. التفصيلية لاحقا يمنع قيام العقد.
4- صدور القبول قبل سقوط الإيجاب :
إذا كان الموجب له غير ملزم بالرّد على الإيجاب ، لأنه لا يمكن إلزامه من غير إرادته أو إرادة المشرع ، فإن الموجب بدوره غير ملزم بالبقاء على إيجابه إلى مالا نهاية .
فإذا صدر القبول وطابق إيجاب فإن العقد ينعقد ، أما إذا كان إيجاب سقط لسبب أو للآخر عند صدور القبول ، أو حتى لو كان الإيجاب قائما عندئذ و لكنه سقط قبل أن يتصل القبول بعلم الموجب فإنه لا يحصل اقتران القبول بالإيجاب فيصبح الأمر مستحيلا و بالتالي لا يعتبر هذا الرّد إيجابي قبولا ، و إنما يكون مجرد إيجابا جديدا.
المبحث الثاني : مفهوم السكوت وحالاته في صدور الإيجاب :
المطلب الأول : التعريف بالسكوت و تمييزه عن التعبير الضمني :
للتمييز بين التعريف الضمني للإرادة و السكوت يجب علينا التطرق لتعريف هذا الأخير.
الفرع الأول : تعريف السكوت :
أولا : التعريف اللغوي للسكوت :
يعرف السكوت لغة على أنه السكون و الإمساك و الصمت. و عدم الكلام أي أنه موقف من لا يريد التعبير عن فكرة و يمسك عن إبداء رأيه.
ثانيا : التعريف الاصطلاحي للسكوت :
يكاد الفقه القانوني يتفق على أن السكوت موقف سلبي لا يدل على شيء بحسب الأصل.
لكن هذا السكوت إذا أحاطت به ظروف و لابسته ملابسات جعلته يِؤخذ على تعبير معين، فإنه يعتد به على هذا النحو و هذا ما يعرف بالسكوت الملابس الذي تلابسه ظروف معينة تجعله يفيد دلالة القبول و هذه الظروف و ما تحمله من دلالة على القبول تعتبر مسألة موضوعية تدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
أما عدم اقتران السكوت بظروف و ملابسات تدل على القبول. و هو ما يعرف بالسكوت المجرد و ليس له أي دلالة على القبول إلا أنه ليس هناك ما يمنع بطبيعة الحال أن يخرج نص القانون أو الاتفاق. عن هذا الأصل و يعطي لهذا السكوت دلالة القبول .
الفرع الثاني : تمييز السكوت عن التعبير الضمني للإرادة :
الأصل أن السكوت لا يعتبر تعبيرا عن الإرادة، فالسكوت عدم فلا يدل على قبول، و لا على رفض، و هو يختلف عن التعريف الضمني الذي يعتبر عملا إيجايبيا تستفاد منه إرادة العاقد.
فينبغي التفريق بين التعبير الضمني للإرادة و بين السكوت، فالتعبير الضمني وضع إيجابي، أما السكوت فهو مجرد وضع سلبي و قد يكون التعبير الضمني بحسب الأحوال إيجابا أو قبولا أما السكوت فمن الممتنع على وجه الإطلاق أن يتضمن إيجابا.
فمن غير المنطقي أن يكون السكوت يعبر عن الإيجاب. لكن هناك من أورده كذلك في القضاء الانجليزي.
فيجب عدم الخلط بين التعبير الضمني و السكوت الملابس و ذلك للأسباب الآتية :
أولا : أن التعبير الضمني وضع إيجابي :
يستخلص من ظروف إيجابية تدل عليه. أما السكوت فهو عدم فهو مجرد وضع سلبي حتى في حالات السكوت الملابس، فإن السكوت بما يلازمه من ملابسات هو الذي يفيد القبول، لا الظروف الملابسة، أي أن القبول قد استفاد من وضع سلبي على سبيل الاستثناء.
ثانيا : أن التعبير الضمني كقاعدة عامة :
القيمة القانونية نفسها التي هي للتعبير الصريح. وبالتالي للأفراد حرية التعبير عن إرادتهم بالطريقة التي تورق لهم .
وبناء على ما تقدم،قد يكون التعبير الضمني إيجابا أو قبولا. أما السكوت فمن غير الممكن إطلاقا ومن غير المنطقي أن يتضمن إيجابا ، كما أنه لا يصلح كقاعدة عامة، أن يكون قبولا، و لا يعتبر السكوت قبولا إلا في حالات إستثنائية.
و على ذلك لا تجدي محاولة البعض بتقريب الصلة بينهما على أساس القول. بأنهما يعبران عن فكرة الإمارة أو الدلالة على التعبير لا التعبير نفسه، لأنه لو صحت هذه المقولة لوجوب القول بالصلة نفسها بين التعبير الضمني و صورتين من صور التعبير الصر يح، و هما الإشارة المتداولة عرفا و اتخاذ موقف. لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود، و بذلك تختلط الأمور و تتضارب الأحكام.
المطلب الثاني : طبيعة السكوت :
الفرع الأول : إستحالة الأخذ بالسكوت للتعبير عن الإرادة :
السكوت موقف سلبي بحيث لا يمكن التعبير به عن الإيجاب و الإيجاب هو العرض الذي يتقدم به أحد المتعاقدين للآخر تاركا له أمر قبوله أو رفضه و هو أول مرحلة من مرحلتي العقد إذ أن العرض يتضمن بيانا واضحا لطبيعة الصفقة المراد إبرامها و شروطها و السكوت لا يمكن أن يكون وسيله لهذا البيان، و لذلك يثور التساؤل بالنسبة للقبول فإذا وجه شخص لآخر إيجابا بإبرام فلم يرد عليه الآخر بالقول و لا بالكتابة و لا بالإشارة و لم يفعل ما يفيد موافقته على قبول إيجاب أو رفضه بل سكت.
و السكوت ليس تعبيرا ضمنيا عن الإرادة فإن الإرادة الضمنية تستخلص من ظروف إيجابية تدل عليها كما سبق بيان ذلك أما السكوت فهو العدم.
و القاعدة العامة أن السكوت لا يصلح تعبيرا عن الإرادة، و يعبر فقهاء الشريعة الإسلامية عن ذلك بقولهم : " لا ينسب لساكت قول" و معنى ذلك لا ينسب إلى الساكت إرادة، لا بقبول الإيجاب و لا برفضه.
الفرع الثاني : إمكانية الأخذ بالسكوت للتعبير عن الإرادة :
إذا كانت القاعدة العامة أن لا ينسب لساكت قول باعتبار السكوت لا يعد تعبيرا عن الإرادة، إلا أنه في بعض الحالات قد ينسب فيها قول لمن يسكت عن الكلام، و بالتالي يعد السكوت تعبيرا عن الإرادة، و هذه الحالات تتعلق بالقول فقط، و هي حالات تقابلها ظروف معينة من شأنها أن تحمل على القول باعتبار السكوت قبولا، و قد نصت المادة 68 فقرة 2 من القانون المدني على أنه يعتبر السكوت عن الرد قبولا إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين أو كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه.
المطلب الثالث : السكوت الملابس :
قد يحدث أن يوجه شخص إيجابا إلى آخر، فيسكت هذا الأخير، ولكن سكوته يقترن بظروف وملابسات ترجح أنه قصد بهذا السكوت قبول الإيجاب، ولم يقصد أي معنى آخر من المعاني التي تقف وراء السكوت، وعلى هذا الأساس فإن كان لا يمكن اعتبار السكوت المحض تعبيرا عن القبول، فإنه يصح استخلاص هذا القبول من السكوت الملابس.
وقد نصت المادة 68 من القانون المدني الجزائري على ثلاث حالات يصلح فيها السكوت دليلا على القبول وهي واردة على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر.
ومن الظروف التي تسمح للقاضي اعتبار السكوت قبولا - الحالات الآتية :
الفرع الأول : إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري :
تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول ومثال ذلك: اعتياد تاجر جملة إرسال إلى تاجر التجزئة ما طلبه هذا الأخير من بضائع مرفقة ببيان أسعارها الجديدة، فسكوت تاجر التجزئة على هذه الأسعار يعتبر قبولا لها.
الفرع الثاني : إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين :
ومثال ذلك ما تعود عليه تجار التجزئة من إرسال بيان بالبضائع المطلوبة من تاجر الجملة، فإن سكوت هذا الأخير يعد قبولا لطلب تاجر التجزئة، ويكون لهذا الأخير أن يطمئن إلى أنّ البضاعة التي طلبها سوف تصل إليه لأنه جرى التعامل بينهما على هذا النحو.
الفرع الثالث : إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه :
حيث عبّر عن ذلك القانون المدني الجزائري في المادة 68 إذا تمخض الإيجاب عن مصلحة خالصة للموجه إليه فإن سكوت من وجه إليه الإيجاب يعتبر قبولا.
ومثال ذلك عرض الهبة على الموهوب له فسكت فإن سكوته يعتبر قبولا.وهكذا كلّما لابست السكوت ظروف تدل على رضى من وجه إليه الإيجاب فإن السكوت يعد قبولا وهذا ما يعبر عنه الفقه الإسلامي "السكوت في معرض الحاجة بيان" ويعبّر الحاجة بيان" ويعبر عنه المثل الدارج عند الفرنسيين "Qui ne dit mot consent".
المبحث الثالث : حالات صلاحية السكوت للتعبير عن القبول (الإرادة) :
المطلب الأول : حالات الأخذ بالسكوت في ظل التشريعات المقارنة :
الفرع الأول : في ظل التشريع الأردني :
القاعدة العامة التي تبناها القانون المدني الأردني هي أنه لا ينسب لساكت قول.
و لكن السكوت في معرض الحاجة بيان و يعتبر قبولا.و يعتبر السكوت قبولا بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بيت المتعاقدين و اتصل الإيجاب بهذا التعامل أو إذا تمخض الإيجاب بمنفعة من وجه إليه.
هذه القاعدة تطبق بصفة مطلقة فيما يتعلق بالإيجاب ذلك أنه يفترض موقفا إيجابيا و بالتالي فإن السكوت أبعد ما يكون من كونه إيجابا.
و بالنسبة للقبول أورد المشرع الأردني استثناءات يعد فيها السكوت قبولا و هو ما يطلق عليه السكوت الملابس. و كما جاء بالنص في حالة وجود تعامل سابق بين المتعاقدين أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه :
مثال الأول :
أن يعتاد تاجر على طلب بضاعة من آخر فيرسلها له هذا الأخير دون أن يعلمه بالقبول إذا تكرر الطلب من العميل لشيء مما يدخل في تعاملهما السابق فإن سكوت التاجر كعادته يعد قبولا منه.
مثال الثاني :
أن يعرض التاجر على عميله تخفيض سعر السلعة و سكت العميل أو أن يقوم المؤجر بتخفيض الأجرة للمستأجر فإن سكوت المستأجر يعتبر قبولا و حالة السكوت الملابس الواردة في النص لا تعدو كونها أمثلة و توجد تطبيقات أخرى كثيرة غيرها.
الفرع الثاني : في ظل التشريع المصري :
قد يصلح السكوت تعبيرا عن الإرادة في الحالات التالية :
طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف :
التي تدل على اعتبار السكوت قبولا. مثال ذلك أن يرسل المصرف بيانا إلى العميل عن حساب لديه و يذكر فيه عدم الاعتراض عليه خلال مدة معينة يعتبر إقرارا له.أن يرسل المحل التجاري البضاعة المطلوبة من العميل و بضع في قائمة الحساب شروطا مطبوعة مكملة للتعاقد و سكت عنها دون اعتراض.
وجود تعامل سابق بين المتعاقدين :
و يعتبر هذا أيضا السكوت الملابس قبولا إذا كان يستفاد من سبق التعامل بين الطرفين، أي أن أحدهما لا ينتظر من الآخر الإدلاء بتعبير صريح على قبول التعاقد. مثال ذلك التاجر الذي اعتاد في موعد دوري معين أن يرسل إلى عميله نوعا معينا من السلع و اعتاد العميل قبولها دون أن يصرح إيجابا أو سلبا.
إذا كان الإيجاب لمنفعة من وجه إليه الوجوب :
و مثال ذلك أن يعرض المؤجر على المستأجر تخفيض الأجرة أو يعرض التاجر على العميل تخفيض ثمن السلعة أو كمن يعرض على آخر أن يهبه مالا من أمواله و كل ذلك متروك لتقدير القاضي.
المطلب الثاني : حالات الأخذ بالسكوت في ظل التشريع الجزائري :
و بالرغم من أن المبدأ العام يقضي بأن السكوت لا يصلح تعبيرا عن الإرادة ومن ثم لا يعتبر قبولا، إلا أن هذا المبدأ ترد عليه استثناءات فيصلح للتعبير عن القبول في حالتين :
في حالة إقرار القانون، و في حالة السكوت الملابس.
الفرع الأول : في حالة إقرار القانون :
و المقصود بالقانون سواء كان مصدره التشريع أو العرف. و من أمثلته نص التشريع على اعتبار السكوت قبولا ما قضت به المادة 355 فقرة 1 مدني جزائري بقولها :
" في البيع على شرط التجربة يجوز للمشتري أن يقبل المبيع أو يرفضه و على البائع أن يمكنه من التجربة، فإذا رفض المشتري المبيع يجب عليه أن يعلن الرفض في المدة المتفق عليها، فإن لم يكن هناك اتفاق على المدة، ففي مدة معقولة يعينها البائع، فإذا انقضت هذه المدة و سكت المشتري مع تمكنه من تجربة المبيع اعتبر سكوته قبولا ".
كذلك يقضي العرف التجاري، أنه في حالة إرسال البنك كشف حساب جاري لعميل لديه، فسكت العميل و لم يعترض اعتبر سكوته قبولا بصحة الحساب.
الفرع الثاني : في حالة السكوت الملابس :
و الحالة الثانية من حالات الأخذ بالسكوت و اعتباره تعبيرا عن القبول. إذا لابسته ظروف معينة يؤخذ منه أن الموجب و هو الذي صدر منه الإيجاب، لا ينتظر أو يتوقع الرد بالقبول و لكنه بالمقابل ينتظر الرد في حالة الرفض فقط.
فالسكوت الملابس هو اقتران السكوت بظروف و ملابسات ترجح أنه قبول الإيجاب. و قاضي الموضوع يستخلص ذلك من الظروف و الملابسات التي سبقت صدور الإيجاب والتي عاصرته و من طبيعة العقد.
الأخير ويعتبر سكوته قبولا لأن الوعد يتضمن منفعة للموعود له ويلزمه بأي التزام .
ومن ذلك أيضا أن يعرض تاجر جملة على تاجر تجزئة بينهما معاملة دائمة. أن يضع سيارة تحت تصرفه لتوزيع البضاعة على زبائنه، رغبة منه في الاحتفاظ بتاجر التجزئة عميلا له،فيسكت هذا الأخير،فإن سكوته يعتبر قبولا.
وجميع هذه الحالات أوردناها على سبيل المثال لا الحصر.
فكل سكوت تقترنه ملابسات تدل على الرضا فهو سكوت ملابس ، ويعتبر تعبيرا عن الإرادة بالقبول.
كما إذا علم الموكل بتجاوز الوكيل حدود الوكالة فسكت ،فيعتبر سكوته إجازة ، كما في حالة بيع ملك الغير وسكت المالك الحقيقي بعد علمه دون عذر فإن سكوته يعتبر إقرارا منه بالبيع.
وفي كل ما سبق من الأمثلة والفروض لو لو أراد أن الساكت أن يعترض لتكلم، ولكنه سكت في معرض الحاجة، ولذا يعتبر سكوته بيانا طبقا لقول فقهاء الشريعة الإسلامية في هذه الحالة " السكوت معرض الحاجة بيان".
وتجدر الإشارة أنه وبالرغم من أن الإيجاب في مصلحة من وجه إليه إلا أن الموجب له بإمكانه الرفض، فالسكوت هنا دلالة نسبية عن القبول،فبإمكان الموهوب له رفض الهبة ،وهنا دلالة نسبية عن القبول ،فبإمكان الموهوب له الرفض الهبة،في ذلك حتى نميز ما أنه أي إيجاب لا يكون ملزما دوما .
خاتمة :
قد يفيد السكوت أن العقد قد تم، حيث أن الموجب أصلا لا ينتظر قبولا في بعض الحالات. وقد نصت المادة 68 من القانون المدني الجزائري على ذلك .
فلقد ذكرت هذه المادة مختلف الحالات التي يكون فيها السكوت. يفيد القبول في العقود التقليدية، ويقصد بها في الحالات التالية :
أولا العرف :
نظرا لكون العقود الإلكترونية عقود حديثة نسبيا ولم يتعارف الناس عليها بعد. فليس هناك أعراف سائدة تعارف عليها الناس وشعروا بالزاميتها في هذا الميدان.
ثانيا : حالة كون الإيجاب في مصلحة من وجه إليه :
أغلب هذه العقود تكون من قبيل التبرع كعقد الهبة مثلا،... وهي عقود غير متصورة في الانترنت، كون العقود الالكترونية كما هو معروف هي عقود يغلب عليها الطابع التجاري.
ثالثا : التعامل السابق :
التعامل السابق هو أمر كثير الحدوث عبر شبكة الانترنت. ولكن اعتبار السكوت في هذه الحالة قبولا أمر مستبعد واقعيا في هكذا عقود. فعمليا لا يعتبر هذا السكوت قبولا إلا إذا كان هناك اتفاق صريح أو ضمني بين أطراف التعاقد على ذلك.
المراجـع :
أولا القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975. المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم.
ثانيا الكتب :
1- على فيلالي الالتزامات النظرية العامة للعقد موفم للنشر - الجزائر - الطبعة الثالثة - 2013 .
2- بلحاج العربي النظرية العامة الالتزام في القانون المدني الجزائري الجزء الأول . ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر - طبعة 2008 .
3- عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني . ج1 (مصادر الالتزام) ، منشورات الحلبي الحقوقة ، بيروت ، لبنان ، 2000 .
4- محمد صبري السعدي، الواضح في شرح القانون المدني : النظرية العامة للالتزامات. مصادر العقد والإرادة المنفردة، ط4، دار الهدى، عين مليلة، 2009.
5- شروخ صلاح الدين، الوجيز في المنهجية القانونية التطبيقية. دار العلوم للنشر و التوزيع، عنابة، الجزائر، 2010.
6- غناي زكية، منهجية الأعمال الموجهة، ط3، ديوان المطبوعات الجامعية، 2012 .
7- عبودة عبد الله العسكري، منهجية البحث العلمي في العلوم القانونية، ط2، دار النمو، دمشق، 2004 .
8- د. دموش حكيمة، محاضرات في المدخل للعلوم القانونية، جامعة عبد الرحمان ميرة- بجاية، الجزائر السنة الجامعية 2017-2018.
9- نادية ابراهيم مصطفى المحروقي، احمد محروس على ناجي. الوجيز في اعداد البحث العلمي القانوني، ط1، مكتبة القانون و الاقتصاد، الرياض،2012.