بحث دعوي استرداد الحيازة
المبحث الأول ماهية دعوى استرداد الحيازة وطبيعتها القانونية
المطلب الأول تعريف دعوى استرداد الحيازة
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لدعوى استرداد الحيازة
المبحث الثاني : شروط دعوى استرداد الحيازة
المطلب الأول : الشروط العامة لدعوي استرداد الحيازة
المطلب الثاني : الشروط الخاصة لدعوي استرداد الحيازة
خاتمة
مقدمة
تعد الحيازة من أهم المواضيع التي تناولتها القوانين لما لها من آثار في كسب الملكية، ولذلك قرر لها المشرع حماية قانونية من مختلف صور التعدي التي تتعرض لها فتعمل على عرقة انتفاع الحائز من محل الحيازة، وذلك بإقرار حق الحائز باللجوء إلى القضاء بغرض الدفاع عن حيازته عن طريق استعماله لدعاوى الحيازة التي قررها المشرع للحائز، والمتمثلة في دعوى استرداد الحيازة، ودعوى منع التعرض، ودعوى وقف الأعمال الجديدة، هذه الدعاوى نضمها المشرع ضمن الفانون المدني وقانون الإجراءات المدنية والإدارية.
إن للاعتداء على الحيازة درجات متفاوتة، فقد يتعلق الأمر بسلب الحيازة عنوة وخلسة أو بالقوة وقد يكون أخف من ذلك ، فيأخذ درجة المنع فعلا عن ممارسة الحائز لحيازته، وقد يتعلق للاعتداء من جراء أعمال بدأت ولكنها لم تتم ، أي بمعنى لو تمت لأدت إلى التعرض للحائز في حيازته، وعلى هذا وضع المشرع الجزائري وسائل لحماية الحيازة منها ، دعوى استرداد الحيازة .
ويتمثل الهدف الأساسي لدعاوى الحيازة الثلاثة في حماية الحيازة أو وضع اليد المادي بغض النظر عن السبب الذي دعا إلى وضع اليد أي أن المشرع قد قرر الحماية للحائز أو واضع اليد دون النظر إلى كونه صاحب حق قانوني على العفار أو الحق العيني العقاري، ويرجع ذلك إلى اعتبار أن المشرع هدف بذلك إلى حماية الصالح العام (الأمن العام) للمجتمع بالدرجة الأولى، وإلى حماية الحائز في حد ذاته بالدرجة الثانية.
وعلى اعتبار أن دعوى استرداد الحيازة هي دعوى خولها القانون للحائز الذي له الحيازة المادية أو وضع اليد الهادئ، ونظرا لأن هذه الدعوى تخطف من حيث الحيازة المادية شروطها ومفهومها عن دعاوى الحيازة الأخرى (منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة)
فإن التساؤل المطروح هو فيما تتمثل هده الدعوى ومفهومها وما هي شروطها ؟
المبحث الأول : ماهية دعوى استرداد الحيازة وطبيعتها القانونية
نظم المشرع الجزائري أحكام دعوى استرداد الحيازة بين القانون المدني (المواد 817-818-819) وقانون الإجراءات المدنية والإدارية المواد (524-525). من حيث تعريفها وطبيعتها القانونية وكذا شروط قبول هذه الدعوى أمام القضاء، بالإضافة إلى الحكم الصادر فيها وحجيته.
المطلب الأول: تعريف دعوى استرداد الحيازة
تعد دعوى استرداد الحيازة من بين الدعاوى الثلاثة التي يحق لحائز العقار أو الحق العيني العقار استعمالها في حماية حيازته، إذا تم الاعتداء عليها بسلبها.
إن دعوى استرداد الحيازة هي الدعوى التي يرفعها كل حائز لعقار أو حق عيني عقاري والذي فقد حيازته طالبا فيها برد هذه الحيازة ضد الغير الذي قام بانتزاعها وسلبها منه بالقوة أو الغصب). ويظهر من هذا التعريف أن أساس هذه الدعوى هو حماية الأمن العام والنظام العام والسكينة العامة ، باعتبار على المغتصب أو المستولي بالعنف أولا وقبل كل شيء رد ما استولى عليه ولو كان هو الجدير بالحيازة أو هو المالك الحقيقي للعقار إذ لا يجوز للأفراد اقتضاء حقوقهم انسهم وإلا عمت الفوضى.
تعرف : بأنها الدعوى التي يرفعها الحائز للعقار أو للحق العيني العقاري ضد الغير من أجل استرداد الحيازة التي سلبها منه، كما تعرف بأنها دعوى ترمي إلى إعادة وضع يد الحائز الذي سلبت حيازته من العقار، وهناك من عرفها بقصدها وهدفها بقوله: "إن دعوى استرداد الحيازة يقصد منها حماية الحيازة ومنع الأفراد من اقتضاء الحقوق بأنفسهم دون البت في النزاع حول أساس الحق"، كما تعرف بأنها: هي الدعوى التي يلجا إليها الحائز الذي سلبت حيازته بفعل اعتداء ايجابي يهرمه من الانتفاع بها، ويكون من شأن ذلك الإخلال بالأمن العام.
وعلى ذلك فدعوى استرداد الحيازة يرفعها كل من كان قصده استرجاع الحيازة التي كانت بيده وتم سلبها عن طريق التعدي أو الإكراه، فإن لم يكن هناك تعد أو إكراه فلا محل لدعوى استرداد الحيازة، وهو ما تضمنته المادة 525 ق إم إ، بقولها "يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة لعقار أو حق عيني عقاري ممن اغتصبت منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه، وكان له وقت حصول التعدي أو الإكراه الحيازة المادية أو وضع اليد الهادئ العلني".
ومن هذا المنطلق يتبين أن دعوى استرداد الحيازة هي دعوى موضوعية تتخذ صورة دعوى الإلزام، حيث يدعي فيها المدعي الاعتداء على الحيازة، ويطلب الحكم بجزاء هذا الاعتداء، وهو جزاء عيني يتمثل في إعادة الشيء إلى أصله، وذلك بتسليم العقار أو الحق العيني العقاري إلى حائزها.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية لدعوى استرداد الحيازة
كانت دعوى استرد الحيازة محل سجال فقهي حول طبيعتها القانونية، هل هي من الدعاوى العينية أو الدعاوى الشخصية.
فقد اختلف الفقه في تحديد الطبيعة القانونية لدعوى استرداد الحيازة، هل هي من الدعاوى العينية أم أنها من دعاوى المسؤولية، وضعت من أجل درء عمل غير مشروع تمثل في انتزاع الحيازة من الحائز.
فالناظر إلى القانون والفقه والقضاء الفرنسي يجد أن دعوى استرداد الحيازة تكيف على أنها دعوى شخصية من دعاوى المسؤولية، وضعت كجزاء على عمل غير مشروع، هو انتزاع الحيازة، وليس دعوى عينية الغرض منها حماية الحيازة في ذاتها.
أما في القانون والفقه المصري فيرى أنها تتراوح بين أن تكون دعوى وضعت لعمل غير مشروع هو انتزاع الحيازة فهي إذا دعوى من دعاوى المسؤولية، ويظهر ذلك في استرداد حيازة الحائز العرضي وكذلك الحيازة القائمة على عمل من أعمال التسامح أو على ترخيص إداري لمجرد السيطرة المادية على العقار، ويعتبر هذا أقرب إلى أن يكون جزاء على عمل غير مشروع، وبين أن تكون دعوى وضعت لحماية الحيازة فهي دعوى عينيه .
ويظهر ذلك في حالة ما إذا كان سلب الحيازة بغير القوة فلا ترد، إلا إذا دامت سنة كاملة فهذا يعتبر حماية للحيازة المستقرة التي دامت مدة كافية، فالدعوى هنا أقرب إلى أن تكون دعوى من دعاوى الحيازة تحمي الحيازة المستقرة من أن تكون جزاء على المسؤولية ، ولا ترد الحيازة إذا انتزعت بغير قوة ولو لم تدم سنة وكانت له حيازة أحق بالتفضيل من حيازة المدعي، فهذا معناه أننا نفاضل بين حيازة وحيازة - نحمي الحيازة الأحق بالتفضيل، فالدعوى على هذا النحو أقرب إلى أن تكون دعوى من دعاوى
الحيازة تحمي الحيازة الأحق بالتفضيل من أن تكون جزاء على المسؤولة وهو ا
لأمر الذي اخذ به المشرع الجزائري، من خلال استقراء نصوص القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تقتضي أن تكرس الحماية للحيازة في حد ذاتها كما أنها تمارس على العقار محل الحماية، و ما يفسر ذلك، الهدف الذي استقر عليه المشرع الجزائري في انه يحمي الحائز في حيازته باستردادها 817 ق م و يحمي الحيازة إذا توفرت شروطها524 و 525 ق ام ا و المادة 818 فقرة 2 ق م ويحمي الحيازة الأحق بالتفضيل بذلك فدعوى استرداد الحيازة تكون أقرب إلى الدعاوى العينية لأتها تحمي الحائز في حيازته في حد ذاتها وكونها تنصب على العقار كما انه اقر بأنها دعوى مسؤولية ذلك أنها تكون للحائز العرضي الذي لا يحوز لحساب نفسه بل لحساب غيره المادة 2/817 ق م، و تكفي فيها السيطرة المادية 525 ق ا م ا .
- يرى بعض الفقه الفرنسي أن دعوى استرداد الحيازة هي دعوى شخصية لأن أساسها الفعل الضار و وضعت جزاءا على عمل غير مشروع هو انتزاع الحيازة بالقوة ، و القاضي يحكم بالتعويض العيني أي رد الحيازة إليه و لكن الفقه الراجح في فرنسا ومصر على غرار الفقه في الجزائري يرى بأنها دعوى عينية عقارية موضوعية لعدة أسباب :
- اعتبرها المشرع دعوى من دعاوي الحيازة، بحيث وردت في قانون الإجراءات المدنية والإدارية صراحة تحت عنوان دعاوي الحيازة .
- تسري عليها أحكام دعاوي الحيازة وأهمها أنها من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان العقار.
- سمح للحائز تتبع العقار في أي يد تحوزه لاستعادته منها.
المبحث الثاني: شروط دعوى استرداد الحيازة
المطلب الثاني : الشروط العامة لدعوي استرداد الحيازة
أ- الصفة :
الصفة هي الحق في المطالبة أمام القضاء، و تقوم على المصلحة المباشرة و الشخصية في التقاضي، كما قد يحدث أن يتدخل طرف أثناء سير الخصومة لم يرد ذكره في عريضة افتتاح الدعوى، سواء بإرادته لأجل تحقيق مصلحة لفائدة المتدخل أو بطلب من أحد أو كلا طرفي الخصومة.
و الدعوى ترفع من ذي صفة على ذي صفة، و على هذا الأساس يجب أن تتحقق الصفة لدى المدعي و المدعى عليه.
1-الصفة لدى المدعي :
ينبغي التمييز بين الصفة في الدعوى و الصفة في التقاضي، فقد يستحيل على صاحب الصفة في الدعوى مباشرتها شخصيا بسبب عذر مشروع، في هذه الحالة يسمح القانون لشخص آخر بتمثيله في الإجراءات كأن يحضر المحامي نيابة عن المدعي أو يحضر شخص آخر بموجب وكالة خاصة .
في هذه الحالة يقع على القاضي التأكد ابتداء من صحة التمثيل ثم يبحث لاحقا في مدى توفر عنصر الصفة لدى صاحب الحق، فقد يصح التمثيل مع فساد الصفة في الدعوى و العكس صحيح، من أمثلة ذلك ، أن يحضر الأب بصورة عفوية و من دون وكالة ، جلسة المحاكمة بدلا عن إبنه الراشد الذي رفع دعوى قضائية يطالب فيها إستعادة شقة يملكها بسند، محتلة من الغير دون وجه حق، ظنا من الأب بأن الملكية واحدة ، الصفة في الدعوى هنا صحيحة لكن التمثيل فاسد، عكس ذلك ، أن يكون الأب حاملا لوكالة صحيحة غير أن الابن المدعي ليس له أي سند يثبت ملكيته، التمثيل هنا صحيح ، إنما ترفض الدعوى لانعدام الصفة لدى الابن، و صحة التمثيل ليست من شروط قبول الدعوى ، بل هي من شروط صحة إجراءات الخصومة
2-الصفة لدى المدعى عليه :
من المبادئ أن الدعوى لا تصح إلا إذا رفعت من ذي صفة على ذي صفة ، فكما يشترط توفر عنصر الصفة لدى المدعي و إلا رفضت دعواه، يشترط كذلك قيام عنصر الصفة لدى المدعى عليه و إن تعددوا، إذ يشترط في صحة الدعوى أن ترفع ضد:
1- من يكون معنيا بالخصومة ، كدعوى العامل ضد رب العمل أو الزوجة ضد زوجها أو مؤجر ضد مستأجر نظرا لاستقلالية الذمم المالية و عدم جواز تحميل الغير أعباء عن تصرفات ليس لهم علاقة بها.
2- ممن يجوز مقاضاتهم فلا تقبل دعوى ضد فاقد الأهلية لتعلق ذلك بحق الدفاع أو ضد مؤسسة لا تملك الشخصية المعنوية أو ضد موظف أجنبي يتمتع بالحصانة الدبلوماسية.
ب - المصلحة :
يقصد بالمصلحة ، المنفعة التي يحققها صاحب المطالبة القضائية وقت اللجوء إلى القضاء ،هذه المنفعة تشكل الدافع وراء رفع الدعوى و الهدف من تحريكها ، فلا دعوى من دون مصلحة تنزيها للقضاء عن الإنشغال بدعاوى لا فائدة عملية منها.
والمصلحة الواجب توفرها لكي تكون الدعوى مقبولة يجب أن تكون مصلحة قانونية قائمة وحالة أو محتملة.
ومعنى أن تكون مصلحة قائمة وحالة، أي يجب أن يكون قد تم الاعتداء فعلا على حق رافع الدعوى، وأن يكون غيره قد نازعه فعلا في حقه، وهذا يعني عدم قبول الدعوى في حالة الضرر المحتمل الوقوع، إلا أنه وخروجا عن هذا الأصل أجاز القانون المصلحة المحتملة و هي التي يكون الهدف من ورائها منع وقوع ضرر محتمل كحالة الخشية من تصرف المطلوب الحجر عليه في ماله إضرارا بالورثة نتيجة إصابته بالجنون أو العته أو السفه، فمصلحة ذوي الحقوق هنا إحتمالية إلا أن رجحان كفة الإضرار بهم تمنحهم الحق في قيد دعوى الحجر.
و القول بعدم جواز إثارة غياب المصلحة من القاضي تلقائيا ، لا يعني قبول أي مصلحة حتى و إن كانت غير مشروعة ، فالقانون لا يحمي المصلحة المخالفة للنظام العام و الآداب العامة كالمطالبة بدين ناتج عن قمار أو المطالبة بدفع الفوائد الربوية المتفق عليها أو غير المتفق عليها أو تثبيت نسب فاسد .
الإذن :
هو الترخيض أو الإجراء المسبق المشترط قانونا لرفع الدعاوى مثل التفويض ،التظلم، ...الخ.
و الملاحظ أن شرط الإذن القانوني ما هو إلا امتداد لشرط المصلحة، بحيث أن مصلحة الخصم رافع الدعوى تكمن في محاولة حل النزاع بطريق ودي قبل اللجوء للقضاء ، فعدم وجود محضر عدم الصلح ضمن ملف الدعوى ينطوي على وجود فرصة لفض النزاع المطروح على القضاء بطريق ودي إن الهدف الذي سطره المشرع من خلال سن هذا الشرط هو التقليل من النزاعات المطروحة على القضاء .
ج- الأهلية :
و يقصد بأهلية التقاضي ، أهلية الأداء لدى الشخص الطبيعي كما هو مبين في المادة 40 من القانون المدني ، أما بالنسبة للأشخاص الاعتبارية فيتمتعون بأهلية التقاضي عملا بالمادة 50 من نفس القانون، و قد أصاب المشرع حينما استبعد الأهلية من دائرة شروط قبول الدعوى لأسباب عدة نذكر منها أن الأهلية وضع غير مستقر قد يتوفر وقت قيد الدعوى و قد تغيب أو تنقطع أثناء سير الخصومة. و مع ذلك وجب الإشارة أن الأهلية في الواقع لا تعد شرطا لقبول الدعوى بقدر ما هي شرط لصحة ممارسة الخصومة .
المطلب الثاني : الشروط الخاصة لدعوي استرداد الحيازة
بالرجوع إلى أحكام المواد من 817 إلى 819 ق.م. ج و المواد 524 و 525 ق إ م. إ ج، يستشف من خلالها أن المشرع خفف ويسر شروط قبول دعوى استرداد الحيازة، لذلك كان الغرض من هذه الدعوى ليس حماية الحيازة القانونية فحسب، وإنما الاعتداء غير المشروع المخل بالأمن والنظام العام وتتمثل هذه الشروط فيما يلي :
الفرع الأول : ثبوت الحيازة القانونية أو المادية للمدعي
يجب أن يكون المدعي في دعوى استرداد الحيازة حائزا للعقار حيازة مادية صحيحة وثابتة له وقت الاعتداء، وعلى هذا فإن المشرع لم يشترط في هذه الدعوى أن تكون الحيازة قانونية يتوافر فيها العنصر المادي والعنصر المعنوي، بل اكتفى بالحيازة المادية التي تكون فيها يد الحائز متصلة بالعقار اتصالا فعليا وقت حدوث الغصب دون توفر العنصر المعنوي ، ومثال ذلك حيازة المودع لديه، والمرتهن رهنا حيازيا ، والحارس والمستأجر والمستعير أ. ويجوز أيضا أن يسترد الحيازة من كان حائزا بالنيابة من غيره أي بمعنى يستوي أن يكون الحائز هنا حائزا حقيقيا يحوز لحساب نفسه"، أم حائزا عرضيا لأن دعوى استرداد الحيازة تقوم أساسا على رد الاعتداء غير المشروع دون النظر إلى صفة واضع اليد.
الفرع الثاني : وقوع سلب للحيازة: ( وجود تعدي أو إكراه (
يقصد بوقوع سلب الحيازة اغتصاب العين وهو المصطلح الذي استعمله المشرع في المادة 525 ق ا م إ التي أجازت رفع دعوى استرداد الحيازة «...من أغتصب منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه...» ، ويعني ذلك أن يؤدي الاعتداء على الحيازة إلى فقدان حيازة المدعي وحرمانه الكامل أو الجزئي من الانتفاع بها، ويتم ذلك بغير إرادة الحائز ، و لا يشترط أن يقع السلب بالقوة أو بالإكراه وإن كان هو الغالب ، وقد يتم السلب عن طريق استعمال طرق احتيالية ، أو أساليب الغش والتدليس وغيرها ، كما لو حدث ذلك خفية (كونه عمل إيجابي ).
وقد يكون سلب الحيازة عن طريق مشروع نتيجة لتنفيذ حكم قضائي تم رغم إرادته، ولم يكن طرفا فيه كانت دعواه لاسترداد الحيازة مقبولة ، وبمفهوم المخالفة إذا كان طرفا في الحكم القضائي امتنع عليه رفع دعوى الاسترداد، ذلك أن الأحكام لا حجية لها إلا على الخصوم ولا يضار بها من لم يكن طرفا فيه، بالإضافة أن يكون التعدي مستمرا لاعتبار أن التعدي المتقطع يستوي رفع دعوى منع التعرض.
الفرع الثالث : عدم اشتراط مرور سنة على الحيازة
وقف مضمون نص المادة 818 ق.م. ج والمادة 524 ق إ م إ ج يشترط لقبول دعوى الحيازة أن يكون رافعها قد حاز العقار لمدة سنة دون انقطاع على الأقل قبل سلب الحيازة ، إلا ان المشرع خرج عن هذه القاعدة العامة ، وسمح للحائز برفع دعوى استرداد الحيازة ولو لم يكن قد مضى على حيازته سنة كاملة ، أي حتى ولو تتم يوم واحدا فقط وذلك في حالتين:
الحالة الاولي : إذا وقع سلب الحيازة بالقوة والإكراه يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة ولو لم تكن قد استمرت سنة كاملة، والحكمة من ذلك هي رغبة المشرع في رد القوة على أعقابها نظرا لما في استخدامها من خطر على النظام و الأمن العام .
الحالة الثانية : إذا كانت حيازة المعتدي عليه أحق بالتفضيل من حيازة المعتدي وذلك وفق ما يلي:
إذا كانت حيازة المعتدي عليه ( المدعى) تستند إلى سند قانوني بينما حيازة المعتدي (المغتصب) لا تستند على أي سند قانوني مثلا كان حائز للحق بمقتضى عقد لا يعتبر المعتدي طرفا فيه.
الحيازة الأسبق في التاريخ إذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادل سنداتهما.
ومثال تعادل السندات كأن يستد الحائز إلى عقد بيع صادر له من شخص معين، ويستند المدعى عليه أيضا إلى عقد بيع صادر له من شخص آخر.
الفرع الرابع : رفع الدعوى في خلال سنة من تاريخ سلب الحيازة( الميعاد)
ترفع دعوى استرداد الحيازة في ميعاد سنة يبدأ حسابه كأصل عام من تاريخ فقد الحيازة وهذا الشرط مذكور صراحة في المادة 819 فقرة1 و 817 ق.م. ج والمادة 524 فقرة 2 ق إ م إ ويستثني من هذه القاعدة ما يلي :
حالة فقدان الحيازة خفية حيث يبدأ الميعاد من وقت انكشاف ذلك 817 فقرة 1 ق م ج ، ويضيف الفقه حالة أخرى هي حالة كون نية الغصب غامضة، فهنا لا يبدأ الميعاد إلا من الوقت الذي ينجلي عنها الغموض ، مثال ذلك أن يسمح شخص لآخر بحيازة عقار تسامحا منه، ولكن هذا الأخير كان ينوي اغتصابه فهنا لا يبدا ميعاد السنة إلا من يوم وضوح هذه النية.
وعليه إذا رفعت خارج الميعاد المحدد قانونا يقضي بعدم قبولها لأن فوات الأجل يؤدي إلى انقضاء الحق فيها، ويترتب على اعتبار مدة سنة مدة سقوط وليست مدة التقادم ، فيرد عليها أحكام الوقت والانقطاع ، وإذا ما رغب الخصوم في توفير أكبر قدر من الاستقرار في المراكز القانونية جاز لهم رفع دعوى استرداد الحيازة أمام القاضي الاستعجالي لإن ذلك مرهون بتوافر شرطين هما الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق.
إذا ما توافرت الشروط الموضوعية والإجرائية المقررة قانونا يحكم القاضي لمصلحة مدعي الحيازة بإلزام المدعي عليه برد الحيازة للمدعي، ويكون هذا الحكم قابل للتنفيذ الجبري متى صار نهائيا أو كان مشمول بالنفاذ المعجل والتعويض إن كان له محل إلا أن الأحكام الصادرة في دعاوى الحيازة لا تحوز قوة الشيء المقتضي فيه، وتكون سببه فيما قضى به ويظهر ذلك في:
- لا حجية للحكم الصادر في دعوى استرداد الحيازة بالنسبة لدعاوى الحيازة الأخرى إلا في المسألة التي فصل فيها، وذلك بسبب اختلاف شروط الحكم في هذه الدعوى، إذ يمكن رفع دعوى منع التعرض إذا استمرت الحيازة مدة سنة .
- ليس للحكم الصادر في دعوى استرداد الحيازة أية حجية بالنسبة لدعوى الملكية ( الحق) لاختلاف محل كل منهما.
خاتمة
تعد دعوى استرداد الحيازة من الدعاوى التي كرسها المشرع لصالح الحائز الذي تم الاعتداء على حيازته على العقار أو الحق العيني العقاري، وهذا في حال ما إذا كان هذا الاعتداء قد تم بواسطة سلب حيازة الحائز، حيث يكون هذا الشرط هو العنصر الذي به يمكن التفرقة بين دعوى استرداد الحيازة ودعاوى الحيازة الأخرى، إضافة إلى الشروط الأخرى التي يتوجب توفرها في هذه الدعوى. وقد تطرقت من خلال هذه الورقة البحثية إلى مفهوم دعوى استرداد الحيازة، وشروطها، سواء تلك المتعلقة بالحيازة في حد ذاتها أو المتعلقة بشروط الدعوى، وبينا أن دعوى استرداد الحيازة تختلف عن الدعاوى الأخرى من حيث إن الحيازة يجب أن تكون في يد الحائز، وأن يكون الاعتداء قد سلب الحيازة بالكامل حتى يمكن للحائز المدعي رفع دعوى استرداد الحيازة.
المراحع
- سائح سنقوقة، قانون الاجراءات المدنية والادارية الجديد، دار الهدى، الجزائر، د ط،2010 .
- بربارة عبد الرحمان، شرح قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، منشورات بغدادي، الجزائر ، ط 22009 .
- بناسي شوقي، الإجراءات المدنية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، د ط، 2011 .
- بوبشير محند أمقران، الإجراءات المدنية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، ط 04، 2008.
- عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء09 ، المجلد الثاني، ط 3 (أسباب كسب الملكية)، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان، 2011،
- رمضان جمال كمال، الحماية القانونية للحيازة، ط2، المركز القومي للإصدارات القانونية، مصر ، 2005.