بحث حول جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة
وفق القانون الجزائري مادة 259 قانون العقوبات
قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث عهد بالولاد.
مقدمة
المبحث الأول أركان جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة
المطلب الأول الركن المادي في جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة
المطلب الثاني : الركن المعنوي في جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة
المبحث الثاني : المتابعة والجزاء في جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة
المطلب الأول : المتابعة من أجل قتل طفل حديث العهد بالولادة
المطلب الثاني : الجزاء المترتب عن قتل طفل حديث العهد بالولادة
خاتمة
مقدمة
إن قتل طفل حديث العهد بالولادة من إحدى الجنايات التي تطورت في التقاليد كما في النصوص القانونية، إذ كان يقتل الأطفال الرضع كما يقتل العجزة من أجل تخفيف عدد الأشخاص الذين يشكلون أعباء للإعالة، ويضحى بالفتيات لأنها أكثر من الصبية عبئ على العائلة، ومن تم يأخذ الجرم طابعا دينيا كما في قرطاجة، أو اجتماعيا كما في أثينا وروما وبعد تطورات كثيرة أصبح قتل الطفل الرضيع فعلا جنائيا واعتبر كجريمة قتل .
انقسمت التشريعات الوضعية حول إعطاء طابع خاص لهذه الجريمة فبعضها لا تحتوي على أحكام خاصة بها وتطبق النصوص العادية الخاصة بالقتل العمد أما الأخرى فتعطي لقتل الطفل طابعا خاصا وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري الذي سار على نجه المشرع الفرنسي وأعتبر الطفل حديث العهد بالولادة غير صالح لأن يكون محل لجريمة الفتل العمد بل إعدامه مشكل لجريمة قائمة بذاتها ، ونصت على هذه الجريمة المادة 259 من قانون العقوبات بقولها:”قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالوالدة ”وسنبين خصوصية هذه الجريمة من خلال الوقوف على أركانها والعقوبة المقررة لها. المبحث الأول : أركان جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة المطلب الأول : الركن المادي :
لقيام هذا الركن يجب توفر ثلاث عناصر :
1-السلوك الإجرامي.
2-أن يكون القتل وقع من الأم
3-أن يكون المجني عليه طفل حديث العهد بالولادة. أولا السلوك الإجرامي :
هو النشاط الذي يقوم به الفاعل لتحقيق النتيجة المعاقب عليها وقد يكون هذا النشاط إيجابي أو سلبي تترتب عليه وفاة الطفل و يأخذ مظهرين:
أ- مظهر إيجابي : يتمثل في فعل مادي يؤدي إلى الوفاة كالخنق، الإغراق أو استعمال أداة حادة.
ب- مظهر سلبي : يتمثل في اتخاذ موقف سلبي تجاه المولود من شأنه أن يؤدي إلى وفاته كالامتناع عن إرضاعه أو عدم ربط الحبل السري أو تعريضه للبرد إلا أن قتل طفل حديث العهد بالولادة بالامتناع يبقى محل نظر في التشريع الجزائري الذي أفرد تجريما خاصا لمثل هذه الأفعال بعنوان ترك الأطفال والعاجزين المؤدي إلى الوفاة مع توفر نية إحداثها وهو الفعل المنصوص و المعاقب عليه بالمادة 318 من قانون العقوبات في حين اعتبر القضاء أن هذا القتل قد يحصل بالامتناع إذ جاء في القرار الصادر بتاريخ 04 جانفي 1983 في ملف رقم 30100 أنه ” لا يشترط القانون لتطبيق المادة 259من قانون العقوبات أن يكون السلوك الإجرامي للأم فعلا إيجابيا وإنما يمكن أن يكون امتناعا كعدم ربط الحبل السري للوليد وعدم الاعتناء به والإمتناع عن إرضاعه. ثانيا أن يكون القتل وقع من الأم :
يستوجب القانون لقيام الجريمة توافد عنصر الأمومة إذ يجب أن يكون القتل وقع من الأم وهذا ما قررته المادة 261/2 من قانون العقوبات ولا يميز قانون العقوبات بين الولد الشرعي وغير الشرعي فالمرأة التي تقتل وليدها الناتج عن زواج شرعي تعاقب بنفس العقوبة التي تعاقب بها المرأة أو الفتاة التي تعتمد قتل وليدها الناتج من زنا أو علاقة جنسية غير شرعية في حين تشترط بعض التشريعات المقارنة أن يكون القتل قد وقع على وليد حملت به أمه سفاحا وان يكون القتل اتقاء العار لا غير كما ذهب إليه التشريع اللبناني.
ولا نطبق أحكام المادة 259 من قانون العقوبات على غير الأم مهما ربطته بها علاقة كالزوج، الأخ ، الأب، الأخت ،العم، الخال….وذلك نتيجة للظروف النفسية والبيولوجية والإجتماعية التي تعيشها الأم عند وضعها للطفل خوفا من العار أو تحت تأثير أي دافع آخر.
وعليه يستوجب إظهار صفة الأمومة للجانية في الأسئلة المتعلقة بالإدانة. ثالثا أن يكون الطفل حديث العهد بالولادة :
لم يحدد المشرع المقصود بالطفل حديث العهد بالولادة وبذلك يدور التساؤل حول تحديد النطاق الزمني الذي يعتبر فيه الطفل حديث العهد بالولادة وتحديد اللحظة الزمنية التي ينتهي فيها عن المولود وصف الطفل حديث العهد بالولادة ويصبح الإعتداء عليه مشكل لجريمة قتل، باعتبار أن واقعة الميلاد هي الخط الفاصل بين الجنين الذي يعتبر قتله إجهاضا والإنسان الذي يعتبر إعدامه فتلا.
- في الإجابة على هذا السؤال يتفق الفقه على أن تحديد لحظة إنتهاء العهدة بالولادة متروك لقاضي الموضوع لتحديدها وتأسيسا على علة المشرع من وضع تجريم خاص لهذا الفعل وهي الحالة النفسية والبيولوجية والإجتماعية التي تعيشها الأم عند وضعها للطفل كما أشرنا سابقا، أم إذا انتهى انزعاج الأم واضطرابها و استعادت حالتها النفسية المعتادة سقط القتل الواقع على المولود تحت قبضة النصوص العادية المجرمة للقتل ، و قد قضي قي فرنسا أن هذه المهلة تنتهي بانقضاء أجل الثلاث أيام المقررة لإعلان الميلاد وهي خمسة أيام في قانون الحالة المدنية في الجزائر إذ بتسجيل المولود في سجلات الحالة المدنية تشيع ولادته ويستفيد عندئذ من الحماية القانونية ، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية أن الطفل حديث العهد بالولادة هو الذي لم تصبح بعد ولادته شائعة أو معروفة .
-ولتحقق الجريمة يكفي أن يكون الطفل ولد حيا وليس من الضروري أن يكون قابلا للحياة إذا أن القانون الجنائي يحمي المولود خلال لحظات الحياة التي تمنح إليه ويكفي أن يكون الطفل قد عاش وعلى النيابة إثبات أن الطفل ولد حيا وقد تنفس خارج رحم أمه وعليه قضي أن ميلاد الطفل حديث العهد بالولادة حيا يعتبر عنصر لقيام جناية قتل طفل حديث العهد بالولادة من قبل أمه ، إذ جاء في القرار الجنائي الصادر بتاريخ 18 جانفي 1983عن المجلس الأعلى أنه ” تتحقق جناية قتل طفل حديث العهد بالولادة من قبل أمه بتوافر العناصر التالية:
- أن يولد الطفل حيا.
- أن تقوم الجناية بفعل يؤدي حتما إلى وفاة المولود كعدم ربط حبله السري مثلا.
- أن تكون الجانية أم الطفل.
-القصد الجنائي.
كما جاء في القرار الصادر بتاريخ 21 أفريل 1987 ملف رقم 46163أن عدم العثور على جثة الطفل المقتول لا ينفي حتما قيام الجريمة طالما محكمة الجنايات اقتنعت أن الطفل ولد حيا وان أمه هي التي أزهقت روحه عمدا. المطلب الثاني : الركن المعنوي لجريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة :
تقتضي جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة توفر القصد الجنائي وهو نية الأم في إزهاق روح ابنها حديث العهد بالولادة ولا يأخذ المشرع الجزائري بالدافع إلى ارتكاب الجريمة إذ لم يشترط أي قصد جنائي خاص لقيام جريمة قتل الأم لوليدها فلا يهم سبب إقدام الأم على اقتراف جريمتها سواء كان ذلك لاتقاء العار أو لصون شرفها أو للحفاظ على سمعة عائلتها أو كان بدافع العوز أو الفقر أو لكون الطفل ولد مشوه الخلقة أو مريضا مرضا خطيرا.
ويتحقق الركن المعنوي بتوفر القصد العام أي العلم والإرادة.
أمّا إذا لم يقم أي دليل على توفر نية القتل وقصد إزهاق الروح كإهمال العناية بالوليد أو القيام بعمل ما يكون قد أدى إلى الوفاة دون قصد إحداثها كالأمَّ التي غلبها النعاس وهي ترضع طفلها فيموت اختناقا فإن الجريمة لا تكون عمدية وإِنّما تُكيّف على أساس جريمة قتل خطأ ولكن الفقه الإسلامي يعتبرها قتل عمد إذا كان هناك تقصير أو إهمال من الأم مثل عدم وضع الرضيع في السرير المخصص له.
ويضرب الفقه مثلا أيضا عن الأم التي تمنع ولدها من الرضاع قصدا منها إزهاق روحه فيعتبرها الفقه في هذه الحالة قاتلة قتل العمد .و ذلك لامتناعها عن أداء واجبها اتجاه صغيرها.
في حين تشترط بعض التشريعات المقارنة أن يكون للأم القصد الخاص وهو نية اتقاء العار ولا تتوفر هذه النية إذا كانت الأم قد جاهرت بحملها غير الشرعية: كالتشريع اللبناني.
فهو بهذا تتمّثل حكمة التخفيف في وقوع القتل اتقاء العار في الفتاة أو المرأة التي تحمل سفاحا نتيجة خطأ أو ساعة إغراء أو طيش فتقتل ثمرة الخطيئة اتقاء العار أو الفضيحة تستحق كما يقول علماء الاجتماع وبعض الفقهاء أخذها بالرأفة والشفقة وتبعا لذلك تخفيف العقاب عنها. المبحث الثاني : المتابعة والجزاء في جريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة : المطلب الأول : المتابعة من أجل قتل طفل حديث العهد بالولادة :
- لا تخضع المتابعة من أجل قتل طفل حديث العهد بالولادة لأي قيد وتقوم النيابة بتحريك الدعوى العمومية بمجرد أن يصل إلى علمها قيام الجريمة بعناصرها.
تنشأ الدعوى العمومية منذ لحظة ارتكاب الجريمة استنادا إلى حق المجتمع في العقاب و بعد نشوئها إن بتحريك الدعوى العمومية بداية تسييرها و تقديمها للمحكمة الجزائية المختصة بنظرها فالتحريك هو المرحلة الأولى من الإجراءات الجزائية في الدعوى أي التحريك يبدأ باتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق أي بمباشرة قاضي التحقيق لعمله فيها و من المعلوم أن قيام مأموري الضبط القضائي بإجراءات في حالة انتدابهم من قاضي التحقيق يعتبر بداية للتحريك و يتم تحريك الدعوى العمومية بتقديمها للقضاء أي بدفعها للمحكمة فبإحالة التحقيق الجنائي للمحكمة المختصة و اتصال الدعوى بالمحكمة نقول أنه قد تم
أما مباشرة الدعوى أو استعمالها فيعني إتخاذ بعض الاجراءات حيالها بعد رفعها إلى القضاء أي بعد إتصالها بالمحكمة، و يكون ذلك عن طريق ابداء الطلبات من ممثل النيابة أمام القضاء إما شفويا أو كتابيا و كذلك الطعن في القرارات أو الأحكام الصادرة في تلك الدعوى و ما إلى ذلك حتى تنتهي الدعوى بصدور الحكم النهائي. المطلب الثاني : الجزاء المترتب عن قتل طفل حديث العهد بالولادة :
نصت المادة 261 فقرة 2 من قانون العقوبات” على أن تعاقب الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل ابنها حديث العهد بالولادة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة على أن لا يطبق هذا النص على من ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة.وعليه فإن المشرع ميز بين حالتين:
1-إذا كانت الأم فاعلة أصلية في الجريمة أو شريكة في قتل ابنها حديث العهد بالولادة كانت العقوبة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
2-إذا كان الغير فاعل أصليا أو شريكا في هذه الجريمة فإن العقوبة تكون بحسب نوع القتل ( قتل عمد المادة 263 فقرة 3 من قانون العقوبات أو قتل مع سبق الإصرار والترصد المادة 261 من قانون العقوبات)
وعلة المشرع في تمييز عقوبة الأم عن عقوبة الغير يرجع لظروف شخصية خاصة بالأم وهي نفسها التي جعلته يتدخل بتجريم خاص لقتل طقل حديث العهد بالولادة والتي تمت الإشارة إليها سابقا، مما يجعل التخفيف المقرر للأم لا ينصرف إلى غيرها من فاعلين أصليين أو شركاء خاتمة
في خاتمة هذا البحث نستنتج أن الطفل حديث الولادة ومن خلال المادتين 254 و261 الفقرة 02 من قانون العقوبات التي تجرم قتل الطفل حديث العهد بالولادة نجد بأن المشرع الجزائري لم يحدد معنى حداثة العهد بالولادة ومتى تنتهي صفة حديث الولادة عن الطفل المجني عليه.
وأمام هذا التباين الفقهي حول المرحلة العمرية التي يكون فيها الطفل حديث العهد بالولادة من جهة وسكوت النصوص التشريعية من جهة أخرى كان لا بد من تدخل المشرع الجزائري لتحديد هذه المرحلة الفاصلة بين الولادة والقتل والتي يعتبر فيها الطفل وليدا.
فجرائم قتل طفل حديث العهد بالولادة تبقى من الجرائم التي ترتكب في الخفاء ولا يتم الكشف عنها إلا بصعوبة. ونرى أنه من الملائم أن يجعل المشرع الجزائري من وقوع القتل أو الاعتداء على سلامة جسم الطفل ظرفا مشددا للعقوبة لأي شخص كان حتى الأم
وفي إطار حماية صحة الطفل والتي تعتبر مطلبا مهما سن المشرع مجموعة من القوانين في هذا المجال؛ وبالرغم من تعدد هذه النصوص. إلا أنها تلاقي صعوبات كبرى في التطبيق ويمكن إرجاع ذلك إلى صعوبة إثبات حالات الإهمال الصحي للأطفال هذا من جهة و من جهة أخرى امتناع العديد من الأسر التبليغ عن جرائم الإهمال الصحي للأطفال خوفا من المتابعة الجنائية ليظل بذلك حق الطفل في الحماية من الإهمال الصحي حبرا على ورق في أغلب الحالات لتبقى جرائم الإهمال الصحي من بين أكثر أنواع سوء معاملة الأطفال شيوعا داخل المجتمع الجزائري.
بالإضافة إلى ذلك نلاحظ في نص المادة 4 من المرسوم 69-88 أن تقرير الغرامة في حق من يرتكب هذه المخالفة غير كاف أمام ما قد تخلفه هذه الجريمة من أضرار تنعكس بصفة سلبية علي المجتمع.