شرح الفرق بين الاختصاص المحلي و النوعي الاختصاص النوعي يتمثل في كل سلطة جهة قضائية معينة للفصل دون سواها في دعاوى معينة أما الاختصاص المحلي أو الإقليمي الذي هو يحدد موطن ومكان رفع الدعوى
مقدمة :
مع التطور التاريخي أصبح لمرفق القضاء ضرورة وجوده لحماية الحقوق والحريات للفصل ما بين المتخاصمين ومنعهم من اقتصاص حقهم بأنفسهم ، فالقضاء يختص دون غيره من سلطات الدولة ، فقد حدد الدستور الجزائري وظيفة السلطة القضائية المجتمع والحريات ، وتضمن للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية والاختصاص عموما أي سواء كان نوعي أو محلي يقصد به ولاية جهة قضائية معينة للفصل في الدعوى دون غيرها وهذا الأخير هو موضوع نقاشنا ومن هنا نطرح الإشكال كالتالي : فيما يتمثل الاختصاص النوعي والاختصاص المحلي ؟
المبحث الأول: الاختصاص النوعي إن معنى الاختصاص النوعي إذا حاولنا تحديده فيمكن القول بأنه سلطة جهة قضائية معينة للفصل دون سواها في دعاوي معينة ، أي يتم تحديد الاختصاص النوعي بالنظر إلى موضوع الدعوى وطبيعة النزاع ، والمبدأ العام أن قواعد الاختصاص النوعي متعلقة بالنظام العام ، أي لا يجوز الإتفاق على مخالفتها ، ويثيرها القاضي من تلقاء نفسه وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى
المطلب الأول: الاختصاص النوعي للمحاكم إن القاعدة العامة لاختصاص المحاكم العادية نص عليها قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المادة 32 الفقرة 1 المحكمة هي الجهة القضائية ذات الاختصاص العام وتتشكل من أقسام
ويقصد بالاختصاص النوعي للمحاكم سلطة الفصل في المنازعات بحسب نوعها أو طبيعتها ، فضابط إسناد الاختصاص لمحكمة معينة وفقا للمعيار النوعي يستند على نوع النزاع مثال ذلك ، اختصاص محكمة النقض نوعيا بنظر الطعون في الأحكام بهذا الطرق ، واختصاص محاكم الاستئناف نوعيا بنظر الطعن في الأحكام بهذا الطريق .
فقد ساد طيلة عقود اجتهاد المحكمة العليا و الذي يقضي بما يلي :
"متى كان مقررا أن المحاكم هي الجهات الفضائية الخاصة بالقانون العام و هي تفصل في جميع القضايا المدنية و التجارية أو دعاوى الشركات التي تختص بها محليا ، فإن إنشاء بعض الفروع لدى المحاكم لا يعد اختصاصا نوعيا لهذه الفروع بل هي تنظيم داخلي بحت ، و من ثم النفي على القرار بخرق قواعد الإختصاص النوعي غير سليم يتعين رفضه"
و هذا ما يفسر أن مختلف الأقسام المشكلة للمحكمة تعتبر مجرد تقسيم إداري و ليس توزيع لاختصاصات نوعية لمختلف هذه الأقسام.
و هذا ما يتأكد أيضا في الفقرة 3من المادة 32 ق إ م إ التي تنص على "تفصل المحكمة في جميع القضايا لا سيما المدنية التجارية و البحرية و الإجتماعية و العقارية و قضايا شؤون الأسرة و التي تختص بها إقليميا "
وكذلك في الفقرة 5 من المادة 32 من ق إ م إ غير انه في المحاكم التي لم تنشأ فيها الأقسام يبقى القسم المدني هو الذي ينظر في جميع النزاعات بإستثناء القضايا الإجتماعية ، وتضيف الفقرة 6 من نفس المادة أنه في حالة جدولة قضية أمام قسم غير القسم المعني بالنظر فيها ، يحال الملف إلى القسم المعني عن طريق أمانة الضبط ،بعد إخبار رئيس المحكمة المسبقة،و نلاحظ في هذه الفقرة أن المشرع لم يرتب البطلان (عدم قبول الدعوى) في حالة عدم تسجيلها في القسم المتخصص للنظر فيها و هذا ما يؤكد لنا أن القاعدة العامة في إختصاص أقسام المحكمة ليس إختصاص نوعي بل هو مجرد تقسيم إداري كما سبق توضيحه إلا أنه يوجد استثناءات على هذه القاعدة . الاستثناء الأول : إختصاص القسم الاجتماعي :
و هو يعتبر اختصاص من النظام العام يثيره القاضي من تلقاء نفسه و لا يجوز للخصوم الإتفاق على خلافة ، و هذا أكدته كذلك المادة 500 ق إ م التي نصت على أن يختص القسم الاجتماعي اختصاص مانعا ، و طبقا لهذه المادة يختص القسم الاجتماعي دون سواه ، بمعنى انه اختصاص نوعي من النظام العام يثيره القاصي من تلقاء نفسه أو الأطراف و في أي مرحلة كانت عليها
الدعوى الاستثناء الثاني: الأقطاب المتخصصة :
عن طريق التنظيم الفقرة 9 من م 32 تفضل الأقطاب المتخصصة بتشكيلة جماعية من ثلاثة قضاة.
الفقرة 10: تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة ، عند الاقتضاء عن طريق التنظيم
الفرع 1: إشكالية محكمة مقر المجلس القضائي في القانون الجديد : لقد منح المشروع في القانون الإجراءات المدنية القديم الصادرة بموجب الأمر رقم 6-154 قد منح اختصاص نوعي حصري لما اصطلح عليه المشرع بالمحكمة المنعقدة في مقر المجلس ففي المادة الأولى الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية القديم
ويمتد الاختصاص المحلي لكل محكمة في جميع المواد المذكورة أعلاه والآلية إلى المحاكم المنعقدة في مقر المجالس القضائية إلى دائرة اختصاص المجلس القضائي التي تكون المحكمة تابعة له.
حيث كانت تختص دون سواها للنظر في بعض النزاعات حددها قانون الإجراءات المدنية بصورة حصرية وهي : الحجز العقاري، تسوية قوائم التوزيع وبيع المشاع ، وحجز السفن والطائرات وبيعها قضائيا ، وتنفيذ الحكم الأجنبي ومعاشات التقاعد الخاصة بالحجز ... الخ
والمشكل المطروح هنا أن القانون الجديد لم يطرح فكرة المحاكم التي تنعقد في مقر المجالس ، وربما حاول استبدالها بما اصطلح عليه الأقطاب المتخصصة ، وما يدعم ما قلناه هو أنما جاء النص عليه في المادة 1063 على أنه
تبقى قواعد الاختصاص النوعي والإقليمي النصوص عليها في المادة 40 الفقرة 3-4 من هذا القانون ، سارة المفعول إلى حين تنصيب الأقطاب المتخصصة .
الفرع 2: توزيع القضايا على مختلف أقسام المحكمة إن المحكمة الجهة القضائية الابتدائية التي نجدها على مستوى إقليم الواقعة الجغرافية للدائرة حسب التحديد الوارد بالمرسوم التنفيذي 98/63 المؤرخ في 1998/02/16 المحدد لإقليم إختصاص المحكمة ، وتتفرع المحكمة إلى عدة أقسام ، وقد يتفرع القسم إلى فروع كل فرع يختص بموضوع محدد حسب وتيرة أهمية نشاط كل محكمة .
وتعتبر المحكمة الجهة القضائية ذات الاختصاص العام وتتشكل من أقسام كما تصف المدة 10 من القانون العضوي رقم 11-05 المتعلق بالتنظيم القضائي أن المحكمة درجة أولى للتقاضي ، وقد حدد هذا القانون مختلف الأقسام التي يمكن أنتشكل المحكمة وهي كالآتي : القسم المدني ، قسم الجنح ، قسم المخالفات ، القسم الإستعجالي ، قسم شؤون الأسرة ،قسم الأحداث ، القسم الإجتماعي ،القسم العقاري ، القسم البحري ، القسم التجاري .
والأساس الذي يتم توزيع الدعاوي فيه على مختلف الأقسام ونعرف أن هذا التوزيع عمل إداري تنظيمي ، وعادة فموضوع الدعوى هو من يحدد إختصاص القسم ،فالمحكمة تفصل في جميع القضايا المدنية ، التجارية ، البحرية ، الاجتماعية ، العقارية ، قضايا شؤون الأسرة التي تختص بها إقليميا ،وفي حالة جدولة قضية أمام قسم عير القسم المعني بالنظر فيها ، بحال الملف إلى القسم المعني عن طريق أمانة الضبط بعد إخبار رئيس المحكمة مسبقا .
المطلب الثاني : الاختصاص النوعي للمجالس القضائية تنص المادة 5 من القانون العضوي 11-05 المتعلق بالتنظيم القضائي
تختص المجالس القضائية بالنظر استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم في جميع المواد في الدرجة الأولى ولو وجد خطأ في وصفها. " فالمجلس القضائي يعتبر درجة قضائية ثانية، ويأتي قانون الإجراءات المدنية والإدارية ليؤكد في مادته هذه على أن ، يختص المجلس لقضائي بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم في الدرجة الأولى وفي جميع المواد حتى ولو كان وصفها خاطئا
للأمر 11-97 المتضمن التقسيم القضائي تم إحداث 48 مجلس قضائي ، تحدد دوائر إختصاص كل واحد من هذه المجالس بموجب نص تنظيمي .
ويتشكل المجلس القضائي من :
رئيس مجلس نائب رئيس أو أكثر من رؤساء غرف مستشارين نائب عام ونواب عامين مساعدين أمانة الضبط.
ويفصل المجلس القضائي بتشكيلة جماعية مكونة من ثلاث قضاة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك .
ويتشكل المجلس القضائي من الغرف التالية : الغرفة المدنية ، الغرفة الجزائية ، غرفة الاتهام ، الغرفة الإستعجالية ، غرفة شؤون الأسرة ، غرفة الأحداث ، الغرة الاجتماعية ، الغرفة العقارية ، الغرفة البحرية ، الغرفة التجارية .
ويمكن تقليص عدد الغرف أو تقسيمها إلى أقسام حسب أهمية وحجم النشاط القضائي من طرف رئيس المجلس القضائي ، بعد استطلاع رأي النائب العام ، وتفضل كل غرفة في القضايا المعروضة عليها لما ينص القانون على خلاف ذلك .
تنص المادة 6 من قانون الإجراءات المدنية القديمة على أن
تختص المجالس القضائية بالفصل في الدرجة الأخيرة بالطلبات المتعلقة بتنازع الاختصاص بين القضاة إذا كان النزاع متعلقا بجهتين قضائيتين في دائرة إختصاص المجلس القضائي نفسه وكذلك بطلبات الرد المرفوعة ضد المحاكم التابعة لدائرة إختصاصها
الفرع 1: إختصاص المجالس القضائية كجهات إستئنافية : إن إختصاص المجالس القضائية للفصل في هذه الخصومات عن طريق الاستئناف ينعقد ولو وجد خطأ في وصف الأحكام الصادرة فيها من قاضي الدرجة الأولى .، إذ لا يمكن لهذا الأخير أن يقيد بخطئه اختصاص قاضي الدرجة الثانية ، كما لو وصفت بأنها نهائية .
وقد نص القانون العضوي المتعلق بالتنظيم القضائي على اختصاص المجالس القضائية كجهات استئناف الأحكام القضائية الصادرة عن الدرجة الأولى في المادة 5 .
الفرع 2 : إختصاص المجالس القضائية في طلبات رد القضاة إن الثقة في القاضي وحكمه من أسمى الأهداف التي تطمح إلى تحقيقها الأنظمة القانونية المعاصرة ، ولا يكون ذلك إذا لم توفر للتقاضي الوسائل القانونية والمادية التي تجعله
يطمئن لأحكام القضاء من بينها رد وتنحي القاضي .
وأسباب رد القاضي طبقا لقانون الإجراءات الجزائية المادة 554 هي :
1-إذا كانت تمت قرابة أو نسب بين القاضي أو زوجه وبين أحد الخصوم في الدعوى أو زوجه أو أقاربه حتى درجة إبن العم الشقيق و إبن الخال الشقيق ضمنا.
و يجوز مباشرة الرد حتى في حالة الطلاق أو وفاة الزوج إذا كان على علاقة مصاهرة بأحد الخصوم حتى الدرجة الثانية ضمنا.
2- إذا كانت للقاضي مصلحة في النزاع و لزوجه أو لأشخاص الذين يكون وصيا أو ناظرا أو قيما عليهم أو مساعدا قضائيا لهم أو كانت للشركات أو الجمعيات التي ساهم في إدارتها و
الإشراف عليها مصلحة فيه
3- إذا كان القاضي أو زوجه قريبا أو صهرا إلى الدرجة المعنية آنفا للوصي أو الناظر أو القيم أو المساعد القضائي على أحد الخصوم أو لمن يتولى تنظيم أو إدارة أو مباشرة أعمال شركة تكون طرفا في الدعوى.
4- إذا وجد القاضي أو زوجه في حالة تبعية بالنسبة لأحد الخصوم وبالأخص إذا ما كان دائنا أو مدينا لأحد الخصوم أو ورثا منتظرا له أو مستخدما أو معتادا أو معاشرة المتهم أو المسؤول عن الحقوق المدنية أو المدعي أو المدعي المدني أو كان أحد منهم وارثه المنتظر .
5- إذا كان القاضي قد نظر لقضية المطروحة كقاضي أو كان محكما أو محاميا فيها أو أدلى بأقواله كشاهد على وقائع في الدعوى
6- إذا وجدت دعوى بين القاضي أو زوجه أو أقاربهما أو أصهارهما على عمود النسب المباشر وبين أحد الخصوم أو زوجه أو أقاربه أو أصهاره على العمود نفسه.
7- إذا كان القاضي أو لزوجه دعوى أمام المحكمة التي يكون فيها أحد الخصوم قاضيا.
8- إذا كان للقاضي أو زوجه أو أقاربهما أو أصهارهما على عمود النسب المباشر نزاع مماثل للنزاع المختصم فيه أمامه بين الخصوم.
9- إذا كان بين القاضي أو زوجه وبين أحد الخصوم من المظاهر الكافية الخطورة ما يشتبه معه في دعم تحيزه في الحكم. أسباب رد القاضي طبقا لقانون الإجراءات المدنية والإدارية المادة 241
1 إذا كان له أو لزوجه مصلحة شخصيته في النزاع.
2 إذا وجدت قرابة أو مصاهرة بينه أو بين زوجه أو بين أحد الخصوم أو أحد المحامين أو وكلاء الخصوم ، حتى الدرجة الرابعة.
3 إذا كان له أو لزوجه أو أصولهما أو فروعهما خصومة سابقة أو قائمة مع أحد الخصوم.
4 إذا كان هو شخصيا أو زوجه أو أحد أصوله أو أحد فروعه مدائنا أو مدينا لأحد الخصوم.
5 إذا سبق له أن أدلى بشهادة في النزاع.
6 إذا كان ممثلا قانونيا الأحد الخصوم في النزاع أو سبق له ذلك.
7 إذا كان أحد الخصوم في خدمته.
8 إذا كان بينه وبين أحد الخصوم علاقة صداقة حميمية ، أو عداوة بينية.
وبمقارنة المادتين نجد أن قانون الإجراءات الجزائية جاء أكثر صرامة من قانون الإجراءات المدنية وتوسع حالات الرد ، وبالتالي فهي تخدم أكثر المتقاضين .
الفرع3: اختصاص المجالس القضائية في تنازع الاختصاص بين القضاة يكون هناك تنازع في الاختصاص بين القضاة عندما تقضي جهتان أو أكثر في نفس النزاع بالاختصاص أو عدم الاختصاص.
فإذا كانت المحاكم تابعة لنفس المجلس القضائي، تقضي عريضة الفصل في التنازع أمام هذه الجهة التي تحدى الجهة القضائية المختصة وتحيل القضية عليها لتفصل فيها طبقا للقانون.
وإذا كانت هذه المحاكم تابعة لمجالس قضائية مختلفة ، تقدم العريضة أمام الغرفة المدنية للمحكمة العليا .
وإذا قضى كذلك مجلسان قضائيان باختصاصهما أو بعدم اختصاصهما أو إذا وقع تنازع بين محكمة ومجلس قضائي تقدم العريضة أمام الغرفة المدنية للمحكمة العليا .
تعين المحكمة العليا الجهة القضائية المختصة ولا يجوز لهذه الأخيرة التصريح بعدم الاختصاص .
تقدم عريضة الفصل في التنازع الاختصاص بين القضاة أمام الجهة القضائية المختصة في أجل شهرين ، ويسري إبتداءا من تاريخ التبليغ الرسمي لآخر حكم للخصم المحكوم عليه ، تقدم عريضة الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاة أمام المجلس القضائي وفقا للقواعد المقرر لرفع عريضة الاستئناف وتخضع العريضة التي تقدم أمام المحكمة العليا للقواعد المقررة لعريضة الطعن بالنقض ، تبليغ عريضة الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاة إلى ممثل النيابة العامة لتقديم طلباته .
يمكن للجهة القضائية المعروض عليها التنازع أن تأمر عند الاقتضاء بإيقاف إجراءات التنفيذ المتبعة أمام الجهة القضائية التي ظهر أمامها التنازع باستئناف الإجراءات التحفظية ، يكون مشوبا بالبطلان كل إجراء تم خرقا لوقف التنفيذ المأمور به.
المبحث الثاني: الاختصاص الإقليمي بعد أن عرفنا كيفية توزيع القضايا بين كل الجهات القضائية يبقى لنا تحديد ما هي الجهة القضائية المختصة محليا من بين كل الجهات القضائية من نفس النوع والدرجة.
والقواعد التي نص عليها المشرع في هذا المجال تطبق على كل الجهات القضائية ما عدا المحكمة العليا التي لا تخضع لقواعد الاختصاص المحلي كونها تمارس صلاحياتها
على القرارات الصادرة من المحاكم والمجالس القضائية.
سنخصص القسم الأول للقواعد العامة للاختصاص المحلي والقسم الثاني للقواعد الخاصة.
المطلب الأول: القواعد العامة للاختصاص المحلي تشكل المادة 8 من قانون الإجراءات المدنية (الملغى) النص الأساسي الذي يرتكز عليه الاختصاص المحلي للمحاكم وإذا كانت هذه المادة قد وضعت قاعدة مبدئية فإنها تتضمن من جهة أخرى مجموعة من الاستثناءات.
سنتطرق أولا لمبدأ اختصاص محكمة موطن المدعى عليه ثم سنعرض تطبيقات هذا المبدأ وأخيرا سنتناول قواعد اختصاص المجالس القضائية.
الفرع1: مبدأ اختصاص محكمة موطن المدعى عليه : حسب المادة 37 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فهي تحدد موقع أو مكان رفع الدعوى وهو مكان سكن المدعى عليه وهي تنص على << يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه، وإن لم يكن له موطن معروف فيعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في فيها آخر موطن له وفي حالة اختيار موطن يؤول الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التي يقع فيها الموطن المختار ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.>> حيث ترتكز هذه القاعدة على الأسس الآتية:
أ- ما دام لم يحكم في الدعوى فإن المدعى عليه يستفيد من قرينتين
- كل الأشخاص يوجدون في حالة توازن قانوني
- اعتبار الظواهر متطابقة مع الواقع إلا إذا أثبت العكس
ب- هذا الأساس الذي ترتكز عليه القاعدة فبدونها سيتمكن المدعي ذي النية السيئة أن يرفع الدعوى أمام محكمة نائية لإرهاق المدعى عليه
الفرع2 : تطبيقات هذا المبدأ : قد يكون المدعى عليه شخص طبيعي أو شخص اعتباري كالشركة أو الجمعية ومفهوم ((الموطن)) الذي يرتكز عليه الاختصاص الإقليمي قد حدده القانون المدني في مادته 36 بالنسبة للشخص الطبيعي والمادة 50 بالنسبة للشخص الاعتباري. فحسب المادة 36 من القانون المدني فإن موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكناه الرئيسي وعند عدم وجود سكنى يحل محلها مكان الإقامة العادي ولكن إذا لم يكن للمدعى عليه موطن معروف ترفع الدعوى أمام المحكمة التي يختارها المدعي. وأما موطن الشخص الاعتباري فهو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته حسب المادة 50 من القانون المدني الجزائري.
الفرع3:الاختصاص المحلي للمجلس القضائي: يختص المجلس القضائي بالنظر في كل الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام والأوامر الصادرة من المحاكم الواقعة في دائرة اختصاصه. في بعض الحالات أسند المشرع لِلِجان خاصة النظر في استئنافات بعض القرارات ونذكر على سبيل المثال العقوبات المسلطة على المحامين من قبل مجلس التأديب التي يجب استئنافها أمام لجنة الطعن الوطنية.
المطلب الثاني : القواعد الخاصة للاختصاص الإقليمي: لقد رأينا أن المحطمة المختصة إقليميا هي مبدئيا المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ولكن أدخل القانون على هذا المبدأ استثناءات كثيرة فبعد أن أخضع بعض المواد لمحكمة غير التي يقع بها موطن المدعى عليه أجاز خيار الاختصاص في بعض الحالات ونظرا للتداخل بين الاختصاص الإقليمي والنوعي الذي يتميز به تشريعنا فيجب في بعض الحالات التنسيق بين هذين الاختصاصين لتحديد المحكمة المختصة محليا
الفرع1 : تعيين محكمة محدد : حددت المادة 37 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المحكمة المختصة إقليميا للنظر في بعض الدعاوى بغض النظر عن موطن المدعى عليه وهذه الدعاوى قد تكون مدنية أو تجارية أو اجتماعية أو متعلقة بالأحوال الشخصية أو بالاستعجال. أ- القضايا المدنية :
فيما يخص الدعاوى العقارية تكون المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها هي المختصة كلما تعلق الأمر بدعوى عقارية. ب- المواد التجارية :
في الدعاوى المتعلقة بالشركات بالنسبة لمنازعات الشركاء يرفع الطلب برفع الطلب إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها المركز الرئيسي للشركة ومادام المشرع لم يحدد نوع الشركة فتطبق القاعدة سواء تعلق الأمر بشركة تجارية أو مدنية. النزاعات التي قد تنشأ بين الشركاء عديدة ومتنوعة فبالنسبة للشركات التجارية قد ينشأ النزاع حول تقدير الحصص العينية أو حول توزيع الأرباح أو حول إحالة حصص الشركة أو إثبات المسؤولية المدنية على القائمين بالإدارة وبالنسبة للشركات المدنية كمستثمرة فلاحية جماعية قد ينشأ نزاع حول عدم احترام أحد الشركاء لالتزاماته. ت- المواد الاجتماعية :
النزاعات الفردية في العمل والمنازعات في مجال الضمان الاجتماعي لا تطبق أمام المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية قاعدة اختصاص موطن المدعى عليه قد يكون موطن صاحب العمل أو صاحب الأجرة بعيدا عن مكان العمل والمحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية أنشئت لتطبق على المتقاضين العادات المتداولة محليا في المهنة وهذا الاهتمام وهو الذي دفع المشرع إلى قرار قواعد خاصة طرأت عليها بعض التعديلات فيها بعد. ث- قضايا الأحوال الشخصية :
في دعاوى الطلاق ترفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية. وفي دعاوى الحضانة تختص المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان ممارسة الحضانة وأما الدعاوى المتعلقة بالنفقة فيجب أن يرفع الطلب أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن أو مسكن الدائن بقيمة النفقة. وفي مواد الميراث يرفع الطلب أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان اقتراح التركة. ج- القضايا المستعجلة :
تخفيف قواعد الاختصاص المحلي في مواد الاستعجال للحصول على أمر استعجالي من المفروض أن ترفع القضية لرئيس المحكمة التي يكون مختصما محليا للفصل في موضوع الإشكال ولكن باعتبار ضرورة تدخل القاضي بصفة مستعجلة فإن المشرع أقر قواعد خاصة إذا أوجب رفع الدعوى أمام المحكمة الواقعة في دائرة اختصاصها (مكان الشكل التنفيذي) أو (التدبير المطلوب).
الفرع 2 : خيار الاختصاص : أجاز المشرع للمدعي في بعض المواد أن يختار بين محكمتين أو أكثر عند تقديم طلبه وهذا الخيار قد يكون على محكمتين بمعنى أنه يمكن للمدعي أن يرفع طلبه أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه وأما أمام محكمة أخرى كما قد يكون هذا الاختيار متعددا أي يكون الاختصاص المحلي موزعا على أكثر من محكمتين وفي بعض الحالات الاستثنائية قد يكون الاختصاص وطني يجيز رفع الدعوى أمام أي محكمة من محاكم الجزائر. أ- الحالات التي تختص فيها محكمتين مختلفتين: - الدعاوى المختلطة :
يجوز في مثل هذا النوع من الدعاوى أن يرفع الطلب إما إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه أو مسكنه وإما أمام الجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها مقر الأموال. - دعاوى تعويض الضرر الناشئ من جريمة :
إذا كانت متعلقة بتعويض الضرر الناشئ من جناية أو جنحة أو مخالفة أو شبه جنحة، يجوز أن يرفع الطلب إما إلى محكمة موطن المدعى عليه وإما أمام الجهة القضائية التي وقع في دائرة اختصاصها الفعل الضار. في حالة اختيار الموطن فإن المحكمة المختصة إقليميا إلى جانب المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه هي الجهة القضائية للموطن المختار. ب- الحالات التي تختص فيها عدة محاكم :
تختص عدة محاكم في حالة تعدد المدعى عليهم، المنازعات المتعلقة بالتوريدات والأشغال وأجور العمال أو الصناع، الدعاوى التجارية، الدعوى المرفوعة ضد شركة . ت- القضايا التي تختص فيها أي محكمة من المحاكم :
إذا لم يكن للمدعى عليه موطن أو مسكن في الجزائر يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة التي يختارها المدعي وتطبق هذه القاعدة خاصة في المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقود التي أبرمها أجنبي في بلد أجنبي مع جزائري أو المنازعات الناشئة عن تنفيذ التزامات تعاقد عليها جزائري في بلد أجنبي.
الفرع 3 : ضرورة التنسيق بين قواعد الاختصاص المحلي وقواعد الاختصاص النوعي لتحديد المحكمة المختصة : عند تطرقنا لقواعد الاختصاص النوعي رأينا أن بعض المواد تختص بها المحكمة المنعقدة في مقر المجلس القضائي دون غيرها ولاحظنا كذلك أثناء دراستنا لقواعد الاختصاص المحلي أن بعض هذه المواد نفسها تخضع لاختصاص محلي خاص.