بسم الله الرحمن الرحيـــم
التعليق علي نص المادة 107 من القانون المني الجزائري مقدمة:
القاعدة العامة هي التزام المتعاقدان بتنفيذ العقد طبقا لمضمونه على النحو الذي اوضحناه بحيث لا يمكن لأحد إطرافه أن ينقص العقد أو يعدله بإرادته المنفردة , وهدا ما يعبر عنه بمبدأ سلطان الإرادة و يرد على هده القاعدة عدة استثناءات و لكن أهمها ما تقضي به نظرية الظروف الطارئة من جواز تعديل العقد . لدلك سوف نتطرق أولا القاعدة في لزوم تنفيذ العقد ثم نبحث الاستثناء الوارد عليها و المتمثل في نظرية الظروف الطارئة. تنص المادة 107 من القانون المدني الجزائري :
« يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه و بحسن نية.
- ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب ة بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعرف و العدالة بحسب طبيعة الالتزام .
- غير انه ادا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها إن الالتزام التعاقدي و إن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف و بعد مراعاة لمصلحة الطرفين إن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف دلك » أولا : التحليل الشكلي .
1 طبيعة النص : النص محل التعليق هو نص تشريعي
2.المصدر الشكلي : أشار المشرع الجزائري لنص المادة 107 في القسم الثالث تحت عنوان أثار العقد من الفصل الثاني تحت عنوان ’العقد’ من الباب الأول تحت عنوان ًًَفمصادر الالتزامًَ ًف من الكتاب الثاني تحت عنوان فالالتزامات و العقود ف من التقنين المدني الجزائري الصادر بالامر75-58 المؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق لـ 26 سبتمبر 1975
3. المصدر المادي : يقابل نص المادة 107 من التقنين المدني الجزائري كل من المادة 148 من التقنين المدني المصري و المادة 1134 من التقنين المدني الفرنسي . ثانيا : التحليل الموضوعي .
1- شرح المصطلحات : المصطلحات المستعملة بسيطة واضحة و مفهومة لا غموض فيها
2- الفكرة العامة : يتعلق نص المادة 107 بمبدأ القوة الملزمة للعقد و تنفيذه في الحالات العادية و الاستثنائية المشار إليها
3- الأفكار الأساسية : يحتوي نص المادة 107 على فكرتين أساسيتين :
- وجوب تطبيق بنود العقد بحسن نية مراعاة في دلك قواعد العرف و العدالة .
- السلطات المخولة للقاضي في رد الالتزام إلى الحد المعقول في الحالات الاستثنائية .
الخطة:
المبحث الأول: تنفيذ العقد في الحالات العادية
المطلب الأول: تنفيذ العقد في جميع ما اشتمل عليه
المطلب الثاني: تنفيذ العقد بحسن نية (107-1)
المبحث الثاني: تنفيذ العقد في الحالات الاستثنائية
المطلب الأول: نظرية الظروف الطارئة
المطلب الثاني: شروط تطبيق النظرية
المطلب الثالث: حكم الظروف الطارئة
خاتمة
المبحث الأول: تنفيذ العقد في الحالات العادية المطلب الأول: تنفيذ العقد في جميع ما اشتمل عليه
تنص المادة (106) مدني جزائري أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون و مقتضى هده القاعدة أن ما تم الاتفاق عليه و ما يدخل في نطاق العقد يكون ملزما لإطراف العقد كما لو كان القانون قد نص عليه ،بمعنى إن تكون الحقوق والالتزامات التي ينشئها العقد في ذمة كل من
المتعاقدين تكون واجبة الاحترام و التنفيذ كما لو كان القانون هو الذي يرتبها فالعقد متى انعقد صحيحا فلا يمكن لأي من المتعاقدين أن يتنصل لما تعاقد عليه ولا أن يبدل آو يغير إلا ما أجازه القانون كعقد الوكالة و الوديعة والعقود الزمنية كما لا يجوز للقاضي ان ينقض عقدا صحيحا او يعدله بدعوى ان النقض او التعديل تقتضيه العدالة ، فالعدالة تكمل إرادة المتعاقدين ولكن لا تنسخها المطلب الثاني: تنفيذ العقد بحسن نية (107-1)
نصت المادة (107-1) على وجوب تطبيق العقد بحسن نية tmost good faith " يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه وبحسن نية." أي وجوب تطبيق بنود العقد بطريقة تتفق مع ما يقتضيه شرف التعامل و الأمانة و لإخلاص . فلا يجوز لأحد المتعاقدين ان يتمسك بتنفيذ العقد بطريقة تلحق ضررا بالعاقد الآخر ، لان يتفق الراكب مع سائق سيارة أجرة بالعداد لغرض إيصاله إلى مكان معين ، فيسلك السائق أطول طريق لدلك او يتعمد إطالة المسافة حتى يزيد على الراكب أجرة الركوب . و كداك يجب على المستأجر إخطار المؤجر بالإصلاحات التي ينبغي القيام بها للحفاظ على العين المؤجرة . وقد يقتضي واجب تنفيذ العقد بحسن نية التعاون بين المتعاقدين لدلك فان تنفيذ العقد بسوء نية يرتب المسؤولية على المتعاقد سيء النية ، و يلزمه بالتعويض عن الضرر الذي لحق المتعاقد الأخر .
كما ويلزم هذا المبدأ كافة أطراف التعاقد بتوافر حسن النية في عملية ما قبل التعاقد وأثناءها وفترة سريان العقد. المبحث الثاني: تنفيذ العقد في الحالات الاستثنائية المطلب الأول: نظرية الظروف الطارئة
إن تسمية هذه النظرية بهذا الاسم، فيه الدلالة الكافية على معناها، حيث تفترض هذه النظرية أن عقدا يتراخى تنفيذه إلى أجال كعقد التوريد، وعند حلول أجل التنفيذ تكون الظروف الاقتصادية قد تغيرت تغيرا فجائيا لم يكن منظورا وقت إبرام العقد، فيصبح الوفاء بالالتزامات الناشئة من العقد لا مستحيلا استحالة تامة ينقضي بها الالتزام كالاستحالة التي تنشأ من القوة القاهرة مثلا، وإنما يصبح مرهقا للمدين بحيث يؤدي إجباره عليه إلى إفلاسه أو ينزل به على الأقل خسارة فادحة تخرج عن الحد المألوف، فما مصير هذا العقد وما ينبغي أن يكون موقف المشرع أو القاضي من هذا المدين الذي ابرم العقد وهو عازم على تنفيذه بأمانة وحسن نية، إلا أن ظروف باغتته لم تكن في الحسبان طرأت به، أعاقته عن تنفيذ التزامه وهددته بخسارة فادحة ؟ تقول نظرية الظروف الطارئة بأن الالتزام لا ينقضي لأن الحادث الطارئ ليس قوة قاهرة، ولا يبقى هذا الالتزام كما هو لأنه مرهق، ولكن يرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول حتى يطيق المدين تنفيذه، بحيث يطيقه بمشقة ولكن في غير إرهاق، وهذا بالرغم من تشبث الدائن بالقوة الملزمة للعقد وتمسكه بمطالبة المدين بوفاء التزاماته كاملة، متجاهلا ما تغير من الظروف وما يلحق بالمدين من خسارة لو اكره على التنفيذ تقضي المادة 3/107 من ق م على: « غير أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وان لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد مراعاة لمصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك » .
وعليه يجوز تعديل العقد إذا طرأت بعد إبرامه حوادث استثنائية لم تكن متوقعة جعلت تنفيذ الالتزام مرهقة على المدين. وهذه نظرية الظروف الطارئة التي استمدها المشرع الجزائري من الشريعة الإسلامية ولم يأخذ بها القانون الفرنسي، حيث عمل الفقه الإسلامي بهذه النظرية من قبل أن تعرف في الفقه الغربي بأربعة عشر قرنا . المطلب الثاني: شروط تطبيق النظرية
يتضح من خلال المادة 3/107 من ق م أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة يتطلب توافر ثلاثة شروط وهي : 1 - أن يكون العقد الذي تثار النظرية في شأنه عقدا متراخيا : وذلك سواء أن العقد من أصل طبيعته من عقود المدة ( كعقد الإيجار)، أو العقود المستمرة، أو العقود الفورية ذات التنفيذ المؤجل. أما العقود التي يتم تنفيذها فور انعقادها، فلا يتصور فيها وجود هذه النظرية، بل يؤخذ فيها بنظرية الاستغلال، ولا تنطبق هذه النظرية على العقود الاحتمالية إذ هي بطبيعتها تعرض المتعاقد إلى كسب كبير أو لخسارة جسيمة . 2 - أن يطرأ حادث استثنائي عام ومفاجئ : أي خارج عن المألوف بحيث لا يمكن للرجل العادي أن يتوقعه عند إبرام العقد، فالمعيار هنا هو معيار موضوعي، ومثاله الحرب أو الزلزال، أو إضراب مفاجئ، أو قيام تسعيرة رسمية أو إلغائها، أو ارتفاع باهظ في الأسعار أو نزول فاحش فيها، أو وباء أو جراد يزحف سرابا، ويجب ألا تكون هذه الحوادث خاصة بالمدين بل يجب أن تكون عامة شاملة لطائفة من الناس . 3 - أن يصبح تنفيذ الالتزام مرهقا للمدين وليس مستحيلا: ومن هنا يظهر الفرق بين الحادث الطارئ والقوة القاهرة، فالأول يجعل التنفيذ مرهقا أما الثانية فتجعله مستحيلا، ومن تم تجعل القوة القاهرة الالتزام ينقضي لاستحالة التنفيذ، أما الحادث الطارئ فلا يقضي الالتزام بل يرده إلى الحد المعقول، فتوزع الخسارة بين الدين والدائن. المطلب الثالث: حكم الظروف الطارئة
متى توفرت الشروط الثلاثة المتقدمة كان للقاضي تبعا للظروف وبعد المقارنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول وله أن يعدل العقد في حدود مهمته العادية وهي التفسير، كما له أن يختار بين أكثر من وسيلة لهذا التعديل إذ المهم أن يعيد التوازن، وعليه تتمثل سلطة القاضي وفقا لهذه النظرية في :
- أن يأمر بتنفيذ العقد حتى يزول الحادث إذا كان مؤقتا يرجى زواله (م 2/281 ) .
- أن ينقص التزام المدين المرهق .
- أن يؤخذ من التزام الدائن بما يؤدي إلى توزيع الخسارة بين الدائن والمدين.
- أن يجمع بين إنقاص الالتزام المرهق، وزيادة الالتزام المقابل أي أن يوزع الزيادة على عاتق طرفي العقد.
ويلاحظ في هذا المجال أنه ليس للقاضي أن يفسخ العقد. وهنا يختلف القانون الجزائري عن الشريعة الإسلامية التي تجيز فسخ العقد للضرر. ويعتبر تطبيق نظرية الظروف الطارئة إذا تحققت شروطها من النظام العام، يقع كل اتفاق على مخالفتها باطلا. خاتمة :
أما ما يمكن أن نختم به ، فهو الإشارة إلى كون نظرية الظروف لطارئة، نظرية حديثة أخذت بها جل القوانين العربية مستمدة إياها من الشريعة الإسلامية، وخالفت بذلك ما استقر عليه القضاء المدني الفرنسي والقوانين الغربية مند عهد طويل، فالعقد عندهم شريعة للمتعاقدين لا يجوز تعديله إلا باتفاق المتعاقدين، وعلى ذلك فنظرية الظروف الطارئة تعتبر استثناءا يرد على المبدأ، ولذا أوردها القانون المصري كاستثناء في فقرة ثانية على كون العقد شريعة للمتعاقدين ( 147 ق م م) ، وعلى خطى هذا الأخير سارت جل القوانين المدنية العربية أما القانون المدني الجزائري، فحتى وإن نقل الفقرة الثانية من المادة 107 نقلا حرفيا من المشرع المصري، إلا أنه بفعله هذا يكون قد شد على الاتجاه السابق، ذلك أن نظرية الظروف الطارئة التي تقتضي تعديل العقد قضاء، جاءت استثناءا لعدم جواز تعديله، وليس استثناءا لوجوب تنفيذه بحسن نية .
المراجـع : 1- القوانين :
الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975، المتضمن القانون المدني. 2- الكتب :
- د خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، مصادر الالتزام، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2010.
- د محفوظ لعشب، المبادئ العامة للقانون المدني الجزائري، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2009.
- د محمد صبري السعدي، شرح القانون المدني، التأمينات العينية و الشخصية، عقد الكفالة، دار الكتاب الحديث،2005 .