شرح شروط قبول دعوى التنفيذ العيني المبحث الأول الشروط الشكلية لدعوى التنفيذ العيني
المطلب الأول شرط استيفاء القيد المقرر قانونا
المطلب الثاني : احترام ميعاد رفع دعوى التنفيذ العيني
المطلب الثالث : الطلب القضائي المتعلق بدعوى التنفيذ العيني المبحث الثاني :الشروط الموضوعية لدعوى التنفيذ العيني
المطلب الأول : الشروط المتعلقة بالمدين
المطلب الثاني : الشروط المتعلقة بالحق الموضوعي
خاتمة
مقدمة :
إن القاضي المرفوعة أمامه الدعوى القضائية الرامية إلى إجبار المدين على تنفيذ التزاماته العقدية عينا، بعدما أن يتأكد من مدى اختصاصه الاقليمي والنوعي، فإنه يقوم بعد ذلك بدراسة ملف الدعوى القضائية المعروضة أمامه من ناحية توفر الشروط الشكلية لهذه الدعوى في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية يتطرق إلى دراسة موضوع الدعوى والشروط الموضوعية الواجب توفرها فيها، والتي تتعلق أساسا بالحق الموضوعي الناتج عن العلاقة التعاقدية . انطلاقا من ذلك، فإن دعوى التنفيذ العيني وعلى غرار كل الدعاوى القضائية تشترط من جهة أولى شروط شكلية لقبولها من طرف القاضي المختص ، وتشترط من جهة ثانية لقبول تأسيسها من الناحية الموضوعية عدة شروط موضوعية تختلف باختلاف محل الحق الموضوعي المطالب به من طرف الدائن.
المبحث الأول :الشروط الشكلية لدعوى التنفيذ العيني
إن الشروط الشكلية التي يتأكد منها القاضي الفاصل في دعوى التنفيذ العيني قبل دراسته موضوع الدعوى، تتمحور حول مدى استيفاء بعض القيود التي فرضها القانون على الأطراف قبل رفع الدعوى، وكذلك من خلال ضرورة احترام المواعيد القانونية الإجرائية المتعلقة بتحريك إجراءات هذه الدعوى ، زيادة إلى الزامية رفع الدعوى وفقا للأشكال والإجراءات المنصوص عليها قانونا. المطلب الأول : شرط استيفاء القيد المقرر قانونا :
يشترط المشرع في بعض الحالات قبل تحريك دعوى التنفيذ العيني ضرورة استيفاء بعض القيود الشكلية تحت طائلة رفضها شكلا، وهذه القيود تتمثل فيما يلي. : الفرع الأولالإعذار أو التنبيه :
يجب على الدائن قبل إجبار المدين على تنفيذ التزامه عينا أن يقوم بإعذاره بذلك، أو القيام بتوجيه له تنبيه معين وفقا لما هو مقرر قانونا. أ- ضرورة إعذار المدين بالتنفيذ العيني :
يقصد بالإعذار في مجال تنفيذ الالتزامات العقدية، قيام الدائن بإشعار المدين بضرورة تنفيذ التزامه متى حل أجل الوفاء أو التنفيذ، وهذا حتى لا يفهم المدين بأن الدائن يتسامح في التأخير في تنفيذ الالتزام، ولقد اشترطت المادة 164 من ق م ضرورة قيام الدائن بإعذار المدين طبقا للمادتين 180و181 من القانون نفسه، وهي المادتين التي وردتا تحت عنوان "التنفيذ بطريق التعويض، وحدد فيها المشرع إجراءات الإعذار، وآثاره القانونية. 1- إجراءات الإعذار :
تنص المادة 018 من ق م على أنه: «يكون إعذار المدين بإنذاره، أو بما يقوم مقام الإنذار، ويجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في هذا القانون، كما يجوز أن يكون مترتبا على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذرا بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أي إجراء آخر.
يتضح من خلال المادة أعلاه، أن المشرع لم يحدد إجراءات معينة أو شكل معين لقيام الدائن بإعذار المدين بتنفيذ التزاماته، فقد يكون على شكل إنذار كتابي يتضمن طلب الدائن تنفيذ الالتزام يتم عن طريق المحضر القضائي، وهي الطريقة الأكثر شيوعا في الحياة العملية ، وقد يكون الإنذار عن طريق رسالة بريدية موجهة للمدين، مع الإشارة إلى أنه قد يتم الاتفاق المسبق بين الطرفين على أن يكون المدين معذرا بمجرد حلول أجل الدين بدون القيام بأي إجراء آخر. ولقد اشترطت المحكمة العليا قيام الدائن بإجراءات الإعذار قبل المطالبة بالتنفيذ العيني عن طريق القضاء، فمثلا جاء في قرار صادر عنها في 1994، ضرورة قيام الدائن بإعذار خصمه فإن قضاة المجلس كانوا على صواب عندما عند إخلاله بشروط العقد وجاء في القرار….» : اعتبروا العقد الملزم للجانبين، ما زال قائما بينهما، لأن إعذار المدين الذي لم يف بالتزاماته ضروري وليس اختياري، لجواز المطالبة بتنفيذ العقد أو فسخه، ومتى كان كذلك استوجب رفض الطعن «.
وإذا كان المشرع نص كقاعدة عامة على ضرورة قيام الدائن بإعذار مدينه بالتنفيذ العيني، إلا أنه خرج عن هذه القاعدة ووضع لها بعض الاستثناءات في المادة 181 من ق م والتي نصت على ما يلى: « لا ضرورة لإعذار المدين في الحالات الآتية:
إذا تعذر تنفيذ الالتزام أو أصبح غير مجد بفعل المدين.
إذا كان محل الالتزام تعويضا ترتب عن عمل مضر.
إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق، أو شيء تسلمه دون حق وهو عالم بذلك.
إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه«
إن المشرع في الحالات المذكورة حصرا في المادة 181 المذكورة أعلاه، أعفى الدائن من القيام بإجراءات الإعذار، ولكن يجب على الدائن إثبات حالة من الحالات المذكورة أمام القضاء إذا تمسك في الدعوى، فمثلا إذا صرح المدين كتابة بأنه لا ينوي تنفيذ الالتزام، أو أن الالتزام أصبح غير ممكن التنفيذ بفعل المدين، فإن الدائن عليه إثبات هذه الحالات، وعليه فلا حاجة للأعذار المدين إذا أصبح تنفيذ الالتزام بتسليم الشيء المبيع مستحيلا بفعل البائع، وذلك في حالة قيام هذا الأخير بالالتزام بتسليم عقار خاليا من كل شاغل له، في حين أنه كان مشغولا من طرفه أو من طرف شخص له حق الإقامة فيه، أو قيام البائع بالتصرف في العقار المبيع لمشتري ثان، فيستحيل على المدين تنفيذ التزامه بالتسليم أو نقل الملكية فى هذه الحالات، ومن ثمة لا ضرورة من إعذاره للقيام بتنفيذ.
كما أنه توجد بعض الحالات الخاصة التي لا يشترط فيها الإعذار وذلك نظرا لطبيعة الالتزام، مثل ما هو منصوص عليه في المادة 62 من ق ت، المتعلقة بالتزام الناقل بسلامة المسافرين، فإذا أخل الناقل بالتزامه بالسلامة فإن المسافر يحق له المطالبة بالتعويض دون القيام بإعذار المدين بذلك، وكما أن بعض الالتزامات السلبية التي يكون محلها الامتناع عن عمل، فإن طبيعتها لا تشترط على الدائن القيام بالإعذار (5)، شأنها في ذلك شأن الالتزامات التي تنفذ بقوة القانون مثل الالتزام بنقل الملكية العقارية حسب المادة 165 من ق م. 2- الآثار المترتبة عن الإعذار:
يترتب على قيام الدائن بإعذار مدينه عدة نتائج قانونية، سواء من الناحية الإجرائية أو من الناحية الموضوعية.
فمن الناحية الإجرائية يعتبر الإعذار قيد قانوني على رفع دعوى التنفيذ العيني، إذ أن المشرع عندما اشترطه قبل اللجوء إلى إجبار المدين على تنفذ التزامه عينا طبقا للمادة 164 من ق م، كان يسعى إلى الوصول إلى تحقيق اتفاق بين الطرفين لحل النزاع وديا قبل اللجوء إلى القضاء، وذلك لأن المدين عند إعذاره قد يقوم بتنفيذ التزامه اختياريا، دون استعمال الدائن لحقه في إجباره عن طريق القضاء، عليه فإن القاضي عندما ترفع إليه الدعوى بدون استيفاء شرط الإعذار، فإنه يرفض الدعوى ويقضي بعدم قبولها لانتفاء المصلحة على أساس أنه لو قام الخصم باستيفاء القيد، فإنه قد يحصل على حقه الموضوعي.
أما من الناحية الموضوعية فإن القاضي يقدر التعويض ابتداء من تاريخ إعذار المدين، وبالتالي فإن المدين يتحمل المسؤولية عن تأخره في تنفيذ الالتزام من تاريخ الإعذار، حيث أكدت المحكمة العليا في قرار صادر في سنة 2005 أن الطاعن يصبح سيء النية من تاريخ الإعذار الذي يوجه له من قبل الدائن.
وكما أن تبعية الهلاك تتحدد من تاريخ الإعذار، فمثلا فى عقد البيع حسب المادة 369 من ق م تكون تبعية الهلاك على البائع قبل التسليم ولو كان ذلك لا يد للبائع فيه، ولكن إذا قام البائع بإعذار المشتري لكي يقوم بتسلم البضاعة أو المبيع وتعنت دون مبرر للقيام بذلك، ثم هلك المبيع هلاكا كليا، فإن تبعية الهلاك في هذه الحالة تقع على المشترىوالمادة 369 المذكورة أعلاه، تعتبر كتطبيق للمادة 168 فقرة 1 من ق م التي تنص:« إذا كان المدين الملزم بالقيام بعمل يقتضي تسليم شيء ولم يسلمه بعد الإعذار، فإن الأخطار تكون على حسابه ولو كانت قبل الإعذار على حساب الدائن» ب - ضرورة توجيه تنبيه للمدين :
لقد اشترط المشرع في بعض الحالات قيام المدعي بتوجيه تنبيه للمدعى عليه المدين قبل رفع الدعوى القضائية، فمثلا في عقد ايجار المحل التجاري حسب المادة 192 فقرة 2 من ق ت ،إذا أراد المؤجر رفع الأجرة عليه توجيه تنبيه برفع الأجرة بعقد غير قضائي أو برسالة موصى عليها مع اشعار الوصول، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التنبيه، فحينئذ يحق للمؤجر أن يرفع دعوى أمام الجهة القضائية من أجل المطالبة برفع بدل الاجار وقد اشترط المشرع كذلك قيام المؤجر بتوجيه تنبه بالإخلاء لمستأجر المحل التجاري، وفي هذا الصدد تنص المادة 173 فقرة 01 من ق ت على أنه : « لا ينتهي إيجار المحلات الخاصة بهذه الأحكام إلا بأثر تنبه بالإخلاء حسبما جرت عليه العادات المحلية وفي مدة ستة أشهر قبل الأجل على الأقل».
وفي حالة عدم توجيه تنبيه بالإخلاء، فحسب المادة 173 فقرة 02 من ق ت، فإن الإيجار يتواصل بالتمديد الضمني الى ما بعد الأجل المحدد في العقد. وانطلاقا من كل ذلك، فإن التنبيه من أجل رفع الأجرة أو من أجل إخلاء المحل التجاري، يعتبر قيد على رفع الدعوى في مثل هذه العقود يجب استيفائه قبل اللجوء إلى القضاء تحت طائلة عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة الفرع الثاني : المصالحة كقيد في منازعات عقود العمل :
إن منازعات عقود العمل لاسيما تلك المتعلقة بمرحلة التنفيذ، يشترط قبل لجوء الدائن (العامل ( أمام القضاء أن يتم عرض نزاعه مع المدين (صاحب العمل) أمام مفتشية العمل المختصة للقيام بعملية المصالحة تحت طائلة عدم قبول الدعوى شكلا ، وفي هذا الصدد تنص المادة 19 من القانون رقم 90-04، على ما يلي: « يجب أن يكون كل خلاف فردي خاص بالعمل موضوع محاولة للصلح أمام مكتب المصالحة قبل مباشرة أي دعوى قضائية. ويعتبر إجراء المصالحة المنصوص عليها في الفقرة السابقة اختياريا عندما يقيم المدعى عليه خارج التراب الوطني أو حالة الإفلاس أو تسوية قضائية من قبل صاحب العمل.
» يتضح مما سبق أن المشرع قيد حق الدائن المدعي في رفع الدعوى مباشرة أمام القضاء إلا بعد عرض النزاع على مفتشية العمل والتي تقوم بمحاولة الصلح بين الطرفين بعد إخطارها بالنزاع طبقا للمادة 26 من القانون رقم 04-90 ويحرر مكتب المصالحة محضر إما بالمصالحة بين الطرفين، وفي حالة عدم الحصول على الاتفاق يتم تحرير محضر عدم المصالحة.
ولقد أكدت المحكمة العليا على وجوب عرض النزاع مسبقا على مكتب المصالحة قبل رفع الدعوى القضائية وهذا فى العديد من قراراتها، بحيث صدر قرار عن المحكمة العليا فى سنة 2013 ، أكدت فيه وجوب عرض النزاع على مفتشية العمل المختصة. الفرع الثالث :التظلم الإداري المسبق كقيد لقبول الدعوى :
إن شرط التظلم الإداري في المنازعات الإدارية لاسيما منها المتعلقة بالمنازعات الخاصة بتنفيذ العقد الإداري، من القيود الشكلية التي يشترطها المشرع قبل رفع بعض الدعاوى الإدارية، يهدف إلى تسوية المنازعات بطريقة ودية بين المتعاقد والإدارة، إذ يتقدم صاحب الشأن بطلب إلى الإدارة لإعادة النظر في قرار إداري يرى أنه مخالفا للقانون قبل عرض النزاع على القضاء.
لقد جعل المشرع من خلال المادة 083 من ق إ م إ التظلم الإداري جوازي في المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية المرفوعة أمام المحكمة الإدارية، إذ يتم تقديم هذا التظلم أمام الإدارة خلال أجل 04 أشهر من تاريخ التبليغ الشخصي للقرار الإداري الفردي أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي "، وتطبق هذه الأحكام أمام مجلس الدولة عندما يفصل في النزاع كقاضي أول وآخر درجة، بحيث أن المادة 907 من ق إم إ أحالت إلى أحكام المواد من 829 إلى 832 من نفس القانون.
ولكن إذا كان المشرع قد جعل التظلم الإداري المسبق أمر جوازي، فإن هناك حالات منصوص عليها في بعض النصوص القانونية الخاصة جعل فيها المشرع التظلم الإداري ذو طبيعة إلزامية، ومن بين هذه المنازعات تلك المتعلقة بتنفيذ الصفقات العمومية، إذ أنه بالرجوع إلى المادة 153 من ق ص ع لسنة 2015، نجدها تجعل التظلم الإداري الزامي في مثل هذه المنازعات، حيث جاء في هذه المادة ما يلي :
« …يجب على المصلحة المتعاقد، دون المساس بتطبيق أحكام الفقرة أعلاه، أن تبحث عن حل ودي للنزاعات التي تطرأ عند تنفيذ صفقات كلما سمح هذا الحل...»
يتضح لنا إذن أن منازعات تنفيذ الصفقات العمومية، يشترط المشرع قبل رفع النزاع أمام الجهة القضائية المختصة، أن يتم تقديم تظلم أمام المصلحة المتعاقدة أو السلطة المختصة، ففي حالة حدوث اتفاق بين المتعاقد والمصلحة المتعاقدة، يتم تحرير محضر و مقرر اتفاق يوقعه الوزير أو الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي وفقا لقواعد اختصاص المقرر في قانون الصفقات العمومية مع الطرف المتعاقد يثبت وقوع صلح بين الطرفين، وفي الحالة العكسية يتم تحرير محضر عدم الاتفاق.
ولقد جعل المشرع التظلم الإداري في مادة الصفقات العمومية الزامي يترتب عن عدم استيفائه قبل رفع الدعوى عدم قبولها شكلا، وهذا بالرغم من أنه يرى البعض أن المسألة غامضة وأن موقف المشرع ليس واضحا في هذا الشأن استنادا الى 083 من ق إ م إ التي جعلت مسألة التظلم اختيارية، ولكن حسب رأينا فإن المشرع استعمل في نص المادة 153 من ق ص ع، عبارة "يجب" وهي عبارة صريحة تعبر على أن نص هذه المادة من القواعد الآمرة التي لا يجب مخالفتها حتى وإن كان المشرع لم يرتب جزاء إجرائي صريح عن مخالفة هذه المادة، مع الإشارة إلى أن مجلس الدولة قد صدر عنه قرار في سنة 2005، أي قبل صدور قانون الصفقات العمومية لسنة 2015 ، أكد فيه أنه: «حيث أن هذه الأحكام تم تعديلها بموجب المرسوم الرئاسي رقم 02-250 المؤرخ في 2002/07/24، ويمكن للمتعاقد قبل رفعه الدعوى القضائية، تقديم طعن أمام اللجنة الوطنية للصفقات العمومية طبقا لأحكام المادة الجديدة 102، ولكنه مجرد اختيار وليس إلزاما.....» الفرع الرابع : اشتراط التحكيم كقيد لرفع الدعوى:
ان القبول باللجوء إلى التحكيم من أجل الفصل في النزاع من المنازعات، يؤدي إلى استبعاد اختصاص القاضي الوطني ، ومن ثم إذا تم رفع دعوى أمام الجهة القضائية في نزاع يتعلق بعقد من العقود تم الاشتراط في بند من بنوده أو في اتفاق مستقل، على فض النزاعات الناتجة عنه عن طريق التحكيم، فإنه حسب المادة 1045 من ق إم إ يكون القاضي غير مختص للفصل فيه، وجاء في هذه المادة ما يلى:« يكون القاضي غير مختص بالفصل في موضوع النزاع، إذا كانت الخصومة التحكيمية قائمة، أو إذا تبين له وجود اتفاقية تحكيم على أن تثار من أحد الأطراف ».
يتبين لنا من خلال المادة أعلاه، أن المشرع لم يمنح للجهة القضائية سلطة إثارة عدم اختصاصها من تلقاء نفسها، بل منح هذا الحق لأطراف النزاع الذين يدفعون بعدم اختصاص القاضي قبل الكلام في الموضوع، لكون أن هذا الدفع ليس من النظام العام.
وبقي فقط أن نشير إلى أن المشرع من خلال المادة 4501 المذكورة أعلاه، لم يحدد طبيعة الدفع الذي يتم تقديمه أمام القاضي، إن كان دفع بعدم الاختصاص أو دفع بعدم القبول، وفي هذا الشأن يرى البعض أنه يجب على القاضي أن يرجع إلى اتفاقية التحكيم لدراستها وتسليط الرقابة عليها، فإذا وجد أن هذه الاتفاقية باطلة فإنه يقوم بالفصل في النزاع، أما إذا وجد أن الاتفاقية صحيحة فعليه التصريح بعدم الاختصاص، مع مراعاة ما إذا كانت خصومة التحكيم قائمة من عدمها. ولكن حسب رأينا، فإن اشتراط الأطراف في عقدهم الأصلي أو في عقد مستقل عرض المنازعات التي تثور بشأن العقد المبرم فيما بينهم أمام جهة تحكيمية، يعتبر قيد من القيود في استعمال حق اللجوء إلى القضاء عن طريق الدعوى القضائية، وهذا ناتج من القوة الملزمة للعقد المعبر عنها بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين المنصوص عليه في المادة 106 من ق م، فبنود العقد تعتبر نصوص قانونية تحكم العلاقة التعاقدية بين الطرفين إلا إذا قرر القانون خلاف ذلك، زيادة إلى أنه حتى في حالة بطلان العقد أو فسخه، فإنه تبقى له بعض الآثار العرضية، نجد من بينها سريان البنود التي تحدد الجهة التحكيمية أو القضائية المختصة بفض النزاع المعينة من الأطراف. المطلب الثاني : احترام ميعاد رفع دعوى التنفيذ العيني :
الآجال والمواعيد تلعب دورا أساسيا في دعوى التنفيذ العيني، وتختلف هذه المواعيد في حالة رفع الدعوى أمام الجهات القضائية العادية، عن مواعيد رفع الدعوى أمام الجهات القضائية الإدارية. الفرع الاول : الميعاد أمام الجهات القضائية العادية :
الأصل العام في ميعاد رفع دعوى التنفيذ العيني، هو البحث عن الميعاد الخاص المنصوص عليه في القانون المنظم للحق الموضوعي المطالب به أمام القضاء، وفي حالة عدم وجود الميعاد الخاص يتم الرجوع إلى القواعد العامة لتقادم الحقوق والالتزامات. أ- تأثير القواعد الخاصة للتقادم المسقط على دعوى التنفيذ العيني :
إن موضوع التنفيذ العيني للالتزامات من المواضيع المتعددة المصادر القانونية المطبقة عليه، يخضع لعدة نصوص قانونية خاصة وردت سواء في لذلك فان ميعاد تقادم الالتزامات العقدية القانون المدني أو في قانون الإجراءات المدنية والإدارية أو في بعض النصوص القانونية الخاصة المبعثرة والتي لا يمكن حصرها، لذا سنتطرق على سبيل المثال إلى ميعاد رفع دعوى التنفيذ العيني للالتزامات الناتجة عن بعض العقود المسماة، وبعض العقود التي تثير منازعات قضائية في الحياة العملية.
يعتبر عقد العمل من أهم العقود التي تثير منازعات في الحياة العملية بين العامل وصاحب العمل، لذلك تكفل المشرع بوضع ميعاد لرفع الدعاوى المتعلقة بتنفيذ الالتزامات الناتجة عنه، فقد حدد ميعاد رفع الدعوى أمام القسم الاجتماعي بستة أشهر من تاريخ تسليم محضر عدم الصلح، فنصت المادة 504 من ق إم إ على أنه: « يجب رفع الدعوى أمام القسم الاجتماعي في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تسليم محضر عدم الصلح، وذلك تحت طائلة سقوط الحق في رفع الدعوى»
وكما أن عقد البيع نص على بعض المواعيد للمطالبة بتنفيذ الالتزامات الناتجة عنه، فجعل ضمان العيوب الخفية دعوى لمدة تقادم قصيرة حددها المشرع بسنة واحدة حسب المادة 383 من ق م: « تسقط بالتقادم دعوى الضمان بعد انقضاء سنة من يوم تسليم المبيع، حتى ولو لم يكتشف المشتري العيب إلا بعد انقضاء هذا الأجل، ما لم يلتزم البائع بالضمان لمدة أطول.
غير أنه لا يجوز للبائع أن يتمسك بسنة التقادم، متى تبين أنه أخفى العيب غشا منه ».
أما إذا كان الالتزام الواجب تنفيذه من المدين ناتج عن عقد بيع عقار مسه الغبن الفاحش، فإن الدائن ملزم برفع دعوى تكملة الثمن خلال مدة 03 سنوات وفي هذا الصدد تنص المادة 359 فقرة 01 من ق م على أنه: « تسقط بالتقادم دعوى تكملة الثمن بسبب الغبن، إذا نقضت ثلاث سنوات من يوم انعقاد العقد »
كما نص المشرع على تقادم طويل الأمد للالتزامات الناتجة عن عقد التنازل عن حقوق المؤلف المادية في حالة حدوث الغبن، فنصت المادة 66 من الأمر رقم 03-05 على أن للمؤلف أو ورثته أن يباشروا دعوى قضائية خلال ميعاد 15 سنة من تاريخ التنازل، وذلك إذا لحق بالمؤلف غبن في ثمن التنازل عن الحقوق المادية للمؤلف.
وفيما يخص الالتزامات الناتجة عن عقود التأمين، فإن الدائن ملزم برفع الدعوى للمطالبة بتنفيذ الالتزام بالضمان الذي يقع على شركة التأمين مثلا خلال مدة 03 سنوات من يوم حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعوى .
وبالرجوع كذلك إلى القانون التجاري نجد المشرع وضع بعض النصوص الخاصة المتعلقة بتقادم حقوق الدائن في بعض العقود التجارية، فمثلا نجد أن المادة 61 من ق ت، نصت على ميعاد تقادم كل الدعاوى الناشئة عن عقد نقل الأشياء أو عن عقد العمولة لنقل الأشياء، بسنة واحدة تسري من تاريخ تسليم الشيء إلى المرسل إليه أو عرضه عليه، أما إذا كان العقد يتعلق بنقل الأشخاص أو عقد العمولة لنقل الأشخاص فإنه حسب المادة 74 من القانون نفسه، فإن كل الدعاوى الناشئة عن بمضي ثلاثة سنوات من تاريخ الحادث الذي تولدت عنه هذه الدعاوى.
هذين العقدين تسقط والنتيجة الأساسية المستخلصة فيما يخص الميعاد الخاص بتقادم بعض الالتزامات العقدية، هي أن القاضي عندما يرفع النزاع أمامه يجب عليه البحث عن القواعد القانونية الموضوعية والإجرائية التي تنظم موضوع النزاع المعروض عليه وتطبيقه عليه، فإذا وجد أن المشرع نص على ميعاد خاص لرفع الدعوى، يجب عليه الأخذ به لمعرفة ما إذا كان الحق الذي يطالب به الدائن لم يسقط بالتقادم أم لا، أما إذا لم يكن هناك نص خاص ينظم ميعاد المطالبة بالحق الموضوعي الذي وقع عليه الاعتداء، فإن القاضي ملزم بالرجوع إلى القواعد العامة لتقادم الالتزام . ب - تأثير القواعد العامة للتقادم المسقط على دعوى التنفيذ العيني :
المقصود بهذه القواعد تلك المنصوص عليها في القانون المدني في القسم الثالث من الفصل الكتاب الثاني، والتي حددت مدة زمنية لسقوط وانقضاء الالتزام الثالث من الباب الخامس من بمرور الوقت مع عدم قيام الدائن بالمطالبة بتنفيذه أو عدم قيام المدين بالوفاء به، وهذه القواعد مبنية على أساس مبدا استقرار المعاملات، فالحق الذي يسكت عنه صاحبه لمدة طويلة قرينة على أنه استوفى حقه أو تنازل عنه أو أنه شخص مهمل فتكون رعاية حق المدين أولى بالحماية، يمس جميع الالتزامات والحقوق سواء كانت شخصية أو عينية، عكس التقادم والتقادم المسقط المكسب الذي يمس فقط الحقوق العينية لكونه يقترن دائما بالحيازة، لذا سنميز بين القاعدة العامة للتقادم والاستثناء وفقا لما يلي : 1- القاعدة العامة: التقادم الطويل المدة :
تعتبر دعوى التنفيذ العيني من الدعاوى القضائية المسماة، والأصل العام فيها أن تحريك إجراءاتها أمام القضاء يتم في الآجال والمواعيد المنصوص عليها في القواعد العامة للتقادم، وذلك خلال مدة خمسة عشر سنة، وهو ما يسمى بالتقادم الطويل للالتزامات ، وفي هذا الصدد تنص المادة 308 من ق م على أنه: « يتقادم الالتزام بانقضاء خمسة عشر سنة، فيما عدا الحالات التي ورد نص خاص في القانون وفيما عدا الاستثناءات الآتية...»، والشيء الملاحظ هو أن هذه المدة طويلة مقارنة بما هو منصوص عليه في القانون المدني الفرنسي الذي جعل مدة التقادم المسقط بخمس 5 سنوات في الدعاوى الشخصية والمنقولة، وهذا بعدما كانت هذه المدة تقدر 30 سنة، أما الدعاوى العينية العقارية تتقادم بمدة 30 سنة.
إن القاضي الفاصل في دعوى التنفيذ العيني، لا يرجع إلى القاعدة العامة المذكورة أعلاه إلا في تخضع له جميع حالة ما إذا لم ينص المشرع على ميعاد خاص بتقادم الالتزام، وهذا الميعاد الالتزامات العقدية سواء كانت مدنية أو تجارية أو إدارية إلا ما استثني بنص خاص. 2- الاستثناء: التقادم قصير المدة :
لقد جعل المشرع بعض الحقوق والالتزامات تخضع لمواعيد تقادم قصيرة، وميز في ذلك بين التقادم الخماسي وبين التقادم الحولي.
- ميعاد التقادم الخماسي :
خروجا عن قاعدة التقادم الطويل، جعل المشرع الحقوق الدورية المتجددة التي يكون محلها مبلغ من النقود مثل أجرة المباني والديون المتأخرة، والمرتبات وأجور العمال والمعاشات لمدة تقادم خماسي، فنصت المادة 309 من ق م على أنه: «يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو افر به المدين، كأجرة المباني والديون المتأخرة والمرتبات والأجور والمعاشات»
وبذلك فإن الالتزامات والحقوق الدورية المتجددة المستحقة في مواعيد متتالية بصفة متجددة غير متقطعة ، فهي تخضع للتقادم الخماسي مثل ميعاد أول الشهر أو آخر الشهر لدفع الأجرة في عقد العمل، فإذا رفض المدين القيام بتنفيذها فإن الدائن يحق له رفع دعوى للمطالبة بهذه الحقوق في ميعاد 05 سنوات من إخلال المدين بالوفاء، أما إذا كان الدين المستحق عبارة عن ريع في ذمة الحائز سيء النية او ريع واجب أداؤه على متصرف المال الشائع، فانه يتقادم بمدة 15 سنة.
- التقادم الحولي :
إن المشرع قد اخضع بعض الحقوق والالتزامات إلى ميعاد تقادم حولي، وذلك إما أنها تتقادم بحولين (سنتين) أو بحول واحد (سنة واحدة). فإذا كانت الالتزامات ناتجة عن بعض العقود التي يبرمها أصحاب المهن الحرة مثل الأطباء والمحامين، فإنه حسب المادة 310 من ق م: « تتقادم بسنتين، حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين، بشرط أن تكون هذه الحقوق واجبة لهم جزاء لما أدوه من عمل مهنتهم وعما تكبدوه من مصاريف »
، ويجب التنويه إلى أن التعداد الذي ورد في المادة السالفة الذكر فيما يخص المهن الحرة، هو تعداد على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال ، وإذا تم تحرير سند بالحقوق المذكورة أعلاه، فإنها لا تتقادم إلا بمرور 15 سنة عملا بأحكام المادة 313 من ق م.
لقد نص المشرع كذلك على مدة تقادم بمرور حول كامل (سنة واحدة) وذلك في بعض الحقوق والالتزامات التي حددها على سبيل الحصر، فنصت المادة 312 من ق م على أنه: « تتقادم بسنة واحدة... حقوق التجار، والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتاجرون فيها، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجرة الإقامة، وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم، والمبالغ المستحقة للعمال والأجراء الآخرون مقابل عملهم »
وتعود الحكمة من جعل مدة تقادم الحقوق المذكورة أعلاه، بسنة واحدة إلى أن العادة تفرض على أن الوفاء بمثل تلك الالتزامات يكون بدون تأخر وقد اشترط المشرع على من يتمسك بهذا التقادم الحولي، أن يحلف اليمين على أنه أدى وأوفى بالدين فعلا، فإذا نكل من وجهت اليمين إليه فلا ينقضي الدين إلا بمرور التقادم الطويل المدي. الفرع الثاني : الميعاد أمام الجهات الإدارية :
يشترط لقبول دعوى التنفيذ العيني الإدارية، أن ترفع خلال الميعاد المحدد سواء في القواعد المتعلقة بتقادم الالتزام أو في قانون الإجراءات المدنية والإدارية. أ- تطبيق مواعيد التقادم أمام القضاء الإداري :
إن دعوى التنفيذ العيني في مجال العقد الإداري، من أهم دعاوى القضاء الكامل التي يعود اختصاص الفصل فيها إلى القضاء الإداري حسب المادة 801 فقرة 02 من ق إم إ، وهذا إلى جانب المنازعات الأخرى المتعلقة بالعقد الإداري مثل الدعاوى المتعلقة بتكوين العقد وصحته، فالقاضي الإداري في مثل هذه المنازعات يفصل في حقوق والتزامات الأطراف، ولا يقتصر دوره على إلغاء القرار الإداري أو فحص مدى مشروعيته.
على عكس دعوى الإلغاء، فإن دعوى التنفيذ العيني ليست مقيدة بميعاد معين إلا من خلال آجال ومواعيد التقادم المتعلقة بالالتزام والتي سبقت الإشارة إليها، وهي المواعيد المنصوص عليها في القانون المدني، أي بمعنى أن الالتزام المراد تنفيذه يبقى متاحا للدائن المدعى طالما أن حقه الموضوعي لم يمسه التقادم المسقط.
زيادة إلى القواعد العامة للتقادم المسقط، فإن المشرع أورد بعض القواعد الخاصة تتقادم فيها بعض الديون العمومية، والتي تكون البلدية طرفا فيها لاسيما تلك التي تنتج عن العقود الإدارية البلدية، وفي هذا الصدد تنص المادة 201 من قانون البلدية الصادر في سنة 2011، على أنه:
« تتقادم الديون التي لم يؤمر بصرفها وتصفيتها ودفعها في أجل أربع سنوات من افتتاح السنة المالية المتعلقة بها، وتعود بصفة نهائية لصالح البلديات باستثناء الحالات التي يكون فيها التأخير بفعل الإدارة أو بسبب وجود طعن أمام جهة قضائية». وتطبيقا لذلك، نجد مجلس الدولة كرس في قراره الصادر في سنة 2004 في ظل قانون البلدية لسنة 1990 مبدأ هو: « يتعين على دائن إحدى الأشخاص العمومية المطالبة بالدين في أجل أربع سنوات وإلا سقط دينه بالتقادم ». وكما كرست الغرفة الإدارية للمحكمة العليا سابقا مبدأ فيما يخص دعاوى القضاء الكامل دعوى التعويض- أن هذه الدعاوى غير مقيدة بأجل محدد ما دامت الدعوى لم تتقادم . ب - تطبيق مواعيد دعوى الإلغاء على دعوى التنفيذ العيني :
إن الأصل العام هو عدم اختصاص قاضي الإلغاء بنظر منازعات تنفيذ العقود الإدارية لكونها منازعات تدخل في اختصاص القضاء الكامل، وهذا لأن العقد الإداري ليس قرار إداري بل تصرف قانوني ثنائي بين الإدارة والطرف المتعاقد معها)، ولكن استثناء فإن قاضي الإلغاء قد يكون مختص بمنازعات العقود الإدارية في بعض الحالات الخاصة مثل القرارات الإدارية المتعلقة بتنفيذ العقد، كقرار الفسخ الانفرادي للعقد أو قرار رفض دفع المستحقات المالية أو التسبيق المالي، و بعض القرارات التي تتعلق بعقود الامتياز أو الصفقات العمومية والتي تشترط تقديم تظلم مسبق على النحو الذي سبقت إليه الإشارة، أو صدور قرارات إدارية منفصلة عن العقد الإداري باعتبار أن الإدارة صاحبة السلطة العامة.
لذلك فإنه في حالة القرار الإداري الصريح المتعلق بتنفيذ العقد الإداري أو القرار الإداري الضمني، مثل حالة الرد على التظلم الإداري المتعلق بتنفيذ الصفقة العمومية أو حالة الرفض الضمني للتظلم، فإن المتعاقد مع الإدارة يكون أمام دعوى إلغاء ودعوى تنفيذ الالتزام العقدي مثل حالة رفع دعوى من أجل إلغاء القرار الإداري المتضمن فسخ العقد الإداري بموجب مداولة المجلس الشعبي البلدي، فالدائن يمكن له رفع دعوى لإلغاء قرار الفسخ مع الزام الإدارة بتنفيذ الصفقة العمومية أو دفع له مستحقاته المالية.
وانطلاقا من ذلك فإن دعوى تنفيذ الالتزامات العقدية، إذا كانت مرتبطة بإلغاء قرار إداري يتعلق بتنفيذ العقد الإداري، فإن الدعوى القضائية في هذه الحالة سواء كانت مرفوعة أمام المحكمة الإدارية أو أمام مجلس الدولة وفقا لقواعد الاختصاص السابق ذكرها، فإنها ترفع في ميعاد أربعة أشهر تسري من تاريخ التبليغ الشخصي بنسخة من القرار الإداري الفردي أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي، أما في حالة تقديم التظلم أمام الإدارة كما هو الحال فيما يخص الصفقات العمومية، فإن ميعاد الطعن هو شهرين يسري من انتهاء مدة شهرين الممنوحة للإدارة للرد على التظلم، أو من تاريخ تبليغ الإدارة لقرار رفض التظلم ، وتطبق نفس هذه المواعيد أمام مجلس الدولة عندما يكون يفصل كقاض أول وآخر درجة حسب المادة 907 من ق إ م إ التي تحيل إلى المواد من 829 إلى 832 من نفس القانون فيما يخص الآجال.
وتجدر الإشارة الى أن مواعيد التقادم المنصوص عليها في القانون المدني، تعتبر مواعيد ليست من النظام العام وهي مقررة لمصلحة المدين ولا يجوز للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه، وهى مواعيد تؤدي إلى انقضاء الالتزام المدني وتحوله إلى التزام طبيعي بعد فوات مواعيد التقادم المشار إليها سابقا.
أما فيما يخص المواعيد الإجرائية التي نص عليها المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية السابق ذكرها، فإنها مواعيد تؤدي إلى سقوط الحق في الدعوى ومن ثم سقوط الحق الموضوعي إذ أنها مواعيد من النظام العام، يؤدي عدم احترامها ورفع الدعوى خارج تلك المواعيد إلى عدم قبول الدعوى لورودها خارج المواعيد القانونية. المطلب الثالث : الطلب القضائي المتعلق بدعوى التنفيذ العيني :
إن حق الدائن في تحريك إجراءات دعوى التنفيذ العيني يتم عن طريق الطلب القضائي، وذلك إما بصفة أصلية أو عرضية أو عن طريق الدفوع""، لذلك فإن البحث في مسألة الطلب القضائي يتطلب التطرق إلى شكله وكذا صاحب الحق فيه. الفرع الأول : شكليات الطلب القضائي :
يعتبر إعذار المدين أو تنبيهه من أجل تنفيذ التزامه كما سبقت الإشارة، بمثابة مطالبة الدائن له بوجوب تنفيذ التزامه بطريقة اختيارية، فإذا لم يستجيب للإعذار فإن الدائن يجبره قضائيا على القيام بذلك عن طريق تحريك الدعوى القضائية، والتي تتم عن طريق تقديم عريضة افتتاحية أمام الجهة القضائية تتضمن طلب تنفيذ الالتزام العقدي عينا.
والطلب القضائي يمكن تعريفه على أنه الإجراء الذي يعرض به الشخص ادعائه أمام القضاء ، طالبا الحكم له به على خصمه لذا فإن التنفيذ العيني يجب أن يطالب به الدائن ولا يحكم به القاضي من تلقاء نفسه، فإذا تحققت شروطه وطالب به الدائن فليس للمدين أن يمتنع عن ذلك أو أن يعرض التنفيذ عن طريق التعويض، ولكن يمكن للدائن أن يعدل عن طلب التنفيذ العيني إلى المطالبة بالتعويض ولكن قبل أن يصدر الحكم في الطلب القضائي المتضمن التنفيذ العيني، وهذا يعود إلى أن الحق في دعوى التنفيذ العيني من الحقوق الإرادية، فالدائن حر في استعمال حقه من عدمه، ولكن إذا استعمل حقه في الدعوى، فإن هذا الاستعمال يجب أن يكون وفقا للشكليات المقررة قانونا والمتعلقة بالطلب القضائي الذي يقدم على شكل عريضة افتتاحية للدعوى.
لا يشترط المشرع شكلا معينا أو طريقة معينة لإبداء الطلب القضائي وتقديمه أمام الجهة القضائية المختصة، بل يتم ذلك وفقا للإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى القضائية المنصوص عليها في المواد 14 إلى 17 من ق إم إ، إذا كانت الدعوى مرفوعة أمام الجهات القضائية العادية، والمواد من 815 و828 من القانون نفسه إذا كانت الدعوى مرفوع أمام الجهات القضائية الإدارية، إذ يجب أن يكون الطلب على شكل عريضة افتتاحية للدعوى تحدد النطاق الشخصي والموضوعي للدعوى، تسهل على القاضي عملية تحديد موضوع الدعوى وسببها وأطراف الخصومة. الفرع الثاني : صاحب الحق في طلب التنفيذ العيني :
ان صاحب الحق الذي تحميه دعوى التنفيذ العيني يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط الشكلية، وفى هذا الصدد تنص المادة 13 من ق إم إ على أنه : « لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة، ومصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون. يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة في المدعي أو في المدعى عليه. كما يثير الإذن إذا ما اشترطه القانون ».
وعليه فإن الدائن المدعي في دعوى التنفيذ العيني يشترط أن تتوفر فيه الصفة والمصلحة في الدعوى، وأن يكون متمتعا بالأهلية اللازمة التي تسمح له مباشرتها، وكما أن الطرف الثاني للدعوى وهو المدعى عليه المدين تشترط فيه نفس الشروط، لذلك سنميز في هذه النقطة بين الدائن المدعي وبين المدين المدعى عليه. أ- الدائن طالب التنفيذ :
إن تعبير أو مصطلح المتعاقدين ينصرف بالإضافة إلى المتعاقدين نفسهما إلى خلفهما العام والخاص ودائنيهما العاديين أو الممتازين ، بحيث لا تظهر الأفضلية المقررة للدائن العادي أو للدائن الممتاز إلا في مرحلة التنفيذ الجبري عند توزيع حصيلة البيع الجبري .
الدائن في دعوى التنفيذ العيني هو الطرف الإيجابي الذي يجري التنفيذ لصالحه على مال أو حق معين تجاه مدينه، وهو يسمى إما المدعي الدائن أو طالب التنفيذ أو الحاجز، وقد يكون هذا الشخص هو الدائن الأصلي أو من يمثله قانونا أو اتفاقا مثل النائب أو الوكيل أو الخلف العام، وفي هذا الصدد تنص المادة 108 من ق م على أنه: « ينصرف العقد إلى المتعاقدين والخلف العام، ما لم يتبين من طبيعة التعامل، أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام كل ذلك مع مراعاة القواعد المتعلقة بالميراث ».
إن شرط الصفة في الدعوى قد لا يكون مرتبطا فقط بالدائن، بل كذلك يكون متعلقا بخلفه العام والذي يقصد به الوارث كأصل عام، وكما قد يقصد به الموصي له بجزء معين كالربع أو الثلث، فأثار العقد أو الالتزام تنصرف أيضا إلى هذا الخلف، إذ يمكن له مباشرة إجراءات دعوى التنفيذ العيني ضد مدين سلفها"، وبالتالي تتوفر الصفة فى الدائن وخلفه العام، إلا إذا وجد انفاق مسبق بين المتعاقدين على اقتصار آثار العقد عليهما فقط، أو أن طبيعة الالتزام لا تسمح بذلك لوجود عنصر الاعتبار الشخصي في تنفيذ الالتزام، أو أن القانون ينص على عدم انتقال أثر العقد الى الخلف العام، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 586 من ق م على أن عقد الوكالة ينقضي بوفاة الموكل أو بموت الوكيل، وكذا ما نصت عليه المادة 439 من القانون نفسه على أن عقد الشركة ينقضي بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو بإعساره أو إفلاسه.
كما أنه قد تتوفر الصفة في الخلف الخاص، والذي يقصد به كل من يخلف الشخص في شيء خلف خاص للبائع، وكل من يتلقى عن السلف حقا عينيا، كالمنتفع الذي معين كالمشتري الذي يعتبر يتلقى من مالك الرقبة حق الانتفاع، أو حقا شخصيا كالمحال في حوالة الحق الذي يتلقى من المحيل الحق المحول إليه وفي هذا الصدد تنص المادة 109 من ق م على أنه: « إذا أنشأ العقد التزامات، وحقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء، إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه ».
أما دائن الدائن وكذلك الغير، فانه كأصل عام لا يتمتعون بالصفة في رفع دعوى التنفيذ العيني، إلا إذا كان نص قانوني يسمح بذلك أو اتفاق الطرفين ، مثل حالة التعهد عن الغير أو الاشتراط لمصلحة الغير طبقا للمادتين 114 و 113 من ق م.
انطلاقا من كل ذلك يتبين أن الصفة في طالب التنفيذ، تثبت كأصل عام للدائن المتعاقد واستثناء تثبت لغير الدائن مثل الخلف العام و الخاص ، وكذلك للوكيل أو النائب أو الممثل القانوني أو لدائن الدائن.
زيادة إلى شرط الصفة، فإن دعوى التنفيذ العيني تشترط كذلك شرط المصلحة في المدعي الدائن كما سبق تحديده أعلاه، والمصلحة في الدعوى يقصد بها المنفعة أو الفائدة التى تعود على مقدم الطلب أو المتمسك بالدفع، قد تكون مصلحة مادية أو معنوية أو قد تكون موضوعية أو إجرائية، أو تكون عامة أو شخصية، حالة أو محتملة .
أما دعوى التنفيذي العيني، فإن الدائن المعتدى على حقه في التنفيذ والذي يتجسد فى إخلال المدين بتنفيذ الالتزام، تتحقق له المصلحة في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقه الموضوعي، فمثلا الدائن بالتزام طبيعي ليس له مصلحة بمطالبة مدينه بتنفيذه عن طريق القضاء، وكما أنه لا يمكن المطالبة بتنفيذ التزام قد انقضى بالتقادم أو بالاستحالة المطلقة، فالدائن مثلا لا يمكنه مطالبة ورثة المدين بتنفيذ التزام مورثهم الذي يدخل فيه الاعتبار الشخصي.
إن طلب الدائن الذي تتضمنه عريضة افتتاح الدعوى، يجب أن يكون صادرا من شخص يتمتع بالأهلية الإجرائية للتقاضي، على أساس أن المطالبة القضائية بالتنفيذ العيني هي إجراء الغرض منه هو جلب مصلحة وبالتالي فقد استقر الفقه، على أن مثل هذا التصرف يعتبر من التصرفات
النافعة نفعا محضا للدائن، ويكفي لمباشرة الدعوى توافر أهلية التقاضي والتي يقصد بها ما يتمتع به الشخص من القدرة العقلية على الدفاع عن حقوقه ومركزه القانوني أمام القضاء، والأهلية الإجرائية أو أهلية التقاضي ما هي إلا صورة من صور أهلية الأداء، اضافة إلى أهلية الاختصام التي تثبت لجميع الأشخاص بمجرد تحقق وجوده القانوني وهي الأهلية التي يعبر عنها بأهلية الوجوب.
وأهلية التقاضي هي 19 سنة طبقا للمادة 40 من ق م، وهي شرط لصحة إجراءات الدعوى وليست شرط لقبولها، بحيث يترتب عن تخلفها بطلان الإجراءات طبقا للمادة 64 من ق إم إ، وبالتالي إذا كان الشخص ناقص الأهلية أو منعدم الأهلية، فإن رفع الدعوى يتم عن طريق نائبه القانوني أو الاتفاقي مثل الولي أو القيم أو الوصي، وإذا حدث وأن تغيرت أهلية أحد الخصوم أو وفاة أحدهم أثناء سريان خصومة التنفيذ العيني، فإنه حسب المادة 210 من ق إم إ، فإن الخصومة تنقطع ويقوم القاضي بدعوة من له الصفة ليقوم باستئناف الإجراءات والحلول محل المدعي الذي تغيرت أهليته (نقص أو فقدان الأهلية) أو الشخص المتوفى . ب- المدين المنفذ عليه :
يعتبر المدين الطرف السلبي في خصومة التنفيذ العيني، وهو الطرف الذي يجرى التنفيذ في مواجهته، وكأصل عام فإن المدعى عليه في دعوى التنفيذ العيني هو المدين بالالتزام العقدي أي الطرف الثاني للعلاقة التعاقدية، ولكن استثناء توجد بعض الحالات التى يمكن التنفيذ فيها على غير المدين، كما هو الحال فيما يخص الكفيل العيني وكذا التنفيذ على العقار المرهون، طبقا لما نصت عليه المادتين 911 و644 ق م.
إن الشروط السابقة التي تم ذكرها فيما يخص الدائن المتعاقد، هي شروط تطبق كذلك على المدين المتعاقد المدعى عليه فى الدعوى، وذلك سواء فيما يخص شرط الصفة والمصلحة وكذا أهلية التقاضي، لذا نستبعد إعادة دراسة هذه الشروط في هذا المقام تفاديا للتكرار. ولكن قد يطرح شرط الصفة اشكالية فقط في حالة الالتزامات التي يلعب فيها الاعتبار الشخصي دورا أساسيا في مرحلة التنفيذ، خاصة عندما يكون محل الالتزام هو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل في العقود العادية أو في العقود الإدارية، وبالتالي فإن المنفذ ضده في مثل هذه الحالات دائما يكون المدين المتعاقد لكون أن شخصيته محل اعتبار، فمثلا لا يمكن مطالبة ورثة فنان أو رسام المتعلقة بالغناء في حفلة معينة أو القيام برسم لوحة معينة، فهنا معين بتنفيذ التزامات مورثهم الالتزام ينقضي لاستحالة تنفيذه شخصيا، ويبقى فقط للدائن الحق في مطالبة الورثة بالتعويض وعليه فانه إذا كانت شخصية المدين محل اعتبار في تنفيذ الالتزام، فإن الصفة في الدعوى تثبت فقط للمدين دون غيره، وهذا عكس حالة الدائن أين تثبت الصفة له ولغيرها.
المبحث الثاني :الشروط الموضوعية لدعوى التنفيذ العيني :
إن الجهة القضائية المختصة بدعوى الدائن الرامية إلى إجبار المدين على التنفيذ العيني، بعد قبولها للدعوى من الناحية الشكلية، وتأكدها من توافر جميع الشروط الشكلية اللازمة لذلك، فإنها تقوم في مرحلة ثانية قبل إصدارها للحكم القضائي، بدراسة موضوع الدعوى من حيث شروطها الموضوعية، وهذه الأخيرة تتعلق أساسا، إما بالمدين بالالتزام الذي يعتبر الطرف الثاني في العلاقة التعاقدية، أو بالحق الموضوعي محل دعوى التنفيذ العيني . المطلب الأول : الشروط المتعلقة بالمدين :
لقد سبق القول أن المدين أو من يحل محله هو الطرف السلبي في خصومة التنفيذ العيني، لذا فإن المشرع أورد العديد من الشروط الموضوعية والتي لها علاقة بالمدين، سواء كانت هذه الشروط مقررة لمصلحته، أو بتطلبها السلوك السلبى له حتى يتم إجباره قضائيا على التنفيذ العيني، ويمكن إجمال هذه الشروط فيما يلي. الفرع الأول : أن يكون إخلال المدين بالتنفيذ إخلال غير مشروع :
على الدائن أن يعذر مدينه بالتنفيذ العيني لالتزامه، إذ أن الإعذار أو ما يقوم مقامه يجعل المدين يتخذ موقفين، إما أن يقوم بتنفيذ التزامه وإما أن يخل بذلك، ولا يجوز للدائن أن يطالب مدينه قضائيا إلا إذا صدر سلوك سلبي من هذا الأخير، وذلك عن طريق امتناعه أو تأخره عن التنفيذ بعد إعذاره، والامتناع غير المشروع للمدين عن التنفيذ يعتبر شرط أساسي لتحريك دعوى التنفيذ العيني، وهو يستخلص من النصوص القانونية المتعلقة بالتنفيذ العيني للالتزامات العقدية.
والسلوك السلبى الذي يتجسد في الامتناع عن تنفيذ الالتزام من طرف المدين، يتم إثباته عن طريق المحضر القضائي أو بأية وسيلة أخرى حسب المادة 625 من ق إم إ، فمن الناحية العملية فإن الدائن يكلف مدينه بالتنفيذ عن طريق المحضر القضائي والذي يحرر في حالة رفض المدين تنفيذ التزامه محضر امتناع عن التنفيذ، يثبت فيه واقعة الامتناع، وفي هذه الحالة يلجأ الدائن إلى تحريك دعوى التنفيذ العيني من أجل إجبار المدين قضائيا على التنفيذ العيني والحصول على حكم قضائي بهذا الالتزام على أساس المادة 164 و174 من ق م.
ان امتناع المدين عن التنفيذ يجب أن يكون غير مشروع، أي ألا يكون له مبرر قانوني وبالتالي فإن الامتناع عن التنفيذ قد يكون له ما يبرره ومن ثم يكون مشروعا من الناحية القانونية، إذ توجد بعض الحالات التي يسمح فيها المشرع للمدين بالامتناع عن التنفيذ ويكون ذلك مشروعا، ويحق بمقتضاه للمدين الامتناع عن التنفيذ إذا لم يقم الدائن بتنفيذ ما ترتب في ذمته من التزامات، فيمكن له الدفع بعدم التنفيذ أو الدفع بممارسة الحق في الحبس، أو أن الامتناع يعود إلى استحالة التنفيذ الراجع الى سبب أجنبي، وكل هذه الحالات سندرسها لاحقا.
تدخل مسألة تقدير مشروعية الامتناع في اختصاص القاضي الفاصل في دعوى التنفيذ العيني، لما له من سلطة تقديرية واسعة في فحص ودراسة شرط الامتناع، وفي هذا الصدد أكدت المحكمة العليا في قرار صادر عنها في سنة 2005 في القضية التي جمعت ديون الترقية العقارية وشخص اخر مؤجر لمسكن ملك للديوان ما يلي : « حيث أن ما يعيبه الطاعن على القرار مردود عليه على أساس وجود مستأجر آخر، لا يعد إشكال في التنفيذ، ذلك أن المستأجر الآخر يعد خلفا خاصا للمؤجر، وأن آثر الحكم يمتد إلى الخصوم أنفسهم وإلى خلفهم الخاص والعام، وبالتالي فإن الحكم الصادر على المؤجر ينفذ على كل من المحكوم عليه ديون الترقية والتسيير العقاري، وخلفه الخاص» . الفرع الثاني : أن يكون التنفيذ العيني ممكنا :
إن تحريك الدائن لإجراءات دعوى التنفيذ العيني يكون في حالة كون هذا التنفيذ ممكنا من الناحية القانونية، ويكون الالتزام العقدي ممكن التنفيذ إذا لم يكن مستحيلا استحالة مادية مثل هلاك الشيء محل العقد أو استحالة قانونية، والاستحالة ينظر فيها إلى سببها، فإذا رجعت إلى خطأ المدين فإنه يكون ملزم بتعويض الدائن عن الضرر اللاحق به، وإذا رجعت إلى سبب أجنبي فإن الالتزام حسب المادة 307 من ق م ينقضي دون الوفاء به بسبب الاستحالة الراجعة لسبب أجنبي، واستحالة تنفيذ الالتزام الراجعة إلى خطأ المدين، يمكن تصورها في جميع أنواع الالتزامات المدنية إلا في حالة كون محل الالتزام عبارة عن مبلغ من النقود، إذ أن النقود كما يقال لا تهلك، ولقد عبر المشرع على شرط إمكانية التنفيذ العيني صراحة في المادة 164 من ق م : « يجبر المدين بعد إعذاره... على تنفيذ التزامه عينا، متى كان ذلك ممكنا».
ومسألة تقدير شرط إمكانية التنفيذ تدخل كذلك في السلطة التقديرية للقاضي الفاصل في الدعوى، وهو ينظر إلى هذه الإمكانية من زاويتين الأول تتعلق بطبيعة الالتزام، والثانية تتعلق بمدة تنفذ الالتزام وميعاده.
فإذا نظرنا إلى استحالة التنفيذ من ناحية طبيعة ومحل الالتزام، يمكن تصور العديد من الحالات التي يكون فيها عدم إمكانية التنفيذ لسبب يرجع إلى المدين مثل حالة امتناع المدين على القيام بالإجراءات القانونية بتطلبها نقل الملكية العقارية، أو قيام المدين بالتصرف في المنقول المبيع إلى مشتري ثاني واستلم هذا الأخير المنقول بحسن نية! أ، وفي الالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل تتحقق الاستحالة في حالة امتناع المدين عن التنفيذ وتكون شخصيته محل اعتبار أو أن التنفيذ العيني الجبري في هذه الحالة ينطوي على المساس بالحرية الشخصية للمدين أو في حقه الأدبي على النحو الذي سبق التطرق إليه انفا.
أما إذا نظرنا إلى استحالة التنفيذ بسبب مدة وميعاد التنفيذ، فإن هذه الاستحالة تكون في حالة اتفاق الأطراف المتعاقدة على تنفيذ الالتزام في ميعاد محدد، إذ تتحقق الاستحالة إذا لم يتم التنفيذ في الميعاد المتفق عليه، فمثلا لا جدوى من المطالبة بالتنفيذ العيني لالتزام الممثل أو المغني في حفل معين الميعاد إذا فات هذا الميعاد.
وإذا لم يتحقق شرط إمكانية التنفيذ العيني، فإن القاضي الفاصل في النزاع يرفض دعوى الدائن لعدم التأسيس، ويبقى له فقط الحق في المطالبة بالتعويض طبقا للمادة 176 من ق م والتي تنص
« إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا، حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذه التزامه، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب لا يد له فيه، ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه».
ينقضي الالتزام إذا كان سبب الاستحالة راجع لسبب أجنبي عن إرادة المدين، ولا يلزم في هذه الحالة بتعويض الدائن، بحيث تنص المادة 307 من ق م: « ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء أصبح مستحيلا لسبب أجنبي عن إرادته»، فهنا لابد على القاضي من الرجوع إلى أحكام تبعية الهلاك لمعرفة من يتحمل التبعية.
وانطلاقا من ذلك، فإن إعسار المدين أو إفلاسه لا يعتبر من قبيل الاستحالة في التنفيذ لأن الإعسار أو الإفلاس قد يعقبه يسار، فار يتصور فيه تعويض عن عدم التنفيذ، وإنما قد يكون التعويض في هذه الحالة عن التأخر في التنفيذ، وهذا على أساس أن الالتزام بدفع مبلغ من النقود دائما ممكن التنفيذ .
ويمكن القول في الأخير أنه لكي يستطيع الدائن إجبار مدينه على التنفيذ العيني، يجب أن ينتفى المانع المادي، والذي يقصد به الواقعة المادية التي من شأنها زوال العين أو الشيء محل الحق الموضوعي بكامل مقوماته المادية من الوجود كاحتراق السيارة المبيعة أو انهيار المسكن المؤجر، ضرورة ألا يكون في تنفيذ الالتزام بعمل أو وكما يجب أن ينتفي المانع الأدبي الذي يقصد به أيضا الامتناع عن العمل مساس بالحرية الشخصية للمدين، فإذا كان هناك مساس بهذه الحرية فإن ذلك يعتبر مانعا أدبيا يحول دون ممارسة الدائن لحقه في إجبار المدين على التنفيذ العيني .
وبالرجوع إلى قرارات المحكمة العليا في مسألة استحالة التنفيذ، نجد العديد من القرارات فصلت في هذا الموضوع، فمثلا صدر قرار في سنة 1992، اعتبرت فيه المحكمة العليا عملية تأميم الأراضي الفلاحية بقرار من الوالي، ليست لها دخل بالعلاقة التعاقدية بين الطرفين وأن ذلك أمر أجنبي عن العقد، وكما اعتبرت المحكمة العليا في قرار صادر في 1983، أن التزام صاحب الحمام هو التزام عقدي بتحقيق نتيجة وهي سلامة المستهلكين، وبالتالي فإن وجود الصابون في بيت الاستحمام شيء متوقع يمكن للمدين صاحب الحمام توخيه باتخاذ الحيطة، لذلك لا يدخل في حكم السبب الأجنبي، وكما اعتبرت المحكمة العليا في قرار لها سنة 1990، أن التزام صاحب العمل بإرجاع العامل الى منصب عمله، التزام بالقيام بعمل لا يمكن تنفيذه جبرا، ويستحيل تنفيذه قهرا لوجود مانع أدبي وأنه يتم تنفيذه عن طريق التعويض. الفرع الثالث : ألا يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمدين أو يكون فيه إرهاق ولكن العدول عنه يلحق بالدائن ضررا جسيما :
لم يرد هذا الشرط صراحة في نص المادة 164 من ق م، وهذا على عكس المشرع المصري الذي نص في الفقرة الثانية من المادة 203 من ق م م على ذلك بالقول :« إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي، إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضررا جسيما».
فالمقصود من خلال المادة المذكورة أعلاه، أن التنفيذ العيني قد يكون ممكنا ولكن يعدل عنه المدين بإرادته الحرة ويقوم بدفع تعويض للدائن بدلا من التنفيذ العيني، إذا كان ذلك يشكل بالنسبة إليه إرهاقا، أي يشكل له صعوبة شديدة بحيث يكون من شأنه أن يلحق به خسارة فادحة.
وتحديد الالتزام ما إذا كان مرهقا للمدين، هي مسألة موضوعية تدخل في السلطة التقديرية للقاضي الفاصل في الدعوى، بحيث أن المشرع لم يحدد معنى الإرهاق وترك ذلك للقضاء حنى يضمن مرونة لهذا المفهوم الذي يختلف من نزاع إلى آخر حسب كل حالة، ويرى البعض أن الالتزام يكون مرهقا للمدين إذا كان يكلفه نفقات باهظة ويلحق به خسارة فادحة، وأن الإرهاق أبعد و أوسع معنى من مجرد الضيق والعسر، وأنه لا يدخل في معنى الإرهاق زيادة التكلفة نتيجة لارتفاع الأسعار أو الرسوم أو فرض الضرائب، وكما يرى البعض كذلك أن الإرهاق يعتبر تطبيق من تطبيقات نظرية الضرورة مثل حالة عقود الإذعان ونظرية الظروف الطارئة. وزيادة على ألا يكون التنفيذ العيني مرهقا للمدين، يجب كذلك من جهة أخرى ألا يلحق العدول عن التنفيذ العيني إلى التعويض ضررا جسيما بالدائن، إذ لا يكفي أن يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمدين، بل يجب ألا يتضرر الدائن بضرر جسيم من جراء هذا العدول، وانطلاقا من ذلك استقر الفقه على اعتبار أنه يجب الموازنة بين مصلحة الدائن في التنفيذ مصلحة المدين في العدول، فإذا كان بالإمكان تفادي إرهاق المدين ولو بضرر يسير يصيب الدائن، فإنه يجوز التعويض النقدي محل التنفيذ العيني، أما إذا كان التنفيذ العيني ليس فيه إرهاق شديد للمدين، أو أنه مرهق له ولكن يرتب ذلك ضررا جسيما للدائن، فإنه يجب الرجوع إلى الأصل العام والذي يقتضي تنفيذ الالتزام عينا دون اللجوء إلى التعويض، لأن مصلحة الدائن هي الأولى بالرعاية ما دام أنه لم يتعسف في استعمال حقه في التنفيذ.
وإذا كان المشرع المصري قد نص على مثل هذا الشرط على النحو الذي سبق، فإنه في التشريع الجزائري، يرى الغالبية أنه لا يوجد ما يمنع القاضي من تطبيق مثل هذا الشرط على أساس أن تطبيقا من تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق، والذي يفرض على كل من ذلك يعتبر المدين والدائن ألا يتعسف في استعماله حقه، وفي هذا الصدد تنص المادة 124 مكرر من ق م على أنه: « يشكل الاستعمال التعسفي للحق خطأ لاسيما في الحالات الآتية: إذا وقع بقصد الإضرار بالغير، إذا كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير، إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة ». الفرع الرابع : تنفيذ العقد بما اشتمل عليه وفقا لمبدأ حسن النية :
يلتزم المدين بتنفيذ جميع ما اشتمل عليه العقد من التزامات، وأن يكون ذلك وفقا لمبدا حسن النية. أ- تنفيذ المدين لمضمون جميع ما اشتمل عليه العقد :
لقد نص المشرع الجزائري على هذا الشرط في المادة 107 فقرة 1 من ق م، التي نصت على أنه: « يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه ».
ويتضح من خلال هذه المادة، أن تنفيذ العقد يتم عن جميع بنوده التي تتضمن حقوق والتزامات أطرافه، طريق الامتثال للقوة الملزمة له، وذلك بتنفيذ بحيث أن العقد باعتباره مصدر من مصادر الالتزام لا يقتصر فقط على انشاء الرابطة العقدية، بل يتناول أيضا تنظيمها فيضع الشروط المختلفة التي تدير هذه العلاقة، ويعين على وجه الخصوص حقوق وواجبات المتعاقدين ، ويكون طرفيه ملزمين بتنفيذ جميع ما تضمنه موضوعه دون التمييز بين ما هو مهم وما هو دون ذلك، فطبقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين فإن العقد يعتبر قانون بالنسبة لطرفيها، وفي هذا الصدد تنص المادة 106 من ق م على أنه : « العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون » .
فاذا كان العقد المراد تنفيذه عقد بيع مثلا، فإن البائع يلتزم بتسليم الشيء المبيع مقابل حصوله على ثمن المبيع، أما المشتري فإنه يلتزم بدفع الثمن مقابل استلام الشيء المبيع، فيكون كل طرف في العقد مدين ودائن في نفس الوقت.
وإذا كان العقد قانون المتعاقدين ويقوم مقام القانون بتنظيم العلاقة التعاقدية فيما بينهما، وقد ينسخ القانون فيما يخرج منه عن دائرة النظام العام والآداب ، فان طرفيه غير ملزمين بما اشتمل العقد من حقوق والتزامات فقط، بل ملزمين كذلك بتنفيذ العقد ومستلزماته وفقا للقانون والعدالة حسب طبيعة كل التزام، وفي هذا الصدد تنص المادة 107 فقرة 2 من ق م على أنه: « ولا يقتصر على إلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب، بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة، بحسب طبيعة الالتزام».
يفهم من خلال الفقرة الثانية من المادة 107 المذكورة أعلاه، أن المتعاقدين قد يغفلوا عن ذكر بعض المسائل في العقد أو أنهم يتعمدوا ذلك على أساس أنها مسائل مألوفة بين الناس، وبذلك يكون العقد ناقصا فيتولى القاضي الفاصل في الدعوى إكمال هذه المسائل مستندا في ذلك إما لوجود نص قانوني، أو الى العرف والعدالة حسب طبيعة كل التزاما، فمثلا يمكن للقاضي أن يستند الى القواعد القانونية المكملة لإرادة الأطراف المنصوص عليها في القانون المدني المتعلقة بالعقود المسماة، إلا إذا كانت هذه القواعد آمرة أين لا يمكن مخالفتها من طرف المتعاقدين، فالقواعد المكملة لا تطبق إلا في حالة عدم وجود اتفاق في العقد بين الطرفين ، فمثلا في حالة عدم النص في عقد الإيجار على تسليم ملحقات العين المؤجرة، يمكن للقاضي أن يستعين بنص المادة 476 من ق م التي تنص على أنه: « يلتزم المؤجر أن يسلم للمستأجر العين المؤجرة وملحقاتها في حالة تصلح للانتفاع المعد لها... ».
وكما أنه في حالة عدم تحديد المتعاقدين للسوق الذي يجب الرجوع اليه لتحديد الثمن، فإنه حسب المادة 356 من نفس القانون، فإن العبرة تكون بسعر السوق الذي يقع تسليم المبيع. ب - تنفيذ المدين للالتزام وفقا لمبدا حسن النية :
لقد تناول المشرع الجزائري، على غرار نظيره المصري والفرنسي، مبدأ حسن النية في التنفيذ في الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة 107 من ق م، وذلك كما يلي : « يجب تنفيذ العقد
طبقا... وبحسن نية»، ولذلك سنتولى في هذه النقطة تعريف التنفيذ بحسن النية، ثم تبيان مظاهر ذلك مركزين فقط على مرحلة تنفيذ الالتزام العقدي.
- تعريف التنفيذ بحسن النية :
لقد استقر معظم الفقهاء على أن العقد في القانون الحديث تقوم عملية تنفيذه على أساس مبدا حسن النية، ولم يعد للعقود حرفية التنفيذ (الشكلية) أثر كما كان سائدا في القانون الروماني، وبالرغم من أن معظم التشريعات نصت على تكريس هذا المبدأ إلا أنها لم تعطي تعريف له، وأمام هذا الوضع انقسم الفقه في تحديد معنى هذا المبدأ على أساس معيار شخصي، بينما ذهب فريق آخر إلى تحديده على أساس موضوعي. المعيار الشخصي كأساس لتعريف مبدا حسن النية :
يعتبر أنصار هذا المعيار أن تقدير سلوك المدين وفقا لهذا الأخير، يكون على أساس شخصي بالنظر إلى نية المتعاقد وظروفه الخاصة، وهو معيار يتعلق بالاعتقاد الداخلي والحالة الذهنية للشخص المتعاقد التي قد يكون عليها أثناء التعاقد، على نحو قد يحمله على عدم مراعاة مصالح الطرف المقابل كما يتعامل مع مصالحه، ولقد أخذت المدرسة الألمانية بهذا المعيار على أساس افتراض الصدق والأمانة في المعاملات القانونية، وانطلاقا من ذلك نصت المادة 157 من القانون المدني الألماني على أن مبدأ حسن النية هو: « الأمانة والثقة المتبادلة التى يجب أن تسود تنفيذ العقود».
ويرى البعض أن المشرع المصري من خلال المادة 248 فقرة 02 من القانون المدني قد أخذ بالمعيار الشخصي، وهذا بعدما كان المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري يجمع بين المعيار الذاتي والمادي معا، إذ كان ينص هذا المشروع على أنه: « فإذا تعين مضمون العقد وجب تنفيذه على وجه يتفق مع ما يفرضه حسن النية، وما يقتضيه العرف في شرف التعامل»، وكما انفرد المشرع الأمريكي بالأخذ بالمعيارين معا بحيث عرف مبدأ حسن النية بالقول أنه: «الإخلاص في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ومراعاة مصالح الطرف المقابل عند التعاقد ». المعيار الموضوعي لتعريف مبدأ حسن النية :
يستند هذا المعيار في تقدير مسلك المدين في التنفيذ العيني على السلوك المألوف للشخص المعتاد أي معيار الرجل العادي، بحيث أن حسن النية حسب أنصار هذا الرأي يتكون من فكرة موضوعية تمثل نموذجا محددا يجب أن يقاس عليه تنفيذ العلاقة التعاقدية وبالتالي فإن حسن النية يرتبط بالعناية التي يبذلها الرجل العادي ، وهذه العناية مرتبطة بمؤشرات خارجية يمكن الاعتماد عليها عند التعامل مع مبدأ حسن النية من خلال البحث عن التوازن العقدي بين أطراف العقد أثناء مرحلة التنفيذ.
يتضح من خلال هذا المعيار أنه لا يعير أي اهتمام لشخصية المدين وسلوكه الذاتي، لذلك حاول أنصاره تخفيف وتعديل رأيهم وذلك بالقول بأنه يجب لتقدير ما إذا كان المتعاقد قد راعى حسن النية في تنفيذ التزاماته منح سلطة تقديرية للقاضي للنظر إلى ظروف الحال التي يتم فيها التنفيذ، فالقاضي يقوم بتقدير سلوك المدين أو انحرافه عن المسلك المألوف للشخص العادي، ولكن قد لا
يستطيع القاضي الإحاطة بجميع هذه الظروف التي أحاطت المدين أثناء التنفيذ، وهذا هو الانتقاد الذي وجه لهذا المعيار.
ونتيجة لاختلاف كل من المعيار الموضوعي والشخصي، ظهر رأي ثالث يأخذ بالمعيار المختلط ، ونحن نسانده في ذلك- ويقوم هذا المعيار على أساس النظر إلى شخص المدين شخص آخر نظير له، فإذا كان المدين مزارعا بسيطا بالالتزام ولكن في ضوء ما يسلكه محصوله فإننا نطبق عليه معيار الشخص النظير، أي الشخص الذي يكون مزارعا بسيطا مثله طبقته ويعيش الظروف نفسها، فإذا كان هذا الشخص النظير يستطيع تنفيذ التزامه مع حدوث ومن الظروف الجديدة، فإن المدين كذلك يجب أن ينفذ التزامه وإلا قامت مسؤوليتها.
- مظاهر مبدأ حسن النية في التنفيذ :
ان حسن النية في التنفيذ يلعب دورا أساسيا في تحقيق التوازن العقدي، فهو الأداة القانونية التي يستطيع من خلالها القاضي فرض التزامات تعاقدية على طرفي العقد لضمان تحقيق هذا التوازن ، لذلك فإن هذا المبدأ يفرض على كل متعاقد العديد من الالتزامات تشكل في مجموعها مظاهر لتجسيد هذا المبدأ. الالتزام بالنزاهة والصدق :
ان مبدأ حسن النية يفرض على المدين خلال مرحلة تنفيذ الالتزام أن يقوم بإعلام الطرف الآخر بكل التفاصيل الضرورية من أجل التنفيذ الحسن للعقد، وكما يفرض هذا الالتزام على المدين أن يكون مخلصا وأن يمتنع عن كل غش أو تدليس يجعل تنفيذ الالتزام عسيرا أو مستحيلا.
ولقد أخذ المشرع في العديد من النصوص القانونية بهذا المبدأ، فمثلا نصت المادة 361 من ق م على أنه : « يلتزم البائع أن يقوم بما هو لازم لنقل الحق المبيع إلى المشتري وأن يمتنع عن كل عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق عسيرا أو مستحيلا».
ويعتبر عقد التأمين بمختلف أنواعه من أهم العقود التي تقوم على مبدأ حسن النية، ويفرض هذا المبدأ على كلا المتعاقدين تقديم معلومات صحيحة مطابقة للواقع، وأن لا يتم إخفاء بيانات أساسية في التعاقد كالتي لها علاقة في قبول أو رفض التأمين أو في تحديد قسط التأمين، ولقد تضمن قانون التأمين العديد من النصوص القانونية والتي أكدت تطبيقات هذا المبدأ.
وكما اعتبر المشرع في المادة 553 من ق م عدم تنفيذ الالتزام بطريقة مرضية يعتبر ذلك إخلال بالالتزام بالنزاهة، ولقد رتب المشرع العديد من الجزاءات المدنية في حالة الإخلال بهذا الالتزام، مثل ما هو منصوص عليه في المادة 178 من نفس القانون المذكور، والتي رتبت البطلان لشرط الإعفاء من المسؤولية الناتجة عن غش المتعاقد أو خطئه الجسيم، وكذا بطلان الشرط المسقط للضمان إذا تعمد البائع حسب المادة 377 من القانون نفسه إخفاء حق الغير، وكما أنه من أجل منح للمدين مهلة للتنفيذ يجب أن يكون حسن النية . الالتزام بالتعاون فيما بين المتعاقدين :
إن بعض العقود تفرض على كل متعاقد أن يصدر منه التزام إيجابي يتمثل في القيام بإشعار وإطلاع المتعاقدين لبعضهم البعض بكل الأحداث التي تهم تنفيذ العقد، وكذلك بكل المعلومات الضرورية التي تؤدي إلى تنفيذ الالتزامات.
الالتزام بالتعاون تفرضه التطورات الجديدة للعلاقة التعاقدية، فهي علاقة تعاون وليست علاقة خصام لأن التعاون بين المتعاقدين يؤدي بالمنفعة على الجميع بالرغم من تضارب مصالح أطراف العلاقة التعاقدية ، وهذا التعاون لا يكون فقط في مرحلة التنفيذ بل يتم في جميع مراحل العقد حتى في مرحلة التفاوض.
ويظهر حسن النية في التنفيذ عن طريق التعاون في العديد من العقود خاصة التي تقوم على الاعتبار الشخصي، فمثلا عقد الشركة يفرض المشرع فيه واجب التعاون بين الأطراف حتى تستمر الشركة، إذ أن سوء التفاهم بين الشركاء قد يؤدي إلى إنهاء عقد الشركة، وكما تفرض المادة 497 من ق م على المستأجر أن يخبر المؤجر بكل أمر يستوجب تدخله كأن تكون العين المؤجرة بحاجة إلى ترميمات أو يظهر عيب فيها، أو يتم التعرض لها من طرف الغير.
ولقد أخذت المحكمة العليا بمبدأ حسن النية في العديد من قراراتها من بينها القرار الصادر في 2011 والذي أخذ بالمادتين 106 و 107 من ق م، إذ كرس مبدأ أنه: « يحق للبنك التوقف عن تسديد اقساط القرض الممنوح للمستثمرة الفلاحية، ومطالبتها بضمانات أخرى تفاديا لعدم إرجاع القرض».
ولقد أسست المحكمة العليا قرارها على أساس أن المستثمرة الفلاحية المستفيدة م القرض البنكي لم تكن حسنة النية لكونها لم تدفع أقساط القرض التي حل أجالها، ولم تقدم ضمانات كافية لذلك، حتى يقوم البنك بدفع لها باقي مبلغ القرض. المطلب الثاني : الشروط المتعلقة بالحق الموضوعي :
يجب أن تتوافر العديد من الشروط فى الحق الموضوعي المراد اقتضائه جبرا من المدين، وتدور هذه الشروط بين ضرورة أن يكون المال المطالب به ملك للمدين وأن يكون محقق الوجود ومعين المقدار، ومستحق الأداء بحلول أجل التنفيذ. الفرع الأول : أن يكون المال المطالب به ملك للمدين :
ان الدائن لا يمكن له مطالبة مدينه بتنفيذ التزام يتعلق بملك الغير وليس ملك المدين، إذ أنه لا يمكن مباشرة التنفيذ العيني على مال لا يملكه هذا الأخير على أساس عدم قابلية حلول ذمة الغير محل ذمة المدين مهما كانت درجة القرابة بين الغير والمدين، فلا يمكن رفع الدعوى ضد الأم أو الزوجة للمطالبة بمبلغ الدين بدلا من الأب أو الزوج المعسر، إلا في حالة الكفيل العيني أو في حالة انتقال المال إلى الغير مثقلا برهن، فيجوز الحجز عليه لدى الغير أو في حالة الكفالة الشخصية ، أو في حالة دعوى الضمان.
إن المقصود بملكية المدين للشيء موضوع دعوى التنفيذ ليست الملكية المفرزة، إنما المراد بذلك الملكية مهما كانت صورها، سواء كانت ملكية مفرزة أو كانت ملكية شائعة أو ملكية مشتركة.
ويعتبر شرط ملكية المدين للمال محل طلب التنفيذ العيني، كنتيجة حتمية لمبدأ عدم جواز التصرف في مال الغير مثل بيع ملك الغير، بحيث أن الدائن يهدف من خلال التعاقد مع المدين على الحصول على عين ما التزم به هذا الأخير، والذي يلتزم بنقل الملكية للدائن سواء كان ذلك منقولا أو عقارا، لذا يجب أن يكون المدين مالك للمال الذي تعاقد عليه مع الدائن وقت البيع، فمثلا نصت المادة 397 من ق م على أنه :« إذا باع شخص شيئا معينا بالذات وهو لا يملكه، فللمشتري الحق في طلب إبطال البيع، ويكون الأمر كذلك ولو وقع البيع على عقار أعلن أو لم يعلن ببيعه، وفي كل حالة، لا يكون هذا البيع ناجزا في حق مالك الشيء المبيع ولو أجازه المشتري».
وتضيف المادة 398 من القانون نفسه على أنه : « إذا اقر المالك البيع، سرى مفعوله عليه وصار ناجزا في حق المشتري، وكذلك يعتبر صحيحا في حق المشتري إذا اكتسب البائع ملكية المبيع بعد انقضاء البيع ».
وكما أن لشرط الملكية أهمية بالغة في حالة التنفيذ الجبري على المدين، إذ أن إجراءات الحجز سواء على منقولات المدين أو عقاراته، لا تتم إلا على مال مملوك للمدين، لأن الغرض من الحجز هو بيع أموال المدين وحصول الدائن على حقه من حصيلة ثمن البيع ، ذ أن عدم جواز الحجز على الأموال غير المملوكة للمدين يعود للأسباب نفسها التي لا يجوز فيها بيع ملك الغير، فلو تم حجز أموال الغير فإن ذلك يسمح لهذا الأخير أن يرفع دعوى بطلان الحجز واستحقاقه للمال المحجوز أي المنازعة في التنفيذ. الفرع الثاني : أن يكون الحق المطالب به محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء :
إن التنفيذ العيني سواء كان اختياريا أو حدر يا يتطلب توافر شروط معينة في الحق المنفذ من أجله، وفي هذا الصدد نجد المشرع في ظل قانون الإجراءات المدنية لسنة 1966، كان ينص على هذه الشروط في المادة 327 من هذا القانون والتي نصت على أنه: « لا تباشر إجراءات الحجز على المنقول أو العقار إلا بمقتضى سند تنفيذي ومن أجل أشياء معينة المقدار محققة الوجود، فإذا كان الدين الحال الأداء مبلغا من النقود، فإنه توقف إجراءات التنفيذ بعد الحجز إلا أن يقدر قيمة المحجوز بالنقود»، وهي المادة نفسها المنصوص عليها القانون المرافعات المصري في نص المادة 280 فقرة 01 ، المقابلة للمادة الثانية من قانون التنفيذ الفرنسي لسنة 1991، والتي أعاد المشرع الفرنسي صياغتها في المادة L.111-2 من قانون التنفيذ لسنة 2011.
أما حاليا في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فلم ينص المشرع على مثل هذا الشرط وذلك على أساس أن وجود الحق مضمون السند التنفيذي، يعني ذلك توافر تلك الشروط فيه ومن ثم ليس من الضروري النص على ضرورة توافرها صراحة فيه، وانطلاقا من ذلك يرى البعض أن النص على ضرورة توافر مثل هذه الشروط ينصرف فقط إلى المحررات التوثيقية، لأن المحرر التوثيقي قد يتضمن حق ينازع فيه المدين.
ولكن الرأي الراجح يتجه نحو ضرورة توافر هذه الشروط في كل السندات التنفيذية على أساس أنه توجد حقوق مثبتة بموجب حكم قضائي دون أن تتوفر فيها هذه الشروط، بحيث قد يصدر حكم في بعض الحالات معلقا تنفيذ ما قضى به بقيام الدائن بعمل معين أو مضيفا الحق الى أجل معين ، لذلك سوف نقوم بدراسة هذه الشروط على إنفراد وفقا لما يلي : أ- أن يكون الحق المطالب به محقق الوجود :
يقصد بهذا الشرط أن يكون وجود الحق مؤكدا غير متنازع فيه وغير معلق على شرط واقف، فتنص المادة 203 من ق م على أنه: يكون الالتزام معلقا إذا كان وجوده أو زواله مترتبا على أمر مستقبل وممكن وقوعه»، فإذا كان الحق معلقا على شرط واقف لم يتحقق بعد أو كان الحق المقرر في السند التنفيذي حقا مؤقتا غير نهائي أو كان حقا احتماليا، فإنه لا يكون محقق الوجود في هذه الحالات.
ولا يقصد بشرط تحقق الوجود أن يكون الحق خاليا من النزاع من جانب المدين، لأنه لو كان هذا المعنى هو المقصود بهذا الشرط لما أمكن تحقق التنفيذ مطلقا واستحال توقيعه وإجبار المدين لأن هذا الأخير سوف ينازع دائما في وجود الحق، وبالتالي فإن المقصود هو أن يكون وجود الحق غير مؤكد، ويقع عبأ الإثبات على الشخص الذي يدعي موكدا وحالا أي ألا يكون حقا احتمالية عدم تحقق وجود الدين، خاصة في الحالة التي يكون فيها الدين ثابت بموجب سند تنفيذي.
ويرى البعض أن شرط تحقق الوجود يثور فقط في حالة السندات التنفيذية غير الأحكام القضائية وكذلك في حالة عدم وجود سند تنفيذي، أما إذا كان الحق ثابت في حكم قضائي فاصل في موضوع النزاع ونهائي، فإن مثل هذا الشرط لا يثور في هذه الحالة على أساس أن القاضي الفاصل في النزاع يتأكد من هذا الشرط قبل إصدار حكمه القضائي.
وكما تجدر الإشارة، إلى أن شرط تحقق الوجود ليس له علاقة بمسألة انقضاء الحق أو الالتزام بأي سبب من أسباب الانقضاء، فإذا انقضى الحق أو الالتزام بعد نشأته فهذا لا يعنى مطلقا أن الحق غير محقق الوجود، بل أن الحق موجود وقد انقضى وفقا للأسباب المقررة في القانون، فالانقضاء لا يقع إلا على حق موجود ومؤكد.
وتعود أهمية توافر شرط تحقق الوجود إلى أنه يلعب دور أساسي في مرحلة التنفيذ الجبري، بحيث أنه يسمح لنا بمعرفة طريقة التنفيذ الجبري، فإذا كان محل الحق المحقق الوجود هو مبلغ من النقود، فإن التنفيذ الجبري يكون عن طريق الحجز القضائي، أما إذا كان منفعة عينية من غير دفع النقود، فإن طريق التنفيذ يكون عن طريق التنفيذ المباشر، وكما يلعب هذا الشرط دور أساسي في تحديد أشخاص التنفيذ الجبري، ويترتب على ذلك أن الحق في التنفيذ لا يكون إلا لصاحب الحق الموضوعي المبين في السند التنفيذي، وكما لا يجوز التنفيذ إلا في مواجهة المدين الذي يحدده السند التنفيذي. ب - أن يكون الحق المطالب به معين المقدار :
المقصود بهذا الشرط أن يتضمن العقد أو السند التنفيذي مقدار الحق أو الالتزام الذي يلزم به المدين والذي يطالب به الدائن، وينصرف هذا التعيين سواء كان محل الالتزام مبلغ من النقود أو كان شيء معين بالذات أو شيء معين بالنوع، أو عمل أو الامتناع عن عمل ، فاذا كان محل الالتزام مبلغ من النقود فيجب تعيين مقدارها، وإذا كان محله شيء من المثليات فيجب أن يكون محدد على أساس الوحدة أو الوزن أو القياس أو الحجم، أما إذا كان محله هو عمل من الأعمال، فيجب أن يكون هذا العمل أو الامتناع محدد.
ويعتبر شرط تعبين محل الحق الموضوعي تطبيقا لنص المادة 94 من ق م التي نصت على أنه: « إذ لم يكن محل الالتزام معين بذاته، وجب أن يكون معين بنوعه ومقداره وإلا كان العقد باطلا»، فمثلا في عقد البيع إذا كان الشيء عبارة عن شيء معين بالذات، فانه يجب أن يوصف المبيع وصفا ينفي الجهالة به، فإذا كان المبيع عبارة عن منزل وجب ذكر موقع المنزل وأوصافه الأساسية ومساحته .
والتعيين قد يرد في نفس التصرف القانوني الذي هو مصدر الالتزام أو الحق الموضوعي، وكما قد يرد في تصرف قانوني مستقل أو قد يرد في السند التنفيذي الفاصل في النزاع وذلك عن طريق تحديده من طرف القاضي.
يترتب على تعيين مقدار الحق الموضوعي نتيجتين أساسيتين، إذ أنه من جهة يؤدي تعيين مقدار الالتزام أو الحق إلى تجنب قيام الدائن بالتنفيذ على جميع أموال المدين بدون تحديد وذلك بقدر يزيد عن حقه الثابت في العقد أو السند التنفيذي، بحيث أنه في حالة البيع الجبري لأموال المدين يجب الكف عن البيع بمجرد التحصل من البيع على القدر الكافي لاستيفاء الدائن لحقه من حصيلة البيع ، فقواعد العدالة تقتضي ألا يتم الحجز على جميع أموال المدين بالرغم من أن المبدأ العام يقضي بأن جميع أموال المدين ضامنة لتسديد ديونه، أما إذا كان هناك مال مخصص للوفاء مثل حالة التأمينات العينية، فيتعين التنفيذ عليه فقط إلا إذا كان هذا غير كاف فهنا يجوز التنفيذ على باقي أموال المدين حتى ولو كانت أموال غير مفرزة، بحيث أنه في حالة البيع لحصة المدين الشائعة غير المفرزة يصبح المشتري مالكا على الشياع، ويخضع لقواعد الشياع مع باقي الملاك .
كما أن تحديد مقدار الحق أو الالتزام يسمح للمدين بالتنفيذ الاختياري وتجنب التنفيذ الجبري على أمواله، ولا يكون ذلك ممكنا إلا إذا كان هذا الالتزام محدد قبل البدء في المطالبة بالتنفيذ. ج- أن يكون الحق المطالب به حال الأداء :
نكون بصدد التزام حال الأداء إذا كان الوفاء به أو تنفيذه غير مؤجل ، فالقاعدة العامة أن الالتزامات المضافة إلى أجل لا تكون نافذة إلا في الوقت الذي ينقضي فيه الأجل، إذ تنص المادة 212 من ق م على أنه : « إذا كان الالتزام مقترن بأجل واقف، فإنه لا يكون نافذا، إلا في الوقت الذي ينقضي فيه الأجل. غير أنه يجوز للدائن، حتى قبل انقضاء الأجل، أن يتخذ من الإجراءات ما يحافظ به على حقوقه، وله بوجه خاص أن يطالب بتأمين إذا خشي إفلاس المدين أو عسره واستند في ذلك إلى سبب معقول ».
وعليه فإنه يتوقف حلول أداء الحق أو الالتزام على ألا يكون مضافا إلى أجل وعلى ألا يكون معلقا على شرط واقف، لأن كلهما يؤدي إلى إرجاء تنفيذ الالتزام إلى واقعة مستقبلة، فإذا كان هناك أجل لتنفيذ الالتزام فإن دعوى التنفيذ العيني ستكون غير مقبولة على أساس أن الالتزام ليس حال الأداء، إذ أنه لم يحل تاريخ استحقاقه وبالتالي لا يمكن إجبار المدين على تنفيذه عينا.
يكون الحق حال الأداء إذا كان الأجل مقرر لمصلحة الدائن وحده وقرر هذا الأخير التنازل عن هذا الأجل، وكما يصبح الحق المؤجل حال الأداء إذا سقط الأجل بشهر إفلاس المدين أو إعساره ، فإذا حل الأجل أو سقط كان الحق حال الأداء يجب تنفيذه، أما إذا كان الأجل ما زال قائما فإنه لا يجوز مطالبة المدين به أيا كان مصدر الأجل، سواء كان القانون أو الاتفاق أو حكم القضاء أو نظرة المسيرة، فالأجل أيا كان مصدره يحول دون سلوك إجراءات التنفيذ ضد المدين، ويترتب على ذلك أن المدين إذا رفض التنفيذ في هذه الحالة لا يكون في مركز الممتنع عن التنفيذ، وبالتالي لا يعتبر عدم تنفيذه اعتداء على الحق الموضوعي للدائن والذي يخول له تحريك إجراءات الإجبار ضد المدين.
تجدر الإشارة إلى أن الشروط السابقة يجب أن تتوفر عند البدء في التنفيذ أي عند مطالبة المدين بالتنفيذ ، فيمكن أن يكون العقد أو السند التنفيذي قد حدد أجل أو شرط للتنفيذ، ولكن عند المطالبة بالتنفيذ يحل الأجل أو يتحقق الشرط، أما إذا توافرت هذه الشروط بعد البدء في التنفيذ فإن الدعوى القضائية لن تقبل، وتكون إجراءات التنفيذ الجبري باطلة إذ أن حلول الأجل فيما بعد لا يصحح الإجراءات ، وكما يجب أن تتوفر هذه الشروط بطريقة قاطعة، بحيث أن وجود الحق وتعيين مقداره وحلول أجله يجب أن يثبت في ذات العقد أو السند التنفيذي.
خاتمة :
للدائن الحق في إجبار مدينه على تنفيد التزاماته العقدية عينا، نجد المشرع قد وضع له مبدأ عام وذلك بالنص عليه صراحة في المادة 164 من ق م، وهو الحق الذي يستعمل عن طريق دعوى التنفيذ العيني، التي تحرك إجراءاتها وفقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وقد خلصنا من خلال ما درسناه في هذا البحث، أن هذه الدعوى من الدعاوى القضائية المسماة، وذلك على أساس أن المشرع قد عمد في العديد من الحالات إلى تسمية هذا النوع من الدعاوى، وإن كنت كل تسمية نتغير من حالة الى أخرى، فنجد مثلا دعوى تسليم الشيء لمبيع، ودعوى دفع الثمن أو تكملته، أو دعوى الضمان، فهي كلها دعاوى قضائية مسماة، ولكنها تدخل في إطار دعوى التنفيذ العيني للالتزام العقدي.
المراجع :
- بربارة عبد الرحمان، طرق التنفيذ من الناحيتين المدنية والجزائية وفقا للتشريع الجزائري لاسيما قنون الإجراءات المدنية والإدارية رقم 08-09، الطبعة الأولى، منشورات بغدادي، الجزائر، 2009 .
- بعلي محمد صغير، الوجيز في الإجراءات القضائية الإدارية، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، 2010.
- بلغيث عمارة، التنفيذ الجبري وإشكالاته (دراسة تحليلية مقارنة لطرق التنفيذ وإجراءاته ومنازعاته)، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، 2004.
- بلحاج العربي، أحكام الالتزام في القانون المدني الجزائري وفق اخر تعديلات ومدعم بأحدث اجتهادات المحكمة العليا (دراسة مقارنة)، دار هومه، الجزائر، 2013.
- العربي شحط عبد القادر، طرق التنفيذ في المواد المدنية والإدارية، دار الكتاب الحديث، الجزائر، 2015.
- السنهوري عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي (دراسة مقارنة بالفقه الغربي(، الطبعة الأولى، الجزء الأول، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1997.
- الوافي فيصل، وسلطاني عبد العظيم، طرق التنفيذ وفقا لقانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد 08-09، دار الخلدونية، 2012.
- بجاوي المدني، التفرقة بين عقد لعمل وعقد المقاولة (دراسة تحليلية ونقدية)، دار هومه، الجزائر، 2008.
- بخيت محمد بخيت علي، التنفيذ المباشر في قنون المرافعات المدنية والتجارية (دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة)، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2007.