شرح الفرق بين القضاء العسكري والقضاء العادي اوجه التشابه و الاختلاف بين القضاء العادي و القضاء العسكري
الأصل في التشريعات أن القضاء العادي هو صاحب الاختصاص أو الولاية العامة للنظر في جميع القضايا أو الجرائم، حيث يختص بالنظر في المنازعات العادية بوجه عام أي تلك التي تطبق القانون الخاص بفروعه وقد نظم القضاء العادي في الجزائر على أساس حق التقاضي للأفراد وكفالته من قبل الدولة وأن تكون ممارسة هذا الحق أمام المحاكم على درجتين، الدرجة الأولى هي المحاكم والدرجة الثانية تكون علي مستوي المجالس القضائية و في أعلي الهرم نجد المحكمة العليا ( ملاحضة المحكمة العليا ليست درجة ثالثة لتقاضي و إنما هي محكمة مقومة لأعمال المجالس القضائية و المحاكم ).
وعليه فإن القضاء العادي يتكون من المحاكم الإبتدائية والمجالس القضائية والمحكمة العليا.
- لكن ونظرا لوجود بعض الضرورات العملية في بعض الأحيان لحاجة المؤسسة العسكرية لقضاء خاص بها فقد أوجد هذا النوع من القضاء الخاص والذي يشكل وفقا لقانون خاص به وتنحصر صلاحياته فيما ينص عليه ذلك القانون العسكري.
تشكل المادة 25 من قانون القضاء العسكري العمود الفقري لضبط الاختصاص المحاكم العسكرية سواء بالنسبة لتحديد طبيعة الجرائم التي تنظر فيها أو ما تعلق منها بالجرائم العسكرية المحضة أو الماسة بأمن الدولة ثم الظروف المتعلقة بارتكابها وهي تشمل ثلاثة معالم: أثناء الخدمة أو ضمن مؤسسات عسكرية أو لدى المضيف .
والمعيار الموضوعي يستمد شرعيته من نص المواد 25 و 40 من قانون القضاء العسكري و المادة 188 قانون إجراءات جزائية وبالرجوع إلى هذه المواد يتضح بأن الاختصاص ينعقد للمحاكم العسكرية بمجرد توفر إحدى العناصر التالية:
1- إرتكاب عسكري لفعل مجرم أثناء الخدمة
2- وقوع الجريمة داخل المؤسسة العسكرية
3- وقوع الجريمة لدى المضيف
4- حالة الارتباط
5- حالة الطوارئ أولا :إرتكاب عسكري لفعل مجرم أثناء الخدمة :
لم يحدد قانون القضاء العسكري مفهوم أثناء الخدمة غير أنه وبالرجوع للفقه فيقصد به أثناء الخدمة هو ارتكاب جرم أثناء تنفيذ أمر صادر عن السلطة السلمية، ويعرف الفقه دول حوليات الجريمة المرتكبة أثناء الخدمة هي حالة قانونية متصلة بالشخص العسكري، هذا المفهوم يستند إلى الظرف لامادي لارتكاب الجريمة خلال وبمناسبة تنفيذ أمر.
فالعسكريون المتمركزون حاجز أمني مع شرطة، فهم في الخدمة بأمر من سلطة سلمية رغم تواجدهم خارج مكانهم الطبيعي في المؤسسات العسكرية، ويأخذ حكمهم العسكريون الذين يتلقون أمر بالتوجه إلى نقطة ما ولو بصورة عرضية، فسواء كنا في الحالة الأولى أو الثانية لا يثبت عنصر الخدمة ما لم يكن العسكري في موضوع المتلقين فمتى تحقق ذلك عاد الاختصاص للمحاكم العسكرية.
وعليه فمعيار الخدمة هو مركز اعتبار في تحديد الاختصاص المحاكم العسكرية سواء كان الفاعل هو العسكري أو المماثل له في مركز التهم أو في مركز الضحية ومهما كانت الجريمة ومهما كان وصفها جناية أو ضحية أو مخالفة ذات طابع عسكري محض أو تلك المنصوص عليها في القانون العام.
الأمر الذي أقرته المحكمة العليا بمناسبة نظرها في طعن بالنقض حول تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء العسكري نتيجة كون الضحية عسكري توفى أثناء الوظيفة بقضائها " إن الجرائم المرتكبة من طرف عسكريين ضد عسكريين أو مدنيين ضد عسكريين، إن وقعت بسبب الوظيفة فإنها تخرج عن اختصاص القضاء العادي وأن القرار المطعون فيه لما صرح بعدم الاختصاص النوعي بسبب صفة المجنى عليه عسكري ووقوع أثناء الخدمة يمنع القاضي العادي من التحقيق في ظروف الوقائع يكون القضاء العسكري قد بسط ولايته الكاملة على القضايا الجزائية المرتكبة أثناء الخدمة " .
كما لا يختلف الوضع بالنسبة لاختصاص المحاكم العسكرية إن كان العسكري أو المماثل له فاعلا لجرم أو ضحية له، فمعيار الخدمة يمتد ليشمل الفرضيتين، وهذا ما سبق أن فصلت فيه المحكمة العليا في قرار لها بتاريخ 25-01-2000، وذلك بمناسبة النظر في طعن بالنقض حول تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء العسكري نتيجة كون العسكري توفي أثناء الوظيفة، وجاء فيه : " إن الجرائم المرتكبة من طرف عسكريين ضد عسكريين أو مدنيين ضد عسكريين إذا وقعت بسبب الوظيفة فإنها تخرج عن اختصاص القضاء العادي وأن القرار المطعون فيه لما صرح بعدم الاختصاص النوعي بسبب صفة المجني عليه كعسكري ووقوع الجريمة أثناء الخدمة يمنع القاضي العادي من التحقيق في ظروف الوفاة "
وبهذا القضاء المحكمة العليا يمكن القول أن القضاء العسكري قد بسط ولايته الكاملة على القضايا الجزائية المرتكبة أثناء الخدمة. قضية : ارتكب (س) وهو عسكري، وأثناء قيامه بمهمة عسكرية جريمة قتل وجرح خطأ، وتمت متابعته أمام القضاء العادي وإدانته، ولدى متابعته أمام المحكمة العسكرية تبين للمحكمة أن القضية منظورة أمام القضاء العادي، فطلبت المحكمة العسكرية من المحكمة العادية التخلي عن القضية إلا أن هذه الأخيرة كانت قد فصلت فيها، بل أن المجلس القضائي صادق على الحكم بعد الاستئناف أيضا، ورفعت النيابة العامة لدى المحكمة العليا طعنا لصالح القانون تنفيذا لتعليمات وزير العدل طالبة نقض الحكم الصادر عن غرفة الاستئناف الجزائية وإحالة القضية إلى المحكمة العسكرية، فماذا سيكون موقف المحكمة العليا؟ جواب : هذه القضية نظرت بالفعل أمام المحكمة العليا، وأصدرت فيها قرارها رقم 23007 بتاريخ 17-04-1984، وقد قررت المحكمة العليا أنه إذا كان مؤدى حكم المادة 25 قانون القضاء العسكري هو أن المحكمة العسكرية تختص بمحاكمة الفاعل الأصلي للجريمة متى كانت مرتكبة من عسكري في إطار الخدمة أو ضمن مؤسسات عسكرية فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد أخطأ في تطبيق القانون ويستوجب إبطاله لصدوره من جهة غير مختصة قانونا، وعليه فمتى طعن لصالح القانون ضد الحكم المطعون فيه وفقا للمادة 530 الفقرة 3 قانون إجراءات جزائية فإن ذلك يؤدي إلى البطلان لا إلى النقض كما أن المحكوم عليه يستفيد من هذا البطلان، وعليه يستوجب إبطال حكم محكمة الجنح وقرار المجلس بدون إحالة. ثانيا : وقوع الجريمة داخل المؤسسة العسكرية :
تعرف المؤسسة العسكرية بأنها نيابة موضوعة تحت تصرف الجيش لأجل القيام بمهامه بغض النظر عن طريقة الاستعمال، فقد تأخذ شكل مكاتب إدارية كمقر النواحي العسكرية أو مقر القيادات أو المديريات الجهوية وقد تستعمل للتدريب والتأهيل مثل مراكز التكوين والمدارس العسكرية.
كما قد تأخذ شكل المؤسسات الخدماتية كالمستشفيات وقد تكون مهيأة للصناعة الحربية أو ملابس أو غذاء، فكل هذه المنشآت تخضع للنظام العسكري، وبالتالي تختص المحاكم العسكرية بالنظر في كل الجرائم المرتكبة بداخلها سواء تلك المنصوص في قانون القضاء العسكري أو القانون العام.
وتأخذ حكم المؤسسات العسكرية حسب المادة 29 من قانون القضاء العسكري " تعتبر مماثلة للنطاقات العسكرية جميع المنشآت أو الثكنات المحدثة بصفة دائمة أو المؤقتة والمستعملة من طرف الجيش و السفن التابعة للقوات البحرية والطائرات العسكرية اينما كانت " .
بينما يستثنى مجال اختصاص القضاء العسكري الأحياء السكنية الموضوعة تحت تصرف وزارة الدفاع الوطني المتواجدة خارج أسوار الوحدات العسكرية.
وإذا وقعت الجريمة داخل المؤسسات العسكرية فإن الاختصاص ينعقد بقوة القانون للمحاكم العسكرية ولا يهم صفة الفاعل إن كان أثناء الخدمة أولا. قضية : على إثر شجار مع موظفي شركة التأمين وتدخل قوات الدرك الوطني وداخل ثكنتهم قام المساعد الأول (أ) بإهانة رجال الدرك وسبهم بعد أن سبق له إهانة وسب موظفي وكالة التأمين، ولدى عرض القضية على المحكمة العسكرية الدائمة قضت الأخيرة بعدم الاختصاص، وقد رفع وكيل الجمهورية العسكري طعنا بالنقض ضد هذا الحكم، فماذا سيكون موقف المحكمة العليا ؟ جواب : هذه القضية نظرت بالفعل أمام المحكمة العليا، وأصدرت فيها قرارها رقم 56137 بتاريخ 19-05-1987، وقد قررت المحكمة العليا أنه من المقرر قانونا الجريمة التي يرتكبها عسكري داخل مؤسسة عسكرية تدخل في اختصاص المحكمة العسكرية، ومن المقرر أيضا أن تعدد الجرائم المرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة والصادرة من متهم واحد يقتضي ضمها وإحالتها على جهة قضائية واحدة، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن المتهم قام بأفعال السب والإهانة بادئ الأمر بمقر شركة التأمين ثم تواصلت بمقر فرقة الدرك الوطني الذي هو بمثابة مؤسسة عسكرية، وأن هذه الجريمة بالتالي ارتكبها عسكري داخل مؤسسة عسكرية فهي تدخل في اختصاص المحكمة العسكرية، وحيث أنها أيضا مرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة مع أفعال السب والإهانة المرتكبة على مستوى شركة التأمين، وأن حسن سير العدالة يقتضي ضم الأفعال كلها وإحالة المتهم (أ) على جهة واحدة، ولما كانت المحكمة العسكرية قد قضت بعدم الاختصاص فهي بذلك أخطأت في تطبيق القانون، ومتى كان ذلك استوجب نقض الحكم المطعون فيه. ثالثا : وقوع الجريمة لدى المضيف :
المضيف هو كل شخص طبيعي أو معنوي من غير العسكريين يستوي في ذلك أشخاص القانون العام والخاص حيث يسخر لإيواء عسكريين وهذا من أجل قيامهم بمهمة رسمية وفي طرق معينة والمضيف مجبر على استقبال العسكريين كون أن المكان الذي هو عائد له لا بدن وأن يسخر للعسكريين لأداء مهمتهم مثال ذلك تواجد فصيلة ما لأداء مهمة داخل منزل أو فندق كون هذا المنزل أو الفندق استراتيجي لهم في أداء مهامهما مثلا في كواجهة جماعة إرهابيين بأن أي جريمة تقع لدى المضيف تختص بها المحاكم العسكرية دون سواها .
ولقد اعتبر المشرع الجرائم المرتكبة لدى المضيف من بين الجرائم العسكرية وأخرجها بالنتيجة من اختصاص قضاء القانون العام استنادا لسببين:
- إرادة المشرع توفير حماية أكثر فعالية للأشخاص الملزمين بقبول الغير ضمن محيط حيازتهم.
- اعتبار ذلك المكان امتداد للمؤسسة العسكرية. رابعا : حالة الارتباط :
نصت عليها المادة 188 قانون إجراءات جزائية وهي حالة التي ترتكب فيها عدة، جرائم متسلسلة قابلة للتجزئة عكس حالة عدم التجزئة التي تكون فيها الأفعال غير قابلة لتجزئة ويشكل ارتباطها وحدة متكاملة ونتيجة لذلك تضم الدعاوى وبالتالي عليه الاختصاص إلى جميع هذه الجرائم مرتبطة وإذ كانت الجريمة الأصلية من اختصاص المحاكم العسكرية لكن وقوعها مرتبط بجرائم القانون العام فهنا يؤول الاختصاص للقضاء العسكري كما صدرت عدة قرارات بخصوص ذلك من المقرر أيضا أن تعدد الجرائم المرتبطة ارتباطا لا تقبل التجزئة والصادرة من متهم واحد يقتضي ضمها، وإحالته على جهة قضائية واحدة، فإن القضاء بخلاف ذلك خطأ في تطبيق القانون وكما كان من الثابت في قضية الحال- أن المتهم قام بأفعال السبب والإهانة في بادئ الأمر بمقر شركة التأمين ثم تواصلت بمقر فرقة الدرك الوطني الذي هو بمثابة مؤسسة عسكرية، فإن المحكمة العسكرية قضت بعدم الاختصاص، أخطأت في تطبيق القانون ولعل أهمية هذا العنصر عكس قاضي الحكم أو التحقيق من الإحاطة بجميع الوقائع المرتبطة ببعضها البعض ومنع تضارب في الأحكام وتوفير الوقت و المصاريف خامسا : حالة الطوارئ :
هي حالة قانونية تكون عليها الدولة في ظروف غير مألوفة تدفع بالسلطة إلى اتخاذ إجراءات استثنائية مناسبة لمواجهة الوضع الطارئ دون المساس بمبدأ الفصل بين السلطات أو تعليق العمل بالدستور طبقا لنص المادة 91 من الدستور، يقرر رئيس الجمهورية إذا دعت ضرورة المصلحة حالة الطوارئ أو الحصار لمدة معينة بعد اجتماع المجلس الأعلى للأمن استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الدستوري ويتخذ كل التدابير اللازمة لاستتاب الوضع.
وعليه فحالة الطوارئ هي ليست بالوضعية العادية ولا ترقى إلى درجة حالة الحرب التي يجمد فيها الدستور ما يتبع ذلك من انحصار في الحريات والحقوق، ويمكن إعلان حالة طوارئ في كامل التراب أو جزء منها بسبب خطر دائم ناشئ عن إخلال خطر بالنظام العام أو بسبب حوادث تشكل طبيعتها وجسامتها خطر على الجمهور.
إن الاختصاص النوعي للمحاكم العسكرية في مثل هذه الحالات لا يسند إلى نص المادة 25 أو المعيار الشخصي أم ظروف ارتكاب الجريمة وفقا للمعيار الموضوعي، إنما يؤسس على مدى ما يلحقه الفعل من ضرر بالنظام العام ويستوي في ذلك أن يكون مرجع التجريم قانون العقوبات او قانون القضاء العسكري أو أي قانون آخر. وحالة الطوارئ أحاطها المشرع بجملة من ضوابط منها :
- إسناد سلطة اتخاذ القرار لرئيس الجمهورية.
- توفر عنصر الضرورة الملحة لاستتاب الوضع.
- تناسب التدابير المقررة مع ما يتطلبه الوضع.
- أن يتم الإعلان عنها لمدة معينة .