جريمة الغدر في القانون الجزائري.
الغدر هو ترك الوفاء بالعهد و هو من السلوكيات السلبية والخطيرة، هاته الصفة تدل على خسة النفس و حقارتها، بل هو خصلة من خصال النفاق.
مقدمة
المبحث الأول : مفهوم جريمة الغدر.
المطلب الاول : تعريف جريمة الغدر.
المطلب الثاني : جريمة الغدر نظرا لنصها القانوني.
المبحث الثاني : أركان جريمة الغدر.
المطلب الاول : الركن الشرعي لجريمة الغدر المادة 30 ق و ف م.
المطلب الثاني : الركن المادي لجريمة الغدر.
المطلب الثاني : الركن المادي لجريمة الغدر.
المطلب الثالث : الركن المعنوي لجريمة الغدر.
المطلب الرابع : الركن المفترض في جريمة الغدر (الصفة المفترضة).
المبحث الثالث :عقوبة جريمة الغدر و آثارها.
المطلب الأول : العقوبة المقررة لجريمة الغدر.
المطلب الثاني : الآثار الناجمة عن جريمة الغدر.
خاتمة.
مقدمة :
تعتبر جريمة الغدر من جرائم الموظف غير الأخلاقية، وهي تعتبر نوعا من أنواع الفساد، متمثلةً في الفساد الإداري، إذ أن المشرع الجزائري عالج هذه الجريمة في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06-01، المعدل و المتمم بالقانون رقم 11-15 ، بعد إلغائه للمادة 121 من قانون العقوبات التي كانت قد نصت عليها سابقا، إذا قبل التطرق لجريمة الغدر حسب القانون الجزائري نتطرق أولا لتعريف الفساد ثم الفساد الإداري وأنواعه، وفي الأخير نصل إلى جريمة الغدر مفصلة تفصيلا قانونيا.
و نظرا لارتباط الوثيق لهاته الجريمة بالموظف العام ، و التصرف الارتجالي و الانفرادي لمختلف الموظفين الذين يسارعون بالتفكير الى الربح السريع و لو حتى على عاتق الثقة و المنصب المعطى لهم وعليه يجب ردع هاته الجريمة و إيقافها و محاولة إزالتها من العقليات المجتمع و ذلك بإعطائها نصوص قانونية و عقوبات صارمة تخصها بالذكر و ذلك محافظة على المصالح العليا للدولة.
.
المبحث الأول : مفهوم جريمة الغدر :
المطلب الاول : تعريف جريمة الغدر :
يجرم المشرع في نصوص كثيرة وردت ضمن جرائم العدوان على المال العام محددة في ذلك سلوك الموظف العام الذي يضر بالأموال او المصالح العامة التي تقع على عاتقه.
و جريمة الغدر هي واحدة من الجرائم التي تكمن علة التجريم فيها فيما يمكن ان تسببه هذه الجريمة من الإخلال بثقة المواطن في الدولة ممثلة في أشخاص موظفيها الذين يستغلون سلطاتهم بفرض أعباء مالية تتجاوز ما يفرضه عليهم القانون.
ومعنى الغدر في الجريمة يتحقق من غرض مالي إضافي على مواطن يعتمد على الدولة و يثق في ممثليها، لمعرفة القدر من الأعباء المالية التي يلتزم به في مواجهاتها، فالمواطن لا يتمكن غالبا من معرفة ما يجب عليه ان يدفعه من الضرائب و الرسوم لجهله بالقواعد التي يتم على أساسها تقدير ذلك، ومن ثمة فهو يركن إلى تقدير الموظف المختص بذلك، فان خدعه و طلب اخذ غير المستحق عليه يكون مرتكبا لجريمة الغدر.
و بالنظر إلى طبيعة هذه الجريمة، يثور لدينا تساؤل على ملائمة إدراجها ضمن جرائم العدوان على المال العام، إذ لا صلة لها بالمال العام، بل أنها حقيقة من جرائم الوظيفة العامة التي يتمثل جوهرها في تجاوز الموظف حدود وظيفته و هذا إذا نظرنا إلى جانب الجاني الذي يسئ استغلال الوظيفة العامة و يخل بثقة المواطنين فيها، ومن هذه الوجهة كذلك كان من المتصور إلحاق جريمة الغدر بطائفة الجرائم الملحقة بالرشوة.
و اذا كان قانون العقوبات الفرنسي يعتبر جريمة الغدر من جرائم العدوان يكون على المال العام، و ذلك لان المجني عليه لا يكون المواطن لوحده، بل تكون الدولة ذاتها او السلطة العامة، لان الجريمة تقوم كذلك في حق الموظف الذي ياخذ من الدولة مالا على انه مرتب أو مكافأة مستحقة له رغم انه لا حق له فيها بطلبه.
وقد كان القانون الروماني ومن بعده القانون الفرنسي القديم يخلطان بين الغدر و الرشوة، و يقرران عقوبات قاسية للغدر لا سيما عندما يرتكبها القضاة، فمثلا قانون الألواح الاثني العشر كان ينص على عقوبة الإعدام في التطور التاريخي لجريمة الغدر.
وتختلف جريمة الغدر عن جريمة الرشوة رغم ما يجمع بينهما من اوجه للتشابه فكلاهما يشكلان عدوان على ثقة المواطنين في الوظيفة العامة و يقومان عن الاستغلال السيئ لسلطات الوظيفة اذ في الحالتين يطلب الموظف من الأفراد دفع ما لا يلزمهم به القانون، أما أوجه الاختلاف بين الجريمتين فيتمثل في السند الذي يحتج به الموظف في طلب او اخذ ما ليس واجبا على الفرض و يعني ذلك ان اختلاف سند الأخذ أو الطلب أي سند التحصيل le titre de perception وهو معيار التفرقة بين الجريمتين إذا كان الموظف قد طلب او اخذ المال مدعيا انه من قبيل الضرائب او الرسوم او العوائد او نحوها فالجريمة غدر أما إذا كان الموظف قد طلب او اخذ المال على انه هدية او أعطية نظير قيامه بعمل وظيفي فالجريمة رشوة.
وللتفرقة بين الجريمتين من حيث الأهمية القانونية إذ على ضوئها يتحدد موقف المتعامل مع الموظف، فإذا كانت الجريمة رشوة كان مقدم المال راشيا يعاقب بالعقوبة ذاتها المقررة للموظف المرتشي أما إن كانت الجريمة غدر، فان مقدم المال يعتبر مجني عليه و من ثم لا عقاب عليه.
المطلب الثاني : جريمة الغدر نظرا لنصها القانوني :
المشرع الجزائري اعتبر جريمة الغدر، جنحة وهي تطلق على الموظف الذي يطلب أو يأخذ غير المستحق من الأعباء المالية العامة ويكون له شأن في تحصيلها
.
إن الغدر هو الفعل المنصوص عليه و المعاقب عليه في المادة 30 من ق و ف م و يقتضي هذه الجريمة أن كل موظف عمومي يطالب او يتلقى او يشترط او يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء او يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه او لصالح الإدارة او لصالح الأطراف الذين يقومون بالتحصيل لحسابهم .
.
المبحث الثاني : أركان جريمة الغدر :
المطلب الاول : الركن الشرعي لجريمة الغدر المادة 30 ق و ف م :
يعد مرتكبا لجريمة الغدر و يعاقب بالحبس من :
سنتسن (02) الى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 الى 1000000 دج كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط او يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه او لصالح الإدارة او لصالح الأطراف الذين يقومون بالتحصيل لحسابهم.
المطلب الثاني : الركن المادي لجريمة الغدر :
أولا : الأخذ و الطلب :
الطلب أو الأخذ لهما ذات المدلول فالطلب يعني مبادرة من الموظف تتمثل في التعبير عن إرادته في حمل الممول على الدفع الغير مستحق، ولا أهمية لشكل الطلب شفهيا او كتابيا و يستوي ان يكون الطلب بعبارة تدل صراحة على مراد الموظف او ان يكون ضمنيا كما ولو حرر الموظف للممول إيصالا ضمنه مبالغ مالية تزيد عن المستحق، أما الأخذ فيعني إدخال الموظف المال الغير مستحق في حيازته سواء سبق ذلك طلبا منه او لم يسبقه، كما لو اقتصر موظف على تناول المبلغ الغير مستحق الذي قدمه له الممول الذي اعتبره خطا انه ضريبة واجبة عليه و الطلب او الأخذ صورتان تبادليتان للفعل الإجرامي في جريمة الغدر توافر إحداهما لقيام الجريمة و الموظف الذي
يطلب غير المستحق يرتكب الجريمة تامة و لو لم ياخذ ما طلبه، و يعني ذلك ان الشروع في جريمة غدر معاقب عليها بالقانون كما اقره المشرع الفرنسي الذي نص على انه في كل الأحوال يعاقب على الشروع في جنحة الغدر بذات الكيفية و المقررة للعقاب على الجنحة ذاتها لان الجريمة في القانون الفرنسي تعتبر مجرد طلب هذا المال شروعا في جريمة الغدر.
كما ان الموظف الذي يأخذ مالا غير المستحق يرتكب الجريمة رغم انه لم يطلب من الممول ذلك اذا كانت الجريمة تقوم بالطلب او بالأخذ فمؤدي ذلك انها لا تقع بالقبول الصادر من الموظف، و يحدث ذلك حين يحظر الممول الموظف الذي يعتقد خطا انه مستحق عليه فيقبل الموظف وعد هذا الممول بالمبلغ الذي يعتقد خطا انه مستحق عليه فيقبل الموظف وعد هذا المسؤول بأداء هذا المبلغ مستقبلا، لكن تقوم الجريمة حيث ياخذ الموظف فعلا في الموعد المتفق عليه بالمبلغ الذي وعد الممول بدفعه إذا كان يزيد وقت دفعه على المستحق و يتحقق الركن المادي لجريمة الغدر سواء اخذ الموظف المبلغ الغير مستحق الذي حصله لنفسه او وضعه في الخزينة العامة، فالمشرع لا يجرم اشراع الموظف العام على حساب المواطن بقدر ما يحمي هذا الاخير من استبداد السلطات العامة، و باعتبار جريمة الغدر هي جريمة الموظف العام فانه لا يحول دون استكمالها اركانها ان يعلم الممول انه يدفع غير المستحق أو أن يرضى بأداء المبلغ الذي طلبه الموظف و أخذه.
ثانيا : إصدار أمر للمرؤوسين بتحصيل ما هو غير مستحق :
يثور التساؤل في حالة صدور الأمر من الرئيس لأحد مرؤوسيه مكلفين بالتحصيل بان يأخذ من الممولين مبلغا يزيد على المستحق المناسب للتحصيل، ويذهب بعض الفقهاء إلى القول بان الأمر بالتحصيل يحقق الركن المادي لجريمة الغدر لان الشروع يكتفي بان يكون للموظف شان في تحصيل المال و هو ما يتحقق بالنسبة للرئيس الذي يشرف على عملية التحصيل دون أن يقوم بها فعلا، فإذا أمر احد مرؤوسيه بتحصيل غير المستحق فقد اتى النشاط غير المشروع الذي يتجه له اختصاصه لكن الرأي الذي نرجحه هو الذي يذهب الى القول بان الطلب هو الذي يتم بمواجهة الممول وليس الحال كذلك بالنسبة لأمر الرئيس الصادر لمرؤوسيه بتحصيل غير مستحق فهذا الأمر لا يحقق
الطلب بالمعنى الوارد في النص و من ثمة لا يقوم به الركن المادي لجريمة الغدر لكن إذا نفذه الموظف فعلا و من طلب المجني عليه و الأخذ ما ليس مستحقا قامت جريمة الغدر في حقه و اعتبر الرئيس شريكا فيها بالتحريض.
ثالثا : موضوع الطلب او الأخذ :
موضوع الطلب او الأخذ هو ما ليس مستحق من أعباء مالية عامة و الأعباء المالية العامة هي الالتزامات المالية ذات الطابع العام التي تفرضها الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة على الأفراد وفق قواعد القانون العام، وهذه الأعباء لها صفة عمومية فتتمتع بميزة التحصيل الجبري من الدولة بوصفها سلطة عامة، وقد أعطى المشرع امثلة لها من ضرائب مباشرة او غير مباشرة و لكن هذه الأمثلة لم ترد على سبيل الحقيقة و لذلك أورد المشرع " تحصيل ما يعلم انه غير مستحق الأداء أو يجاوز ما هو مستحق " و يرجع في تقدير الأعباء المالية العامة إلى القوانين المنظمة له فكل عبأ مالي تفرضه سلطة عامة و تتوافر فيه صفة العمومية و خاصة التحصيل الجبري تقوم بطلبه او أخذه دون أن يكون مستحقا على الفرد لجريمة الغدر.
و بالمقابل لا تقوم جريمة الغدر إذ لم يكن للمال الذي طلبه او اخذ الموظف العام طابع العبا المالي العام، وتطبيقا لذلك لا تقع جريمة الغدر اذا كان المال الذي طلب او اخذ بغير حق إيجار لعقار يدخل في أملاك الدولة الخاصة، او كان المبلغ الزائد قد أخذه محصل الأجرة بالقطارات زيادة على ثمن التذكرة او كان ما حصله الموظف هو زيادة غير مستحقة على ثمن السلعة التي يبيعها باسم الدولة و لحسابها لان الثمن او الأجرة لا يعدان من الأعباء المالية العامة.
و يشترط في العبء المالي العام الذي يقام بطلبه او أخذه أن يكون غير مستحق أو يزيد عن المستحق، و يكون العبا غير مستحق إذ لم يكن له وجود من الناحية القانونية بالنسبة لهذا الموظف بالذات، كما لو طالب الموظف مواطنا بضريبة لا يخضع لها قانونا، كما يكون المال غير مستحق إذا كان العبا قد انقضى بالوفاء أو بالتقادم، و كذلك
يكون ما يطلبه الموظف او يأخذ من عبا مالي عام غير مستحق إذا لم يكن قد حل اجل الوفاء به و يعد المال غير مستحق إذا كان ما يطلبه الموظف أو يؤاخذه هو الزيادة على ما يستحق للدولة من عبء مالي.
ولذلك نعتقد أن اضافة تعبير او يزيد على المستحق لا لزوم له لان ما يطلبه الموظف او يأخذه زيادة على المستحق يعد عبئا ماليا غير مستحق أصلا و من ثم كان يكفي تعبير عن الركن المادي للجريمة لطلب او اخذ ما ليس مستحقا.
فاذا كان العبء المالي مستحقا للدولة حسب التحديد السابق فلا تقوم بطلبه أو أخذه جريمة غدر في حق الموظف و لو لم يورد ما حصله انه ضريبة او رسم او نحو ذلك لخزينة الدولة و انما استبقاه لنفسه، فتجريم الغدر لا يستهدف بصفة خاصة حماية حق الدولة على مالها و انما حماية الأفراد من تعسف ممثل السلطة العامة.
و إضافة إلى قيام الأخذ و الطلب من الموظف في جريمة الغدر و موضوع الطلب و الأخذ السابق ذكره، نأتي إلى إن الركن المادي يمكن توافره حسب المادة 31 ق و ف م " كل موظف عمومي يمنح أو يأمر بالاستفادة تحت أي شكل من الأشكال، ولأي سبب كان، و دون ترخيص من القانون، من إعفاءات او تخفيضات في الضرائب او الرسوم العمومية او يسلم مجانا محاصيل مؤسسات الدولة " .
و عليه فان الموظف الذي يصدر منه فعل مادي بمنح او إعفاء شخص ما بعبء مالي مفروض عليه و مدان به للدولة يكون قد ارتكب جريمة الغدر، هذا الموظف العمومي الذي يعين بموجب الثقة و السلطة المعطاة له مهام تحصيل الأموال العمومية و المحافظة عليها يجب ان لا يخون تلك الثقة و يلج إلى المنع و الإعفاء بتسديد هذه الأعباء المالية المرتكبة على الممول او دافع الضريبة و الرسومات و التكاليف و يتصرف فيها و كأنها من ماله الخاص، و يكون ذلك على وجه التعاطف او المحاباة فان كان قد تلقى مبلغا من الممول من فعله و المتمثل في الإعفاء فانه يمكن هنا وقوع جريمة الرشوة.
و اما من الناحية المذكورة اعلاه في المنع لمنتجات مؤسسات عمومية و اعفاء من تكاليف الرسوم و الضرائب وغيرها فانه يؤدي بالفعل الى ارتكاب جريمة الغدر.
ومن هذا المنطلق نجد ان الموظف بسلوكه و فعله و المتمثل في المنع و الإعفاء من الرسوم و التكاليف و الضرائب و الأعباء المالية المفروض ورودها الى خزائن الدولة يكون قد ساهم بصفة مباشرة في الضرار بالمال العام و الاقتصاد الوطني.
المطلب الثالث : الركن المعنوي لجريمة الغدر :
جريمة الغدر هي جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي و القصد المتطلب فيها هو القصد العام، وقد تطلب المشرع ركن القصد في هذه الجريمة و حدد نوعها صراحة في قوله :
" ... ما يعلم انها غير مستحقة ".
و ربما قد يؤدي إبراز هذه العبارة من طرف المشرع استهدافا منه للحيلولة دون أي تفسير للنص يترتب عليه اشتراط القصد الخاص لقيام جريمة الغدر، و القصد العام يقوم على عنصري العلم و الإرادة و ينصرف العلم أولا إلى الصفة الخاصة التي تعد ركنا في جريمة الغدر و هي كون الجاني موظفا عاما له الشأن في تحصيل الأعباء المالية العامة فان انتفى علم الجاني بهذه الصفة انتفى القصد الجنائي لديه و تطبيقا لذلك فالموظف الذي يطلب او يأخذ غير المستحق مدعيا على غير الحقيقة على ان له شانا في تحصيل الضرائب او الرسوم لا يرتكب الجريمة لانتفاء قصده الجنائي و لو كانت عملية التحصيل قد أسندت إليه لحظة الطلب او الأخذ دون علم منه بذلك و انتفاء جريمة الغدر هنا لا يمنع من قيام جريمة النصب او الشروع فيها اذا توفرت أركانها.
وينصرف العلم ثانيا الى عدم أحقية الدولة في المبلغ الذي يطلبه او يأخذه الموظف على انه عبء مالي عام مستحق على المواطن، فاذا وقع الموظف في خطا او في قانون غير قانون العقوبات جعله يعتقد وقت الطلب او الاخذ انه يطلب او ياخذ ما تستحقه الدولة او السلطة العامة، انتفى القصد الجنائي لديه، و تطبيقا لذلك ينتفي القصد اذا اخلط الموظف بين شخصين لتشابه الأسماء بينهما فطالب احدهما و اخذ منه المبلغ الواجب على الشخص الاخر، و تطبيقا لذلك ينتفي القصد اذا كان الموظف يجهل صدور قانون ألغى
الضريبة التي طالب الممول بها او حفظها او اخطأ في حساب الضريبة فطلب ما يزيد عن المستحق او اذا اعتقد خطا ان الممول لا يخضع للإعفاء الضريبي او انه لشريحة على من تلك التي تنطبق عليه حقيقة أي إذا أساء تفسير القانون الذي يفرض الضريبة.
و ينبغي أن تتصرف إرادة الموظف رغم عمله بعدم أحقية الدولة فيها يطلبه أو يأخذه إلى فعل الطلب أو الأخذ فإذا لم تنصرف الإرادة إلى ذلك إنتفى القصد الجنائي لدى الموظف و تطبيقا لذلك ينتفي القصد لدى الموظف الذي يأخذ من الممول مبلغا يزيد عن المستحق كضريبة دون أن يفطن إلى ذلك أو يخطأ لدى عده النقود التي تركها له الممول ففي هذه الحالة لنفي ارادة الطلب او الاخذ لدى الموظف.
وإذا توافر القصد الجنائي بالعلم و الارادة فلا عبرة بالبواعث التي دفعت الموظف الى طلب او اخذ غير المستحق، فالباعث ليس عنصرا في القصد الجنائي، و لا شان له باركان الجريمة، طبقا للقواعد العامة التي تنص عنها جريمة الغدر، و على ذلك يستوي ان يكون باعث المتهم هو الاثراء الشخصي غير المشرع على حساب المواطن او يكون هو اثراء خزينة الدولة، عن طريق زيادة ارادتها و مع ذلك قد يكون للباعث اثر في تحديد العقوبة نوعا و مقدارا.
وينبغي في تبيان الركن المعنوي كذلك السلوك الذي يصدر من الموظف و الذي يقوم و بحكم وظيفته و منصبه كان يكون من مأموري التحصيل القائم بالحسابات على الرسوم و الضرائب، فان قام هذا الموظف بمنع و إعفاء من الرسوم و الضرائب او قام بتخفيضها بنسبة ما او قام بتسليم منتوج من منتجات المؤسسات العمومية مجانا و يكون ذلك لسبب ما كالمحاباة و التعاطف او سبب اخر من غير قبول شئ ما من شانه أن ينص على جريمة الرشوة يكون في نفس الوقت الموظف او المحصل الذي يصدر منه هذا الفعل، و يكون على علم بان هاته الأعباء المالية واجبة و مفروضة على الممول او دافع الرسوم و الضرائب و غيرها فان قام هذا الموظف او محصل الضرائب او واضع جداول التحصيل و كان على علم و دراية بوجوب هذه الاعباء المالية على الممول او المستحقة عليه من طرف مؤسسات الدولة ( أي كانت من المال العام ) فيكون قد ارتكب جريمة الغدر.
واذا كان علم الموظف او المحصل بان الاعباء المالية المفروضة و الواجبة على شخص ما او ممول قد أزيلت عنه او ألغيت عليه و قام هو بعمل تحصيلها او استقبالها و ضمها الى خزائن الدولة انتفى القصد الجنائي لجريمة الغدر.
ومنه نستخلص انه لابد في كل الظروف من علم الموظف أن الأعباء المالية و المتمثلة في الضرائب و الرسوم و...الخ ملزمة الدفع على الممول و واجبة عليه بمقتضى نص استدلالي او أمر او مرسوم... فان قام هذا الموظف او المحصل في هذه الحالة و لأي سبب كان و بغير تصريح منه القانون بمنع الممول و على أي صورة كانت الاعفاء من الاعباء المالية ( رسوم، ضرائب ) او قام بتسليم منتجات مما تنتجه مؤسسات الدولة مجانا، يكون ارتكب جريمة الغدر.
المطلب الرابع : الركن المفترض في جريمة الغدر (الصفة المفترضة ) :
جريمة الغدر من جرائم ذوي الصفة، ففاعلها هو موظف عام له شان في تحصيل الضرائب و الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، ويتحدد مدلول الموظف العام على النحو السابق بيانه في جريمة الاختلاس، لكن وصف الموظف العام لا يكفي لتحقيق الصفة الخاصة للفاعل في جريمة الغدر، فقد تطلب المشرع أن تكون للموظف علاقة ما بتحصيل الضرائب و الرسوم و ما في حكمها وليس بلازم لقيام هذه العلاقة.
أن يكون الموظف مختصا وحده بالتحصيل بل انه لا يشترط ان يكون التحصيل هو اختصاصه الرئيسي فأي قدر من الاختصاص في عملية التحصيل و لو كان ضئيلا يكفي لتوافر العلاقة التي يتطلبها المشرع بين الموظف و عملية تحصيل الضرائب و الرسوم وقد تخير المشرع لبيان علاقة الموظف بعملية التحصيل تعبيرا يدل على رغبته في شؤون كل موظف يتصل بعملية التحصيل عندما اكتفى بان يكون للموظف (شان) في تحصيل الضرائب فهو لم يتطلب ان يكون الموظف (مختصا) بالتحصيل.
و تطبيقا لذلك فان كل موظف له شان في عملية التحصيل يمكن ان يرتكب جريمة الغدر اذا طلب او اخذ باعتبار الصفة الخاصة ركنا في جريمة الغدر فان القاضي يلتزم بالتحقيق من توافرها عن طريق بيان الصلة بين اختصاصات الموظف و عملية التحصيل فان انتفت تماما الصلة بين اختصاصات الموظف و عملية التحصيل لم تتوافر فيه الصفة الخاصة التي يتطلبها القانون لقيام جريمة الغدر.
وبناءا على ما تقدم لا تقوم جريمة الغدر اذا كان المتهم غير موظف على الاطلاق، فصاحب المهنة الحرة الذي يطالب الفرد بأتعاب تزيد على ما يستحقه طبقا لقانون او لائحة لا يرتكب جريمة الغدر و لاتقوم الجريمة اذا كان المتهم موظفا عاما لا شأن له في تحصيل الضرائب و الرسوم و لو زعم او اعتقد خطا انه مختص في تحصيل الضرائب ولكن يمكن ان تقوم في هذه الحالة جريمة النصب او الشروع فيه حسب الأحوال.
.
المبحث الثالث :عقوبة جريمة الغدر و آثارها :
المطلب الأول : العقوبة المقررة لجريمة الغدر :
الغدر خيانة قرر لها المشرع العقوبة الموضحة في المواد 35.31.30 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
المادة 30 ق ح ف م التي تنص على " يعد مرتكبا لجريمة الغدر و يعاقب بالحبس من سنتين(02) إلى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط أو يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه أو لصالح الإدارة أو لصالح الأفراد الذين يقوم بالتحصيل لحسابه ".
المادة 31 ق و ف م التي تنص على " يعاقب بالحبس من خمس (05) إلى عشر سنوات (10) و بغرامة مالية من 500000 دج إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يمنح أو يأمر بالإستفادة تحت أي شكل من أشكال و لأي سبب كان، ودون ترخيص من القانون بالإعفاءات أو تخفيضات في الضرائب والرسوم العمومية أويسلم مجانا محاصيل مؤسسات الدولة ".
المادة 35 ق و ف م التي تنص على " يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) وبغرامة مالية من 200000 دج إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يأخذ أو يتلقى إما مباشرة وإما بعقد صوري وإما عن طريق شخص آخر، فوائد من العقود أو المزايدات أو المناقصات أو المقاولات أو المؤسسات التي يكون وقت ارتكاب الفعل مديرا عليها أو مشرفا عليها بصفة كلية أو جزئية وكذلك من يكون مكلفا بأن يصدر إذنا بالدفع في عملية ما أو مكلف بتصفية أمر ما ويأخذ منه فوائد أية كانت ".
المطلب الثاني : الآثار الناجمة عن جريمة الغدر:
تعتبر جريمة الغدر من جرائم العدوان على المال العام ومن الجرائم المضرة بالمصلحة العامة فهذه الجريمة تعد من الجرائم الوظيفية العامة لذلك تفترض لقيامها توافر صفة الموظف العام ، فالمال العام الذي يوجد بين يديه و الذي يعمل في خدمة الدولة التي عهدت اليه بهذا المال لتحقيق الصالح العام و من ثم تكون اساءة التصرف في هذا المال إحلالا للثقة التي أولتها الدولة للجاني، و الموظف الذي يعتدي على المال العام باي صورة من صور الاعتداء.
يكون خائنا للامانة التي حملته الدولة اياه حينما وضعت المال بين يديه ليستعمله في الغرض الذي خصص له يضاف الى ذلك ان هذه الأفعال تؤدي الى الإقلاع من ثقة المواطنين في الدولة التي عهدت الى الموظف بحفظ الأموال المخصصة لتسيير المرافق العامة وذلك حين يرون ان هذه الأموال تنحرف عن تخصيصها لتحقيق مصالح شخصية و إشباع أطماع موظف يسئ استغلال وظيفته، اذ يخل بالمساواة بين الموظفين انفسهم اذ يتمكن من يحوز المال العام و يسئ التصرف فيه من الحصول على دخل يفوق ما يحصل عليه غيره من الشرفاء مما يدفعهم الى تقليده و محاكاته بمحاولة الحصول على دخل اضافي من الوظيفة العامة.
ان جريمة الغدر تعتبر من اخطر الجرائم المضرة بالمال العام و بالمصلحة العامة مما لها اثر كبير على اقتصاد الدولة و هيبتها و مساسها بكيان المؤسسات الوطنية و خطورتها الكبيرة على المجتمع و تصرفات الافراد و سلوكاتهم و كذا كونها تشكل خطرا على كيان الدولة مما ينعكس على عدم الثقة فيها و انتشار الفساد و تفشي ظاهرة الغدر و الرشوة و المحاباة.
مما يؤثر سلبا على التنمية و التوازن الاقتصادي و سمعة الدولة فيؤدي ذلك الى حدوث أزمات و تدهور في نظام الدولة و تسييره كما انها تصيب بالضرر او تعرض للخطر مصالح المجتمع على نحو مباشر وضررها الاجتماعي في الغالب جسيم، فهي قد تهدد كيان الدولة ذاته او تزعزع الاستقرار السياسي و الاجتماعي فيها او تخل بالثقة العامة في مؤسساتها و نظمها الادارية، الاقتصادية و المالية، كما انها جد حساسة تتطور بسرعة وذلك بتأقلمها مع كل الافكار الجديدة و التطورات الحاصلة في المجتمع و في شتى المجالات السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية.
كما انها تبسط الفوضى و التصرف الارتجالي و الانفرادي لمختلف الموظفين الذين يسارعون بالتفكير الى الربح السريع و لو حتى على عاتق الثقة و المنصب المعطى لهم، ناهيك عن تسببها في بعث المحاباة و البيروقراطية و استغلال النفوذ و كذلك النتيجة المدمرة التي تتركها في انطباع الدول المنافسة التي لها حساسيات اتجاه دولتنا و التي لا يهمهم سوى تشويه سمعتنا و اللعب بالنزاهة و المساواة و العدل في مجتمعنا.
و عليه يجب أن تردع هذه الجريمة و إيقافها و محاولة إزالتها من الأذهان و المجتمعات وذلك بإعطائها نصوص قانونية و عقوبات تخصها بالذكر وذلك محافظة على المصالح العليا للدولة.
خاتمة :
من خلال الدراسة التي قمنا بها تعتبر محاولة إلى تسليط الضوء على جرائم العدوان على المال العام، وخاصة جريمة الغدر لما تشكله من خطورة على الدولة و مؤسساتها من خلال زعزعة الثقة بين المواطن و دولته التي هي أساس التقدم لأي مجتمع كان.
و الأسباب التي تساهم في استفحال و تطور جريمة الغدر المرتكبة من طرف الموظف العام أو من يقوم مقامه، ويكون محلها المال العام او الخاص او السندات و العقود، و ترتكب الجريمة أثناء أداء الموظف العام وظيفته او بسببها و التي أدت الى استفحال و تطور الجرائم المضرة بالمصلحة العامة نذكر منها :
غياب الرقابة الإدارية، عدم صرامة القوانين، انعدام الردع العقابي، انتشار الرشوة في سلك العدالة، مركزية أوامر التحقيق، غياب الرقابة الاجتماعية، سوء اختيار الموظفين، ناهيك عن التلاعب بأملاك الدولة...
و من نتائجها :
التأثير الكبير بالسلب على الاقتصاد الوطني و تخريبه و تهديمه بطريقة غير مباشرة، إخلال و انعدام الثقة بين المواطن ودولته و بين الموظفين و المواطنين في حد ذاتهم، التجاء الموظف العام إلى الربح السريع على عاتق المال العام و على حساب الثقة المعطاة له، إثراء مالي غير مستحق و المساس بهبة و سيادة الدولة و وحدة المجتمع و كيانه.
وعليه ارتأينا إلى وضع بعض الحلول للحد من هاته الجرائم المضرة بالمال العام ويتبلور ذلك في :
إصلاح العدالة و تطبيق القانون دون هوادة، غرس الوعي الاجتماعي بين الشعب، نشر الإحساس بانعكاسات الجريمة السلبية على الأمد القريب و البعيد، تشديدي الرقابة على الموظفين في البنوك، البريد، القباضات، الضرائب...، تنصيب رجال مهنة شرفاء دون محاباة و محسوبية و الاستفادة من التجارب السابقة و خاصة في وقت أصبحت فيه المؤسسات الجزائرية هشة البنيان وبحاجة الى دعامة قوانين صلبة و خطة اقتصادية واضحة لا متغيرة بتغير الحكومات.
ان جريمة الغدر و جرائم العدوان على المال العام بصفة عامة تعتبر من الجرائم المتطورة مع تطور المجتمعات لكن الفساد الذي تتركه هذه الجرائم ليس ناشئا من التطور الايجابي و انما هناك ظروف تساعد على تطور و استفحال الجرائم الاقتصادية في المجتمعات، كالفقر و انعدام تساوي فرص العيش و التخلف الاجتماعي و ظهور جماعات المافيا و محولي الأموال العمومية و المتعاملين بالرشوة و الأشخاص معدومي الشرف و الضمير المهني و المسؤولية المهنية و الروح الوطنية، والذين يسهمون في استفحال هذه الظاهرة لاسيما في المجالات التي لها علاقة مباشرة بالاقتصاد.
ونظرا لان هذه الجرائم تعتمد على خصوصيات فنية و علمية من التخطيط المحكم القائم على أدق التفاصيل و الحسابات و خاصة أن مقترفها موظف عمومي اكتسب خبرة في الوظيفة العامة مكنته من رصد قدرات عالية في البحث عن الثغرات القانونية و استغلالها في مناخ ملائم لتحقيق أغراضه غير المشروعة، وعليه تجدر بنا الإشارة إلى انه للعمل على مكافحة هاته الجرائم فيجب أن تدعم مصالح الشرطة بمختلف مديرياتها بعناصر ذوي تكوين متخصص في المحاسبة و العلوم المالية تمكنها من أداء وظيفة البحث و التحري في جرائم العدوان على المال العام و المساس بشرف و عفة الوظيفة العامة.
المراجع :
القوانين :
- القانون رقم 06-01 المؤرخ في: 20 ديسمبر 2006.المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
المؤلفات :
- قانون العقوبات الجزائري : الأستاذ أحسن بوسقيعة – منشورات بيرتي 2007.
- الوجيز في القانون الجنائي الخاص لدكتور أحسن بوسقيعة – دار هومة لنشر.
- دروس شرح قانون العقوبات الجزائري – قسم خاص – د . عبدالله سليمان
- الجرائم المضرة بالمصلحة العامة : د.رمسيس لهنام – المكتبة القانونية سنة 1986.
- الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية : د.رميس بسام - منشاة المعارف الاسكندرسة.
- جرائم الاعتداء على الأموال العامة و الخاصة : الأستاذ عبد العزيز سعد – دار هومة للطباعة والنشر و التوزيع، بوزريعة – الجزائر- الطبعة الثانية 2006.
- قانون جنائي – قسم خاص – د . محمد زكي أبوعامر.