مفهوم البطلان الإجرائي وفق القانون الجزائري مبدأ لا بطلان بغیر نص
مبدأ تحقق الضرر بالنسبة للمتمسك به لم يبين المشرع الجزائري موقفه حول العمل الإجرائي في قانون الاجراءات المدنية القديم، فلقد التزم الصمت فيما يخص ذلك.
- على عكس القانون رقم 08-09 فمن خلاله استدرك المشرع أمر البطلان الإجرائي، بحيث حسم الأمر بشأنه، إذ تضمن القسم المخصص لأحكام الدفع بالبطلان سبعة مواد، تم من خلاله التنصيص على الحلول المقترحة في مجال البطلان كجزاء إجرائي . - لقد تم تحديد شروط تقرير البطلان من خلال :
المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ووقت التمسك به ومن يجوز له ذلك في المادتين 61 و 63 من نفس القانون وعلى إمكانية تصحيح الإجراءات الباطلة في المادة 62 من نفس القانون.
أما المواد 64 و 65 فلقد نصت على الشروط الموضوعية للأعمال الإجرائية والعقود غير القضائية والمتمثلة في انعدام أهلية الخصوم وانعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي.
- يقصد المشرع بالعقود غير القضائية تلك العقود الرسمية المحررة خارج مرفق القضاء منها العقود التي يحررها المحضر القضائي، أما بالنسبة للإجراءات من حيث موضوعها، فإن التبليغ الذي يتم لقاصر يشكل حالة من تلك الحالات،
- وقد ميز أيضا المشرع بين انعدام الأهلية وانعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي، بحيث أن إثارة انعدام الأهلية تلقائيا من القاضي أمرا وجوبيا لتعلقها بالنظام العام، أما إثارة انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي فهو أمر متروك للقاضي تقديره بحسب تأثيره على سير الخصومة .
بالرجوع إلى نص المادة 60 من القانون السابق التي تنص على أنه :
"لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك، وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه".
من خلال نص هذه المادة يتضح لنا أن المشرع الجزائري قد أخذ بنظرية الضرر الذي سبق التطرق إليها في دراسة البطلان والتي تقوم على مبدأين هما :
- مبدأ لا بطلان بغیر نص
- مبدأ تحقق الضرر بالنسبة للمتمسك به
لقد استقر القضاء الجزائري على أنه لا بطلان بدون نص صريح، وقضى بأن مخالفة أشكال متعددة لا تستوجب البطلان .
فالقاضي يلتزم بالحكم بالبطلان إذا اتضح اتجاه نية المشرع إلى ذلك الموقف ، وليس له أن ينشئ حالة بطلان لم يتم التنصيص عليها صراحة في القانون، ومثال ذلك ما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 2014/09/18 ، حيث قضت بما يلي :
(...عن الوجه الثاني المأخوذ من إغفال الأشكال الجوهرية للإجراءات، حيث متى نص المشرع في المادة 553 من ق. م .
على وجوب تضمن القرار العناوين المهنية للمحامين دون أن يرتب المشرع جزاء البطلان على إغفال ذكر في القرار العناوين المهنية للمحامين، فإن إغفال ذلك لا يعد إغفالا الشكل جوهري للإجراءات طالما المقرر بالمادة 60 من ق.إ.م. أنه لا بطلان للأعمال الإجرائية بغير نص وأن الطاعنة لم تثبت الضرر الذي لحقها جراء هذا الإغفال لذا تعين رفض الوجه ) .
إلا أنه في بعض الحالات قد لا يكون اللص صريحا، إلا أنه يأتي بصيغة التهي كما جاء في بعض المواد وهي كالآتي :
المادة 26 ق... نصت على عدم جواز تأسيس القاضي الحكم على وقائع لم تكون محل مناقشة .
المادة 140 ق... نصت على عدم جواز أداء التسبيقات عن الأتعاب والمصاريف مباشرة للخبير.
المادة 153 ق.ا.م. نصت على عدم جواز سماع أي شخص كشاهد إذا كانت له قرابة أو مصاهرة مباشرة مع أحد الخصوم.
المادة 177 ق.إ.م .. نصت على عدم جواز النطق بالحكم إلا بعد تسببيه.
المادة 554 ق.إ.م. نصت على عدم جواز النطق بالقرار إلا إذا كان مسببا مسبقا.
المادة 638 ق.إ.م. نصت عدم جواز الحجز على الأدوات الضرورية للمعاقين .
إن المشرع الجزائري بتأكيده على صراحة النص يكون قد استبعد تقرير البطلان إذا كان اللص ناهيا، باعتبار أنه قدر على أن الناهية لا تنظم أعمالا يجب أن تتم، بل تبين ما لا يجب أن يكون أو تقرير شروطا معينة بغيرها ، فلا يعتبر العمل قائما بخلاف النصوص الأمرة التي تأمر أو تطلب شروطا معينة .
أما فيما يخص مبدأ تحقق الضرر بالنسبة للمتمسك به، فلقد فرض المشرع على من يتمسك بالبطلان أن يثبت الضرر الذي لحقه من جراء القيام بالإجراء على نحو يخالف القانون، ولذلك فإن المشرع الجزائري اقتضى للدفع بالبطلان الإجرائي أن يتحقق الضرر في حق مقدم الدفع بالبطلان .
يرى الدكتور عبد الحكم فوده أن الضرر المقصود في بطلان العمل الإجرائي ليس ذلك الضرر بمعناه في مجال المسؤولية التعاقدية أو التقصيرية، بل يقصد به الضرر الإجرائي الذي يتحقق من إهدار الغاية التي استهدفها المشرع في العمل الإجرائي، فتختلف الغاية عن الضرر الإجرائي المقصود الذي يتوافره لا تتحقق المصلحة التي هي أساس الدفع). أما المشرع الجزائري فلم يوضح المقصود بالضرر، على عكس المشرع الفرنسي الذي اعتبر الضرر هو المساس بمصالح الدفاع وعبر عنه كذلك بالإضرار بمصالح الخصوم. رغم الاختلاف حول الأخذ بأي المعنيين للضرر، فإن ما يخلص إليه العمل القضائي والفقه هو حمل الضرر على واحد منهما .
عليه فإذا تحققت الغاية من الشكل القانوني تم صرف النظر عن البطلان، رغم المساس بحقوق الدفاع، واضافة عن تخلف الغاية عن الشكل القانوني فلابد من أن يكون الضرر فعلي وحال لأن تخلف الغاية وحدها غير كافية، بل لابد أن يتحقق الضرر، وأن تتحقق نتيجة تخلف الشكل القانوني وأن يكون الضرر الحاصل ناتج عن العيب الإجرائي ويعبر عنه بالعلاقة السببية بين العيب والضرر)، في هذا الإطار إذا تم تكليف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة، دون تحديد اسم المحكمة التي يمتثل أمامها، ولم يعرف إن كانت محكمة الحراش أم حسين داي، فهذا يكون باطلا لأن عدم تمكين الخصم من اسم المحكمة التي سيمتثل أمامها يلحق به ضررا، علما أن ما يهدف إليه التبليغ هو تمكين الخصم من الحضور أمام المحكمة التي رفعت أمامها الدعوى حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه، وبالتالي تصبح المصلحة غير محققة من التبليغ الذي لم يبين فيه اسم المحكمة .
- كما تجدر الإشارة إلى أن البطلان المقصود من خلال المادتين 60 و 63 من القانون السابق هو البطلان النسبي وليس البطلان المطلق المتعلق بالنظام العام، لأن مخالفة الشكل المقرر قانونا.
- يجب الحكم به سواء أثاره الخصم أم لا، وفي أي مرحلة تكون عليها الدعوى، وهو غير قابل للتصحيح بالتالي فإن توافر أهلية التقاضي أمر أساسي بالنسبة لكل خصم، فلا يجوز التقاضي أمام المحكمة ما لم يكن المعني بذلك حائزا لأهلية القاضي التي ترتبط بأهلية الأداء . فتوافر أهلية الوجوب لدى الشخص دون أهلية التقاضي يحول دون مباشرة إجراءات الخصومة بنفسه، لكن يمكن له أن يوكل شخص عنه، وهذا ما يستشف من قرار المحكمة العليا حيث قضت أنه ليس هناك ما يمنع الحدث من أن يوكل عنه غيره كالمحامي مثلا .
يتضح لنا من خلال ما سبق، أن المشرع الجزائري قد نص على ضرورة توفر أهلية التفاضي في كل شخص بلغ سن الرشد القانوني، وكان متمتعا بكل قواه العقلية ولم يحجر عليه وفقا للمادة 40 من القانون المدني
والتي تنص على أنه :
كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية" .
فهي تعد مسألة ذات أهمية بالغة يترتب على تخلفها بطلان إجراءات الدعوى، ويجوز للخصم الدفع بالبطلان لعدم توافرها، كما أنه للمحكمة حق إثارة هذا الدفع من تلقاء نفسها وفي أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد تناول الموضوع، وفي حالة تغيير الأهلية أثناء الدعوى فهذا يؤدي إلى انقطاعها، وهذا ما قضت بها المواد 64 و 65 من ق، ا ، م ، إ .
حيث نصت المادة 65 على أنه: « يثير القاضي تلقائيا انعدام الأهلية... ».