جريمة المضاربة في القانون الجزائري
تعريف المضاربة غير المشروعة
الركن المادي لجريمة المضاربة غير المشروعة
الركن المعنوي لجريمة المضاربة غير المشروعة
ملاحضة : تم إلغاء المواد 172 و 173 و 174 من قانون العقوبات بعد صدور القانون رقم 21-15 مكافحة المضاربة غير المشروعة المادة 24 منه.
المادة 172 قانون العقوبات { يعد مرتكبا لجريمة المضاربة غير المشروعة ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 5.000 إلى 100.000 دج كل من أحدث بطريق مباشر أو عن طريق وسيط رفعا أو خفضا مصطنعا في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة أو شرع في ذلك :
1 - بترويج أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة عمدا بين الجمهور.
2 - أو بطرح عروض في السوق بغرض إحداث اضطراب في الأسعار.
3 - أو بتقديم عروض بأسعار مرتفعة عن تلك التي كان يطلبها البائعون.
4 - أو بالقيام بصفة فردية أو بناء على اجتماع أو ترابط بأعمال في السوق أو الشروع في ذلك بغرض الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي للعرض والطلب.
5 - أو بأي طرق أو وسائل احتيالية }
أولا : تعريف المضاربة غير المشروعة :
يمكن تعريف المضاربة غير المشروعة بأنها عمليات تدليسية، تهدف إلى إحداث تقلبات غير طبيعية في السوق بغية الاستفادة من هذه الأوضاع المستحدثة أو المستجدة و تحقيق أرباح ذاتية.
و قد نص المشرع الجزائري على جريمة المضاربة غير المشروعة في قانون العقوبات، في القسم السابع من الفصل الخامس من الكتاب الثالث في الجزء الثاني و ذلك في المادتين 172 و173 منه.
و لدراسة جريمة المضاربة غير المشروعة ينبغي دراسة أركانها، و هي كباقي الجرائم تشترط ركنين هما الركن المادي و الركن المعنوي.
ثانيا : الركن المادي لجريمة المضاربة غير المشروعة :
تدل عبارة " يعد مرتكبا لجريمة المضاربة غير المشروعة ... كل من أحدث…" ان التجريم لا يخص أو لا يقتصر على فئة معينة، فيقال أيا ارتكب أو قام بعملية المضاربة أو شرع في ذلك، وأن تؤدي هذه الأعمال أو الأفعال إلى رفع الأسعار أو خفضها بطريقة مصطنعة لا تتوافق .
1- استعمال إحدى الوسائل الواردة في المادة 172 ق ع ج :
أوردت المادة 172 ق ع ج خمسة وسائل أو ممارسات ، كل من أتى بها يكون مرتكب لجنحة المضاربة غير المشروعة ، وهذه الوسائل وردت على سبيل المثال وليس للحصر ، وهذا ما يستنتج من الصيغة الواسعة للفقرة الأخيرة من المادة.
أ- ترويج أخبار كاذبة أو مغرضة
بمعنى إشاعة أخبار تخالف الحقيقة ، و هو أمر شائع و كثير الحدوث كمثال على الإخفاء العمدي لسلعة معينة ذات استهلاك واسع و إشاعة خبر ندرتها أو انقطاع تموين السوق بها، أو ترويج خبر حول احتمال حدوث ندرة في السوق لبعض المواد الأساسية و انقطاعها فيتهافت الناس على شرائها فيبيعها صاحبها عندئذ بالسعر الذي يريد مما يؤدي إلى التأثير على نظام السوق و إلى إحداث اضطرابات فيه و تقلبات غير منتظرة في أسعاره، بينما الواقع لا ينبئ بحدوث أو بتحقق مثل هذه الأخبار .وهذه الممارسات يمكن أن تكون في شكل اتفاقات وذلك عندما تتفق مؤسسات على ترويج أخبار كاذبة ومغرضة في السوق حول سلعة منافس ما بغرض استبعاده ، كما قد تكون نتيجة استغلال تعسفي لوضع مهيمن، وذلك بقيام المؤسسة المهينة بنشر أخبار كاذبة ، قصد زيادة أسعار منتجاتها.
ب - طرح عروض في السوق بغرض إحداث اضطراب في الأسعار
كمبدأ عام كل عون اقتصادي حر في ممارسة أسعار أقل من أسعار منافسيه، فهو أمر مشروع، لا يمنعه القانون، غير أن هذه الممارسات قد تلحق الضرر بالمستهلكين إذا كانت خادعة أو كانت دافعة إلى شراء غير مبرر، و في هذه الحالة تشكل هذه الممارسات ركن مادي لجريمة المضاربة بالأسعار.
وهذه الممارسات يمكن أن تشكل تسعير عدواني، أو بيع بأسعار مخفضة تعسفيا ،ناتجة عن اتفاقات بين الأعوان الاقتصادين أو التعسف في استغلال وضعية الهيمنة ، قصد إخراج منافسين من السوق، أو منع وافدين جدد من الدخول إلى السوق.
ج- تقديم عروض بأسعار مرتفعة عن تلك التي يطلبها البائعون مادة 172 فقرة 3
اي أن يعرض تاجر شراء نوع من البضاعة بسعر أعلى من سعرها الحقيقي و يستحوذ على أكبر كمية منها و يطرحها في السوق مسيطرا ومنفردا ببيعها، و من ثم يحدد السعر الذي يريد.
د- الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي للعرض والطلب 172 فقرة 4
بمعنى القيام بأعمال أو الشروع فيها من طرف الأعوان الاقتصاديين و التي تؤدي أو من شأنها أن تؤدي إلى الحصول على أرباح دون أن يكون ذلك ناتج عن الخضوع لحرية المنافسة و للعرض و الطلب.
وفي هذا المجال تدخل الاتفاقات المحظورة المنصوص عليها في المادة 06 من الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة ذلك أن الاتفاقات تعرف بأنها تبني خطة مشتركة بين مؤسستين تهدف إلى الإخلال بالمنافسة داخل سوق للسلع أو الخدمات ،فهي ممارسات جماعية تقوم بها مؤسسات متعددة ،تهدف إلى استبعاد منافسين متواجدين في السوق أو منع دخول منافسين جدد مهما كانت الوسائل المستعملة فهي محظورة من أمثلتها الاتفاق على البيع بسعر واحد أو الاتفاق على القيام بإجراء خفض في الأسعار بغية إقصاء منافسين ضعاف ليست لديهم القدرة على مجاراتهم في هذه التخفيضات و بالتالي لا يستطيعون تحمل هذه المنافسة فيتعرضون للخسارة مما يضطرهم للانسحاب و هو أمر من شأنه أن يؤدي إلى المساس بحرية المنافسة و حتى القضاء عليها، و يفتح الباب لهؤلاء المضاربين للسيطرة و التحكم في السوق. ومن هذا تحالف موزعي نفس المنتوج على خفض الأسعار ، الأمر الذي يمس بالمؤسسة المنتجة .
هـ - أية طرق أو وسائل احتيالية تمس بالسوق
الصيغة جد الواسعة للفقرة الأخيرة من المادة 172 ق ع توسع من نطاق الممارسات التي يمكن أن تدخل في مجال تطبيق المادة أو بمفهوم المخالفة الأساليب التي وردت في هذه المادة وردت على سبيل المثال لا الحصر و هذا ما يفتح المجال لتجريم وسائل أخرى قد تظهر، و يفتح المجال أيضا أمام الاجتهاد القضائي في تمحيص الوسائل التي تستعمل بغرض المضاربة و تقدير إذا كانت وسائل احتيالية تدليسية ترتب المضاربة غير المشروعة، فالمدلول الإجرامي لهذه الوسائل هو الهدف الذي يبتغيه الفاعل و الذي يسعى إلى تحقيقه باستعمال هذه الوسائل و غيرها و هو الحصول على ربح غير مشروع و لا يخضع للسير الطبيعي لحرية المنافسة و لقانون العرض و الطلب، و تحديد و تقدير هذا الربح غير المشروع أي المحصل عليه بطرق غير مشروعة.
2- إحداث رفع أو خفض مصطنع للأسعار :
تطبق هذه المادة على كل تدخل إرادي على مستوى الأسعار و التي تؤثر على آليات الطبيعية للأسعار وفقا لقانون العرض والطلب، سواء بالرفع أو الخفض المصطنع ،باستعمال إحدى الوسائل التي ذكرنها المادة 172 ق ع ج ،ومن خلال تحليل المادة يستخلص أنه يمكن أن تطبق على الممارسات المقيدة المنصوص عليها في القانون المنافسة في لمواد 7،8، 10،11و12،أما في القانون الفرنسي فالمادة 172 ق ع ج تقابلها المادة 443 فقرة 2 قانون تجاري فرنسي ، وهي تطبق على كل الممارسات التي تمس بالآليات الطبيعية للأسعار، ما عدا الاتفاقات والتعسف في استغلال وضعية الهيمنة ذلك أنها مجرمة بنص خاص.
جنحة المضاربة في الأسعار تتخذ عنصرين أساسين :
إحداث أو محاولة إحداث رفع أو خفض مصطنع لأسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية العمومية أو الخاصة.
هنا تجدر الملاحظة أن المضاربة لا تكون فقط بأفعال و أعمال تؤدي إلى رفع الأسعار بل تتحقق كذلك بتخفيض الأسعار عبر مناورات للإضرار بالمتنافسين الآخرين من المتعاملين الاقتصاديين بغرض الاستحواذ على السوق و الانفراد بالبيع فيه ثم رفع الأسعار بعد ذلك.
النص لم يحدد طبيعة السلع،غير أن القضاء الفرنسي قرر أنها تضم كل القيم المنقولة والعقارية و يدخل في القيم المنقولة، المحل التجاري، لكن لا تدخل على البضائع محل احتكار من و أما الأوراق المالية العامة فيقصد بها نلك الاثار الصادرة من الجماعات المحلية، الدولة، المقاطعات، المحافظات،
وغيرها، مثال ذلك سند الخزينة، قروض الدولة وغيرها. أما الأوراق الخاصة، تضم الأوراق التجارية، الشيك، سند الأمر.
يمكن تعريف البضاعة بأنها كل منقول يمكن وزنه أو كيله أو تقديره بالوحدة و يمكن أن يكون موضوع معاملات تجارية أن تكون البضاعة محل التجريم من البضائع ذات السعر الحر الذي يخضع لتقلبات السوق حسب قانون العرض و الطلب و ليس من البضائع ذات السعر المقنن الذي تحدده السلطات العمومية عن طريق التنظيم و عليه فالمشرع استبعد من مجال تطبيق جريمة المضاربة غير المشروعة البضائع ذات السعر المقنن ،و هي تلك السلع التي تكون هوامش الربح فيها محددة عند الإنتاج أو التوزيع ،و هي بالتالي في منأى عن تقلبات السوق و لا تخضع لقانون العرض و الطلب و لا تكون محلا للمضاربة .
غير أن ندرتها و تذبذب التموين بها يجعلها هدفا لتلاعبات التجار و للمضاربة فيها استغلالا لحاجة الناس إليها أبشع استغلال فيتلاعبون فيها و في أسعارها لجني أرباح من وراء ذلك.
ثالثا : الركن المعنوي لجريمة المضاربة غير المشروعة :
لا يكفي لقيام جريمة ما ارتكاب عمل مادي بل لا بد أن يصدر عن إرادة الجاني هذه العلاقة تشكل ما يسمى بالركن المعنوي ،و هو الجانب النفسي للجريمة فبالإضافة إلى قيام الواقعة المادية التي تخضع للتجريم و صدورها عن إرادة فاعلها بحيث يمكن أن يقال بأن الفعل هو نتيجة لإرادة الفاعل، أي أن الجريمة هذه عمديه، فلا بد فيها من اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة و هي هنا جريمة المضاربة غير المشروعة مع العلم بتوافر أركانها كما يتطلبها القانون أو الشروع في ارتكابها بإحداث عرقلة لحرية المنافسة و قانون العرض و الطلب من خلال خلق اضطرابات في الأسعار بخفضها و رفعها، فإذا توافر العلم و الإرادة قام القصد الجنائي العام ، أما القصد الجنائي الخاص فهو أن يتوافر لدى الجاني نية تحقيق غاية معينة من الجريمة أو هدف يبتغيه و هو اتجاه إرادة الجاني من وراء استعمال تلك الوسائل الاحتيالية.
ويتمثل القصد الجنائي الخاص في اتجاه إرادة الجاني إلى خلق اضطرابات في الأسعار برفعها أو بخفضها بهدف تحقيق غاية و هي الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي لقانون العرض و الطلب و السير العادي للسوق و تقلباته أو الشروع في ذلك "، و على القاضي ألا يكتفي بإثبات أن مرتكب الجريمة على علم بالنتيجة التي قد يحصل عليها، أو حصل عليها فحسب، بل عليه أن يثبت أنه أرادها و أن نيته قد اتجهت إلى تحقيقها من خلال لجوئه إلى هذه التصرفات الاحتيالية.
يرى بعض الفقه أن الركن المعنوي في مثل هذه الجرائم الماسة بالاقتصاد يتضاءل دوره، حيث انه حرصا على تنفيذ السياسة الاقتصادية للدولة، المشرع لا يتقيد بالأحكام المقررة بالقانون العام و يكتفي هنا بتجريم السلوك الإجرامي و النتيجة الضارة المترتبة عنه و علاقة السببية بينهما.