مـقـدمـــة
إن من مصـادر الالتزام العقـد الـذي يقـوم علـى التراضـي و المحـل والسبـب ويضيـف كـل مـن القانـون والعاقـدان ركـنا آخـر هو الشكل أو الشكليـة فـي العقـود .
ومـن هنــا نطــرح الإشكاليـة التاليـة :
ماهية الشكلية في العقود وما مصادرها وشروطها ؟
المبحث الأول : الشكلية في العقود و أشكالها
إن الشكلية إفراغ العقد في شكل معين يستلزمه القانون فهي ركن في التصرف القانوني أي ثبوت الإرادة بمقتضى القانون ومن دون الشكل التصرف باطل في العقود الشكلية ، وهي خروج مباشر لمبدأ الوصائية وتتطلب شكل معين كشروط أساسية لقيام العقد الشكلي.
المطلب الأول : العقود الشكلية
لقد ظهرت هذه العقود منذ القدم وبدأت هذه العقود في القانون الروماني لأنه كان الشكل وحده هو الذي يجعل العقد تاما فالشكلية هي القاعدة بخلاف القانون حيث لم تكن إرادة المتعاقدين كافية لإتمام العقد بل كان لابد أن يتم العقد في الشكل الذي كانوا يسمونه
( Mancipation ) وهو الذي يستلزم حضور شهود وميزان وعبارة معينة وأما في الشكل الذي كانوا يسمونه ( In jure cessio ) أي أمام القضاء .
وأما في الشكل الذي كانوا يسمونه ( Tradition ) أي التسليم المادي وإما بوضع اليد لمدة طويلة للتملك بغير عقد وكانوا يسمونه Usucapion ) ( بالنسبة للأعيان الشكلي معين كاستلزام حضور الشهود والميزان وتلاوة عبارات معينة ولقد ضلت هذه الشكلية المقدسة مسيطرة على العقد وعلى كسب الملكية للأعيان لفترة طويلة من الزمن ثم أخذت تخف شيئا فشيئا في هذا القانون الروماني ثم في القوانين التي تأثرت به إلى أن جاء ( ديمولان ) في أوائل القرن السادس عشر فوضع البذرة الأولى لمبدأ سلطان الإرادة وهذا ما ينشأ العقود الرضائية التي تنعقد بمجرد تبادل التراضي بين المتعاقدين دون الحاجة إلى شكل معين فهذا يكفي الإيجاب والقبول ولو شفهيا لينعقد العقد .
فهنا مبدأ الإرادة في ذاتها مجردة من كل شكل تكفي لإنشاء التصرف وتوليد الإلتزلم وكل ما يتطلب هو أن يصدر تعبير عن الإرادة بصرف النظر عن الصورة التي يصدر فيها هذا التعبير . فاليوم فقد أصبح التراضي كقاعدة عامة كافيا لإنعقاد العقد فلم يعد هناك مقتضى لإحلال محل تسلسم الشكل . ولهذا نجد العقود الشكلية هي العقود التي يتطلب القانون قيامها مع وجود رضا أطرافه وأن يصب هذا الرضا في شكل معين وإذا إستلزم القانون توافر شكل معينا لعقد ما ، فإن هذا العقد لا ينعقد إلا بتوافر الرضا + المحل + السبب + الشكل .
ويكون العقد شكليا إذا كان الشكل ركنا لإنعقاده مثل عقد الرهن فهو لا ينعقد إلا بعقد رسمي المادة (883) من القانون الجزائري أي أمام موثق ومثل العقود التي تتضمن نقل ملكية العقار أو أي حق عيني عبلى المادة (12) من قانون التوثيق الصادر في 15-12-1970 فلقد اصبح عقد بيع أرض للبناء في فرنسا مثلا عقدا شكليا ( قاون 05-01-1967 ) مع أن عقود بيع العقارات الأخرى رضائية .
والشكلية في العقود قد تكون في عقد الهبة أو عقد شركة المساهمة أو العقود العينية وذلك حسب المادة (793) حيث لا تنتقل الملكية والحقوق العينية الأخرى في العقار سواء كان ذلك من المتعاقدين أو في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي نص عليها القانون وبالأخص القوانين التي تدير مصلحة الشهر العقاري .
ويعتبر تسليم الشيئ المعقود عليه من صور الشكلية الملزمة . وهنا ضرورة التفرقة بين نوعين من التسليم مجرد تنفيذ الإلتزلم أحد العاقدين فهو عقد رضائي إعتيادي إلا أن الشكلية تأخذ شكلا من أجل إستقرار العقد وحمايته للغير وتسهيل الإثبات عند التنازع .
المطلب الثاني : أشكال الشكلية في العقود
إن من القيود التي وردت على مبدا سلطان الإرادة في شقه الشكلي توثيق العقد أي إفراغه في وثيقة وهي العقود الرسمية والقيد والتسجيل والكتابة
الفرع الأول : الكتابة :
قد يشترط المشرع لقيام العقد أن يكون مكتوبا وهناك كتابة مطلوبة لقيام الإلتزام بمقتضى القانون وهناك من أجل الإثبات أمام القضاء ولا كنها لا تجعل العقد شكليا وإنما يشترط لإثباته فقط أي قد تكون الكتابة للشكل وقد تكون للإثبات فهي في الحالة الأولى ركن في العقد فلا ينعقد بدونها العقد أما في الحالة الثانية فقد يعنى عنها الإقرار أو اليمين الحاسمة.
فرع الثاني : الرسمية
وهي تحرير العقد في سند من قبل موظف عام أو محافظ عمومي أو موثق يختص في تحريرها من حيث المضمون والمكان وفق الأوضاع القانونية .
وغالبا ما تكون الكتابة الرسمية أمام موثق مثل العقود الرسمية في القانون المدني الفرنسي والمصري و الهبة والرهن التأميني وأما في الجزائر مثل قانون الرهن التأميني وهي تتطلب كتابة رسمية أمام الموثق وهنا حماية للمتعاقد قصدها المشرع لشكل العقد والشكل ورقة رسمية يدون فيها العقد والورقة الرسمية هي التي يحررها الموثق المختص بذلك والتوثيق في التشريع الجزائري يحكمه الأمر رقم : 70-91 الصادر في 15 ديسمبر سنة 1970 .
وتتميز الرسمية عن التسجيل أو القيد كون التسجيل أو القيد هما شرط لنفاذ العقد بالنسبة للغير ولا أثر لهما في إنعقاد العقد فلا تستغنس الرسمية عن التسجيل أو القيد ولا يستغني التسجيل أو القيد عن الرسمية فكل يكمل الآخر فهبة العقر في القانون المصري يجب أن تكون في عقد رسمي . وأن تسجل وتقيد و الرهن التأميني في القانون الجزائري والمصري يجب أن يكون في عقد رسمي وأن يسجل ويقيد .
المبحث الثاني : مصادر الشكلية في العقود وشروطها
المطلب الأول : مصادر الشكلية
قد نتخذ الشكلية في العقود ركنا من أركان العقد بنص القانون وقد تكون فيه بموجب الاتفاق أي الشكلية بإرادة الطرفين
الفرع الأول : الشكلية بإرادة الطرفين :
قد تكون الشكلية ركنا في العقد بموجب الاتفاق أي اتفاق المتعاقدين ممثلا – إذا إتفق المتعاقدان على بيع سيارة واشترط أن يتم البيع في شكل رسمي فإن العقد لا يتم إلا في الشكل المتفق عليه أي لا يوجد مطلقا حتى يقضي ببطلانه لأن البطلان لا يتقرر إلا بنص القانون وإذا اتفق المتعاقدان على أن يكون العقد شكليا كدليل للإثبات أي أن الشكل مطلوب لمجرد الإثبات .
وإذا لم يوضحا المتعاقدان ماذا كان الشكل المشترط هو إنعقاد العقد أو لمجرد الإثبات لأن الأصل في العقود رضائية العقد وهذا ما جرى عليه القضاء في فرنسا ومصر .
أما في القانون الجزائري المدني فيجب الرجوع إلى القواعد العامة والقول بأن الصلة في العقود الرضائية فإذا إتفق المتعاقدان على أن يكون عقد رضائي عقدا شكليا ولم يبين هل الشكل المتفق عليه للإنعقاد أو الإثبات فيحمل اتفاقهما على أن الشكل المطلوب للإثبات
الفرع الثاني : الشكلية بنص قانون
قد يكون العقد شكليا بنص في القانون مثل الشكل المطلوب في الرهن الرسمي أو المطلوب بمقتضى المادة (12) ……(3) . من قانون التوثيق ( تعقد التصرفات الواجبة التوثيق التي كانت تنص عليها المادة 12 من قانون التوثيق الذي ألغي على المادة 324 مكرر من القانون المدني رقم 88-14 الصادر بتاريخ 3 مايو 1988 الذي عدل وتمم القانون المدني.
او ما نصت عليه المادة (5 و 6) من القانون المدني الجزائري في عقد الكفالة ، بقولها ( لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة
فتخلف الشكل المطلوب لانعقاد العقد يترتب عليه بطلان العقد بطلانا مطلقا فإذا لم يجرر عقد الرهن الرسمي أمام الموثق فإن الرهن يكون باطلا بطلانا مطلقا أما إذا تخلف الشكل المطلوب لإثبات العقد كما لو تم عقد الكفالة في شكل شفوي فإن العقد لا يكون باطلا بل يعتبر قائما ويجوز إثباته بإقرار من طرف المدين أو توجيهه اليمين إليه .
والعرض من الشكل حماية المتعاقد من نتيجة تسرعه ولذلك فالتوكيل في العقد الشكلي والوعد به يجب أن يفرغ في نفس الشكل وإلا كانت باطلا .
ولا خلاف فيما يتعلق بالهبة بالنسبة للقوانين التي جعلتها عقدا شكليا كما في القانون المصري أما في القانون الجزائري فنلاحظ أن المشرع الجزائري لم ينظم أحكام عقد الهبة وطبقا للمادة الأولى من القانون المدني يكون عقد الهبة خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية لا تنتقل ملكية الشيئ الموهوب إلى الموهوب إليه إلا إذا قبضه قبضا صحيحا شرعيا لجميع الشروط أما هبة العقار فيجب أن تكون بعقد موثق عملا بالمادة (12) من قانون التوثيــــــق الجزائري الصـــــــــادرة بأمر( 70-91 ) .
ولقد نصت المادة (525) مدني كويتي ( لا تنعقد الهبة إلا إذا إفترضت بقبض الموهوب أو وثقت في محرر رسمي ويعتبر القبض قد تم ولو بقى الشيئ قي يد الموهوب أو وثقت في محور رسمي ويعتبر القبض قد تم ولو بقى الشيئ في يد الواهب إذا كان وليا أو وصيا أو قيما على تربية الموهوب له .
المطلب الثاني : شروط الشكلية
من الشروط والضروريات التي تتخذها الشكلية في العقود أن يقع الإثبات بواسطة الكاتب أو المحرر دون غيره من وسائل الإثبات في الصور التي فرض فيها المشرع ذلك وهو من الشروط التي يجب إتخاذها في تحرير العقد الرسمي فالمحرر أو الكاتب هو الدليل الكتابي الذي ينقسم إلى الورقة التي ترسل على كافة الكتائب التي لم يقع إعدادها أساسا للإثبات مثل بداية الحجة بالكتابة والسند أو الحجة التي هي وثيقة معدة خصيصا للإثبات فالمحرر يعد الوسيلة المثلى لإثبات التصرف القانوني شرط أن يكون السند عن الطرف الذي يحتج به ضده إذ لا يمكن لأحد أن يكون حجة لنفسه علما بأحكام الفصل 468 م إ ج ، وتختلف القوة القانونية للكتب أو المحرر حسب كونه حجة رسمية أو حجة غير رسمية.
فبالنسبة للحجة الرسمية التي نظمتها الفصول من 442 إلى 448 م إ ع فيحررها وجوبا مأمور عمومي كضابط الحالة المدنية وقابض التسجيل ودل التنفيذ في نطاق ممارسته لمهامه وضمن اختصاصات الترابي مما يجعل المنازعة في الحجة الرسمية تؤول إلى التشكيك في نزاهة الموظف العمومي يفترض المشرع أنه لا يكتب إلا الحقيقة إسنادا إلى شروط توظيفه وإلى ما يتحمله من نتائج خطيرة عند تزويره لوثيقة رسمية بحيث يكون المأمور العمومي الذي يتولى صياغة المحرر الرسمي بمثابة الشاهد الممتاز الذي تتميز شهادته بقيمة استثنائية تجعل كل من يدعي خلافها مطالبا بالطعن في الحجة بالتزوير .
أما الخطأ في التقدير فيمكن إثباته بكل الوسائل لخلوه من كل تشكيك في نزاهة المأمور العمومي .
خـــاتـمــة
وإن كان الأصل في العقود الرضائية أن يكفي لانعقادها مجرد تراضي المتعاقدين إلا أنه أوجب القانون والمتعاقدين شكلا معينا ، فهذا الشكل يكون ركنا في العقد ويستوجب مراعاته عند التعاقد ، لأنه يعبر بصورة واضحة ومحدودة عن محتوى العقد وكما أنه الشكل يلعب دورا وقائيا هاما بالنسبة للأطراف لأنه يخول للمتعاقدين اثر كتابي للعقد يمكنهم في حالة ما إذا كان نزاع بينهم اعتماده للإثبات .
وقد يساعد الشكل السلطة العمومية على حصر العقود المبرمة بين الأشخاص لتتمكن من ممارسة رقابتها على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الني تربط بينهم خاصة .