شرح جريمة التحريض او التشجيع
علي ارتكاب جرائم المخدرات
المادة 22 قانون 04-18 { يعاقب كل من يحرض أو يشجع أو يحث بأية وسيلة كانت على إرتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، بالعقوبات المقررة للجريمة أو الجرائم المرتكبة }.
نصت عليها المادة 22 من قانون 04-18 يتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها والمحرض هو من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه او صفته الشخصية على ارتكاب الجريمة اما المشجع هو من يقوم بتشديد عزيمة الفاعل ليزيد التصميم الجرمي لديه، اما الحاث هو من يقوم بخلق فكرة الجريمة والتصميم عليها في ذهن كان في الأصل خاليا منها ودفعه بناءا على ذلك نحو ارتكابها . و تقوم الجريمة في صورة التحريض بحمل شخص لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب الجريمة"؛ فالمحرض هو الشخص الذي يوحي بالفكرة للمحرض . أما التشجيع فيختلف على التحريض لكون الفكرة موجودة أساسا في ذهن الآخر فيزيد من عزيمته على ارتكابها.
أما الحث فهو خلق فكرة الجريمة و التصميم عليها في ذهن كان خاليا منها و دفعه بناء على ذلك إلى ارتكابها.
ورغم أن السلوكيات كلها تؤدي إلى نتيجة واحدة إلا أن المشرع لم يضع الوسائل التي بواسطتها تتحقق الجريمة و لا وسيلة للتمييز بين الصورة و الأخرى، و تقوم الجريمة في هذه الصورة سواء أدى التحريض أو التشجيع أو الحث على ارتكابها إلى النتيجة أو لم يؤد ، فهي من قبيل الجرائم الشكلية.
أركان جريمة التحريض علي ارتكاب جرائم المخدرات :
تعد جريمة التحريض علي ارتكاب جرائم المخدرات من الجرائم التي من يصعب إثباتها، لكن يشترط وجود ركنين أساسيين هما :
أولا : الركن المادي لجريمة التحريض علي ارتكاب جرائم المخدرات :
يتمثل الركن المادي لجريمة التحريض في الفعل الذي يقوم به المحرض لبذر فكرة الجريمة لدى المحرض، وإقناعه بارتكابها، ودفعه إلى تنفيذها بتنمية التصميم لديه والركن المادي لجريمة التحريض يختلف عن الركن المادي لباقي الجرائم الأخرى، نظرا للطبيعة الخاصة للتحريض باعتباره نشاطا يتجه إلى إرادة من يوجه إليه التحريض فيدفعه إلى ارتكاب الجريمة ويعتبر الركن المادي لجريمة التحريض متوفرا بمجرد صدور النشاط التحريضي من المحرض بصرف النظر عن تحقق النتيجة الجرمية أو عدم تحققها.
الشروط الواجب توافرها في جريمة التحريض :
شروط التحريض هي العناصر الأساسية التي ينبغي توافرها في النشاط التحريضي الصادر عن شخص ما، وذلك لكي تسند الجزائية ، ويصبح إليه المسؤولية نشاطه معاقبا عليه وتتمثل هذه الشروط فيما يلي :
1- أن يكون التحريض مباشرا
يقصد بهذا الشرط أن ينصب النشاط التحريضي على موضوع معين، أي يتوجه المحرض إلى شخص بقصد دفعه إلى ارتكاب جريمة معينة ومحددة، يعاقب عليها القانون، فلا يعتبر تحريضا جنائيا إذا كان التوجيه إلى الجريمة يأخذ صورة غير مباشرة، كأن يحث المحرض شخص علي تجربة إستهلاك عقار مخدر ويكون هذا التشجيع من المحرض هو سبب تناول شخص ما لعقار مخدر.
لذلك لا يعتبر تحريضا بالمعنى القانوني توجيه شخص لارتكاب جرائم غير محددة أو غير معينة، ليختار الفاعل فيما بعد واحدة منها لأنه وان كان يتوقعها فيه لا يعلمها على وجه التحديد.
2- أن يكون التحريض خاصا
والمقصود بالتحريض الخاص أن يوجه التحريض إلى شخص معين أو أفراد معينين يختارهم المحرض لتنفيذ الجريمة، سواء بأنفسهم أو بواسطة الغير، بخلاف التحريض العلني أو العام وهو الموجه إلى كافة الناس أو أشخاص غير معنيين، إذ لا يعتبر مساهمة أصلية و لو استجاب له أحد الأشخاص فأقدم على ارتكاب الجريمة محل التحريض، ومن أمثلة ذلك التحريض على تناول عقاقير مخدرة عن طريق إلقاء خطب في أماكن أو اجتماعات عمومية .
3- أن يكون التحريض منتجا لأثره
ويقصد بأن يكون التحريض منتجا لأثره أن يرتكب المحرض الجريمة أو يشرع في ارتكابها، وهذا الشرط غير وارد في التشريع الجزائري الذي يمتاز بذلك عن باقي التشريعات لا تشترط أن يقوم المحرض به بارتكاب الجريمة بل يكفي التحريض وحده لمعاقبة المحرض.
4- أن يكون التحريض سابقا على الجريمة
يشترط في التحريض الذي يوجب المسؤولية الجنائية للمحرض أن يكون سابقا على الجريمة، وذلك على سند من القول بأن التحريض بطبيعته يسبق الجريمة، لأنه يفضي إليها فهو بحكم اللزوم العقلي تقدمها .
ذلك أن اشتراط أن يكون التحريض سابقا على ارتكاب الجريمة يتلاءم مع طبيعة التحريض ذاته ، باعتباره نشاطا قصد به المحرض خلق فكرة الجريمة أو تقويتها لدى الجاني بهدف دفعه إلى ارتكابها .
ثانيا : الركن المعنوي لجريمة التحريض علي ارتكاب جرائم المخدرات :
لا يكفي لقيام جريمة التحريض إتيان شخص نشاطا ماديا يكون من شأنه دفع شخص آخر إلى ارتكاب جريمة من الجرائم، وإنما لابد أن يمارس هذا الشخص نشاطه التحريضي بقصد دفعه إلى ارتكاب الجريمة، فالجريمة ليست ظاهرة مادية فحسب، بل هي ظاهرة نفسية أيضا تتمثل في الأصول الإرادية لماديات الجريمة والسيطرة عليها ، فلا يسأل شخص عن جريمة ما لم تقع علاقة بين مادياتها و إرادته، أي يجب أن تكون هناك علاقة نفسية تربط بين النشاط التحريضي وشخصية المحرض، وتكون هذه العلاقة محلا للمساءلة.
فالركن المعنوي هو الجانب الشخصي أو النفسي للجريمة فلا تقوم الجريمة بمجرد قيام الواقعة المادية التي تخضع لنص التجريم ، بل لابد من أن تصدر هذه الواقعة عن إ ردة فاعلها وترتبط بها ارتباطا معنويا أو أدبيا .
فالركن المعنوي هو هذه الرابطة المعنوية أو الصلة النفسية أو العلاقة الأدبية التي ترتبط بين ماديات الجريمة ونفسية فاعلها، بحيث يمكن أن يقال بأن الفعل هو نتيجة لإرادة الفاعل، وبالتالي فإن قيام هذه الرابطة هي التي تعطي للواقعة وصفيا القانوني فتكتمل صورتها وتوصف بالجريمة.
القصد الجنائي في جريمة التحريض :
بما أن جريمة التحريض هي جريمة عمدية، فإن صورة الركن المعنوي تظهر في توافر القصد الجنائي لدى المحرض ، والقصد الجنائي بدوره يتمثل في إرادة تحقيق الواقعة الإجرامية مع العلم بعناصرها المكونة لها، أي أن الفرد أراد ارتكاب السلوك الإجرامي وأراد تحقيق النتيجة ،وهذا يعني أنه يعلم تجريم هذا السلوك، هذا العلم مفترض في حق الجاني طالما تم نشر القانون الذي يجرم هذا السلوك.
والقصد الجنائي في جريمة التحريض كأي جريمة يقوم على عنصرين رئيسيين وهما العلم والإرادة .
أولا: العلم
يتمثل عنصر العلم في إحاطة المحرض علما بعناصر الجريمة التي يدفع الغير إلى ارتكابها بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون، أي يتعين علم المحرض بدلالة عباراته وكلماته وتأثيرها على نفسية الشخص الموجه إليه التحريض، وكذلك علمه بأن من شأن الوسائل التي يستعين بها للتعبير عن نشاطه التحريضي أن تقود الفاعل إلى تحقيق النتيجة الإجرامية وأن يتوقع بأن يقدم الفاعل على تنفيذ الجريمة موضوع التحريض.
ثانيا: الإرادة
بما أن العلم حالة ذهنية، فإنه لا يكفي وحده لقيام القصد الجرمي لدى المحرض، بل يتطلب فضلا عن ذلك إرادة متجهة إلى خلق فكرة الجريمة لدى شخص آخر كأثر لنشاطه التحريضي، فالإرادة يجب أن تتجه إلى الإقناع و خلق التصميم لارتكاب الجريمة موضوع التحريض أو بعبارة أخرى ينبغي أن تتجه إرادة المحرض إلى النشاط التحريضي و إلى نتيجة هذا النشاط، بحيث يكون لدى المحرض إرادة لتنفيذ الجريمة بواسطة غيره وينبني على ذلك عدم مسؤولية المحرض عن الجرائم التي يرتكبها الغير التي لم ينصرف إليها قصده الجنائي حيث تقتصر هذه المسؤولية على الجريمة محل التحريض فقط، حتى ولو لم تقع أصلا، فمن يحرض غيره على ارتكاب جريمة خطف قاصرة لا يسأل إذا قام هذا الغير بارتكاب جريمة قتل، وذلك لعدم انصراف قصده إلى هذه الجريمة .
التحريض في الجرائم الغير مقصودة :
تشترط كل الجرائم لقيامها توافر الركن المعنوي، ويتمثل الركن المعنوي بالنسبة للجرائم العمدية في القصد الجنائي، أما الركن المعنوي في الجرائم الغير مقصودة ، فهو مجرد خطأ وفيه تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل المادي دون نية تحقق النتيجة الإجرامية فهو عندما قام بسلوكه كان مجردا من القصد الجنائي، أي أنه ارتكب نشاطه دون قصد التصرف بصفة سيئة، وهنا يأخذ عليه أنه تصرف بإهمال أو عدم انتباه ، أو عدم حذر، فإذا كان القصد الجرمي في الجرائم المقصودة يقوم على إرادة السلوك وإرادة النتيجة الجرمية، فإن الخطأ يقوم على إرادة الفاعل لسلوكه دون إرادة النتيجة التي تحققت، فطالما أن الإرادة لم تتجه إلى النتيجة الضارة بوصفها أكيدة أو ممكنة الوقوع، فإن السلوك يخرج من نطاق القصد الجرمي ليدخل في نطاق الخطأ غير المقصود، غير أن عدم إرادة النتيجة الحاصلة يلزمه أن يتوافر معه موقف نفسي للجاني مرتبط بالنتيجة غير الإرادية، ويتمثل هذا الموقف النفسي في أن يكون تحقق النتيجة راجعا لإحدى صور الخطأ من إهمال أو عدم احتياط أو مخالفة القوانين والأنظمة.
ويتحقق الخطأ بغير توقع إذا لم يتوقع الفاعل أن سلوكه قد يؤدي إلى تحقيق النتيجة الضارة، مع أنو كان بإمكانه ومن واجبه أن يتوقعها وفقا للسير العادي للأمور في الحياة، فالممرضة التي تعطي المريض دواءه مرة واحدة بدلا من مرتين كما تقضي تعليمات الطبيب، فتسوء حالته و يصاب بضرر صحي، تسأل عن هذا الضرر الذي لم تتجه إرادتها إليه ولم تتوقعه بالرغم أنه كان يجب عليها وفي إمكانها توقع مفعول مضاعفة الجرعة للمريض في مرة واحدة بدلا من مرتين.
أما الخطأ مع التوقع فيتحقق إذا توقع الفاعل النتيجة الضارة لسلوكه و اعتقد أن بإمكانه تجنبها، أو توقعها لكنه رجح عدم حدوثها دون اتخاذ أي موقف لتفاديها، مثال ذلك من يقود سيارته بسرعة في طريق مزدحم فيتوقع إصابة أحد المارة، ولكنه يعتمد على مهارته لتفادي الحادث أو أنه يرجح عدم وقوعه .
ويتبين مما سبق أنه إذا كنا بصدد التحريض القصدي فإن المحرض استكمل نشاطه وعمله متجها بإرادته إلى المشروع الإجرامي، وعالما بتحقيق النتيجة الإجرامية، فهنا يتم إيقاع العقوبة بما يحتويه المحرض من قصد إجرامي خطير ،أما إذا كنا بصدد جريمة تحريض غير مقصودة، أي لم يتجه فيها قصد المحرض إلى تحقيق النتيجة الإجرامية ، فهنا يتم إيقاع العقوبة بناءا على الأعمال التي قام بها المحرض .
والملاحظ مما سبق أنه في جريمة التحريض المقصودة يجب أن تتوفر الإرادة والنية التي تتجه إلى تحقيق النتيجة عن طريق وسيلة من الوسائل المحددة في القانون، وتستلزم حرية الاختيار، وبأن يكون المحرض أهلا النية، فاذا كانت نيته حسنة فلا تترتب عليه للمسؤولية الجزائية وسيء المسؤولية الجزائية ، ومثال ذلك :رجل الجمارك الذي يتنكر لرجل عرف عنه أنه يتاجر بالبضاعة المهرية من المخدرات ويعرض عليه شراء قسم من بضاعته الذي ينوي تهريبها، حتى إذا ما انطلت عليه الحيلة ضبطه، فرجل الجمارك هنا لم يتوفر لديه القصد الجرمي للتحريض، فهو إذا كان يريد البدء بتنفيذ الفعل فإنه لا يريد تحقق نتيجته، بل هو عازم على إيقافه بمجرد البدء بالتنفيذ ، ويذهب الفقه إلى تسمية هذا النوع من التحريض بالتحريض الصوري .
ملاحظـــة :
توصلت العديد من الدراسات بأن تضع المخدرات من اهم المعوقات التي ينكب بها المجتمع على يد قله من ابنائه ثم تسري في المجتمع كسريان النار في الحطب بسبب تأثيرها على الجهاز العضوي والنفسي للفرد والتي تكون من العوامل البيولوجية الهامة المهيئة للسلوك الاجرامي، حيث لا تقتصر خطورة النباتات المخدرة التي يزرعها الجاني على الجيل الحالي بل تمتد الى الجيل اللاحق اذ من شأنه ان يجعل المواد المخدرة قريبة من تناول ايدي الاشخاص حيث انتشر وراج زراعتها في اماكن متعدد في كثير من البلدان على الرغم من منع وتجريم زراعتها لما لها من اثار سلبية على المجتمع في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية.
وقد جرم المشرع الجزائري في قانون 04-18 زراعة الخشخاش الافيون وجنبة الكوكا ونبات القنب على وجه الحصر مما ضيق من نطاق تجريم زراعة النباتات المخدرة في حالة اكتشاف العلم الحديث نبات له صفات مخدرة، وانه ميز في العقوبة على اساس القصد من زراعتها اذ جعلها بالسجن المؤبد ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة اذا كان ذلك بقصد الاتجار بها أو إستهلاكها.