مفهوم الغرامة التهديدية تعريف الغرامة التهديدية
هي عبارة عن مبلغ مالي يحكم به القاضي على المدين يحتسب عن كل مدة زمنية معينة يتأخر فيها المدين عن تنفيذ إلتزامه عينا.
وعلى هذا الأساس تعد الغرامة التهديدية وسيلة ضغط على إرادة المدين، وهي بذلك وسيلة غير مباشرة للحصول غلى التنفيذ العيني للإلتزام، كما أن ما يميزها أنها غير محدة المقدار، بحيث تخضع للتقدير التحكمي للقاضي الذي يحكم بها.
هي وسيلة غير مباشرة من وسائل التنفيذ الجبري تسري أحكامها وقواعدها على كل إلت ا زم بعمل أو إمتناع عن عمل متى كان الوفاء به عينا لايزال ممكنا، وكان هذا الوفاء يقتضي تدخل المدين نفسه، حيث تسلط على مال المدين، وذلك بتدخل القاضي والحكم بغرامة يومية يدفعها المدين عن كل يوم تأخير في التنفيذ، وذلك إلى أن ينفذ كل ما إلتزم به إتجاه الدائن.
ونظمها المشرع الجزائري في المواد 174 من القانون المدني و 625 ،980 ،981، 982 ، 983 ،984 ،985 ،986 من قانون إجراءات مدنية و إدارية.
- وعليه تعتبر الغرامة التهديدية وسيلة منحها القانون لصاحب الحق المقضى به لكي يطالب أمام القضاء بإجبار المحكوم عليه بالحق بأن يسارع في عملية التنفيذ العيني متى كان ذلك ممكنا في مدة معينة، وبالتالي فإن الغرامة التهديدية تعتبر ضمانة لتنفيذ الأحكام القضائية ، لها طابع خاص يجعلها متميزة عن مفهوم العقوبة والتعويض.
النصوص القانونية :
المادة 174 ق م : إذا كان تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم الا إذا قام به المدين نفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم بالزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع غرامة اجبارية إن امتنع عن ذلك.
وإذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافيا لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعيا للزيادة.
المادة 625 ق إ م إ : دون الإخلال بأحكام التنفيذ الجبري ، إذا رفض المنفذ عليه تنفيذ التزام بعمل، أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل، يحرر المحضر القضائي محضر امتناع عن التنفيذ، ويحيل صاحب المصلحة إلى المحكمة للمطالبة بالتعويضات، أو المطالبة بالغرامات التهديدية ما لم يكن قد قضي بها من قبل .
المادة 980 ق إ م إ : يجوز للجهة القضائية الإدارية ، المطلوب منها اتخاذ أمر بالتنفيذ وفقا للمادت ين 978 و 979 أعلاه ، أن تأمر بغرامة تهديدية مع تحديد تاريخ سريان مفعولها .
المادة 981 ق إ م إ : في حالة عدم تنفيذ أمر أو حكم أو قرار قضائي ، ولم تحدد تدابير التنفيذ ، تقوم الجهة القضائية المطلوب منها ذلك ، بتحديدها ، ويجوز لها تحديد أجل للتنفيذ والأمر بغرامة تهديدية .
المادة 982 ق إ م إ : تكون الغرامة التهديدية مستقلة عن تعويض الضرر .
المادة 983 ق إ م إ : في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي ، أو في حالة التأخير في التنفيذ، تقوم الجهة القضائية الإدارية بتصفية الغرامة التهديدية التي أمرت بها .
المادة 984 ق إ م إ : يجوز للجهة القضائية تخفيض الغرامة التهديدية أو إلغائها ، عند الضرورة .
المادة 985 ق إ م إ : يجوز للجهة القضائية أن تقرر عدم دفع جزء من الغرامة التهديدية إلى المدعي، إذا تجاوزت قيمة الضرر ، وتأمر بدفعه إلى الخزينة العمومية .
المادة 986 ق إ م إ : عندما يقضي الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به بإلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة ، بدفع مبلغ مالي محدد القيمة ، ينفذ طبقا للأحكام التشريعية السارية المفعول.
ويشترط في اللجوء للغرامة التهديدية توافر أربعة شروط وهي :
أولا: أن يمتنع المدين عن تنفيذ إلتزامه عينا، سواء كان الإلتزام القيام بعمل أو الإمتناع عنه.
ثانيا : أن يكون التنفيذ العيني للإلتزام مازال ممكنا.
وهذا شرط بديهي إذ المقصود من الغرامة إجبار المدين على التنفيذ العيني، فمتى كان هذا الأخير مستحيلا، لم يعد للغرامة جدوى ولوجب اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض.
ثالثا: أن يكون إلتزام المدين شخصيا.
أي أنه يشترط للتنفيذ العيني للإلتزام تدخل المدين شخصيا ولا يمكن للغير أن يقوم مقامه في هذا التنفيذ كالتزام فنان برسم لوحة فنية، أو بالتمثيل في فيلم أو مسرحية.....إلخ
رابعا: أن يطلب الدائن من القضاء الحكم على المدين بالغرامة التهديدية.
وعلى هذا لا يقضي بها القاضي من تلقاء نفسه.
مقدمة
المبحث الأول : الطابع العام لمفهوم الغرامة التهديدية
المطلب الأول : تعريف الغرامة التهديدية ومميزاتها
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية ومجال تطبيقها
المبحث الثاني : الحكم بالغرامة التهديدية وتطبيقها
المطلب الأول : الحكم بالغرامة التهديدية
المطلب الثاني : تطبيق الغرامة التهديدية على الأشخاص المعنوية العامة
خاتمة
مقدمة :
اختلاف الفقه و القضاء في تعريف الغغامة التهديدية دفع بالبعض إلى الخلط بينها و بين مصطلح العقوبة و التعويض .
عموما مهما توافرت نقاط التشابه بين هذه المصطلحات و مصطلح الغرامة التهديدية ، فإن نقاط الاختلاف بينهما كثيرة و هي التي حسمت أمر الخلط بينهما.
المشرع الجزائري من خلال قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أدرج الغرامة التهديدية تحت عنوان " تنفيذ أحكام الجهات القضائية الإدارية " ومنه اعتبرها مجرد اكراه مالي يهدف الضغط على المحكوم عليه الممتنع عن التنفيذ قصد إرغامه على التنفيذ.
من خلال موقف المشرع الجزائري من الغرامة التهديدية ، فإننا نستشف توسع صلاحية القاضي الإداري التي أخذت طريق التوسع ، حيث وصلت إلى توجيه القاضي الإداري أوامر للإدارة في كل حالة من حالات الاعتداء المادي و الاستيلاء غير الشرعي.
غالبا ما كانت الإدارة ترضخ أمام الأحكام القضائية الصادرة ضدها، ولكنه ظل من الممكن رؤية كثير من حالات عد التنفيذ وذلك نظرا لتمتعها بالسلطات الاستثنائية.
أمام تعنت الإدارة وتعسفها تم البحث عن وسيلة لضمان احترام الأحكام القضائية والعمل على تنفيذها كذلك المشرع الفرنسي، وحرصا منه على ضمان تنفيذ أحكام القضاء الإداري الصادرة ضد الإدارة ابتكر أسلوب الغرامة التهديدية ومنح سلطة توقيعها إلى القضاء الإداري .
إذا كان المشرع الفرنسي قد اعترف بتطبيق الغرامة التهديدية في مواجهة الأشخاص العامة الرافضة لتنفيذ الأحكام القضائية.
فما هو موقف المشرع الجزائري من توقيع الغرامة التهديدية ضد الأشخاص المعنوية العامة الرافضة لتنفيذ الأحكام القضائية ؟
المبحث الأول: الطابع العام لمفهوم الغرامة التهديدية
يقتضي تحديد مفهوم الغرامة التهديدية تعريفها واستخراج أهم مميزاتها، واستكمالا لمفهومها يجب تميزها عن بعض النظم والمفاهيم المشابهة لإزالة كل لبس و غموض قد يؤدي إلى الخلط، وقد أدى هذا الخلط واللبس بين الغرامة التهديدية وغيرها من الأنظمة المشابهة إلى إعطائها من قبل الفقه طبيعة تختلف عن طبيعتها الحقيقية، ولذلك سوف نحدد طبيعتها القانونية الحقيقية وذلك في التشريع الجزائري ومجال تطبيقها .
المطلب الأول : تعريف الغرامة التهديدية ومميزاتها
لم يقدم المشرع بصفة عامة والمشرع الجزائري تعريفا قانونيا للغرامة التهديدية سواء في قانون الإجراءات المدنية أو في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لذلك يستوجب الرجوع إلى الفقه والقضاء لتحديده، وانطلاقا منه نستخرج أهم مميزاتها ثم نبحث في التفرقة بينها وبين النظم القانونية المشابهة .
الفرع الأول : تعريف الغرامة التهديدية
اختلف تعريف الغرامة التهديدية بين الفقه ، والقضاء .
أولا : التعريف الفقهي :
وجدت عدة تعريفات فقهية من بينها:
« الغرامة التهديدية هي مبلغ من المال يحكم القاضي على المدين بدفعه عن كل يوم أو أسبوع أو أشهر أو أي وحدة زمنية أخرى يمتنع فيها المدين عن التنفيذ العيني الذي حكم به مقترنا بتلك الغرامة».
ويعرفها السنهوري بأنها : « وسيلة لإكراه المدين وحمله على تنفيذ الالتزام الواقع على عاتقه عينا من طالبه الدائن، وصورتها أن يلزم القضاء المدين بتنفيذ الالتزام بعمل أو امتناع عن عمل أيا كان مصدره، ويمهله لذلك مدة زمنية فإذا تأخر عن الوفاء ألزمه بدفع غرامة عن كل يوم أو أسبوع أو أشهر أو وحدة زمنية بعينها، وذلك متى كان التنفيذ العيني ما زال ممكنا ويقتضي لذلك تدخل المدين شخصيا ».
أما منصور مجد احمد فيرى بأنها :« عقوبة مالية تبعية تحدد بصفة عامة عن كل يوم تأخير ويصدرها القاضي بقصد ضمان تنفيذ حكمه أو حتى بقصد ضمان تنفيذ أي إجراء من إجراءات التحقيق».
ثانيا : التعريف القضائي :
يتضمن قرار صادر عن مجلس الدولة مايلي :
« حيث أنه وفي الأخير، وبما أن الغرامة التهديدية التزام ينطق القاضي به كعقوبة فإنه ينبغي أن يطبق عليها مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات وبالتالي يجب سنها بقانون.
حيث أنه لا يجوز للقاضي في المسائل الإدارية النطق بالغرامة التهديدية ما دام لا يوجد أي قانون يرخص صراحة بها، وأن القرار المستأنف بإرفاقه قرار الطرد بغرامة تهديدية قد تجاهل هذا المبدأ، مما يستوجب بالنتيجة قبول طلب وقف التنفيذ » .
وعليه من خلال هذا القرار نجد أن القضاء اعتبر أن الغرامة التهديدية بمثابة عقوبة وتخضع لمبدا قانونية الجرائم والعقوبات وفقا للمادة الأولى من قانون العقوبات، وبالتالي فيمنع على القاضي الإداري النطق بعقوبة غير منصوص عليها في قانون العقوبات.
ومن خلال هذه المجموعة من التعريفات يمكن حصر أهم مميزات الغرامة التهديدية في النقاط الأساسية التالية :
1- الغرامة التهديدية ذات طابع تحكمي وتهديدي
ويعني ذلك أن الغرامة التهديدية يقدرها القاضي تقديرا تحكيميا لا يتقيد فيه إلا بمراعاة قدرة المدين على المقاومة أو المماطلة في التنفيذ، والقدر الذي يرى أنه منتج في تحقيق غايتها، وهي إخضاع المدين وحمله على أن يقوم بتنفيذ التزامه عينا.
فسلطة القاضي في هذا الجانب واسعة جدا، فقد يحدد القاضي مبلغا للغرامة التهديدية لا يتناسب والضرر، بل وقد لا يشترط وجود الضرر أصلا، وأكثر من ذلك فإنه يجوز للقاضي إن تبين له أن المبلغ المحكوم له كغرامة تهديدية غير كاف لحمل المدين على التنفيذ أن يرفع من قيمته متى طلب الدائن ذلك، وكل هذا بغية الضغط على المدين وإجباره على التنفيذ العيني، وهو ما يجعل الغرامة التهيدية ذات طابع تهديدي.
2- الغرامة التهديدية تقدر على كل وحدة من زمن
أي أن الغرامة التهديدية تقدر عن كل فترة أو زمن يتأخر فيه المدين عن تنفيذ إلتزامه، ولذلك فلا يمكن تحديد مقدارها الإجمالي أو النهائي يوم صدور الحكم، لأن ذلك يتوقف على موقف المدين، فمقدارها النهائي يرتفع مع كل يوم يتأخر فيه المدين عن التنفيذ بمعنى أن الغرامة التهديدية لا تقدر مجملا دفعة واحدة، لأنها مرتبطة بموقف المدين، بحيث يكون المدين على علم بأنه كلما طال وقت تأخره عن التنفيذ كلما تحقق معنى التهديد وكلما زاد مبلغ الغرامة التهديدية المحكوم به.
3- الغرامة التهديدية ذات طابع مؤقت
الحكم بالغرامة التهديدية لا يكون إذا أوفى المدين بالتزامه، ومنه فإذا تبين المدين من موقفه أنه مصر على التخلف في التنفيذ، فإن القاضي سيقوم بتصفية الغرامة التهديدية، فهي ليست إلا وصفا مؤقتا مصيره الزوال.
وفي الأخير انطلاقا من هذه المميزات سنبحث في التفرقة بين الغرامة التهديدية وبعض النظم القانونية المشابهة الأخرى.
الفرع الثاني : تميز الغرامة التهديدية عن النظم المشابهة :
اعتقد البعض أن الغرامة التهديدية عبارة عن عقوبة وهو ما يستدعي التمييز بينهما، كما أن القضاء الفرنسي كان يخلط بينها وبين التعويض، وذلك ليجد مبررا لتطبيقها غير أنه شتان بين النظامين لذلك يجب التفرقة بينها وبين التعويض.
أولا : التمييز بين الغرامة التهديدية والعقوبة
إن الغرامة التهديدية ليست عقوبة، وإن كانت تسميتها قد تؤدي إلى الاعتقاد أنها كذلك، وأن مجلس الدولة قد صرح في إحدى قراراته أن الغرامة التهديدية التزام وينطق القاضي كعقوبة وبالتالي فإنه ينبغي أن ينطبق عليها مبدا قانونية الجرائم والعقوبات.
إذا اعتبرنا الغرامة التهديدية مجرد عقوبة مثلما ذهب إليه مجلس الدولة فلا بد وبكل بساطة معرفة النص الجنائي الذي كرسها والنص الذي الذي جرم الأفعال التي ترتبط بها، وهذا استنادا إلى المبدأ المنصوص عليه في قانون العقوبات، والذي ينص على أنه «لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص ».
وعموما :
إن العقوبة نهائية ويجب تنفيذها كما نطق بها، أما الغرامة التهديدية فهي ذات طابع وقتي ولا تنفذ إلا عندما تتحول إلى تعويض نهائي مرتبط بفكرة الخطا القاضى لمقدار التعويض.
ثانيا : التمييز بين الغرامة والتعويض
تختلف الغرامة التهديدية عن التعويض من حيث الغرض، ومن حيث التقدير، وذلك
على النحو التالي :
أ- فمن حيث الغرض :
إذا كان الغرض من التعويض هو جبر الضرر وإصلاحه، فإن الغرامة التهديدية تهدف إلى جبر المدين على التنفيذ العيني.
ب - أما من حيث تقدير القيمة : فإن القاضي عند تقديره للتعويض مقيد بالقواعد القانونية التي تلزمه أن يراعي ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة، إلا أنه وعلى العكس من ذلك فإنه عند تقدير الغرامة التهديدية لا يأخذ بالحسبان عنصر الضرر، وإنما تقديره يتعلق بإمكانية حمل المبلغ المحكوم به للمدين نحو التنفيذ العيني، والقضاء على تعنته وإذا لم تكن الغرامة التهديدية عقوبة ولا تعويضا، فما هي إذن طبيعتها؟
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية ومجال تطبيقها :
إذا كانت الغرامة التهديدية تمثل وسيلة لإجبار المدين المتعنت على التنفيذ العيني، كما نعر وسيلة لضمان تنفيذ بعض أحكام القضاء ، فما هو مجال تطبيقها .
الفرع الأول: الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية :
تتحدد الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية بالصورتين التاليتين:
أولا: الغرامة التهديدية هي حق في دعوى قضائية مسماة
إن حق التقاضي هو حق عام مكرس ومضمون دستوريا بينما الدعوى هي الوسيلة التي يتقاضى بها الشخص حقوقه وكل حق تقابله دعوى والمشرع لم يعتن بتنظيم جميع الدعاوى مثلما اعتنى بتنظيم الحقوق، لكنه اعتنى بتنظيم بعض الدعاوى وخصصها باسم معين.
دعوى الغرامة التهديدية مثلها مثل دعاوى الحيازة والدعاوى الإدارية، هي دعوى يمكن وصفها على أنها دعوى مسماة لكون المشرع فصل شروطها في قانون الإجراءات المدنية و الادارية.
فطبقا لنص المادة 981 والمادة 987 أن دعوى الغرامة التهديدية هي حق لهل محكوم له تجاهالمحكوم عليه عندما يمتنع هذا الأخير عن تنفيذ التزامه أو يخالفه.
هذه المواد السابقة الذكر نظمت شروط هذا الحق وهي :
أ- أن يكون الالتزام ثابتا بموجب مقرر.
ب - أن يكون الالتزام متعلقا بأداء عمل أو بالامتناع عن عمل.
ج - أن يرفض المحكوم عليه تنفيذ الالتزام بعمل.
د - أو أن يكون يخالف المحكوم عليه التزام الامتتاع عن القيام بعمل.
ه - أو يثبت حالة الامتناع عن التنفيذ أو حالة مخالفة الالتزام بواسطة القائم بالتنفيذ.
ونظرا لفعالية وسيلة الغرامة التهديدية في الحصول على تنفيذ المقررات، ونظرا لكون التأسيس القانوني لدعاوي الغرامة التهديدية يستند إلى وجود مقررات قضائية إدارية تنفيذية تتجلى بالمصداقية، خول المشرع من خلال قانون الإجراءات المدنية لقاضي الأمور المستعجلة اختصاص الفصل في الدعاوى الخاصة بها وذلك بموجب المادة 471 الفقرة الثانية، مع أنه لم يكن للقاضي الاستعجالي تصفية الغرامة التهديدية المقررة بل منح هذا الاختصاص إلى قاضي الموضوع بسبب أن الأوامر المستعجلة التي يشترط فيها عدم المساس بأصل الحق وهذا ما كان محل اختلاف من خلال المادة 983 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث تناولت هذه المادة الأخيرة أن في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي للمقرر أو التأخر في التنفيذ فتقوم الجهة القضائية الإدارية بتصفية الغرامة التهديدية التي أمرت بها، فقد تكون الجهة القضائية الإدارية التي حكمت بها القضاء الاستعجالي الإداري، وحسب المادة هي التي تقوم بتصفية الغرامة التهديدية وهذا فيه مساس بأصل الحق ويخرج عن طبيعة الأوامر الاستعجالية.
ثانيا : الغرامة التهديدية وسيلة الإجبار على التنفيذ
أدرج المشرع الجزائري من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية المادة 980 تحت باب عنوان في تنفيذ أحكام الجهات القضائية الإدارية"، وعليه فإن الغرامة التهديدية هي وسيلة من وسائل التنفيذ المباشر، لكن في مقابل ذلك فهي مجرد إكراه مالي يهدف للضغط على المحكوم عليه الممتتع عن التنفيذ قصد إرغامه على التنفيذ ولا يمكن أن ترقى أو تحل محل الوسائل المباشرة للتنفيذ مثل إعطاء شيء و يمكن استنتاج أن الغرامة التهديدية ليست جزاء أو لا عقوبة وإنما هي وسيلة من وسائل التنفيذ المباشر.
الفرع الثاني : نطاق تطبيق الغرامة التهديدية :
إن تحديد نطاق تطبيق الغرامة التهديدية يستوجب تحديد نوع الأحكام أو القرارات التي تساهم في تنفيذها ثم نتطرق إلى نوع الالتزامات التي تتضمنها هذه الأحكام والقرارات التي لا تنفذ إلا بتدخل المنفذ عليه وبالتالي يكون محلا للتنفيذ العيني بواسطة الغرامة التهديدية.
أولا : الأحكام والقرارات التي تطبق فيها الغرامة التهديدية
تنقسم الأحكام والقرارات القضائية إلى أحكام تقريرية وأحكام منشئة وأخرى ملزمة وانطلاقا من هذه الأنواع وبالرجوع إلى خصائص كل منها، فإنه يتعين استبعاد الأحكام أو القرارات المنشئة أو المقررة من مجال تطبيق الغرامة التهديدية باعتبار أنهما وبمجرد النطق بهما يشبعان حاجة المحكوم له من الحماية القضائية وبالتالي لا حاجة للضغط المالي على المحكوم عليه لتنفيذ التزامه.
وعليه مما سبق ذكره فإن القرارات أو أحكام الالتزام دون سواها يمكن أن تكون محلا للتنفيذ بواسطة الغرامة التهديدية، بدليل أحكام المادة (174) من القانون المدني والتي نصت على أنه يجوز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بالتنفيذ ويدفع هذا الأخير غرامة إجبارية إن امتنع عن ذلك.
ثانيا : من حيث نوع الالتزام
كما سبق وأن ذكرنا فإن الأحكام والقرارات التي تتضمن إلزاما هي النوع الوحيد الذي يمكن أن يكون محلا للتنفيذ بواسطة الغرامة التهديدية، لكن السؤال المطروح أي نوع من الالتزامات يمكن أن يكون محلا للتنفيذ بواسطة الغرامة التهديدية؟
للإجابة على هذا السؤال يستدعي الأمر التطرق للصور المختلفة للالتزام، حتى نتمكن في النهاية إلى حصر الالتزامات التي يمكن تنفيذها عن طريق الغرامة التهديدية.
أ- صور الالتزام :
تعرض الفقه إلى تعريف الالتزام بأنه : «حالة قانونية يرتبط بمقتضاها شخص معين بالقيام بعمل أو الامتتاع عن عمل ».
استنادا إلى التعريف السالف الذكر وكذا نص المادة (54) من القانون المدني، يمكن القول أن هناك ثلاث صور من الالتزام هي:
-1الالتزام بإعطاء شيء :
يلتزم المدين بإعطاء شيء عن طريق القيام بعمل معين يتمثل في إنشاء حق عيني أو نقل حق عيني وارد على شيء، إذن هو الالتزام بعمل يتعلق بشيء وقد يكون هذا الشيء منقولا أو عقارا.
2- الالتزام بعمل :
هذا الالتزام يأخذ عدة صور، وهذا التعدد يرجع إلى اختلاف الطريقة التي يتم بها التتفيذ العيني لمثل هذا النوع من الالتزام، فقد يكون محل هذا الالتزام المحافظة على الشيء أو إدارة الشيء، وقد يكون محله إنجاز عمل معين وفي هذه الحالة فإن تنفيذ الالتزام قد يستدعي التدخل الشخصي للمدين أو العكس.
-3الالتزام بالامتناع عن عمل :
يتعهد بمقتضاه المدين بعدم القيام بعمل معين، كالتزام هيئة إدارية بعدم إقامة مشروع في أرض للخواص، لأن إقامته ستؤدي إلى إلحاق ضرر بأملاكهم الخاصة، فطالما لم تقم هذه الهيئة بإنجاز هذا المشروع تكون قد نفذت التزامها تنفيذا عينيا.
ب - لالتزامات التي تكون محلا للتنفيذ بواسطة الغرامة التهديدية :
إن المشرع الجزائري قد حدد مجال تطبيق الغرامة التهديدية من حيث نوع الالتزام استنادا إلى نص المادة (174) من القانون المدني التي تقضي بأنه: «إذا كان تنفيذ الالتزام عينيا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع غرامة إجبارية إذا امتنع عن ذلك».
انطلاقا من هذا النص يتضح أن المشرع استبعد الالتزام بمنح أو إعطاء شيء من نطاق تطبيق الغرامة التهديدية، لأنه لا يتطلب التدخل الشخصي للمدين لتنفيذه عينيا، وقد حدد المشرع طرق الوصول إلى التنفيذ العيني في هذا النوع من الالتزام، وعليه كلما أمكن تنفيذ الالتزام عينا دون أن يتطلب ذلك التدخل الشخصي للمدين كالحالات التي يتم فيها بقوة القانون أو بواسطة السلطة العامة، أو عن طريق الحجز، فإنه لا يمكن الحكم بالغرامة التهديدية للوصول للتنفيذ لانتفاء المصلحة والغاية المرجوة.
وبالتالي يدخل ضمن نطاق التنفيذ بواسطة الغرامة التهديدية الالتزام بعمل أو الامتناع عن العمل متى كان التنفيذ العيني متوقفا على التدخل الشخصي للمدين وإلا كان مستحيلا أو غير ملائم.
المبحث الثاني : الحكم بالغرامة التهديدية وتطبيقها :
بعد أن تطرقنا إلى تحديد نوع القرارات والالتزامات التي يمكن تنفيذها بواسطة الغرامة التهديدية، سنتطرق إلى تبيان الحكم بالغرامة التهديدية ثم نبين مسألة تطبيق الغرامة على الأشخاص المعنوية العامة التي عرفت نقاشا فقهيا وقضائيا حادا .
المطلب الأول : الحكم بالغرامة التهديدية :
الحكم بالغرامة التهديدية يتحدد بالنظام الإجرائي العام للغرامة التهديدية ومدى سلطة القاضي عند الحكم بالغرامة التهديدية.
الفرع الأول : النظام الإجرائي العام للغرامة التهديدية :
حدد النظام الإجرائي العام للغرامة التهديدية بالجهة القضائية المختصة في توقيع الغرامة التهديدية، وكذا الشروط الواجب توافرها وتحقيقها.
أولا : الجهة القضائية المختصة في توقيع الغرامة التهديدية
يعتبر تحديد الجهة القضائية المختصة بالفصل في الغرامة التهديدية مسالة إجرائية، تتطلب البحث في القواعد الإجرائية المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية وكذا قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ففي قانون الإجراءات المدنية نجد المادة 471 بفقرتيها وفي قانون الإجراءات المدنية والإدارية من المادة 980 إلى 987 منه جاءت بالجهة القضائية دون تحديد، وهذا يعني أن الجهة القضائية المختصة بالفصل في الغرامة التهديدية في القانونين هي القضاء الإداري وكذا القضاء الاستعجالي الإداري.
أ- اختصاص القضاء الإداري في توقيع الغرامة التهديدية :
تختص المحاكم الإدارية في جميع الدعاوى التي تكون الدولة ، الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ( المادة 800 و المادة 801 ) من قانون الإجراءت المدنية والإدارية.
تبعا لذلك فإن الغرفة الإدارية على مستوى المجلس القضائي تختص بالفصل في المنازعات ذات الطابع الإداري، وذلك إلى حين التنصيب الفعلي للمحاكم الإدارية.
وإذا كانت مسالة توقيع الغرامة التهديدية على الأفراد لا تثير إشكالا بغض النظر عن الجهة التي قضت بها، فإن مسالة تحديد الجهة القضائية الإدارية المختصة بالفصل في الغرامة التهديدية من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية لم يكن دقيقا حيث أن المشرع الجزائري في المادتين 978 و 979 من نفس القانون استعمل مصطلح الحكم والقرار ، وانطلاقا من هذا فإنه يمكن لمجلس الدولة باعتباره مصدر القرار ، ويمكن للمحكمة الإدارية باعتبارها مصدرة الحكم أن تقوم بتوقيع الغرامة التهديدية.
كما سمح المشرع الجزائري في نفس القانون للقاضي الاستعجالي بتوقيع الغرامة التهديدية لضمان تنفيذ الأوامر الاستعجالية الصادرة عنه المادة 921 الفقرة 01 .
للبمحافظة على الحريات الأساسية المنتهكة من الأشخاص معنوية أثناء ممارسة سلطاتها المادة 920 الفقرة 01 .
ب - اختصاص قضاء الاستعجال في توقيع الغرامة التهديدية :
إن مسألة اختصاص القضاء الاستعجالي بتوقيع الغرامة التهديدية من المسائل التي عرفت نقاشا حادا على المستوى الفقهي بين الرافضين لمنح هذا الاختصاص وبين المطالبين بمنحه، غير أن المشكل لا يطرح في القانون الجزائري لأن المشرع حسم الأمر، بإعطائه صراحة الاختصاص بتوقيع الغرامة التهديدية لقاضي الأمور المستعجلة في المادة 471 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات المدنية، وفقا للمواد 980 و 981 و 983 و984 و985 و 987 من قانون الإجراءات المدنية الإدارية.
ومن بين التبريرات التي قدمها الفقه لاختصاص قاضي الاستعجال في توقيع الغرامة التهديدية والتي كانت بمثابة الرد على الانتقادات التي وجهها الرافضون لمنحه إياها :
1- إن قاضي الاستعجال بإصداره للغرامة التهديدية يضمن بذلك تنفيذ الأوامر الوقتية التي يصدرها خاصة وأن الغرامة التهديدية من أهم مميزاتها أن لها الطابع الوقتي، فالهدف منها هو تسريع إجراءات التنفيذ.
2- أعطى المشرع الاختصاص للقاضي الاستعجالي في توقيع الغرامة التهديدية، على أن يتم تصفيتها ومراجعتها أمام قضاة الموضوع، كما أن الأحكام الصادرة عن القاضي الاستعجالي نفسها لها طابع وقتي تحتاج البت فيها من قاضي الموضوع مما يقع معه عدم إستبعاد اختصاص القاضي الاستعجالي في إصدار وتوقيع الغرامة التهديدية ليضمن بها تنفيذ أوامره.
ويطرح تساؤل عما إذا كان اختصاص القاضي الاستعجالي في إصدار الغرامة التهديدية مناطا بضمان تنفيذ الأوامر المستعجلة الصادرة عنه في إطار الدعوى الاستعجالية أم أنه يمكن له أن يوقع الغرامة التهديدية لضمان تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن قضاة الموضوع أيضا؟
من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية فالمشرع سمح إذا طلب من القاضى الاستعجالي توقيع الغرامة التهديدية لضمان تنفيذ الأوامر الاستعجالية الصادرة عنه أو الأحكام والقرارات الصادرة عن قضاة الموضوع لأن وردت "الجهة القضائية المطلوب منها ذلك "، أي بمجرد الطلب لها توقيع الغرامة التهديدية " وليس الجهة القضائية أصدرت الحكم أو القرار أو الأوامر ويطلب منها "، وبالتالي فيمكن ذلك.
إن اختصاص القاضي الاستعجالي استناد إلى المواد 980، 981، 983، 984، 985، 987 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وليس على أساس لابد من توافر عنصر الاستعجال حسب ما تقتضيه المادة 924 من قانون الإجراءات المدينة الإدارية،.
ثانيا : شروط الحكم بالغرامة التهديدية :
منح المشرع الجزائري القاضي سلطة توقيع الغرامة التهديدية قصد ضمان تنفيذ المقررات القضائية الإدارية التي أحاطها بجملة من الشروط وهي:
أ- طلب المحكوم له توقيع الغرامة التهديدية.
ب - رفض الإداري تنفيذ الالتزام الواقع على عاتقها من المقرر القضائي الإداري.
ج- احترام الآجال في طلب توقيع الغرامة التهديدية.
د - مضمون المقرر القضائي الإداري بالقيام بعمل أو الامتناع عن العمل.
أ- طلب المحكوم له توقيع الغرامة التهديدية :
يتقدم المحكوم له بطلب توقيع الغرامة التهديدية وهذا ما نجده منصوصا عليه المواد 980 و981 و987 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لأن العبارة جاءت الجهة "... القضائية المطلوب منها ذلك... " أي بمجرد الطلب ، لها توقيع الغرامة التهديدة.
أما المشرع الفرنسي وبموجب قانون رقم 80-198 المؤرخ في 16 جويلية 1980 فقد اعترف القاضي الإداري بسلطة توجيه الأوامر للإدارة ، أي أنه جعل الاختصاص بالحكم بالغرامة التهديدية لسلطة مجلس الدولة وحده.
ولم يقف المشرع عند هذا الحد بل أصدر قانون 125 لسنة 1995 المؤرخ في 08 فيفري 1995 واعترف لمحاكم القضاء الإداري بمجلس الدولة ، ومحاكم الاستئناف الإدارية والمحاكم الإدارية بسلطة توجيه أوامر للإدارة بفرض الغرامة التهديدية.
ب - رفض الإدارة تنفيذ المقرر القضائي الإداري :
أدرج المشرع الجزائري الغرامة التهديدية لضمان تنفيذ المقررات القضائية الإدارية، لأنه عندما تقوم الإدارة بالتنفيذ فما الفائدة من توقيع الغرامة التهديدية؟ وهذا ما حثت عليه المادتان 981 و987 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن لا يمكن توقيع الغرامة التهديدية إلا بعدم تنفيذ أو بعد رفض التنفيذ للأمر أو الحكم أو القرار القضائي الإداري وهي المسألة التي سنحاول شرحها أكثر عند التحدث عن أجال بدء سريان الغرامة التهديدية.
ج - احترام الآجال في طلب الغرامة التهديدية :
فرق المشرع الفرنسي بين ميعاد طلب الغرامة التهديدية أمام مجلس الدولة الفرنسي أو أمام المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية الإستئنافية.
الميعاد بالنسبة لتقديم طلب الغرامة التهديدية إلى مجلس الدولة، هو 6 أشهر أي أن طلب الغرامة لا يجوز تقديمه إلا بعد 6 أشهر من تاريخ تبليغ القرار المطلوب تنفيذه، أما بالنسبة للطلبات التي تقدم إلى المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية فهو 3 أشهر، انقضاء مدة معينة بعد إعلان الحكم أو القرار، قبل وبالتالي فإن القاعدة العامة هي ضرورة رفع دعوى الغرامة التهديدية في حالة عدم تنفيذ الحكم أو القرار، والاستثناء هو عدم تطلب انقضاء أي مدة بعد إعلان الحكم أو القرار وهذا الوضع يكون بالنسبة للأحكام التي تأمر باتخاذ إجراءات عاجلة فالحكمة من اعتراف المشرع بإمكانية رفع الغرامة التهديدية دون انتظار انقضاء الأجال بالنسبة لهذه الأحكام أو القرارات هي أنها لا تحتمل أي تأخير في تنفيذها أي أن الطلبات أمام القضاء الاستعجالي لا تتقيد بمهلة محددة.
لم يحدد المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية أجالا معينة لكن في المادتين 988 و987 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية حدد آجال كالتالي :
1- انقضاء 3 أشهر عند رفض الإدارة بعد تبليغها رسميا للقرار القضائي الإداري.
2- في حالة تحديد الجهة القضائية الإدارية في حكمها محل التنفيذ أجلا للإدارة للتنفيذ فلا يجوز تقديم طلب الحكم بالغرامة التهديدية إلا بانقضاء هذا الأجل.
3- في حالة تقديم تظلم إلى الإدارة ورفض هذه الأخيرة للتظلم فيبدا عندها حساب أجل الثلاثة أشهر.
ثالثا : مضمون طلب الغرامة التهديدية القيام بعمل أو الامتناع عنه :
يقدم طلب الغرامة التهديدية إلى الجهة القضائية الإدارية من أجل إلزام الإدارة بتنفيذ الحكم أو القرار القضائي الإداري الحائز لقوة الشيء المقضي به الذي يتضمن القيام بعمل أو الامتتاع عن عمل، فقد قررت المادة 986 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أن الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به بإلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة بدفع مبلغ مالي محدد القيمة ينفذ طبقا للأحكام التشريعية السارية المفعول أي طبقا للقانون 91-02 الصادر بتاريخ 8 يناير 1991 المحدد للقواعد الخاصة المطبقة على بعض أحكام القضاء، فلا يطلب بشأنها توقيع الغرامة التهديدية في ظل قانون الإجراءات المدنية لا تطبق الغرامة التهديدية قصد تنفيذ حكم قضائي ناطق بدفع دين نقدي وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا.
الفرع الثاني : سلطات القاضي عند الفصل في النزاع وتكييفه :
تتوسع سلطات القاضي الإداري عند الفصل في النزاع ويختلف تكييفه لذلك:
أولا : سلطات القاضي عند الفصل في النزاع :
يتمتع القاضي الإداري بسلطة تقديرية واسعة، فللجهة القضائية إن تقدره حسب ظروف الدعوى مادام الهدف منها هو حمل الإدارة على التتنفيذ العيني، فالقاضي إن يرفض توقيعها رغم توافر جميع الشروط، خاصة وأن المواد التي تناولتها سواء في قانون الإجراءات المدنية والإدارية المواد 980 ،984 ، 985 .
ويؤكد هذا عدم تعلقها بالنظام العام ويتمتع القاضي أيضا سلطة في تقدير مبلغ الغرامة التهديدية فكما تم التطرق إلى خصائص الغرامة التهديدية أن أهم مميزاتها الطابع التحكيمي لها، وبالتالي ليس للغرامة التهديدية مقياس محدد إلا الهدف منها هو حمل الإدارة على تنفيذ المقرر الصادر عن القضاء الإداري.
لا يعتد القاضي بالضرر الحاصل للمحكوم له لأنه قد لا يوجد ضرر ومع ذلك يحكم بالغرامة التهديدية، فالقاضي يراعي عندئذ مبلغ الغرامة خطورة ما يترتب من عدم التنفيذ من نتائج وكذا يسر المحكوم عليه وقدرته المالية ومدى كفايته للتغلب على تعنت الإدارة من التنفيذ لكن تقابل ذلك أنه لا يجوز تنفيذ الجهة القضائية أن تهكم بأكثر مما طلبه الخصوم.
هناك قرار للمحكمة العليا يقضي أن يكون مبدأ السريان في تاريخ النطق بالحكم أما قانون الإجراءات المدنية والإدارية فقد قررت المادة 980 منه أنه عند الأمر بالغرامة التهديدية لابد من تحديد تاريخ سريان مفعولها، أما عن مدة سريان الغرامة التهديدية فالأصل أن القاضي يترك المدة مفتوحة إلى غاية التنفيذ إلا أن هذا لا يعني أن القاضي لا يستطيع أن يحدد مدة معينة للغرامة التهديدية وله كامل السلطة في تقرير المدة وهذا ما أتت به المحكمة العليا في قرارها.
عليه فإن تحديد مدة الغرامة التهديدية يتنافى والطابع التهديدي لها إذ أن هذا قد يجعل الإدارة على علم بالمبالغ التي سيحكم بها عليها بداية فلا تحقق الغرامة التهديدية الغاية منها وفي إجبارها على التتفيذ ثم صدر قرار المحكمة العليا الذي قرر أن تحدد مدة سريان الغرامة التهديدية هو مخالفة للقانون.
إذن القاضي له كامل الحرية في تقدير قيمة الغرامة وبدء سريانها، وكذلك للقاضى سلطة تخفيض الغرامة التهديدية والغائها وذلك عند الضرورة مثلا إذا تبين أن عدم تنفيذ الالتزام العيني يعود لأسباب خارجة عن إرادة فإن الأمر بتوقيع الغرامة التهديدية يعد خطا عندئذ إلغاء الغرامة التهديدية تطبيقا لما جاء في المادة 984 في تطبيق القانون ويستدعي من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالإضافة إلى ذلك له السلطة في عدم دفع الغرامة التهديدية إلى المحكوم له ودفعها إلى الخزينة العمومية وذلك شرط إذا تجاوزت قيمة الضرر والتي تناولتها المادة 985 من قانون الاجراءات المدنية والإدارية.
ثانيا : تكييف الفصل في النزاع
لا يعني توافر شروط الغرامة التهديدية أن القاضي مجبر على توقيعها إنما له السلطة التقديرية في توقيع الغرامة أو برفض توقيعها، ولهذا فكيف يكون تكييف الحكم الذي يوقع الغرامة التهديدية وتكييف الحكم الذي يرفض توقيع الغرامة التهديدية.
أ- تكييف الحكم بتوقيع الغرامة التهديدية :
يمتاز الحكم بالغرامة التهديدية بجملة من الخصائص فهو حكم تهديدي ومؤقت الغرض منه تنفيذ المقرر القضائي الإداري وإجبار الإدارة على التنفيذ وهو ما جعل مسألة تكييفه تصعب على الباحثين.
والحكم بالغرامة التهديدية يكون في أغلب الأحيان تبعا لحكم بإلزام الإدارة على التنفيذ وهو قضاء موضوعي قطعي.
تضاربت الآراء في تكييف الحكم بالغرامة التهديدية، فقد قيل أن الجهة القضائية تباشر سلطتها في إصدار الأوامر، ولكن إتباع هذا الرأي يؤدي إلى القول أن القضاء بتوقيع الغرامة التهديدية يدخل ضمن السلطة الولائية للجهة القضائية إلا أن هذا النوع من الأحكام يشمل على القضاء بمبلغ من المال، ورغم أنه قضاء تهديدي ومؤقت غير أنه متعلق بمنزاعة بخصوص التنفيذ. وهذه الأحكام تشابه الأحكام الوقتية في أمور كثيرة فهي مؤقتة قابلة للتعديل والنقصان كما يمكن إعفاء المحكوم عليه منها إلى جانب منح الاختصاص لقاضي الأمور المستعجلة للحكم بها.
ب - تكييف الحكم برفض توقيع الغرامة التهديدية :
يقتضي تكييف الحكم القاضي برفض توقيع الغرامة التهديدية التمييز بين الأحكام التي يسبب رفضها عدم توافر إحدى شروط الحكم بها، وبين تلك التي يكون سبب رفضها منح القاضي للمحكوم عليه مهلة لتنفيذ التزامه وهذا يدخل ضمن إطار سلطته التقديرية.
غير أن هناك ما يفرق بين الحكم الوقتي والحكم بالغرامة التهديدية، فالحكم الوقتي حكم قطعي له حجية الشيئ المحكوم به وينفذ ولا يرجع فيه، أما الحكم بالغرامة التهديدية ما هو إلا قضاء مؤقت لا يحوز حجية الشيئ المقضي فيه .
هكذا الحكم بالغرامة التهديدية له خصائص تميزه عن غيره من الأحكام ، فهو إذن حكم من نوع خاص .
فمتى كان الرفض مبنيا على عدم توافر أحد شروط الحكم بالغرامة التهديدية مثل:
صيرورة تنفيذ الالتزام عينا أصبح مستحيلا لأي سبب من الأسباب، أو أن تنفيذ الالتزام لا يتطلب التدخل الشخصي للمحكوم عليه، فالحكم في مثل هذه الحالات حكم قطعي موضوعي يحوز الحجية ولا يجوز تجديد الطلب فيه بنفس الموضوع.
أما إذا كان الرفض يدخل في إطار السلطة التقديرية للقاضي كمنح أجل أو مهلة للمحكوم عليه ليتمكن من التنفيذ ومن ثمة لا تكون الحاجة إلى تهديده- فإن الحكم في مثل هذه الحالة يعد حكما وقتيا يجوز للمحكوم له تجديد طلبه إذا تغيرت الظروف.
المطلب الثاني : تطبيق الغرامة التهديدية على الأشخاص المعنوية العامة
تطبيق الغرامة التهديدية في ظل تطبيق الأمر 66-154 المؤرخ في 08 جويلية 1966 المتضمن قانون الإجراءات المدنية، وهل تدارك المشرع الموقف وأزال هذا اللبس بموجب القانون 08-09 المؤرخ في 25 فيفري 2008
الفرع الأول : موقف القضاء في ظل الأمر66-154
كانت تنص المادة (471) من قانون الإجراءات المدنية على أنه: «يجوز للجهات القضائية بناء على طلب الخصوم أن تصدر أحكاما بتهديدات مالية»، يتضح وأن هذا النص قد جاء عاما. وهذا ما أضفى عليه نوعا من الغموض وأثار إشكالا حول تطبيق الغرامة التهديدية على الشخص المعنوي العام، وأمام هذا الغموض علينا البحث عن التطبيقات القضائية المتعلقة بهذه المسألة.
وفي هذا الإطار فقد صدرت اجتهادات قضائية أهمها القرار الصادر عن مجس الدولة والذي قضى بأنه لا يجوز للقاضي الإداري النطق بالغرامة التهديدية، مستندا في ذلك إلى أنه لا يوجد قانون يرخص صراحة بها، إلا أن هذا الموقف مردود عليه بما جاء في نص المادة (471) المذكور أعلاه التي تمنح الاختصاص بالحكم بالغرامة التهديدية إلى الجهات القضائية دون تخصيص وجهات القضاء الإداري هي إحدى أهم هذه الجهات الأحكام العامة في قانون الإجراءات المدنية، ونحن إضافة إلى أن هذه المادة جاءت ضمن نعلم أن الأحكام العامة تتعلق بالتقاضي أمام القضاء الإداري والعادي على حد سواء.
كذلك عند البحث في المنظومة التشريعية نجد المادة (88) الفقرة 11 من القانون 95-20 المؤرخ في 17 جويلية 1995 المتعلق بمجلس المحاسبة، والتي نصت صراحة على أنه يمكن إلزام الدولة والجماعات الإقليمية أو الهيئات العمومية بدفع غرامة تهديدية أو تعويضات مالية نتيجة التنفيذ الكلي أو الجزئي أو بصفة متأخرة لأحكام القضاء. أما عن قرار المحكمة العليا والذي جاء ضمن حيثياته : « حيث المبادئ العامة والتشريع الحالي والاجتهاد القضائي لا يجوز للهيئة القضائية أيا كانت طبيعتها الحكم بالغرامة التهديدية ضد المؤسسات ذات الطابع العمومي مثل الدولة أو المجموعات المحلية أو الهيئة الإدارية ».
فيظهر جليا من حيثيات هذا القرار أنه يرفض توقيع الغرامة التهديدية ضد الإدارة في جميع الأحوال سواء كان ذلك أمام القضاء الإداري أو العادي، غير أن التأسيس الذي بنى عليه القرار يستند إلى المبادئ العامة والتشريع والاجتهاد القضائي ولكنه لم يبينها.
وإذا كان يقصد بالمبادئ العامة والاجتهاد القضائي الوارد ذكرها في القرار « مبدأ الحظر على القاضي توجيه الأوامر للإدارة» وبالتالي فهو لا يستطيع أن يلزمها بالقيام بعمل أو الامتناع عنه، وهو الاجتهاد الذي ظهر في فرنسا وتبناه القضاء الجزائري نقلا عنه، وإن كان لا يوجد ما يمنع تغيير هذه النظرة خاصة وأن القانون الإداري ذو مصدر قضائي بالدرجة الأولى، ومن أهم خصائصه أيضا أنه قانون متطور فهل واكب المشرع هذا التطور بإصداره للقانون 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية؟
الفرع الثاني : موقف المشرع بعد إصداره للقانون 08-09
إذا كان المبدأ السائد أن القاضي يمنع عليه توجيه الأوامر للإدارة، فإنه لا يمكن تطبيقه على إطلاقه لأن هذا المبدأ يعرف بعض الاستثناءات وليدة الاجتهاد القضائي، إذ أن القاضي الإداري تتوسع صلاحياته بحيث يمكن له أن يوجه أوامر للإدارة في كل من حالتي الاعتداء المادي والاستيلاء غير المشروع.
كما يمكن أن نضيف إليها حالة الغلق الإداري عند مخالفته للنصوص القانونية التي أجازته والذي جعله المشرع في مثل هذه الأوضاع عملا غير مشروع شأنه شأن الاعتداء المادي والاستيلاء، ففي مثل هذه الحالات فإن منع توجيه الأوامر ضد الإدارة أصبح أمر مفروغا منه، لأنها تعبر عن تعسف واضح لأن الإدارة التي تتجاوز حدود الصلاحيات الشرعية تنتهك الحريات والحقوق مما يبرر أن يحكم عليها القاضي بالقيام بعمل أو الامتناع عنه، وبالتالي فإنه من المنطقي تطبيق الغرامة التهديدية ضد الإدارة فيها، إذا ما الفائدة من توجيه الأوامر إذا لم يكن للمتقاضي والقاضي إرغام الإدارة على تنفيذها ؟ .
وهو الأمر الذي تم تأكيده ضمن القانون 08-09 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية، إذ تم النص صراحة على جواز الحكم بالغرامة التهديدية من طرف القاضي الإداري عندما يتعلق الأمر بإلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة أو أي هيئة إدارية باتخاذ تدابير تنعيذية معينة.
وهذا ما جاءت به المواد من (978) إلى المادة (986) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ضمن الباب السادس المتعلق بتنفيذ أحكام الجهات القضائية الإدارية.
كما يتضح لنا أن المشرع قد أزال الغموض الذي كان يكتنف هذهالمسالة.
خاتمة :
إن موضوع الغرامة التهديدية كما يبدو أوسع مما يمكن تصوره، الأمر الذي يجعل مسألة الإحاطة به وبكل جوانبه صعب التحقيق، لذلك تم التركيز في هذا المقال على بعض النقاط وذلك من أجل تبيان أن المشرع الجزائري قد خص القرار القضائي الإداري بخصائص و ضمانات جعلته يتمتع بالقوة التنفيذية، وخاصة مع صدور قانون الإجراءات المدنية و والإدارية الذي فسح المجال للقاضي الإداري في إمكانية توجيه الأوامر للإدارة بفرض الغرامة التهديدية، وهي خطوة جيدة خطاه المشرع الجزائري لإجبار الإدارة على التنفيذ.
إن إصدار المشرع الجزائر لقانون 08-09 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية ، والتأكيد صراحة على جواز الحكم بالغرامة التهديدية من طرف القاضي الإداري عندما يتعلق الأمر بإلزام أحد الأشخاص المعنوية العامة في حالة الامتناع عن تنفيذ القرارات القضائية له من الأهمية بالقدر الذي يبين لنا الخطوة الجيدة والجديدة لتحقيق الهدف الذي وضع من أجله القاضي الإداري لحماية الحقوق والحريات بالصورة الفعلية والحقيقة.
المراجع :
-خليل أحمد حسن قدادة ، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ، الجزء الثاني ، أحكام الالتزام ديوان المطبوعات الجامعية .
- الحسين آث ملوية ،المنتقى في قضاء مجلس الدولة ، الجزء الأولى دار هومة للنشر ، الجزائر ، سنة 2002.
-منصور أحمد محمد،الغرامة التهديدية كجزء لعدم تنفيذ أحكام القضاء الإداري،الطبعة الأولى،منشأة المعارف،مصر،سنة 2002.
- عبد الرزاق السنهوري،الوسيط في شرح القانون المدني،الجزء الثاني،آثارا لالتزام ، الطبعة الثانية،سنة 1982 ،دار النهضة العربية ، مصر.
-سليمان مرقس،الوافي في شرح القانون المدني،الجزء الرابع،أحكام الالتزام.
-جورج سيوفي ، النظرية العامة للموجبات و العقود ، الجزء الثاني ، الطبعة الثانية،بيروت ، سنة 1994.
- عبد المنعم البدراوي،النظرية العامة للالتزام،الجزء الثاني،أحكام الالتزام،الطبعة الأولى ،سنة 1968.
- طلبة خطاب،أحكام الالتزام بين الشريعة والقانون،الطبعة الأولى،دار الكتاب الحديث، سنة 1997..