شرح الدفع بعدم الاختصاص
الإقليمي في القانون الجزائري
الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي يعتبر من الدفوع الشكلية يقصد بمصطلح الدفع بمعناه العام جميع وسائل الدفاع التي يجوز للخصم الاستعانة بما للإجابة على دعوى خصمه بقصد تفادي الحكم لخصمه بما يدعيه، أو تأخير هذا الحكم سواء أكان هذه الوسائل موجه الى الخصومة او بعض إجراءاتها، أو موجهة إلى أصل الحق المدعى به، أو إلى سلطة الخصم في استعمال دعواه منكرا إياها.
والدفع بهذا المعنى حق أساسي من حقوق الدفاع للخصم، ووسيلة المدعى عليه للرد على الدعوى تمكينا له من الاعتراض عليها أو على إجراءاتها، وهو يقابل حق المدعي في الالتجاء إلى القضاء و ينشاً نتيجة استعماله.
مقدمة
إن القاعدة العامة في الاختصاص المحلي أو الإقليمي في ظل القانون 08-09 ينعقد لمحكمة موطن المدعى عليه وهذه القاعدة مكرسة بالمادة 37 من القانون 08-09 وأن الاختصاص الإقليمي ليس من النظام العام لأنه يجوز الخروج عليه باتفاق الأطراف وأن الاتفاق على التقاضي أمام محكمة غير مختصة إقليميا ملزم للطرفين.
إن القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي هي موطن المدعى عليه كما جاء صراحة بالمادة 37 منه أو موطن أحد المدعى عليهم كما جاء بالمادة 38 منه وهو الاختصاص الاختياري غير أنه ضيق من إمكانية الاتفاق على الخروج عن الاختصاص الإقليمي لمحكمة ما بالمادة 45 منه باعتبار أنه لاغ وعديم الأثر كل شرط يمنح الاختصاص الإقليمي لجهة قضائية غير مختصة إلا إذا تم بين التجار غير أن هذه المادة يشوبها الغموض فهل يقصد المشرع أن أي شرط ضمن عقد أو اتفاق مكتوب يتضمن إسناد الاختصاص الإقليمي في أي نزاع مستقبلي في تنفيذ الاتفاق لمحكمة معينة بالذات إلا إذا تم بين التجار أم أنه يجعل من الحق في الخروج عن الاختصاص الإقليمي باتفاق حصريا في المنازعات التي تتم بين التجار .
والذي زاد من الغموض ما ورد بالمادة 46 من القانون المذكور التي جاء فيها أنه يجوز للخصوم الحضور باختيارهم أمام القاضي حتى ولو لم يكن مختصا إقليميا على أن يوقعوا تصريحا بطلب التقاضي كما ورد بالفقرة الثانية من نفس المادة.
مرحلة التمسك بعدم الاختصاص الإقليمي :
المادة 47 من القانون 08-09 أوردت صراحة ضرورة أن يكون الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي سابق لأي دفع بعدم القبول أو دفع موضوعي كما أنه لا يجوز للمدعي التمسك بمثل هذا الدفع وهو أمر منطقي نظرا لاختياره بنفسه اختصاص المحكمة .
غير أنه كان على المشرع أن يأخذ بعين الاعتبار أنه أورد نوعا من الاختصاص الإقليمي والذي ذكرناه أعلاه بالمادة 32 الفقرة 07 من القانون 08-09 يجعل الاختصاص الإقليمي موكلا لجهات قضائية محددة ومنع الاختصاص لغيرها فهو من النظام العام أين يمكن حينها الدفع بعدم الاختصاص في أية مرحلة من مراحل الدعوى .
إجراءات الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي :
جاء بالمادة 51 من القانون 08-09 أنه يجب على الخصم الذي يدفع بعدم الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية أن يسبب طلبه ويعين الجهة القضائية التي تستوجب رفع الدعوى أمامها وأنه لا يجوز للمدعي إثارة هذا الدفع .
كما جاء بالمادة 52 من نفس القانون أن القاضي يفصل في الدفع بشكلين :
- الفصل في الدفع بموجب حكم دون التطرق للموضوع.
- الفصل في الدفع بنفس الحكم الفاصل في الموضوع بعد اعذار الخصوم مسبقا شفاهة لتقديم طلباتهم في الموضوع .
شروط و وقت الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي :
بما أن الاختصاص الإقليمي ليس من النظام العام، والدفع كالدعوى يتعين لقبوله توافر شروط ووقت معين للدفع لهذا سوف تتمحور الدراسة في هذا المطلب حول شروط و وقت الدفع
أ- شروط الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي :
لقد أكد المشرع في القانون 08-09 أن مسألة الاختصاص الإقليمي ليست من النظام العام و جعل قبوله مرتبط بثلاث شروط بما أن الاختصاص الإقليمي ليس من النظام العام لا يجوز أن يثيره القاضي من تلقاء نفسه وإنما على أطراف الخصومة التمسك به، كأصل عام فعملا بالمادة 40 فقرة 1 ق ا م ا على القاضي أن يقضي بعدم اختصاص المحكمة إذا كان القانون يحدد المحكمة المختصة إقليميا.
- يجب أن يثار قبل أي دفاع في الموضوع و قبل أي دفع بعدم القبول، فعلى المدعي إثارة هذا الدفع حسب ما نصت عليه المادة 74 ق ا م ا قبل الإبداء بأي دفع أو دفاع هذا يعني ان يكون الدفع قبل الرد على ادعاءات المدعي و ذلك بمذكرة يخصصها لإثارة هذا الدفع ينفي فيها الاختصاص الإقليمي للمحكمة التي تنظر في النزاع .
- يجب على المدعى عليه التسبيب بالدفع بعدم الاختصاص الإقليمي حيث أن المادة 51 ق ا م ا لم تنكر للمدعي حق إثارة الدفع إلا أنما قيدته بواجبين تسبيب الطلب و تعيين الجهة القضائية التي يستوجب رفع النزاع أمامها و ذلك تفاديا للأساليب التسويفية و مراقبة جدية المسعي.
ما يعاب على هذه المادة هي الفقرةٍ الثانية منها فكيف يعقل أن يرفع المدعي دعواه و يبذل في ذلك قصارى جهده و وقته و ماله ليسارع فيما بعد إلى الدفع بعدم اختصاص المحكمة إقليما إن قانون الإجراءات الجديد و في مادته 45 منعت الأشخاص من الاتفاق في العقود المبرمة بينهم علي تحديد اختصاص إقليمي لمحكمة غير الاختصاص الوارد في القانون، حيث جاءت هذه المادة أساسا لحماية الأطراف الضعيفة في العقود خاصة بالنسبة لعقود الإذعان أين تكون الشروط المانحة للاختصاص الإقليمي مفروضة من الطرف القوي.
ب- وقت الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي :
يجب إثارة الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي قبل أي دفاع في الموضوع هذا يعني أن الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي يجب أن يكون إبداؤه قبل التطرق في الموضوع أي قبل أي بدء في طلب أو دفاع في الدعوى و إلا سقط الحق في التمسك به، و هذا لحسن سير العدالة فلا يتصور أن تشتغل المحكمة في الموضوع و البحث في طلبات الخصم الموضوعية و بعد قطعها شوطا كبيرا في نظر الدعوى يقدم دفعا بعدم اختصاص المحكمة إقليميا قصد إنماء الخصومة أمام هذه المحكمة.
دور القاضي و الخصوم في إثارة الدفع :
يتوقف دور القاضي في إثارة الدفوع على طبيعية الدفع من جهة، وفيما إذا كان متعلقا بالنظام العام من جهة أخرى ، بعكس أطراف الخصومة الذين يحق لحم إثارة سائر أنواع الدفوع مع تقييد هذا الحق بميقات محدد؛ لحماية مصالحهم الخاصة تحت طائلة السقوط .
أ- دور القاضي في إثارة الدفوع :
لا يحق للقاضي أن يتعرض من تلقاء نفسه للدفع بعدم الاختصاص الإقليمي لكونه غير متعلق بالنظام العام، وتعرضه لها يعد تدخل واضحا يتعارض بمبدأ حياد القاضي ولهذا لا يملك القاضي إثارة الدفع الإجرائي غر متعلق بالنظام العام إلا ما تعلق بالمادة 40 فقرة 1 في المواد العقارية، أو الأشغال المتعلقة بالعقار، أو دعاوى الإيجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات، والدعاوى المتعلقة بالأشغال العمومية، أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار، أو المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال.
كما يحظر على القاضي إثارة أية صورة من صور الدفوع بعدم القبول غير المتعلقة بالنظام العام وينحصر دوره في إثارة الدفوع الإجرائية المتعلقة بالنظام العام، حيث يتعين عليه إثارة هذه الدفوع من تلقاء نفسه طالما أن العناصر الواقعية المولدة لدفع مطروحة في الدعوى وذلك من قبيل الالتزام المفروض على القاضي وليس بحرد رخصة أو حق فإذا أغفل القاضي إثارة الدفع والتمسك به تعرض حكمه للطعن.
فعندما يقدم الدفع بعدم الاختصاص تقوم المحكمة أولا بفحص مدعى قبوله من الناحية الشكلية ، أي فحص توفر شروط تقديم هذا الدفع المنصوص عليها في المادة 47 ق ا م ا فإذا كان الدفع غير مقبول يرفض الطلب وتتطرق المحكمة إلى موضوع الدعوى، وإذا ظهر للمحكمة أن الدفع بعدم الاختصاص مقبول ، يجب عليها فحص مدى تأسيسه بالنظر إلى الدعوى المطروحة أمامها.
ب- دور الخصوم في إثارة الدفوع :
للخصوم مطلق الحق في إثارة سائر أنواع الدفوع، ما كان مقررا لمصلحة خاصة أو ما تعلق منها بالنظام العام و في دراستنا للدفع بعدم الاختصاص الإقليمي أمام القضاء العقاري فقد منح المشرع الجزائري في المادة 47 الحق في إثارة هذا الدفع قبل أي دفاع في الموضوع أو دفع بعدم القبول و إلا سقط الحق في ذلك فلا يحق للمحكمة التدخل في هذه الدفوع؛ وإعمالها يتوقف على التمسك بما من قبل صاحب المصلحة لتقديمها في الميعاد المقرر قانونا تحت طائلة السقوط حيث أشارت المادة 46 إلى أنه يجوز للخصوم الحضور باختيارهم أمام القاضي، حتى ولو لم يكن مختصا إقليميا و ذلك بعد أن يوقع الخصوم على تصريح بطلب التقاضي، وإذا تعذر التوقيع يشار إلى ذلك ، و هي قرينة علي تنازل المدعي عليهم من استعمال وسيلة الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي لكون أن هذه المسألة ليست من النظام العام فأجاز المشرع الاتفاق علي مخالفتها فأضحت قواعد الاختصاص الإقليمي في الحالة قواعد مكملة يحترم فيها القاضي سلطان إرادة الأطراف علي مستوي درجات التقاضي.
الاستثناءات الواردة في الاختصاص الإقليمي :
لقد قرر المشرع نوعا من الاختصاص المحلي جعله وجوبي ومن النظام العام ويتداخل إلى حد كبير مع الاختصاص النوعي .
أين ينعقد الاختصاص لمحكمة مقر المجلس طبقا للقانون الجديد 08-09 في المادة 32 الفقرة 07 منه عندما يتعلق الأمر بمنازعات الحجز العقاري وتسوية قوائم التوزيع وبيع المشاع وحجز السفن والطائرات وبيعها قضائيا وتنفيذ الحكم الأجنبي ومعاشات التقاعد والمنازعات المتعلقة بحوادث العمل ودعاوى الإفلاس والتسوية القضائية وطلبات بيع المحلات التجارية المثقلة بقيد الرهن الحيازي، أين قيد حرية اختيار الجهة القضائية للفصل بالنزاع إذا تعلق الأمر بالمنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية والإفلاس والتسوية القضائية والمنازعات المتعلقة بالبنوك ومنازعات الملكية الفكرية والمنازعات البحرية والنقل الجوي ومنازعات التأمين أين يكون الاختصاص الإقليمي للأقطاب المتخصصة المنعقدة ببعض المحاكم بالنظر دون سواها في هذه المنازعات .
تتميز المادة 40 من القانون 08-09بطابع الإلزام و الذي يفرض على القاضي إثارة عدم الاختصاص الإقليمي من تلقاء نفسه حتى و لو لم يثيره الخصوم ، حيث جعلت الدعاوي العقارية بما فيها دعاوي الأشغال العقارية و دعاوي الإيجار المدني و التجاري و دعاوي الأشغال العمومية يكون الاختصاص فيها إما لمحكمة وجود العقار بالنسبة للدعاوي المرتبطة بالعقار و هو ما أكدته المادة 518 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية عندما تناولت الاختصاص الإقليمي للقسم العقاري الموجود بالمحكمة أو محكمة تنفيذ الأشغال بالنسبة للدعاوي المتعلقة بالأشغال العمومية.
إن الاختصاص الإقليمي في العقار إلزامي طبقا للمادة 40 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية هذا استثناء الما جاء في المادة 37 التي نصت على تطبيق مبداً ارتباط الاختصاص الإقليمي للمحكمة بموطن المدعي عليه. قراءة للمادة 40 فقرة 1 ق ا م ا يوضح أن هذه المادة قد منحت اختصاصا مانعا لبعض الجهات القضائية للنظر في المنازعات في المواد العقارية خلافا لما ورد في المواد 37-38-46 دون سواها ما يعني أن القاضي في حالة ما إذا تم طرح النزاع أمامه و لم يكن مختصا إقليميا أثار عدم الاختصاص الإقليمي من تلقاء نفسه حتى و لو لم يثيره الأطراف، مما يستوجب على المدعي أن يتأكد من اختصاص الجهة القضائية إقليميا التي يرفع أمامها النزاع حتى لا يصل إلى نتيجة غير مرضية خصوصا أن هذه المادة حملت في طياتما حالة من حالات النظام العام.
خاتمة :
يتبين من قواعد إثارة الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي محل الدارسة يتوافق بين حماية الشكل الإجرائي و اعتبارات حماية الحق الموضوعي، و المشرع الجزائري قصد من تنظيم الاختصاص الإقليمي أن يكون أداة لصون الحقوق الموضوعية؛ بحيث لا يمكن بلوغ هذه الحماية من دون ضمان سلامة الإجراءات كون المنازعات العقارية في التشريع الجزائري موضوع جد واسع وشاسع يحتل الصدارة في المحاكم الجزائرية، ارتأينا إلى تخصيص موضوع الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي حيث أن عدم الاختصاص الإقليمي لا يعد من النظام العام بل يمكن تحاوزه إذا لم يتمسك به أحد الأطراف القضية قبل التطرق في الموضوع.