بحث حول فسخ العقد في القانون
المدني الجزائري
فصل تمهيدي ماهية الفسخ وتمييزه عن الأنظمة المشابهة
المبحث الأول ماهية الفسخ
المطلب الأول : تعريف الفسخ
المطلب الثاني : التطور التاريخي للفسخ
المطلب الثالث : الأساس القانوني للفسخ
المبحث الثاني : تمييز الفسخ عن الأنظمة المشابهة
المطلب الأول : تمييز الفسخ عن البطلان
المطلب الثاني : تمييز الفسخ عن الدفع بعدم التنفيذ.
المطلب الثالث : تمييز الفسخ عن التقايل
المطلب الرابع : تمييز الفسخ عن المسؤولية العقدية
الفصل الأول : أنواع الفسخ
المبحث الأول : الفسخ القضائي
المطلب الأول : تعريف الفسخ القضائي، شروطه، وإجراءاته
المطلب الثاني : سلطة القاضي في إيقاع الفسخ.
المطلب الثالث : خيار الدائن في مواجهة المدين
المطلب الرابع : مدى حق المدين في التنفيذ المتأخر
المبحث الثاني : الفسخ الاتفاقي
المطلب الأول : تعريف الفسخ الاتفاقي، شروطه، وإجراءاته
المطلب الثاني : سلطة القاضي التقديرية في الفسخ الاتفاقي
المطلب الثالث : خيار الدائن في مواجهة المدين
المطلب الرابع : مدى حق المدين في التنفيذ المتأخر
المبحث الثالث : فسخ العقد بحكم القانون
المطلب الأول : تعريف فسخ العقد بحكم القانون وشروطه
المطلب الثاني : مدى سلطة القاضي، الدائن، المدين في إيقاع الفسخ
المطلب الثالث : تحمل تبعة الفسخ بحكم القانون
المطلب الرابع : تمييز الفسخ بحكم القانون عن الفسخ القضائي والاتفاقي
الفصل الثاني : آثار الفسخ
المبحث الأول : أثر الفسخ على المتعاقدين
المطلب الأول : إعادة الحال إلى ما كان عليه
المطلب الثاني : استحالة إعادة الحال إلى ما كان عليه
المطلب الثالث : حكم الأثر الرجعي في عقود المدة
المبحث الثاني : اثر الفسخ بالنسبة للغير
المطلب الأول : زوال حقوق الغير
المطلب الثاني : استثناءات على زوال حقوق الغير
الخاتمة
مقدمة يعتبر العقد من أهم مصادر الالتزام، فأغلبية المعاملات التي تربط الفرد مع غيره، مصدرها العقد، هذا الأخير لا بد له من أركان لانعقاده وشروط لصحته، فإذا انعقد العقد صحيحا بجميع أركانه وتوفرت فيه شروط الصحة، فالأصل فيه أنه يلزم عاقديه بكل ما يجيء فيه، فهو يتضمن قوة تحتم على طرفيه الرضوخ والإذعان له في كل ما يحتويه، وفي حدود تنظم العلاقات التي يحكمها القانون، فلا يستطيع أحدهما أن يستقل بنقضه ولا بتعديله، ما لم يصرح له القانون أو الاتفاق بذلك ويطلق على هذا بالقوة الملزمة للعقد.
غير أنه قد يخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية، أو تحدث ظروف تجعل التزامه بالتنفيذ مستحيلا، وما دامت الالتزامات في العقد الملزم للجانبين متقاولة ومرتبطة ببعضها البعض بحيث يكون كل متعاقد دائن ومدين في نفس الوقت، فإن المتعاقد الآخر يكون في وضع يدعو إلى القلق وعدم الارتياح من الناحية القانونية والعملية معا، فمن الناحية القانونية يجد نفسه ملتزما نحو الطرف الآخر بسبب أن العقد لا يزال قائما، أما من الناحية العملية لا يستطيع الحصول على الأداء الذي التزم من أجله.
وأمام هذا ا لموقف الذي تتسم به العقود الملزمة للجانبين دون غيرها نجد أن القانون المدني الجزائري كغيره قد خص هذه الفئة بقواعد خاصة، جعل فيها للمتعاقد الدائن حق التحلل من التزاماته التعاقدية في مواجهة المدين المقصر في تنفيذ التزاماته، وذلك في المواد 119 إلى المادة 122 عن طريق فسخ العقد.
ولما كانت لنا رغبة في الوقوف على حقيقة الفسخ كنظام قانوني اخترناه للدراسة، التي استهدفنا من خلالها إزالة اللبس والغموض عن هذا الموضوع كونه ميدان مهم بالنسبة للقاضي والمتقاضي، خاصة وأن أغلبية المتقاضين عندما يصطدمون بعدم تنفيذ العقد يبحثون عن أي ثغرة لإبطاله متجاهلين فسخ العقد رغم ما يتسم به من حلول منطقية.
وانطلاقا من ذلك يمكن طرح الإشكالية التالية : ما هي أحكام الفسخ في القانون المدني الجزائري؟.
هذه الإشكالية تدفعنا للتساؤل عن مفهوم الفسخ ومبرراته؟ وإن كان للفسخ نوع واحد؟ وما هي سلطة القاضي التقديرية في إيقاع الفسخ وهل تختلف باختلاف أنواع الفسخ؟ وما هي الآثار التي يرتبها الفسخ؟.
للإجابة على هذه الإشكالات ولدراسة موضوع البحث اتبعنا عدة مناهج منها المنهج التحليلي عند دراسة المواد القانونية، والمنهج الوصفي الذي استخدمناه عند عرضنا للتطور التاريخي وبعض التعاريف وكذا الآراء الفقهية بالإضافة إلى المنهج الاستدلالي الذي أكدنا به بعض المعلومات.
ونشير في هذا الصدد إلى الصعوبات التي واجهتنا والتي كان أبرزها، ندرة التأليف في الموضوع إذا وجدناه نجده كعنوان في النظرية العامة للالتزام، قد لا تتجاوز بعض الصفحات، ولا نبالغ إن قلنا أن الوحيد الذي كتب في هذا الموضوع في الجزائر هو الأستاذ عبد الكريم بلعيور، مما جعلنا نعتمد في غالب الأحيان على مراجع عامة.
وقد حاولنا قدر الإمكان التغلب على هذه الصعوبات، وفي سبيل تحقيق ذلك قسمنا الكلام في هذا الموضوع إلى ثلاثة فصول على النحو التالي :
الفصل الأول تتطرقنا فيه إلى ماهية الفسخ وتمييزه عن الأنظمة المشابهة، أما الفصل الثاني فتتطرقنا فيه لمختلف أنواع الفسخ حسب ترتيب ورودها في القانون المدني الجزائري.
وقد تم عرض آثار الفسخ في فصل ثالث سواء بالنسبة للمتعاقدين أو الغير.
وفي الأخير خلصنا إلى خاتمة بحثنا هذا والتي تتضمن النتائج المتوصل إليها من خلال هذه الدراسة وبعض الاقتراحات.
فصل تمهيدي : ماهية الفسخ وتمييزه عن الأنظمة المشابهة
ارتأينا قبل دراسة موضوع الفسخ والغوص في المسائل القانونية التي يطرحها، أن نتطرق إلى ماهيته من خلال مفهومه وتمييزه عن الأنظمة المشابهة، وذلك حتى نمهد للموضوع فتسهل علينا دراسته، ويكون فهمه أسرع لذلك سنقسم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في الأول ماهية الفسخ وفي الثاني تمييزه عن الأنظمة المتشابهة.
المبحث الأول : ماهية الفسخ
إن أول سؤال يتبادر إلى الذهن عند دراسة هذا الموضوع هو ما المقصود بالفسخ؟ لذا وجب علينا تعريفه قبل البدء في دراسته، كما علينا أن نعرف هل الفسخ الذي أصبح اليوم أمرا مسلما به في أغلب التشريعات الحديثة، كان على هذا النحو من الوضوح في الأنظمة القانونية القديمة؟ وما هو الأساس الذي اعتمد عليه لتبرير فسخ العقد؟
كل نقطة من هذه النقاط سنخصص لها مطالبا للإجابة عليها كالأتي :
المطلب الأول : تعريف الفسخ
فسخ العقد هو حل الرابطة العقدية بناء على طلب أحد طرفي العقد إذا أخل الطرف الآخر بالتزامه، فالفسخ جزاء إخلال العاقد بالتزامه ليتحرر العاقد الآخر نهائيا، من الالتزامات التي يفرضها عليه العقد
ويعرف أيضا بأنه : حق المتعاقد في حل الرابطة العقدية إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه، حتى يتحرر بدوره من الالتزامات التي تحملها بموجب العقد محل الفسخ.
كما يعرف بأنه جزاء يترتب على امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ ما التزم به.
وفي تعريف آخر : هو حق كل عاقد في العقد الملزم للجانبين، في أن يطلب متى لم يقم العاقد الآخر بتنفيذ التزامه، حل الرابطة العقدية وزوال آثارها بأثر رجعي، فيتخلص من الالتزامات التي فرضتها عليه
االمطلب الثاني : التطور التاريخي للفسخ
لم يكن الفسخ نظاما طبيعيا مسلما به في القانون الروماني. وذلك لأن العقد الملزم للجانبين لم يكن ينشأ وفقا للقانون الروماني إلا التزامات مستقل بعضها عن بعض، لا تقابل بينها ولا ترابط، فلم يكن لدى الدائن بالتزام لم ينفذ إلا طريق واحد هو المطالبة بتنفيذ هذا الالتزام.
ولما تطور القانون الروماني وأصبح عقد البيع رضائيا أخذ البائعون يدرجون في عقودهم شرطا مقتضاه إمكان فسخ البيع عند عدم دفع المشتري الثمن، وكانت هذه هي الحالة الوحيدة التي يجوز فيها الفسخ، وكان لا بد من النص على ذلك في عقد البيع صراحة فكان يتعين أن ينص في عقد البيع على أن البيع سيفسخ عند عدم دفع المشتري الثمن.
ثم لم يلبث هذا الشرط أن أصبح مألوفا ولكن في عقود البيع فقط ولمصلحة البائعين وحدهم، فلم يكن يجوز للمشتري أن يتمسك به عند قيام البائع بتنفيذ التزامه أي بتسليم المبيع وفي العقود الأخرى غير عقد البيع، كان الرومان يلجؤون إلى نظام الدعاوى، وأهمها دعوى استرداد أداء نفذ بقصد الحصول على أداء مقابل لم ينفذ، وكانت كل هذه وسائل غير مباشرة تدل على أنه لم يكن في القانون الروماني نظرية عامة بالفسخ.
وفي فرنسا في مرحلة أولى فسخ عقد البيع لعدم دفع الثمن لا يجوز إلا إذا اشترط في البيع صراحة إمكان الفسخ بسبب عدم دفع الثمن، بحيث لا يكون للدائن عند عدم وجود هذا الاشتراط إلا طريق واحد وهو المطالبة بتنفيذ العقد.
ولما كان هذا الاعتبار، مصدر مساوئ عديدة فكر الفقهاء في أنه يمكن الاستناد إلى الإرادة المفترضة لجعل الفسخ ممكن عند تنفيذ أحد الأداءين المتقابلين.
ويمكن القول بأن رجال الكنيسة هم الذين عملوا على إنشاء نظرية الفسخ باعتبارها امتداد لنظرية الدفع بعد التنفيذ واستندوا في تبرير الفسخ إلى مبدأ هو أنه لا يراعى عهد من لم يراع عهده
وفي القانون الفرنسي القديم، أصبح الفسخ ساريا على جميع العقود الملزمة للجانبين، ومن حق كل من المتعاقدين أن يلجأ إليه عند عدم تنفيذ المتعاقد الآخر لالتزامه.
واتخذ الفسخ طابعا قضائيا. فكان يجوز للدائن في حالة التزام لم ينفذ، أن يطلب إلى القاضي الحكم بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه، ولو لم يكن قد اشترط في العقد صراحة إمكان فسخ العقد بسبب عدم التنفيذ.
وفي قانون نابليون أخذ بنظرية الفسخ وأقامها على أساس الشرط الفاسخ الضمني، فوضع المادة 1184 المتعلقة بالفسخ بعد النص الذي يعرف الشرط الفاسخ بالقول بأن الشرط الفاسخ يكون دائما مضمرا في العقود الملزمة للجانبين
وهكذا أصبح الفسخ نظاما معترف به ونصت عليه تقريبا جميع التشريعات العالمية ومنها القانون المدني الجزائري في مواده من 119 إلى 122.
المطلب الثالث : الأساس القانوني للفسخ
تضاربت الآراء وتباينت بشأن الأساس القانوني للفسخ، فهناك من يرى أن الشرط الفاسخ الصريح هو الأساس الذي يقوم عليه الفسخ؛ ومقتضى ذلك أنه لكي يكون هناك محل للفسخ، يجب أن يتضمن العقد بندا صريحا على أنه إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه، جاز للطرف الآخر أن يفسخ العقد الذي يربطه به. أما الحالات الأخرى التي لا يوضع فيها شرط صريح لفسخ العقد فليس فيها محل للفسخ، ولم يكن للدائن الحق في المطالبة بفسخ العقد بأي حال من الأحوال.
فطبقا لأصحاب هذا الرأي فإن الشرط الفاسخ الصريح ينشئ سلطة الفسخ لمصلحة أحد المتعاقدين يستعملها وفقا لتقديره، وبإرادته المنفردة.
وقد انتقدت فكرة الشرط الفاسخ الصريح لتكون كأساس لفسخ العقد على أساس أنه إذا سلمنا بأن أساس الفسخ هو الشرط الفاسخ الصريح، فمعنى ذلك أن مجرد تحققه يفسخ العقد بقوة القانون، في حين أن القانون الحديث، يقتضي بشأن فسخ العقد، صدور حكم قضائي، كقاعدة عامة، وللقاضي سلطة تقديرية في فسخ العقد أو عدم فسخه
إن تأسيس الفسخ على فكرة الشرط الفاسخ الصريح، يعني أن العقود التي لا تتضمن بندا صريحا به، لا يجوز فسخها إذا تخلف أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه، في حين أننا نجد القانون الحديث بصفة عامة، والقانون المدني الجزائري بصفة خاصة، يقضي بجواز فسخ العقد، ولو لم يكن في العقود شرط فاسخ صريح. وبناء على ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه الفكرة كأساس للفسخ لأن مفهومه يتجاوز ذلك ليشمل العقود التي لا تتضمن شرطا صريحا للفسخ، وبذلك ظهرت فكرة الشرط الفاسخ الضمني، ووفقا لهذه الفكرة فإن العقود الملزمة للجانبين بجميع أنواعها، يجوز فسخها عندما يتخلف أحد الطرفين فيها عن تنفيذ التزاماته، لا على أساس أن المتعاقدين قد ضمنا العقد شرطا صريحا يقضي بذلك، كما هو الشأن بالنسبة إلى الشرط الفاسخ الصريح، بل على أساس افتراض أن المتعاقدين قد ضمنا اتفاقهما شرطا يقضي بفسخ العقد، إذا لم يقم أحدهما بتنفيذ التزاماته.
وانطلاقا من ذلك يحق للدائن أن يطالب بفسخ العقد عند عدم التنفيذ من المتعاقد الآخر، ولو لم يتضمن العقد شرطا صريحا بالفسخ.
غير أن فكرة الشرط الفاسخ الضمني، وجهت لها انتقادات، تجعلها لا تصلح لتأسيس الفسخ عليها نذكر منها :
أنه لو سلمنا بها كأساس للفسخ، فمعنى ذلك أن تحقق هذا الشرط كاف لإيقاع الفسخ، دون تدخل من القاضي، وإذا تدخل، فإن تدخله يكون للتأكد من أن العقد يتضمن مثل هذا الشرط فقط. في حين أن القوانين الحديثة بصفة عامة، والقانون المدني الجزائري بصفة خاصة، تعطي للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ أو رفضه، وتتسع هذه السلطة أو تضيق حسب نوع الفسخ المعروض عليه.
كما أن تأسيس الفسخ على هذا الشرط، يعني حرمان الدائن من العدول عن طلب الفسخ، بعد تحقق الشرط الفاسخ الضمني ذلك أن العقد في هذه الحالة يكون قد انحل، والعدول لا يكون ولا فائدة منه إلا في حالة وجوده، في حين أن الوضع في القانون الحديث، يقضي بغير ذلك، فليس هناك ما يمنع الدائن من العدول عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ، مادام الحكم القضائي لم يصر نهائيا.
وأمام هذه العيوب والانتقادات، هجر الفقه الحديث تأسيس الفسخ على الشرط سواء كان صريحا أو ضمنيا، وظهرت نظرية السبب والتي مفادها : أن السبب في العقود الملزمة للجانبين، أن التزام كل متعاقد سبب الالتزام المتعاقد الآخر، ففي مجال عقد البيع، يكون سبب التزام البائع بنقل الملكية وتسليم المبيع، هو سبب التزام المشتري بدفع الثمن، وسبب التزام هذا الأخير بدفع الثمن هو سبب التزام البائع بنقل الملكية وتسليم المبيع، وما قيل بشأن عقد البيع، يصح بالنسبة إلى جميع العقود الملزمة للجانبين.
لذلك فإن عدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزاماته، يجعل الطرف الآخر ملتزما دون سبب، الأمر الذي يخول له أن يطالب بالتحلل من الرابطة التعاقدية عن طريق فسخ العقد.
غير أن تأسيس نظرية الفسخ على فكرة السبب، فكرة منتقدة من عدة جوانب قانونية ذلك أن المنطق القانوني يقضي عند تخلف السبب، بأن يكون الجزاء الذي يترتب على ذلك، هو بطلان العقد وليس فسخه، ومن ثم فليس للقاضي سلطة تقديرية، بحيث لا يجوز له رفض طلب البطلان، في حين أن القانون المدني الجزائري في المادة 119 تعطي للقاضي سلطة تصل إلى درجة الرفض إذا ما قدم إليه طلب بشأن فسخ عقد من العقود
إضافة إلى ذلك فإن الأخذ بفكرة السبب أساسا للفسخ، يضيق من تطبيق نظرية الفسخ ذاتها في بعض الحالات، ذلك أن هناك عقودا لا يكون فيها دائما سبب التزام أحد المتعاقدين هو سبب التزام المتعاقد الآخر.
وقد أدى ذلك إلى الاستغناء عن فكرة السبب كأساس للفسخ، واستبدالها بفكرة ارتباط الالتزامات المتقابلة بين المتعاقدين، ذلك أن طبيعة العقود الملزمة للجانبين تتفق مع فكرة ارتباط الالتزامات كأساس للفسخ، أكثر من غيرها، ذلك أنها بمجرد نشوئها سليمة وصحيحة، تتولد عنها التزامات في كلا الجانبين، ومن ثم لا يمكن الحديث عنها بالنسبة إلى متعاقد دون آخر، وعليه فإذا أخل أحد الطرفين بالتزاماته، وكان ذلك بإرادته، أو استحال عليه التنفيذ لسبب أجنبي، فإن الارتباط الذي يربطه بالمتعاقد الآخر، يصبح من جانب واحد، مما يصح معه القول بأن من حقه أن يطالب بفسخ العقد لأن القانون يحمي المتعاقد الذي نفذ التزامه، أو يكون مستعدا لتنفيذه، من المتعاقد الذي لم يقم بالتزامه أو استحال عليه التنفيذ.
وهكذا فإننا نذهب إلى ما ذهب إليه جانب الفريق الذي نادى بفكرة الارتباط، إنها خير أساس يمكن أن يقوم عليه فسخ العقد.
المبحث الثاني : تمييز الفسخ عن الأنظمة المشابهة
توجد إلى جانب الفسخ أنظمة قانونية أخرى تهدف بطرق مختلفة إلى تحقيق نفس الغاية التي يحققها الفسخ، وهي حماية القوة الملزمة للعقد.
ولما كان الفسخ ليس هو السبيل الوحيد لحل الرابطة التعاقدية لأنه توجد أنظمة أخرى يؤدي تطبيقها إلى انحلال العقد، لذلك رأينا أنه من الضروري استعراض بعض هذه الأنظمة لبيان المجال الذي يختلف فيه الفسخ عنها وذلك على النحو التالي :
المطلب الأول : تمييز الفسخ عن البطلان
البطلان هو الجزاء الذي يترتب على تخلف ركن من أركان العقد وعلى اختلاله بمعنى أن هناك علة صاحبت إبرام العقد. أما الفسخ فهو حل الرابطة العقدية بسبب عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه.
وعلى ذلك يظهر لنا أول اختلاف بين الفسخ والبطلان من حيث السبب، إذ يرجع سبب الأول إلى عدم تنفيذ أحد المتعاقدين التزامه، ويكون في غالب الأحيان راجعا إلى المدين نفسه أو إلى السبب الأجنبي، أما سبب البطلان فإنه لا يعود إلى عدم التنفيذ، بل يرجع إلى تخلف أحد أركان العقد.
كما يختلف الفسخ عن البطلان في أن الفسخ لا يكون إلا في العقد الملزم للجانبين، بعد أن يكون قد نشأ صحيحا وتترتب عليه كل الآثار القانونية منذ تكوينه، وبالتالي فالعقد قبل أن يرد عليه الفسخ، عقد صحيح في جميع جوانبه، في حين أن البطلان، في جميع صوره يرد على عقود لم تنشأ منذ إبرامها نشأة سليمة فهو معاصر لتكوينها من حيث وجوده.
يضاف إلى ذلك أن مجال تطبيق البطلان أوسع من مجال تطبيق الفسخ المحدد بالعقود الملزمة للجانبين بينما البطلان يجوز تطبيقه بصرف النظر عن كون العقد ملزما للجانبين، أو ملزما لجانب واحد.
ومن ذلك يتضح أنه على الرغم من أن كلا من البطلان والفسخ يؤديان إلى زوال العقد بأثر رجعي، يبقى لكل منهما قواعده، وأحكامه الخاصة.
المطلب الثاني : تمييز الفسخ عن الدفع بعدم التنفيذ
يقصد بالدفع بعدم التنفيذ في العقود الملزمة للجانبين، أن يكون لكل متعاقد، إذا ما طالبه المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه، إلى أن يقوم الآخر بما عليه من تعهد، من خلال هذا المفهوم يبدو أن الدفع بعدم التنفيذ وسيلة دفاعية يتخذها المتعاقد لحماية حقوقه، بينما الفسخ يعتبر وسيلة هجومية وتترتب على ذلك فروق جوهرية :
فمن حيث الأثر القانوني إذا تحقق الفسخ فإنه يؤدي إلى حل العقد نهائيا، فيعود المتعاقدان إلى ما كان عليه قبل إبرامه، ولذلك فهو يشمل، كقاعدة عامة، الماضي والمستقبل، بينما نجد الدفع بعدم التنفيذ، ليست له هذه الخطورة من حيث الأثر المترتب عليه، فهو عبارة عن إجراء تأجيلي تتوقف الالتزامات على أثره، ولكنها لا تزول
كما يختلف الدفع بعدم التنفيذ عن الفسخ من حيث سلطة القاضي التقديرية، فالقاعدة العامة التي يعمل بها في مجال فسخ العقد أن الأمر فيه يعرض على القاضي، وهو الذي يقدر الفسخ من عدمه، بينما الوضع على غير ذلك في مجال الدفع بعدم التنفيذ، فالذي يقدره هو المتعاقد، وليس القاضي، ومن ثم فلا حاجة إلى رفع دعوى في هذا الشأن، وإذا عارض المتعاقد الآخر في استعماله، اقتصر دور القاضي على التحقق من شروطه، ثم يقوم بعد ذلك بإقراره أو عدم إقراره.
أما من حيث الإعذار فيختلفان في أنه إذا قام أحد المتعاقدين في العقد الملزم للجانبين بالدفع بعدم التنفيذ، فلا يجوز للطرف الآخر، أن يدعي بأن هذا الدفع غير صحيح، ذلك أن الدفع في حد ذاته يعتبر إعذارا، وفضلا عن ذلك، فإن النصوص القانونية التي نظمت مبدأ الدفع بعدم التنفيذ، لم تشر إلى ضرورة الإعذار، بينما يشترط القانون أن يكون المتعاقد الذي يطلب فسخ العقد قد أعذر مدينه، وهو ما تقضي به المادتان 119، 120 من القانون المدني الجزائري.
المطلب الثالث : تمييز الفسخ عن التقايل
التقايل اتفاق يرد على العقد بعد أن يكون قد تم تكوينه صحيحا، يهدف من ورائه المتعاقدان إلى حل الرابطة التعاقدية، فهو من هذه الزاوية يشبه الفسخ الاتفاقي الذي يكون هو الآخر وفقا للمادة 120 من القانون المدني الجزائري، بناء على اتفاق سابق
ولما كان التقايل يتم بناء على اتفاق لاحق لإبرام العقد، فإنه يجوز استعماله، بصرف النظر عن بدء التنفيذ، أو عدمه، ولا يجوز تطبيقه إلا في مجال العقود الملزمة للجانبين، شأنه في ذلك شأن الفسخ، ويختلف عنه في أن الفسخ لا يكون إلا بصدد عدم التنفيذ، في حين أن حل العقد بالتقايل سببه الاتفاق في حد ذاته، ولا علاقة له بعدم التنفيذ.
يضاف إلى ذلك أن التقايل كقاعدة عامة، لا يجوز أن يستند أثره إلى الماضي، بل يقتصر على المستقبل فحسب، ومعنى ذلك أن التقايل الذي يحدث بعد البدء في التنفيذ، لا يمس الآثار التي يكون العقد قد رتبها من قبل، في حين أن الفسخ يأتي على كل الالتزامات العقدية، تطبيقا لقاعدة الأثر الرجعي، التي تعتبر من أهم القواعد التي يبنى عليها فسخ العقد.
المطلب الرابع : تمييز الفسخ عن المسؤولية العقدية
يقصد بالمسؤولية العقدية الجزاء الذي يرتبه القانون نتيجة عدم قيام المدين بالتزاماته التعاقدية. ولما كان الفسخ نفسه، هو عبارة عن جزاء يرتبه القانون على المدين المقصر في تنفيذ التزاماته، فهو يلتقي من هذه الناحية بالمسؤولية العقدية باعتبارهما جزاء يرتبه القانون في الحالتين، فهذا الجزاء، هو في نفس الوقت إذا نظرنا إليه من ناحية الدائن، لا من ناحية المدين، هو عبارة عن حق قرره القانون لصالح الدائن، يحاسب به مدينه سواء عن طريق فسخ العقد، أو عن طريق المسؤولية التعاقدية، غير أن هذا الحق يبقى قائما في جميع الحالات التي يخل فيها المدين بالتزامه إذا استعمله صاحبه عن طريق الفسخ، أي أن سبب الإخلال يستوي لدى الدائن أن يكون راجعا إلى المدين نفسه، أو إلى السبب الأجنبي، فحقه في الفسخ، في الحالتين لا يسقط، وغاية ما في الأمر أن التسمية قد تختلف، فقد يسمى فسخا، وقد يسمى انفساخا بقوة القانون. بينما لو استعمل الدائن حقه في محاسبة مدينه عن طريق المسؤولية العقدية، اختلف الأمر بين عدم التنفيذ الذي يرجع إلى المدين، وعدم التنفيذ الراجع إلى السبب الأجنبي، الذي لا يد للمدين فيه، إذ تقوم المسؤولية العقدية في الحالة الأولى وتنتفي في الحالة الثانية، في حين أن الحق في الفسخ يبقى دائما قائما.
وفضلا عن ذلك فإن أثار المسؤولية العقدية يجوز التعديل فيها لصالح كل من الطرفين وقد يكون التعديل فيها لفائدة المدين دون الدائن. في حين أن الأصل العام، أنه لا يجوز تعديل آثار الفسخ، وإذا وجد فهو لصالح الدائن دون المدين.
ويختلف نظام الفسخ عن المسؤولية العقدية من حيث الضرر، فلا تقوم المسؤولية العقدية دونه، وبالتالي فلا جزاء إذا لم يتحقق، بينما قيام حق الدائن في مجال فسخ العقد، يكفى فيه عدم التنفيذ لاستعماله، وهو جزاء في نفس الوقت ضد المدين، ولو لم يلحق بالدائن ضرر بمفهومه الدقيق، ذلك أن الفسخ في حقيقته لم ينشأ من أجل جبر الضرر، وإنما وجد لحل رابطة تعاقدية أخل أحد الطرفين فيها بالتزامه بصرف النظر عن وقوع الضرر من عدمه.
الفصــل الأول : أنـواع الفسـخ إن القانون المدني الجزائري، عند تقريره لمبدأ الفسخ وضع له طرق ووسائل يتحقق بها، تضمنتها نصوص قانونية تحدد كل واحدة منها الوسيلة التي يفسخ بها العقد الملزم للجانبين.
فنصت المادة 119 منه على أنه : (في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوف احد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد اعذراه المدين، أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك.
ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان مالم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات).
ونصت المادة 120 على أنه : (يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخا بحكم القانون عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه بمجرد تحقق الشروط المتفق عليها، وبدون حاجة الى حكم قضائي. وهذا الشرط لا يعفي من الإعذار الذي يحدد حسب العرف عند عدم تحديده من طرف المتعاقدين).
ونصت المادة 121 على انه : (في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد بحكم القانون).
وبناء على هذه النصوص فان فسخ العقد قد يكون أمام القضاء وهذا هو الفسخ القضائي كما قد يكون بالاتفاق أو بحكم القانون.
ولما كان الفسخ يتحقق بعدة طرق مختلفة أولها وفقا للنصوص القانونية، الفسخ القضائي ثم الاتفاقي، وأخيرا الفسخ بحكم القانون، لذلك اخترنا البدء بدراسة هذه الأنواع وفقا للترتيب الوارد في القانون، مخصصين لكل نوع مبحث مستقل.
المبحـث الأول: الفسـخ القضائــي
في ضوء أحكام المادة 119 من القانون المدني الجزائري المذكورة أعلاه، يظهر أن الفسخ هو جزاء يترتب على امتناع احد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه، غير أن هذا الجزاء لا يقع تلقائيا وإنما لابد من اللجوء إلى القضاء واستصدار حكم بذلك.
لذلك سنتطرق في هذا المبحث لتعريف الفسخ القضائي، ونبين الشروط الواجب توافرها حتى يثبت للدائن حق المطالبة بالفسخ، وكذا الإجراءات الواجب إتباعها.
كما ندرس سلطة كل من القاضي والأطراف في إيقاع هذا النوع من الفسخ فيما يلي:
المطلب الأول: تعريف الفسخ القضائي، شروطه وإجراءاته
-أولا : تعريفه
يعرف الفسخ القضائي بأنه ضرورة اللجوء إلى القضاء المختص من طرف الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ للمطالبة بحل العلاقة التعاقدية، لكي يحق له بعد ذلك التحلل من التزاماته نحو المتعاقد الآخر الذي لم يقم بتنفيذ ما رتبه العقد من التزامات على عاتقه.
وعلى ذلك فان حل الرابطة التعاقدية لا يقع من تلقاء نفسه كقاعدة عامة، نظرا لخطورة هذا الإجراء على العقد لذلك ينبغي تدخل القاضي واستصدار حكم بذلك حتى وان كانت المادة 119 من القانون المدني الجزائري لم تستلزم تدخل القضاء للحكم بالفسخ، غير أننا إذا نظرنا إلى مضمون النص وعباراته نجدها تفيد الفسخ القضائي؛ فعبارة «يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه» فالمطالبة تكون أمام القضاء، ثم إن عبارة «ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف، كما يجوز له أن يرفض الفسخ» لا تدع مجالا للشك بأن حل الرابطة التعاقدية في العقود الملزمة للجانبين يكون بحكم القاضي.
وحتى يثبت للدائن حق المطالبة بالفسخ هناك شروط ثلاثة يجب توافرها ندرسها فيما يلي:
ثانيـا: شروطــه
يخضع حق المتعاقد في طلب فسخ العقد إلى ثلاثة شروط نفصلها فيما يلي:
1- العقد محل الفسخ ملزم للجانبين: أن يكون العقد ملزما للجانبين هو شرط عام في جميع أنواع الفسخ، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق أو بحكم القانون، ذلك أن الفسخ بأنواعه الثلاثة مبني على فكرة الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة ، إذ لا فائدة للدائن في العقد الملزم لجانب واحد من فسخ العقد بل على العكس تقتضي مصلحته إبقاء العقد والمطالبة بتنفيذه، أما مصلحته في العقد الملزم للجانبين فقد تقتضي فسخ العقد لأنه دائن ومدين في نفس الوقت، وطالما بقيت العلاقة العقدية قائمة فهو مطالب بتنفيذ ما تحمل من التزامات بموجب العقد، ويستطيع الدائن عن طريق الفسخ أن يتخلص من هذه الالتزامات مالم ينفذ المتعاقد الآخر ما التزم به.
2- عدم قيام المتعاقد بتنفيذ التزامه: لقد أشارت المادة 119 قانون مدني جزائري، صراحة إلى هذا الشرط حيث ورد فيها: «... إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزاماته.... » فالفسخ جزاء يتقرر لصالح الدائن عند عدم وفاء المدين بالتزامه، وبالتالي لا يحق للمتعاقد المطالبة بفسخ العقد، إلا إذا أخل المتعاقد الآخر بالتزامه، والمقصود بعدم التنفيذ : هو الإنعدام الكلي لتنفيذ الالتزام، وكذلك التنفيذ الجزئي، أو التأخير في التنفيذ، وكذا التنفيذ النسبي، كما يكون المتعاقد كذلك قد أخل بالتزامه، حتى ولو تعلق الأمر بالتزامات تبعية أو ثانوية.
ويقتضي الفسخ كذلك باعتباره جزاء لإخلال المتعاقد بالتزامه أن يكون هو المتسبب في عدم التنفيذ، فإذا كان سبب استحالة تنفيذ الالتزام لا يرجع إلى المدين، بل إلى سبب أجنبي كقوة قاهرة، فان الالتزام ينقضي ويترتب عليه انقضاء الالتزام المقابل وينفسخ العقد بقوة القانون.
3- أن يكون الدائن طالب الفسخ مستعدا لتنفيذ التزامه : لم يرد هذا الشرط في نص المادة 119 من القانون المدني، غير أن من غير المعقول أن يتمسك المتعاقد بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المتعاقد الآخر لالتزاماته إذا لم يبادر هو بتنفيذ ما عليه من التزامات. فيجب إذن أن لا يكون طالب الفسخ مقصرا في تنفيذ التزامه، وهذا يقتضي أن يكون قد وفى بما تعهد به، أو أن يكون على الأقل مستعدا للوفاء به.
فإذا كان قد تسلم شيئا بمقتضى العقد، وباعه لآخر، فالتزامه بالضمان يحرمه من حق المطالبة بالفسخ، لأنه لا يستطيع أن ينزع الشيء من يد المشتري ليرده إلى من تعاقد معه.
ويترتب على ذلك أن المتعاقد في هذه الحالة لا يستطيع إعادة الحال إلى ما كان عليه من قبل، مما يؤدي إلى فقدان حقه منذ البداية، في المطالبة بفسخ العقد لتخلف هذا الشرط، ولا يبقى أمامه إلا المطالبة بالتنفيذ.
وبناء على ما تقدم بيانه فإن الفسخ القضائي لا يكون صحيحا إلا بتوافر الشروط الموضوعية السالفة الذكر، ومع ذلك فإن مجرد تحققها لا يؤدي في حد ذاته إلى فسخ العقد، وإنما تؤدي إلى إعطاء المتعاقد الحق في طلب الفسخ من القضاء، ولكي يستطيع استعمال هذا الحق لابد من إتباع إجراءات قانونية نستعرضها فيما يأتي :
- ثالثا : إجراءاتـــه
1/ الإعذار:
قضت الفقرة الأولى من المادة 119، بأن الدائن حتى يطالب بفسخ العقد، يعذر المدين مطالبا إياه بالتنفيذ. فمجرد حلول الأجل لا يعد اعذارا للمدين بل على الدائن قبل أن يرفع دعوى لطلب فسخ العقد أن يقوم بإعذار المتعاقد الآخر.
ففائدة الإعذار تظهر في أمرين :
- أن القاضي يكون أسرع في إجابة الدائن لطلبه بالفسخ.
- أن القاضي بالإضافة إلى الحكم بالفسخ يكون أقرب إلى الحكم بالتعويض على المدين.
وإذا كان الاعذار على النحو السابق، إجراءا ضروريا في مجال فسخ العقد، فهو أيضا مطلوب حين لا يكون الأمر متعلقا بالفسخ، بل يتعلق بالتعويض عن التأخير في التنفيذ، وهو ما قضت به المادة 179 التي تنص على أنه : «لا يستحق التعويض إلا بعد اعذار المدين مالم يوجد نص مخالف لذلك».
غير أنه لا ينبغي أن يفهم من هذا الإجراء، أن الدعوى التي يرفعها الدائن لفسخ العقد، دون أن يكون قد سبقها إعذار مرفوضة لأن الدعوى في حد ذاتها تعتبر إعذارا للمدين بوجوب تنفيذ التزامه
2- رفع دعوى الفسخ :
إن توجيه الإعذار من الدائن إلى المدين لا يعد كافيا لوحده لفسخ العقد، فعلى الدائن أن يقوم إلى جانب ذلك برفع دعوى يطلب فيها فسخ العقد والسبب في ذلك أن الإعذار الذي يقوم به الدائن عند حلول الأجل، قد يعقبه تسامح مع مدينة في عدم التنفيذ أو التأخير فيه، فمن حقه أن يبقى متمسكا بالتنفيذ، رغم عدم قيام المدين بتنفيذ الالتزام بعد إعذاره.
ودعوى الفسخ ليست لها مدة خاصة تتقادم بها، فتقادمها إذن يكون بخمس عشرة سنة من وقت ثبوت الحق بالفسخ، و يكون ذلك عادة عند الإعذار الذي يوجه من الدائن إلى المدين.
3- صدور حكم بالفسخ :
إن تحقق الشروط والإجراءات السالفة الذكر لا يؤدي إلى تحقيق النتيجة المرجوة، وهي فسخ العقد وبالتالي تحلل الدائن تبعا لذلك من التزاماته نحو المدين، ذلك أنه قد يحدث بعد رفع دعوى الفسخ أن يقوم المدين بالتنفيذ، فلا يكون هناك فسخ، وقد لا يستجيب القاضي إلى طلب الفسخ، بما له من سلطة تقديرية في إيقاع الفسخ القضائي من عدمه.
لذلك لابد من صدور حكم قضائي يقضي بفسخ العقد ويكون الحكم الصادر بهذا الصدد منشأ له.
المطلب الثاني : سلطة القاضي في إيقاع الفسخ القضائي
إن رفع المتعاقد لدعوى الفسخ في حالة إخلال المتعاقد الثاني بالتزامه، لا يعني أن القاضي مقيد باختياره، بل له سلطة تقديرية فقد يحكم بالفسخ إذا رأى الظروف تبرر ذلك، وقد لا يحكم به ويعطي المدين مهلة لتنفيذ التزامه.
وتنص الفقرة الثانية من المادة 119 على هذا الحكم صراحة إذ تقول «ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف، كما يجوز له أن يرفض الفسخ، إذا كان لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات».
ومما يحمل القاضي على الحكم بالفسخ أن يتضح له تعمد المدين عدم التنفيذ أو إهماله في ذلك إهمالا واضحا، رغم إعذار الدائن له قبل رفع الدعوى، ومما يحمله على استبقاء العقد أن يكون ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته. ومما يحمله على إعطاء المدين أجلا للتنفيذ أن يكون للمدين عذر في تأخره عن التنفيذ، أو أن يكون الدائن لم يصبه إلا ضرر بسيط من جراء هذا التأخر، أو أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن إنما نجم عن فعله هو لا عن فعل المدين.
ولا يمنع القاضي أن يعطي مهلة للمدين أن يكون الدائن قد أعذره قبل رفع الدعوى، وإذا أعطى المدين مهلة وجب عليه القيام بتنفيذ الالتزام في غضونها، وليس له أن يتعداها، بل ليس للقاضي أن يعطيه مهلة أخرى ويعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه بعد انقضاء المهلة حتى ولو لم ينص القاضي في حكمه على ذلك
وعلى هذا الأساس، يمكن القول بان مسألة الحكم بالفسخ أو عدم الحكم به هي مسألة جوازية.
المطلب الثالث: خيار الدائن في مواجهة المدين
من المقرر قانونا أن لكل دائن في العقود الملزمة للجانبين، أن يعدل عن دعوى الفسخ إلى طلب التنفيذ. ذلك أن مصلحة المتعاقد الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ، يجب أن يترك تقديرها له وحده، فهو الأدرى بالوسيلة التي تحقق له الحماية القانونية لحقوقه.
خاصة وأن الفسخ القضائي لا يقع إلا بعد استصدار حكم من القاضي المعروض عليه النزاع أما إذا صدر هذا الحكم وحاز قوة الشيء المقضي وأصبح حكما نهائيا، فإنه لا يجوز للمتعاقد الدائن بعد ذلك أن يعدل عن الفسخ إلى طلب التنفيذ، لأن الرابطة التعاقدية التي كانت موجودة، ومحلا للنزاع لم تعد موجودة في نظر القانون ومن ثم فلا معنى للرجوع
بعكس لو كان طلب العدول عن الفسخ قبل صدور حكم نهائي فيستوي أن يكون الدائن بالالتزام الذي لم ينفذ، قد عدل عن طلب الفسخ أمام محكمة الدرجة الأولى، أو أمام درجة الاستئناف، ذلك أن هذا الطلب الذي يتقدم به المتعاقد الدائن أمام الاستئناف، يعتبر من الطلبات العارضة التي أجازها قانون الإجراءات المدنية.
المطلب الرابع: مدى حق المدين في التنفيذ بعد رفع دعوى الفسخ
يثور التساؤل حول ما إذا كان يجوز للمدين تعطيل الحق في الفسخ عن طريق تنفيذ التزامه الأصلي تنفيذا متأخرا؟
الرأي الراجح يذهب إلى أن الحق في الفسخ لا يستبعد إمكان التنفيذ المتأخر في حالة مجرد التأخير، بشرط أن يقوم المدين بالتنفيذ العيني وأن يدفع التعويض عن الأضرار الناشئة عن التأخير في التنفيذ، ويترتب على ذلك عدم قبول دعوى الفسخ
وحيث أن الفسخ من عمل القاضي وليس بإرادة الطرفين، فانه لا يقع إلا من وقت الحكم به، بل أن الفسخ لا يكون نهائيا إلا إذا حاز الحكم حجية الشيء المقضي، ومادام الأمر كذلك فان العقد يظل قائما، ويتفرع على ذلك نتيجتان:
- أن المدين يجوز له إلى وقت صدور الحكم بالفسخ، أن يتوقى الفسخ بأن يعرض بتنفيذ التزامه عرضا حقيقا.
-أن يكون للمدين الحق في توقي الفسخ حتى بعد صدور الحكم بالفسخ وذلك إذا سلك إحدى طرق الطعن التي تطرح المسألة بأكملها من جديد كالمعارضة، والاستئناف، والتماس إعادة النظر، فيجوز له أن يتقدم بطلب التنفيذ أمامها.
ويجب على المدين أن يقوم بالتنفيذ فعلا حتى يمتنع الحكم عليه بالفسخ أو يجب بالأقل أن يقوم بعرض الوفاء عرضا حقيقيا مشفوعا بالإيداع، فان لم يكن ثمة تنفيذ فعلي أو عرض حقيقي مشفوع بالإيداع، فلا جناح على القاضي إن هو استجاب إلى طلب الفسخ المقدم من الدائن، ومتى قام المدين بالتنفيذ الفعلي أو عرض الوفاء عرضا حقيقيا وكاملا امتنع على القاضي إجابة الدائن إلى طلبه في الفسخ.
المبحث الثاني: الفسخ الاتفاقــي
تنص المادة 120 من القانون المدني الجزائري على أنه :« يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخا بحكم القانون عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه بمجرد تحقق الشروط المتفق عليها وبدون حاجة إلى حكم قضائي، وهذه الشروط لا تعفي من الإعذار الذي يحدد حسب العرف عند عدم تحديده من طرف المتعاقدين».
وعلى ضوء هذا النص سنتناول بالدراسة النوع الثاني من أنواع الفسخ من خلال تعريفه، شروطه، وإجراءاته في مطلب أول ومدى سلطة القاضي التقديرية في الفسخ الاتفاقي في مطلب ثاني، أما في المطلب الثالث والرابع فنتناول على التوالي:
خيار الدائن في مواجهة المدين، ومدى حق المدين في التنفيذ المتأخر.
المطلب الأول : تعريف الفسخ الاتفاقي، شروطه وإجراءاته :
أولا : تعريفــه
يعرف الفسخ الاتفاقي بأنه اتفاق المتعاقدان على فسخ العقد عند إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه ويكون مقدما وقت صدور العقد في الغالب .
ويعرف أيضا بأنه حق الطرفين المتعاقدين في الاتفاق عند إبرام العقد على انه يجوز لأحدهما فسخ العقد، إذا لم يقم الطرف الآخر، بتنفيذ التزاماته الناشئة من هذا العقد دون اللجوء إلى القاضي لاستصدار حكم قضائي في شأنه.
وقد جاءت هذه الطريقة كاستثناء على الفسخ القضائي الذي يتسم بالبطء في إجراءاته وتحميل المدعي المصاريف القضائية، بالإضافة إلى استعمال القاضي سلطته التقديرية التي قد لا توافق إرادة المتعاقدين خاصة الدائن.
ثانيا : شروطــه
عندما نظم المشرع الجزائري الفسخ الاتفاقي لم يحدد شكلا معينا للاتفاق لا الذي يمكن فسخ العقد بناء عليه، وبإرادة من الدائن المنفردة، غير أنه يستفاد من المواد التي تنظمه أنه لا بد فيه من توافر بعض الشروط وهي كالتالي:
- الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخا :
بمعنى أن يتفقا على أن يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه، وبغير حاجة إلى حكم قضائي، وذلك بمجرد حصول الإخلال بالالتزام، شريطة أن تنصرف إرادتهما إلى تحقيق هذا الأثر على نحو قاطع وبغير شك أو لبس، أو غموض.
لذلك كان من الأفضل أن يكون الاتفاق على الفسخ اتفاقا، مستقلا عن بقية أجزاء العقد حتى لا تكون أمام وضع يجب فيه تطبيق القاعدة العامة الواردة في المادة 119 من القانون المدني وليس الاستثناء الوارد بالمادة 120 منه.
- أن يكون هدف الاتفاق استبعاد الفسخ القضائي :
ويفهم من هذا الشرط انه ليس كل اتفاق يؤدي إلى فسخ العقد بإرادة الدائن ودون اللجوء إلى القضاء ذلك أن الصيغ التي يقع بها الفسخ مختلفة، فنجد مثلا عبارة أن يكون العقد مفسوخا عند عدم التنفيذ فلا يعدو هذا الأخير أن يكون فسخا قضائيا غير أن القاضي لا يستطيع رفض الفسخ وفي ذلك تقييد لسلطته. أو كذلك عبارة أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه عند عدم التنفيذ فهنا كذلك يتعلق الأمر بالفسخ القضائي، غير أن القاضي تصبح سلطته مقيدة بعدم إعطاء المدين المهلة القضائية للتنفيذ.
في حين نجد انه إذا ما تضمن العقد عبارة « أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه ودون حاجة إلى حكم قضائي ». ففي مثل هذه الحالة نكون أمام فسخ اتفاقي بناء على إرادة المتعاقد الدائن الذي يستطيع التحلل من التزامه التعاقدي دون اللجوء إلى رفع دعوى أمام القضاء.
- عدم تنفيذ احد المتعاقدين لالتزاماته :
إن مضمون هذا الشرط هو وجوب أن تكون هناك واقعة عدم التنفيذ والتي تعتبر شرطا ضروريا للمطالبة بفسخ العقد من تلقاء نفس الدائن ودون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء، ولكن رغم ذلك فمن حق الدائن أن لا يستعمل حقه في الفسخ ويطالب بالتنفيذ.
إن مجرد وجود هذه الشروط لا تجعل العقد مفسوخا، بل لابد إلى جانب ذلك من إتباع إجراءات حتى يحصل الفسخ وهذه الأخيرة تتمثل في:
ثالثا : إجراءاتــه
1- الإعذار:
إن الإتفاق على اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه لا يترتب عليه الإعفاء من الاعذار الذي يسجل تقصير المدين، وهو دعوة الدائن للمدين رسميا إلى الوفاء بالتزامه في خلال مدة يحددها له بحيث إذا انتهت هذه المدة فسخ العقد من تلقاء نفسه.
2- إعلان الدائن عن تمسكه بفسخ العقد :
ذلك أن إرادة الدائن في هذا المجال هي التي تؤخذ في الاعتبار، بعد حلول الأجل، وليس الاتفاق الذي كان قد تم بينه وبين المتعاقد الآخر من قبل على فسخ العقد، ويجب أن يتصل هذا الإعلان بعلم المدين
وإذا قام المتعاقد الدائن بهذا الإعلان على النحو المطلوب قانونا، فلا يهمه بعد ذلك موافقة المدين، أو عدم موافقته على فسخ العقد لأن الهدف من الإعلان ليس طلب الموافقة، وإنما إبلاغ الدائن مدينة بفسخ العقد، وبالتالي التحلل من الالتزامات التي كانت على عاتقه.
المطلب الثاني : سلطة القاضي التقديرية في الفسخ الاتفاقي
إذا كان للقاضي سلطة تقديرية واسعة في حالة الفسخ القضائي بأن يمنح للمدين أجلا قبل فسخ العقد، وله أن يرفض دعوى الفسخ، غير أنه في حالة الاتفاق مقدما على الفسخ فليس للقاضي تلك السلطة التقديرية الواسعة، إذ يحصل الفسخ من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي.
على أن الاتفاق مقدما على الفسخ بإرادة واحدة لا يستبعد حتما إمكان تدخل القاضي، فقد يلجأ المدين إلى القاضي منكرا على الدائن حقه في إيقاع الفسخ وفي هذه الحالة يجب أن تقتصر سلطة القاضي على ما يأتي:
- التحقق من وجود اتفاق على فسخ العقد :
بحيث إذا ما قام الدائن بفسخ الرابطة التعاقدية ورفع الأمر إلى القضاء بعدما نازعه المدين في ذلك فإن القاضي يكون ملزما في هذه الحالة بالتأكد من صحة ووجود هذا الشرط من عدمه، إذ بوجوده يحكم بالفسخ، وأمام انعدام الشرط فإن السلطة التقديرية للقاضي تقوم من جديد.
- التحقق من قيام الدائن باعذار المدين :
والذي اعتبره المشرع الجزائري إجراءا ضروريا في كلا من الفسخ القضائي والفسخ الاتفاقي، ولم ينص على جواز الاتفاق على الإعفاء منه، ومن ثم إذا طرح على القاضي نزاع يتعلق بالفسخ الاتفاقي فإنه يحكم به بعد أن يتأكد من أن الدائن قد قام باعذار المدين، ففسخ العقد دون اعذار يكون غير جائز.
- التحقق من عدم التنفيذ :
ومعنى ذلك أنه يتأكد من وجود تقصير من جانب المدين في تنفيذ الالتزام، وأنه هو السبب المباشر الذي أدى بالدائن إلى فسخ العقد، والقاضي في هذا النوع من الفسخ لا يفرق بين عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي ولكنه يتحقق فقط من صحة الاتفاق ويعتبر حكمه كاشفا للفسخ غير منشئ له.
وحول مسالة جواز منح المدين أجلا للتنفيذ، استقر الرأي فقها وقضاءا على عدم جواز منحه ذلك، لأن الهدف من النص على هذه المهلة في العقد هي من أجل استبعاد تدخل القاضي وبالتالي بمنحها للمدين نكون أمام تطبيق نص المادة 119 قانون مدني.
المطلب الثالث : خيار الدائن في مواجهة المدين
إن العقد الذي يقترن به اشتراط اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه عند عدم التنفيذ لا يفسخ لمجرد تحقق عدم التنفيذ، بل يكون الأمر متروكا لتقدير الدائن. فيفسخ العقد فقط إذا تمسك الدائن بالفسخ على إثر عدم تنفيذ المدين لالتزامه، وبذلك لا يترتب على ذلك الاشتراط أن يفقد الدائن خياره بين طلب التنفيذ وطلب الفسخ.
كما أن البدء بالمطالبة بالتنفيذ لا يعد نزولا عن الحق في الفسخ، وإن كان هذه الأخير كغيره من الحقوق يجوز لصاحبه أن ينزل عنه.
وقد يختار المتعاقد الدائن، التمسك بالفسخ المتفق عليه، دون المطالبة بالتنفيذ، بمجرد وقوع عدم التنفيذ، وفي هذه الحالة لا يمكنه العدول بعد أن يكون قد أعلن موقفه بالتمسك بالفسخ، لأنه بمجرد اتخاذه هذا الموقف لم يعد هناك عقد من الناحية القانونية بالمرة، حتى يمكن القول بجواز طلب التنفيذ، ذلك أن الإعذار الذي يوجهه المتعاقد الدائن إلى المدين، مبرزا فيه نيته في فسخ العقد، هو الذي يجعل الرابطة التعاقدية منحلة.
غير أنه ليس هناك مانع من قبول عدول الدائن عن تمسكه بالفسخ الاتفاقي إلى طلب تنفيذ العقد وهذا في حالة وحيدة وهي قبل وصول الإعلان عن الفسخ إلى علم المدين
.
المطلب الرابع : مدى حق المدين في التنفيذ المتأخر
إن المنطق القانوني يقتضي أن اشتراط الفسخ صراحة لا يعمل من تلقاء نفسه لمجرد عدم التنفيذ، وإنما يجب لكي ينتج الإتفاق أثاره أن يعقب عدم تنفيذ المدين إعلان من قبل الطرف الذي وضع الاتفاق لمصلحته يتمسك فيه بالفسخ، ولهذا يجوز للمدين إلى ما قبل صدور هذا الإعلان أن يقوم بتنفيذ إلتزامه وأن يصحح تقصيره وذلك إلى أن يعلن الطرف الآخر تمسكه بذلك الاتفاق.
غير أنه لا يجب التوسع في جواز التنفيذ المتأخر من طرف المدين في حالة الفسخ الاتفاقي، وذلك نزولا واحتراما لمبدأ سلطان الإرادة المنصوص عليه في المادة 106 من القانون المدني الجزائري والتي تقضي باحترام ما يرد من اتفاقات في العقد، فقد يولي المتعاقدان أهمية كبرى لميعاد التنفيذ، فيصبح التنفيذ المتأخر غير مفيد بالنسبة للدائن الذي لم يحصل على الأداء في الميعاد المتفق عليه.
غير أن سكوت الدائن عن الإفصاح عن إراداته في فسخ العقد يجب ألا يتجاوز الحد المعقول، وإلا عد ذلك نزولا منه عن حقه في الفسخ، مما يجوز معه للمدين القيام بتنفيذ التزاماته تنفيذا متأخرا
وغني عن البيان أن المتعاقد الدائن الذي فقد حقه في فسخ العقد بإرادته المنفردة نتيجة سكوته غير المعقول لا يؤثر على حقه في فسخ العقد وفقا للمادة 119.
وننتهي إلى القول بأن للمدين الحق في تفادي إيقاع الفسخ حتى ولو كنا أمام الفسخ الاتفاقي، إلا أن مجال هذا الحق محدود، وليس كما هو الشأن بالنسبة إلى الفسخ القضائي، الذي يكون فيه للمدين متسع من الوقت لتفادي الفسخ.
المبحث الثالث : فسخ العقد بحكم القانون
سبق وأن بينا أن عدم التنفيذ الذي يرجع إلى المدين نفسه يؤدي إلى فسخ العقد، وبقي أن نعرف ما مصير العقد حين لا يكون عدم التنفيذ راجعا إلى المدين، وإنما يرجع إلى السبب الأجنبي؟
وهي الحالة التي عالجتها المادة 121 من القانون المدني بقولها «أنه في العقود الملزمة للجانبين، إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه، انقضت معه الالتزامات المقابلة له، ويفسخ العقد بحكم القانون».
وسنبحث ذلك من خلال التطرق لتعريف الفسخ بحكم القانون وشروطه في مطلب أول، وسلطة كل من القاضي، الدائن، المدين بالنسبة لهذا النوع من الفسخ في مطلب ثان ونبين على من تقع تبعة الهلاك في مطلب ثالث، أما المطلب الأخير فنبرز فيه الفروق التي يمتاز بها الفسخ بحكم القانون عن الفسخ القضائي والفسخ الاتفاقي.
المطلب الأول: تعريف فسخ العقد بحكم القانون وشروطه
أولا : تعريفــه
يعرف الفسخ بحكم القانون بأنه : انحلال العقد التبادلي بقوة القانون تبعا لانقضاء الالتزام لسبب أجنبي.
وبهذا الصدد تنص المادة المادة 121 من القانون المدني على ما يلي «في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضي التزام بسبب تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد بحكم القانون»
طبقا لهذا النص، نجد أن المشروع الجزائري، قد وضع قاعدة عامة ينحل فيها العقد في جميع الحالات التي لا ينفذ فيها، لسبب لا يد للمدين فيه، ويجب أن يصبح التنفيذ بالنسبة إليه مستحيلا.
والمقصود بالاستحالة هنا، هي الاستحالة المطلقة، التي لا يمكن توقعها ولا مقاومتها، كالقوة القاهرة، وما في حكمها، أما إذا كانت الاستحالة المانعة من تنفيذ العقد من فعل المدين، فإن حكم المادة 121 لا ينطبق لأن القصد من هذه المادة هو السبب الأجنبي فقط.
وحتى ينحل العقد بقوة القانون وبالتالي زوال الالتزامات التي عليه لا بد من توافر شروط معينة يمكن تعدادها كما يلي:
ثانيا : شروطــه
يجب أن تكون الاستحالة التي أدت إلى عدم التنفيذ قد نشأت بعد إتمام إبرام العقد الذي هو محل الفسخ، أما إذا كانت الاستحالة قد نشأت قبل إبرامه فإننا لا نكون أمام انفساخ، إذ لا يكون هناك وجود للعقد إطلاقا إذ أنه يقع باطلا لاستحالة محله
يجب أن تكون الاستحالة شاملة، أي شاملة لجميع الالتزامات الناشئة عن العقد، أما إذا كانت عبارة عن إرهاق، أو انصبت على جزء العقد فإنها لا تؤثر على بقية الأجزاء الأخرى، وبالتالي فإن العقد يبقى قائما، ولا يقع الانفساخ، وغاية ما في الأمر أن للدائن الحق في مثل هذه الحالة أن يطالب بفسخ العقد وفقا للقواعد العامة الواردة في نص 119 السابق ذكرها.
يجب أن تكون استحالة التنفيذ راجعة إلى تدخل السبب الأجنبي، وأن يكون المدين قد قام بعمل ما في وسعه لتفادي وقوعها، وبمجرد تحقق هذا الشرط ينفسخ العقد بقوة القانون، وذلك بصرف النظر عما إذا كانت الاستحالة مادية، أو قانونية
وإذا كان الأمر على هذا النحو فما هو دور كل من القاضي المرفوع إليه النزاع والدائن والمدين باعتبارهما طرفي العقد في إيقاع الفسخ.
هذا ما سنبحثه في المطلب الآتي:
المطلب الثاني : مدى سلطة القاضي، الدائن، والمدين في إيقاع الفسخ
أولا : بالنسبـة للقاضـي
لا سبيل لتدخل القاضي في فسخ العقد الذي يقع بحكم القانون بمجرد تحقق الشروط السابقة الذكر، غير أنه قد يقوم نزاع بين المتعاقدين بشأن تحقق الاستحالة أو عدم تحققها. مما يجعل اللجوء إلى القاضي ضرورة حتمية للفصل في النزاع بما له من سلطة في هذا المجال، غير أن السلطة في مجال الانفساخ ليست هي ذات السلطة التي يتمتع بها في مجال الفسخ القضائي إذ يجب ألا تتجاوز في هذه الحالة التحقق من وقوع الاستحالة أو عدم وقوعها. فدور القاضي في مجال فسخ العقد بقوة القانون محدود للغاية، ذلك أن حل الرابطة التعاقدية عن طريق الانفساخ لا يحتاج الأمر فيه إلى صدور حكم قضائي، ولا إلى منح مهلة للمدين، والحكم الذي يصدر في هذه الحالة يقرر الفسخ لا ينشئه.
ثانيا : بالنسبـة للدائـن
إن الاستحالة التي يتطلبها الانفساخ تكون في جانب المدين، وتؤدي إلى انقضاء الالتزامات التي في جانبه، وتنقضي تبعا لها الالتزامات المقابلة، وعليه ينفسخ العقد بقوة القانون.
وعلى هذا الأساس بما أن رفع الأمر، إلى القاضي وتدخله لا يغير في الأمر شيئا، فإن الدائن ليس مضطرا إلى القيام بإعذار المدين ما دام العقد لم يعد قائما، ويترتب على ذلك أن حق الدائن في الخيار بين طلب التنفيذ والفسخ لم يعد له مجال لأن العقد ينحل بقوة القانون عند استحالة تنفيذه من طرف المدين
وإذا كانت سلطة الدائن في الانفساخ محدودة جدا، فإنه يستطيع منازعة المدين في مسألة تحقق الاستحالة أو عدم تحققها.
ثالثا : بالنسبـة للمديـن
بالرجوع إلى نص المادة 106 من القانون المدني التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي يفترض في المدين أنه سوف يقوم بتنفيذ العقود بكامل بنوده طبقا لمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود.
غير أنه إذا تحقق السبب الأجنبي، فإن المدين سيصطدم بواقعة استحالة التنفيذ وبالتالي ينحل العقد بقوة القانون، وتنقضي فيها الالتزامات والالتزامات المقابلة. لأن المدين في هذه الحالة لا يمكنه أن يتفادى إيقاع الانفساخ، بل إن انحلال الرابطة التعاقدية يقع رغم أنه قد لا يكون راغبا فيه.
المطلب الثالث : تحمل تبعة فسخ العقد بحكم القانون
في العقود الملزمة للجانبين، بما أن الالتزامات متقابلة في وجودها، فإذا استحال تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب لا يد له فيه انفسخ العقد وتحمل المدين بهذا الالتزام التبعة، فهو لا يد له في استحالة التنفيذ لأن الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي، ومع ذلك لا يستطيع أن يطالب الدائن بتنفيذ الالتزام المقابل، فالخسارة في نهاية الأمر تقع عليه وهو الذي يتحملها، وهذا هو مبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين ولو أن العقد كان ملزما لجانب واحد، كالوديعة غير المأجورة، واستحال تنفيذ التزام المودع عنده لسبب أجنبي، بأن هلك الشيء في يده بقوة قاهرة فاستحال عليه رده إلى المودع، فإن الذي يتحمل التبعة هو الدائن لا المدين والسبب في ذلك واضح، إذ الدائن -المودع- ليس في ذمته التزام يتحلل منه في مقابل تحلل المدين -المودع عنده- من التزامه، فالدائن هو الذي يتحمل الخسارة في آخر الأمر وبالتالي تبعة هذه الاستحالة.
فيمكن القول إذن بوجه عام أن المدين هو الذي يتحمل التبعة، في العقود الملزمة للجانبين، والدائن هو الذي يتحملها في العقود الملزمة لجانب واحد.
المطلب الرابع : تمييز فسخ العقد بحكم القانون عن الفسخ القضائي والاتفاقي
يختلف الفسخ الذي يحدث نتيجة لاستحالة التنفيذ عن الفسخ الذي يكون سببه عدم تنفيذ المدين لالتزامه من عدة نواح، رغم أن المتعاقد الدائن يتحلل من التزاماته في الحالتين وذلك فيما يلي :
من حيث الحكم القضائي :
تبين لنا أنه لا حاجة إلى حكم قضائي لإيقاع الانفساخ عندما يستحيل التنفيذ على المدين بسبب تدخل السبب الأجنبي، لأن انحلال العقد في مثل هذه الحالة يقع بحكم القانون، وإذا حدث نزاع بين الطرفين وأصدر القاضي حكما يقضي بالفسخ فما ذلك إلا حكم كاشف للفسخ الذي يكون قد وقع من قبل، وهو من هذه الناحية يقترب من فسخ العقد بإرادة الدائن المنفردة بناء على اتفاق سابق، ولكنه يختلف عنه بأن الفسخ الاتفاقي لا يتم إلا بناء على إعلان الدائن رغبته في حل الرابطة التعاقدية، في حين أن الفسخ بحكم القانون لا دخل لإرادته في ذلك، بل يقع ولو لم يرض به
من حيث الإعذار:
لا محل في مجال فسخ العقد بحكم القانون إلى قيام الدائن باتخاذ إجراء الإعذار الذي تحدثنا عنه في كل من الفسخ القضائي والاتفاقي، والذي لا بد منه فيهما معا، طبقا لنص المادتين 119، 120 من القانون المدني الجزائري ويعود إعفاء الدائن من الاعذار في الانفساخ، إلى أن التنفيذ لم يعد ممكنا وبالتالي تنتفي الحكمة من مطالبة الدائن به
من حيث التعويض:
قد يتضرر الدائن في مجال الانفساخ، من استحالة التنفيذ، ومع ذلك فليس له الحق في المطالبة بالتعويض، لأن السبب الذي أدى إلى عدم التنفيذ لا يرجع إلى تقصير المدين، في حين أنه يجوز للدائن، إلى جانب فسخ العقد قضائيا أو اتفاقيا، الحصول على التعويض إذا كان هنا مقتضى لذلك.
الفصل الثانـي: أثار الفسـخ
تناول المشرع الجزائري أثار فسخ العقد في المادة 122 من القانون المدني التي تنص « إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك جاز للمحكة أن تحكم بالتعويض».
يظهر من هذا النص أن الفسخ بجميع صوره (قضائي، اتفاقي، قانوني) يرتب أثار بالنسبة للمتعاقدين، تتمثل في إعادة الأطراف إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.
وقد تمتد هذه الآثار إلى الغير الذي يكون قد تلقى حقا من أحد المتعاقدين، لذلك سنقسم، دراسة هذا الفصل إلى مبحثين، نتناول في المبحث الأول : أثر فسخ العقد على المتعاقدين، وفي المبحث الثاني: أثر الفسخ بالنسبة للغير.
المبحث الأول : أثـر الفسـخ علـى المتعاقديـن
بالرجوع إلى المادة 122 المذكورة أعلاه نجد أن النتيجة الحتمية للفسخ أن يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، غير أنه يثور التساؤل حول الحكم إذا استحال إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها من قبل؟ وهل تصدق هذه النتيجة، إذا كان العقد الذي فسخ من العقود الزمنية؟.
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الآتي :
المطلب الأول: إعادة الحال إلى ما كان عليه - القاعدة العامة-:
بعد تقرير الفسخ يصبح العقد منعدم الوجود كأنه لم يكن، وبالتالي يجب إزالته ومحو كل الآثار التي رتبها من يوم انعقاده
ويقتضي هذا الأمر أن يرد كل متعاقد ما تلقى من المتعاقد الآخر تنفيذا للعقد المفسوخ
وهو ما يعرف بقاعدة الأثر الرجعي التي يجب على كل من الدائن والمدين الخضوع لأحكامها فيترتب على ذلك مايلي:
- بالنسبـة للدائـن:
لا صعوبة في تطبيق هذه القاعدة حيث لا يكون الدائن قد تلقى شيئا من المدين، إذ أن مجرد إيقاع الفسخ، بأية طريقة من الطرق، يجعله متحللا من التزاماته التعاقدية التي كانت على عاتقه نحو الطرف الآخر، ومن ثم فلا يرد الدائن للمدين شيئا ولا يسترد منه شيئا.
غير أن الأوضاع التي تحدث في الميدان العملي ليست دائما على هذا النحو من السهولة، فقد يكون الدائن قد تلقى بعض الاداءات من المدين كتنفيذ جزئي للعقد قبل فسخه، وفي هذه الحالة، بما أن العقد يعتبر قد زال بأثر رجعي نتيجة فسخه، يجب عليه رد ما تلقاه من المدين، لأن المبرر القانوني الذي كان يسوغ له الاحتفاظ به، قد انتفى، وبالتالي فلا يجوز له أن يحتفظ به، وإلا كان حكمه حكم من قبض غير المستحق.
وللدائن في نفس الوقت الذي هو مطالب فيه برد ما قبضه من المدين أن يسترد ما كان قد قدمه لمدينه كتنفيذ للعقد قبل فسخه، لأنه كما أوجب عليه القانون رد ما أخذه، أعطاه الحق من جهة أخرى في استرداد الأداء الذي كان قد قدمه
وقد يحدث أن يفسخ العقد، ويسترد المتعاقد الدائن ما كان قد قدمه لمدينه من أداء، ومع ذلك يلحق به ضرر من جراء فسخ العقد، وفي هذه الحالة يحق للدائن وحده أن يطالب إلى جانب الفسخ بتعويض إضافي لان حل الرابطة التعاقدية عن طريق الفسخ، في بعض الحالات، لا يكفي لإزالة الأضرار التي تكون قد لحقت بالدائن والناجمة عن عدم التنفي.
ولقد نصت المادة 119 من القانون المدني الجزائري المتعلقة بالفسخ القضائي في فقرتها الأولى صراحة على التعويض إلى جانب الفسخ بقولها: « في العقود الملزمة للجانبين، إذ لم يوف أحد المتعاقدين بإلزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك » مما يدل على أن الفسخ وحده في بعض الحالات ليس كافيا لمحو ما يخلفه عدم التنفيذ الراجع إلى المدين من أضرار فوجب عليه التعويض. وينبغي القول في هذا الصدد، بأن التعويض الذي من حق الدائن الحصول عليه إلى جانب حقه في التحلل من التزاماته نتيجة فسخ العقد، لا يقوم على أساس المسؤولية العقدية، وإنما يقوم على أساس المسؤولية التقصيرية
بالنسبـة للمديـن:
إن فسخ العقد وزوال الالتزامات التي يكون قد أنشأها بأثر رجعي يجعل المدين أيضا مطالب برد ما أخذه من المتعاقد الدائن. ويترتب على ذلك، أنه إذا كان العقد الذي فسخ هو عقد من عقود البيع، وكان المدين فيه هو المشتري، فإنه بعد فسخه، يطالب المشتري برد المبيع وما حصل عليه من ثمار سواء كانت هذه الثمار طبيعية أو مدنية.
وإذا كان التعويض من الأضرار بسبب الفسخ هو حق للدائن فهو واجب في نفس الوقت على المدين، يجب عليه دفعه لجبر الضرر الذي تسبب في وقوعه بعدم تنفيذه للالتزامات المترتبة على العقد.
غير أن ذلك لا يمنع المدين من المطالبة باسترداد ما قدمه للدائن، وفوق ذلك فإذا كان العقد الذي فسخ من عقود البيع، وكان المدين فيه هو المشتري، فإن من حقه أن يسترد الثمن، والمصروفات التي أنفقها في سبيل إدخال تحسينات نافعة على المبيع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النفقات التي يكون قد أنفقها، للمحافظة على المبيع.
ويترتب أيضا على فسخ العقد وإعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل التعاقد، أن للمدين أن يجري المقاصة مع الدائن، حين يكون ما يجب عليه رده وما يجب عليه استرداده نقودا، والعلة من جواز المقاصة في مجال الفسخ هي عدم إجباره على دفع ما بذمته ثم سعيه من جهة أخرى إلى الحصول على حقه من المتعاقد الآخر ولذلك يستحسن اختصار الطريق بهذه العملية القانونية التي تفيد الطرفين معا دون شك .
المطلب الثاني : استحالة إعادة الحال إلى ما كان عليه – الاستثناء-
قد يتحقق الفسخ، ويزول العقد بأثر رجعي، إلا أن إعادة المتعاقدين إلى الوضع الذي كانا عليه قبل التعاقد يستحيل تحقيقها من الناحية العملية، كما لو هلك المبيع في يد المشتري ثم وقع الفسخ لصالح البائع.
وأمام هذا الوضع الذي يقف حائلا في وجه الدائن أو المدين عندما يطالب باسترداد ما قدمه، نظم المشرع الجزائري، على غرار القوانين العربية الأخرى، قاعدة تعتبر استثناء من القاعدة العامة، أجاز فيها للقضاء الحكم بالتعويض، عندما تتعذر إعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه من قبل، فنص في المادة 122 السابقة الذكر على انه : " إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك جاز للمحكمة أن تحكم بالتعويض."
ويترتب على هذا النص انه إذا تم الفسخ ولم يستطع المدين رد الأداء الذي قبضه من الدائن عينا يتعين عليه أن يرد بدلا منه تعويضا.
غير أنه ينبغي عدم الخلط بين هذا الحكم الأخير الذي قضت به المادة 122 في عباراتها الأخيرة التي تقول: « فإذا استحال ذلك جاز للمحكمة أن تحكم بالتعويض». وبين الحكم الذي قضت به المادة 119 من نفس القانون والذي أجازت فيه أيضا التعويض لصالح الدائن، إذ أن التعويض وفقا للمادة 119 يجوز للقاضي الحكم به في جميع الحالات التي يرى فيها أن التعويض ضروري لجبر الضرر، بصرف النظر عن استحالة الرد أو عدم استحالته.
المطلـب الثالث : حكم الأثر الرجعي في عقود المدة
إن نص المادة 122 من القانون المدني على أنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد قطعي في الدلالة على الأثر الرجعي للفسخ، وعلى شموله العقد كافة، إلا أنه من المقرر بالنسبة لعقد المدة أو العقد المستمر والدوري التنفيذ كالإيجار، أنه يستعصي بطبيعته على فكرة الأثر الرجعي لأن الزمن فيه مقصود لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذي ينعقد عليه، والتقابل بين الالتزامين فيه يتم على دفعات بحيث لا يمكن الرجوع فيما نفذ منه، ومع ذلك فإن فسخ عقد المدة تطبق عليه نفس الآثار التي يرتبها الفسخ وفقا للمادة 122، ومادامت عقود المدة لا يمكن فيها إعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه من قبل، لأن الزمن عنصر جوهري في العقد، ولا يمكن إعادته إلى الوراء فإننا نطبق الفقرة الأخيرة من المادة 122 التي تجيز للمحكمة الحكم بالتعويض في حالة وقوع الاستحالة، مادام النص الذي يحكم أثار فسخ العقد واحد.
لأننا إذا سلمنا بعدم رجعية الأثر الرجعي للفسخ، في عقود المدة فمعنى ذلك أن وصف الفسخ في هذه العقود يصبح غير سائغ، مع العلم بأنها من العقود الملزمة للجانبين التي يشملها هذا الوصف الذي يلحق بالعقد بعد إبرامه إبراما صحيحا، ومن ثم فلا يمكن إخراج هذه الفئة من العقود من مجال تطبيق نظرية الفسخ في جميع أسسها وقواعدها وما ترتبه من أثار قانونية.
المبحث الثاني : أثر الفسـخ بالنسبـة للغيـر
رأينا أن أثر فسخ العقد بالنسبة للمتعاقدين هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، فماذا لو تعلق حق الغير بهذا العقد، فهل ينطبق عليه نفس الأثر الذي يطبق على المتعاقدين؟
وهل يختلف الأمر إذا كان من تعامل مع المتعاقد الذي فسخ العقد ضده حسن النية ولا يعلم ما يتهدد العقد؟ هذا ما سنحاول تبيانه في المطلبين الآتيين:
المطلـب الأول : زوال حقوق الغير
القاعدة العامة التي تقضي بها النظرية العامة للفسخ هي أن الأثر الرجعي الذي يرتبه فسخ العقد، لا يقتصر على زوال العقد، وما نشأ عنه من التزامات بالنسبة لإطرافه فحسب، بل يتعدى خطره إلى الكافة.
ويترتب على ذلك أن الغير الذي تلقى حقا من احد المتعاقدين، وكان هذا الحق متعلق بالشيء الذي كان محلا للعقد المفسوخ، يزول تبعا لزوال حقوق والتزامات المتعاقد الذي تعامل معه نتيجة فسخ العقد ويترتب على ذلك، أنه لا يجوز للغير أن يحتج على الدائن بما رتبه العقد من التزامات تعاقدية، من قبل فسخه، لأنه كما لا يجوز للغير وفقا للقواعد القانونية، إنكار ميلاد العقد لأول مرة، فإنه من جهة أخرى لا يجوز له إنكار انحلاله إذا ما تم وفقا لما يتطلبه القانون، بل يجب التسليم بهذا الانحلال وبالتالي يكون الفسخ حجة على الكافة.
وبناء على هذه القاعدة العامة التي يرتبها فسخ العقد، فإن الحقوق التي تكون على المبيع مثلا لصالح الغير سواء كانت حقوق ارتفاق، أو انتفاع، أو أي حق آخر تزول بعد فسخ العقد، بين المتعاقد الدائن والمدين، ومن ثم فإن العين المبيعة تعود خالية من كل الحقوق التي رتبها المدين عليها.
المطلـب الثانـي : استثناءات على زوال حقوق الغير
إذا كانت القاعدة العامة التي يرتبها فسخ العقد على النحو السابق هي زوال العقد بأثر رجعي، سواء في مواجهة المتعاقدين أو بالنسبة للغير، فإن لهذه القاعدة استثناءات، لأنه قد يكون من بين الغير من هو جدير بالحماية من أثر الفسخ، وخاصة عندما يكون من تعامل مع المتعاقد الذي فسخ العقد ضده حسن النية، ولا يعلم ما يتهدد العقد من أسباب الزوال، وبناء على ذلك فإن فسخ العقد بين المتعاقدين ليس دائما مؤثرا في حقوق الغير، بل هناك حالات لا يتأثر الغير فيها بالفسخ الذي يقع بين الدائن والمدين، ونذكر منها:
-الغير الذي يكسب حق عينيا على منقول بحسن نية :
فالشخص الذي يتلقى من شخص آخر منقولا معينا بمقتضى عقد صحيح، يكون بمنأى عن أثر الفسخ الذي يقع بين من تلقى منه هذا الحق على المنقول والمتعاقد معه.
غير أنه حتى ينجو الغير من أثر الفسخ كاستثناء من الأصل العام، يجب أن يكون فعلا حسن النية، حتى يمكن تطبيق القاعدة القانونية التي تقضي بأن الحيازة في المنقول سند الملكية، فهي قاعدة أساسية في هذا المجال واجبة لحماية الغير، ونظمها القانون المدني الجزائري في المادة 835 التي تنص «من حاز بسند صحيح منقولا أو حقا عينيا على المنقول، أو سندا لحامله فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته...».
لذلك فإن حسن النية بالنسبة للغير إلى جانب السند الصحيح كاف لحمايته من اثر الفسخ، بصرف النظر عن فسخ سند المتصرف، وحسن النية مفترض حتى يقوم الدليل العكسي، لأن الحيازة في حد ذاتها تعتبر قرينة على وجود السند الصحيح وتوافر حسن النية إلى أن يثبت العكس.
-الغير الذي تقرر له حق على عقار وشهره وفقا للقانون :
قضت المادتان 15، 16 من قانون إعداد مسح الأراضي وتأسيس السجل العقاري بأن الشهر يعتبر وسيلة للاحتجاج بكل ما يتعلق بالحق العيني من إنشاء أو نقل، أو تعديل، أو انقضاء، فيما بين المتعاقدين وبالنسبة للغير، وبناء على ذلك فإن الغير الذي تقرر له حق عيني على عقار وبحسن نية، وشهر هذا الحق وفقا لقواعد الشهر، لا يؤثر فسخ عقد سلفه على حقوقه، لأن الغير في مثل هذه الحالة يعتبر حسن النية بمجرد قيامه بالشهر.
غير أن هذه القرينة المتمثلة في الشهر والتي بموجبها تجب حماية الغير من أثر الفسخ، هي قرينة قانونية بسيطة قابلة لإثبات العكس، ومن ثم يمكن إثبات سوء نية الغير الذي قام بشهر حقه.
وعليه فإن الغير الذي يقوم بشهر حقه وهو يعلم أن العقد يتهدده الفسخ، أو قام بالشهر بعد تسجيل دعوى الفسخ أو التأشير بها على هامش العقد، لا ينجو من أثر الفسخ، لأن حسن النية يكون قد انتفى في جانبه، وبالتالي تنتفي الحكمة من حمايته المقررة قانونا له.
-الغير الذي ترتب لصالحه رهن رسمي:
يحدث في الحياة العملية أن يرتب المشتري على العقار الذي اشتراه رهنا تأمينيا، لدائن مرتهن حسن النية يعتقد أن الملكية خالصة للراهن وغير مهددة بالزوال، فإذا بالملكية تزول من سلفه، لأن العقد الذي يربط المتصرف بالبائع قد فسخ أو زال لأي سبب من أسباب الزوال
لذلك فقد جاء المشروع بحماية خاصة للدائن المرتهن حتى يكون بمأمن من أثر الفسخ الذي يحدث بين المتصرف والمتصرف إليه، وفي هذا الصدد، نصت المادة 885 من القانون المدني الجزائري على أنه «يبقى صحيحا لمصلحة الدائن المرتهن، الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته، أو فسخه أو إلغاؤه، أو زواله، لأي سبب آخر، إذا ثبت أن الدائن كان حسن النية وقت إبرام العقد.»
وبناء على هذا النص، لا يكون لفسخ العقد أثر على الرهن الذي تقرر لصالح الغير، بل يبقى الرهن قائما ولو زال العقد بأي سبب من أسباب الزوال، ومنها الفسخ، ما دام الدائن المرتهن كان حسن النية وقت إبرام عقد الرهن، وقيده قبل رفع دعوى الفسخ
كانت هذه بعض الاستثناءات التي تبقى بعيدة عن الأثر الذي يرتبه الفسخ، والعلة فيها هي أن استقرار المعاملات ومبدأ حسن النية لهما أهمية كبرى لا يمكن التضحية بها في سبيل مصلحة الدائن الذي فسخ العقد لصالحه.
غير أن هذه الاستثناءات مهما تعددت وتنوعت فإنها لا تطغى على الأصل العام الذي وجدت من أجله نظرية فسخ العقد وهو زوال الحقوق والالتزامات التي نشأت عنه، سواء بالنسبة إلى المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير، وذلك حتى يبقى لهذه النظرية قوتها القانونية.
وهكذا نجد أن للفسخ أثرا رجعيا كقاعدة عامة يشمل المتعاقدين والغير، ولكن يستثنى من هذه القاعدة العامة بعض الحالات، تبقى فيها حقوق الغير قائمة رغم انحلال الرابطة التعاقدية بين المتعاقدين.
الخاتمة لقد حاولنا قدر الإمكان من خلال عملنا هذا تسليط الضوء، على النظام القانوني للفسخ وإعطاء المفاهيم التي تخصه، فعرفنا أن الفسخ هو جزاء يترتب على امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ ما التزم به، وهو بهذا التعريف ليس حديثا وإنما هو ثمرة تطور طويل، إذ لم يكن نظاما مسلما به في القانون القديم، فكان العقد الملزم للجانبين ينشئ إلتزامات مستقلة بعضها عن بعض، لا تقابل بينها، فإذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه، لم يبق أمام المتعاقد الآخر إلا أن يطالب بالتنفيذ، إلا أن الوضع تغير تدريجيا، فأدرجته أغلب الدول في تشريعها، فأصبح يجوز لأي طرف لم ينفذ عقده أن يطلب الفسخ.
كما عرفنا أن الأساس القانوني الذي يقوم عليه الفسخ محل خلاف فقهي، وانتهينا إلى اعتناق الفكرة التي تبني أساس الفسخ على فكرة ارتباط الالتزامات في العقود الملزمة للجانبين كونها أحسن فكرة تبرره.
وعرفنا أن الفسخ في القانون المدني الجزائري أنواع، فالقاعدة العامة أن يكون الفسخ قضائيا عندما يكون عدم التنفيذ راجعا إلى المتعاقد واستثناء يكون فسخا اتفاقيا، أما إذا كان عدم التنفيذ راجعا إلى السبب الأجنبي فيكون الفسخ بحكم القانون.
ومن خلال دراستنا لأنواع الفسخ وصلنا إلى أن سلطة القاضي التقديرية تتسع إلى أبعد الحدود في مجال الفسخ القضائي، وتضيق في مجال الفسخ الاتفاقي، وتكاد تنعدم في مجال الفسخ بحكم القانون.
واستعرضنا في الفصل الأخير آثار الفسخ المترتبة على حل الرابطة التعاقدية واتضح لنا أن فسخ العقد يعني زواله بأثر رجعي كقاعدة عامة وإعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه من قبل، غير أن قاعدة الأثر الرجعي قد تصطدم بعقبات تحول دون تطبيقها، مما يجوز معه الحكم بالتعويض لصالح المتعاقد الذي لم يستطع استرداد ما قدمه. كما أن عقد المدة رغم أنه يستعصي بطبيعته على أثر الفسخ، إلا أنه لا يمكننا إخراج هذه الفئة من مجال تطبيق نظرية الفسخ في جميع أسسها وقواعدها وما ترتبه من آثار، مادام النص الذي يحكم آثار الفسخ واحد.
ونشير في هذا الصدد إلى بعض الملاحظات التي سجلناها عند دراسة هذا الموضوع منها:
أن الترتيب المنطقي للأنظمة يقتضي أن يسبق الدفع بعدم التنفيذ الفسخ في النصوص القانونية، فعادة ما ينتقل المتعاقد من موقف سلبي وهو الدفع بعدم التنفيذ إلى موقف هجومي أي المطالبة بالفسخ، فكان أفضل لو سبقت المادة 123 المتعلقة بالدفع بعدم التنفيذ النصوص التي تنظم الفسخ. كما أن وضع الفسخ تحت عنوان انحلال العقد لا يتفق مع مفهوم الفسخ لأن هناك أنظمة أخرى تؤدي إلى انحلال العقد، فحبذا لو كان العنوان هو الفسخ بدلا من الانحلال.
وفي الأخير نختم عملنا هذا بقول عماد الدين الأصفهاني : « إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه، إلا وقال في غده : لو غُيّر لكان أحسن ولو زيد لكان يستحسن ولو قُدّم لكان أفضل، ولو ترك لكان أجمل، وهذا أعظم العبر، وهو دليل على اسيلاء النقص على جملة البشر.».
قائمة المراجع أ- القوانين
- القانون المدني الجزائري الصادر بالأمر رقم 75/58 المؤرخ في : 26/09/1975.
- قانون إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري رقم : 75/74 المؤرخ في 12/11/1975.
ب-المؤلفات
- العربي بلحاج : النظرية العامة للالتزام في القانون الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، الجزائر 2004.
- محمد حسين منصور : شرط الاحتفاظ بالملكية في بيع المنقول المادي، منشأة المعارف، الاسكندرية، دون تاريخ.
- محمد صبري السعدي : شرح القانون المدني الجزائري –النظرية العامة للالتزامات- العقد والإرادة المنفردة، دار الهدى، الجزء الأول، 2004.
- سليمان مرقس : أصول الالتزامات –مصادر الالتزام- الجزء الأول- القاهرة 1960.
- عبد الحميد الشواربي : فسخ العقد، منشأة المعارف، الاسكندرية، دون تاريخ.
- عبد الكريم بلعيور : نظرية فسخ العقد في القانون المدني الجزائري المقارن، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986.
- عبد الرزاق دربال : الوجيز في النظرية العامة للالتزام، دار الهدى، 2003.
- عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام، مصادر الالتزام، المجلد الأول، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثالثة، بيروت، 2000.
- عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام، مصادر الالتزام، المجلد الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثالثة، بيروت، 2000.
- علي فيلالي : الالتزامات –النظرية العامة للعقد- موفم للنشر، الجزائر، 2001.
- علي علي سليمان : النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة السادسة، 2005.