نتائج البحث عن ردود العضو :رشيد
عدد النتائج (33)
نتيجة
|
22-04-2023 08:31 صباحاً
إثبات النسب في القانون الجزائري
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: قانـــون الأســرة
موضوع إثبات النسب في القانون الجزائري شكرا علي الافادة
|
18-07-2021 10:49 صباحاً
نقابة محامي مستغانم
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي المســــاعدة وطلبــات الأعضـــــاء
جرب هذا الرقم
رقم الهاتف 045.21.55.59
|
31-03-2021 10:33 صباحاً
بحث حول ضمان عدم التعـرض و ضمان الاستحقاق في عقد البيع و تطبيقاته على عقد الشركة
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون التجاري
المطلب الثاني : ضمان المؤجر عدم تعرض الغير
ذكرنا سابقا أن المؤجر يلتزم بضمان التعرض الحاصل منه أو من مأموريه سواء أكان التعرض ماديا أو قانونيا، ولكن بالنسبة للغير فلا يضمن المؤجر من أعمال هذا الغير سوى ما يعد تعرضا قانونيا لا ماديا ، وعليه سنتطرق في هذا المطلب إلى دراسة شروط وآثار هذا التعرض وصوره .
الفـــــرع الأول: شروط التعرض القانوني وآثاره
تنص المادة 483 الفقرة الثانية من القانون المدني الجزائري ( لا يقتصر ضمان المؤجر على الأعمال التي تصدر منه أو من مأمورية ، بل يمتد هذا الضمان إلى كل إضرار أو تعرض مبني على سبب قانوني يصدر من مستأجر آخر أو من أي شخص تلقى الحق عن المؤجر) .
فمن خلال نص المادة يتضح لي أن التعرض الذي يضمنه المؤجر هو المبني على سبب قانوني، وإضافة إلى ذلك فهو يضمن الأضرار التي تصدر من مستأجرين آخرين أو أي شخص تلقى عنه حقا ومن ثم فهو ضامن لهذا التعرض. فما هي الشروط الواجب توفرها لقيام هذا التعرض وماهي آثاره ؟ .
1/ - الشروط الواجب توفرها لقيام التعرض :
أ/- أن يقع التعرض من الغير : يجب أن يقع التعرض من أجنبي عن عقد الإيجار، ولذلك لا نكون بصدد تعرض من الغير إذا حصل التعرض من المؤجر أو من أحد مأموريه.(1)
ب/- ادعاء الغير حقا يتعلق بالعين المؤجرة ويتعارض مع حق المستأجر : وهذا ما نصت عليه المادة 484 فقرة أولى من القانون المدني الجزائري ( إذا ادعى أجنبي حقا على العين المؤجرة يتعارض مع ما للمستأجر من حقوق بمقتضى عقد الإيجار وجب على المستأجر أن يعلم المؤجر بذلك وله أن يطلب إخراجه من الخصام وفي هذه الحالة لا تجري الدعوى إلا ضد المؤجر وحده ) .
يجب أن يكون التعرض قانونيا، أي يكون مبنيا على سبب قانوني، وليس من اللازم أن يكون ما يدعيه الغير من حق موجودا وثابتا في الواقع وإنما يكفي مجرد الإدعاء وعلى ذلك يكون تعرض الغير ماديا لا قانونيا إذا لم يستند الغير في تعرضه على أي حق يدعيه .
ويجب أن يكون الحق المدعى به متعلقا بالعين المؤجرة ومتعارضا مع حق المستأجر.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فالمؤجر ضامن لهذا التعرض سواء كان تعرضا مبنيا على سبب قانوني أو تعرضا ماديا. عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 342.
(2)- ومثال ذلك أن يدعي الغير أنه هو المالك للعين المؤجرة وبالتالي فإن الإيجار لا يسري في حقه ويقيم دعوى على المؤجر ويطلب فيها إخلاء المستأجر لهذا السبب. رمضان أبو السعود، مرجع سابق ص231.
ويستوي في الحق الذي يدعيه الغير أن يكون حقا عينيا أو حقا شخصيا، وعلى ذلك يضمن المؤجر التعرض الصادر من شخص يدعي أنه مستأجر للعين المؤجرة ومفضل على المستأجر الذي وضع يده عليها ويمكن أن يكون التعرض بالنسبة إلى العين المؤجر كلها، أو بالنسبة إلى جزء منها فقط أو بالنسبة لأحد ملحقاتها التي يشملها عقد الإيجار. (1)
وقد يستمد هذا الحق من المؤجر ذاته كما في حالة المشتري للعين المؤجرة، وقد يكون غير مستمد منه كما إذا ادعى الغير أنه هو المالك الحقيقي للعين المؤجرة.
ج/ أن يقع التعرض فعلا : فلا يكفي لوقوع التعرض بالأفعال فقط بل لابد من إظهار هذا الإدعاء وتحقيقه، فقد يلجأ الغير إلى وسائل مادية لتحقيق إدعائه (2) فيضطر المستأجر إلى رفع الدعوى على الغير مدخلا المؤجر خصما فيها، وقد يكون التعرض في صورة دعوى يرفعها الغير طالبا ثبوت حق له على العين المؤجرة ومتعارضا مع ما للمستأجر من انتفاع وترفع على المؤجر ويدخل الغير المستأجر خصما فيها.
وتجدر الإشارة إلى أنه يجب أن يقع التعرض القانوني أثناء فترة الإيجار، فلا يمكن الإعتداء به إن وقع قبل ذلك وحتى بعد فوات مدته .
2/- الآثار التي تترتب على قيام التعرض :
إذا حدث ووقع التعرض القانوني من الغير على نحو ما تقدم ، التزم المستأجر بإخطار المؤجر بوقوع هذا التعرض ، وإذا حدث الإخطار ترتب عليه أمران : الأول: هو التزام المؤجر بدفع هذا التعرض إذا كان ذلك في إمكانه. والثاني: هو ضمان الاستحقاق إذا أخفق المؤجر في ذلك. وسنتكلم عن هذا الأخير في المطلب الثالث على حدى لكي نبرزه كأثر للتعرض وتدخل إرادة الطرفين في تعديله .
1/ إخطار المؤجر بالتعرض :
فمن خلال نص المادة 484 من القانون المدني الجزائري، يستوجب على المستأجر إذا وقع تعرض من الغير، أن يبادر إلى إخطار المؤجر بوقوعه فهو صاحب المصلحة في دفعه لأنه ضامن ، ويجب أن يتم الإخطار في أقرب وقت ممكن ، فإذا لم يبادر المستأجر بالإخطــار في وقت مناسب تحمل نتيجة هذا التقصير. فإذا أثبت المؤجر في حالة عدم إخطاره أن لديه مستندات تثبت بطلان إدعاء المتعرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- لم يشترط التقنين المصري في المادة 573 من القانون المدني، كما اشترط التقنين الفرنسي أن يكون الحق الذي يدعيه الغير متعلقا بملكية العين المؤجرة وذلك في نص المادة 1726 من القانون المدني أو بحق ارتفاق عليها أو بحق عيني فيها طبقا بنص المادة 1727 من القانون المدني والتي تنص
و يلاحظ أنها تتسع لمجال الحق الشخصي ( Si ceux qui ont commis les vies de faut prétendent avoir quelque droit sur la chose louée . Ou si le preneur est lui même cité en justice pour se voir condamne au délaissement de la totalité ou de partie de cette chose .on a souffrir L'exercice de quelque servitude; il doit appeler le bailleur en garantie; et doit être mis hors d’instance, S'il L’exige, en nommant le bailleur pour lequel il possède.)
---------------
(2)- كادعائه أن له عليها حق.
فهنا يسقط حق المستأجر في الرجوع بالضمان. وللمؤجر ( طبقا للقواعد العامة ) أن يرجع بالتعويض على المستأجر نتيجة عدم قيام هذا الأخير بإخطاره في الوقت المناسب. ويلاحظ أن المشرع لم يستلزم شكلا معينا يجب أن يتم فيه الإخطار. وللإشارة أن عبء وقوع الإخطار على عاتق المستأجر.
2- دفع المؤجر للتعرض :
فإذا أخطر المستأجر المؤجر بوقوع التعرض وجب على المؤجر أن يتخذ كافة الإجراءات القانونية لدفع هذا التعرض، فله أن يرفع دعاوى الحيازة على المتعرض إذا توافرت شروطها، فإذا نجح هذا الأخير في دعواه ، كان للمؤجر رفع دعوى استرداد الحيازة ، أما إذا كانت أعمال التعرض قد أدت إلى تعطيل انتفاع المستأجر فللمؤجر رفع دعوى منع التعرض، وإذا شرع المتعرض في إقامة منشآت عطلت انتفاع المستأجر كان للمؤجر الحق في رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة ، وهذا في حالة ما اتخذ التعرض شكل العمل المادي أما إذا كان التعرض في شكل دعوى مرفوعة على المستأجر وتم إخطار المؤجر، وجب على هذا الأخير التدخل حتى وإن علم بها ولم يخطر. فإذا كانت الدعوى إلا على المستأجر فإن الحكم لايلزم إلا هذا الأخير أما إذا وجهت إلى المؤجر دون المستأجر كان الحكم الصادر ساريا في مواجهة المستأجر.(1)
وفي الحالة التي ترفع الدعوى على المستأجر لوحده فيمكنه الخروج منها حتى ولو رفض المؤجر الدخول فيها، إلا أنه في أغلب الأحيان لا يخرج منها وذلك من أجل مراقبة دفاع المؤجر وليمنع التواطىء الذي قد يحصل مع المتعرض للإضرار به ( ففي هذا المجال ألاحظ وجود إتفاق بين أحكام الضمان في عقد البيع وعقد الإيجار ).
فللمستأجر مصلحة في البقاء في الدعوى وذلك حتى يرجع من بعد بضمان الاستحقاق على المؤجر إذا نجح المتعرض، أو إذا وجه للمستأجر طلب آخر كأن يطلب إخراجه من العين نتيجة لفسخ الإيجار إذا ما تحققت له ملكية العين، ويراعى أن التزام المؤجر بدفع التعرض يعد التزاما بغاية لا التزاما ببذل عناية،فإذا نجح الغير في تعرضه يعد مخلا بالتزامه. ولكن إذا ترتب على التعرض القضاء لوضع اليد المؤجرة تحت الحراسة وتعطل انتفاع المتأجر بها، كان لهذا الأخير أن يطلب إنقاص الأجرة أو طلب الفسخ إذا كان التعرض جسيما.(2)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)- فهو ليس إلا دائن عادي للمؤجر تنفذ في مواجهته الأحكام الصادرة ضد المؤجر.
(2) – عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ، ص 352.
أما إذا فشل المؤجر في دفع دعوى المعترض وحكم للأخير باستحقاق ما يدعيه على العين، كان ذلك إخلالا من المؤجر بالتزام الضمان ويجوز للمستأجر أن يحبس الأجرة حتى يقوم المؤجر بدفع التعرض الحاصل.(1)
- فهل يجوز للمستأجر أن يدفع بنفسه التعرض القانوني الصادر عن الغير؟
اختلف الرأي حول هذه المسألة، فيذهب رأي أول إلى القول أن حق المستأجر حق شخصي، فإذا ادعى المتعرض حقا في العين بأنه يملكها مثلا، كان الخصم الحقيقي في دعوى المتعرض لا يكون المستأجر، فليس له حق عيني في العين المؤجرة يستطيع أن يتولى بنفسه دفع التعرض عنه.(2) لأن حقه شخصي يترتب في ذمة المؤجر، وكل ما يستطيع فعله هو أن يخطر المؤجر بالتعرض حتى يتولى الدفع، وإذا امتنع على المستأجر الرجوع بنفسه على المتعرض، فلا يوجد ثمة ما يمنعه من الرجوع عليه بدعوى المؤجر، تطبيقا لأحكام الدعوى غير المباشرة .
ويذهب الرأي الثاني إلى القول بأن تعرض الغير المبني على سبب قانوني قد يكون في شكل تعرض مادي أو في شكل دعوى.(3)
وفي الأخير يمكننا القول أنه في حالة تدخل المؤجر في الدعوى ونجح في دفع تعرض الغير يعتبر قد نفذ التزامه تنفيذا عينيا، وإن وقعت للمستأجر من جراء التعرض فيرجع بالتعويض على المتعرض الذي ثبت أنه لم يكن محقا في دعواه، أما إن صدر حكم قضائي يقرر بوضع العين المؤجرة تحت الحراسة القضائية ونتج عن ذلك تعطل انتفاع المستأجر بالعين فيمكنه أن يطلب إنقاص الأجرة أو الإعفاء منها طوال مدة الحبس، أما إن كان الإخلال جسيم فله أن يطلب فسخ العقد .
الفـــــــرع الثاني: شروط التعرض المادي و آثاره
تنص المادة 487 من القانون المدني الجزائري الفقرة الأولى ( لا يضمن المؤجر للمستأجر التعرض الصادر من أجنبي والذي لا يستند على حق له على العين المؤجرة وهذا لا يمنع المستأجر من أن يطالب شخصيا بحق لمن تعرض له بالتعويض، وأن يمارس ضده جميع دعاوى الحيازة ).
ومن خلالها يتضح أن المؤجر لا يضمن التعرض المادي الصادر من أجنبي والذي يظهر في أعمال يقوم بها هذا الأخير تؤدي إلى حرمان المستأجر من الانتفاع بالعين أو الانتقاص، منه دون استناد إلى حق يدعيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- يجوز للمستأجر أن يحبس الأجرة(نقض فرنسي – 20أفريل1961 – DALLOZ )
(2)- هذه هي خصوصية الحق العيني .
(3)- ويكون تعرضا ماديا إذا كان التعرض واقع على حيازة المستأجر ولهذا الأخير حق رفع جميع دعاوى الحيازة لحمايتها طبقا للمادة 487 من القانون المدني الجزائري ، وفي حالة ما إذا كان التعرض في شكل دعوى فيجوز للمستأجر إذا لم يخطر المؤجر بالدعوى أو إذا لم يتدخل هذا الأخير أن يدافع عن حقوقه بنفسه .
وبالتالي فإنه لا يلزم بدفع هذا التعرض المادي لأنه لم يصدر منه خطأ ويبقى على عاتق المستأجر أن يدفع مثل هذا التعرض بكل الوسائل القانونية الممنوحة له، وبالتالي فلكي تنعدم مسؤولية المؤجر عن ضمان التعرض المادي الصادر من الغير يجب توافر جملة من الشروط : (1)
1/- شروط عدم مسؤولية المؤجر عن التعرض المادي الصادر من الغير :
أ- صدور التعرض من الغير : وبذلك يجب أن التعرض صادرا من أجنبي عن المؤجر أما إذا صدر عن المؤجر أو أحد مأموريه فإنه يضمنه ، أو كان هذا التعرض بالاشتراك مع المؤجر فإنه يسأل عن ضمانه .
ب- يجب أن يكون التعرض ماديا لا يستند فيه إلى حق : أي أن التعرض المادي لا يستند فيه المعترض لحق يدعيه ومثال ذلك سرقة اللصوص لأمتعة المستأجر دون أي تقصير من المؤجر أو من البواب
ج- حدوث التعرض المادي بعد التسليم : أي أن يحصل التعرض بعد قيام المؤجر بالتزامه بالتسليم وفي ذلك الوقت تكون العين المؤجرة تحت تصرف المستأجر بحالة صالحة للانتفاع بها ، فإذا وقع التعرض قبل التسليم التزم المؤجر بدفعه لأنه ملزم بتسليم العين والتعرض حال دون ذلك : أما إذا كان التعرض بعد انتهاء مدة الانتفاع لم يكن للمستأجر حق يقع عليه الاعتداء. (2)
د- ألا يتضمن العقد شرطا يقضي بالتزام المؤجر بضمان التعرض المادي : يجوز الاتفاق على أن يتحمل المؤجر بالمسؤولية عن ضمان تعرض الغير المادي ، حيث أن القاعدة القانونية التي تقرر عدم ضمانه هي قاعدة مفسرة لإدارة المتقاعدين اللذين يحق لهما الاتفاق على ما يخالفهما .
و- أن يقتصر أثر التعرض على الإخلال بالانتفاع دون أن يمتد إلى صلاحية العين للانتفاع بها بعد ذلك : فالتعرض إذا اقتصر أثره على مجرد الإخلال بالانتفاع العابر، كان تعرضا متضمنا اعتداء على حق المستأجر ويجب على هذا الأخير دفعه وليست هناك مسؤولية على المؤجر .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ، ص 305.
(2)- رمضان أبو السعود، مرجع سابق ، ص 242 .
أما إذا تجاوز التعرض إلى صلاحيتها بالانتفاع ، عد هذا التعرض تعديا أيضا على حق المؤجر إلى جانب حق المستأجر، فيتحمل كل منهما بدفعه كل فيما يخصه .(1) ويترتب عن قيام التعرض المادي توقيع التزامات على عاتق المستأجر فيلتزم هذا الأخير بإخطار المؤجر حتى يتمكن من التدخل لدفعه ذلك لأنه لا يضمن التعرض المادي إن توافرت شروطه وعليه سنتطرق الآن إلى الآثار المترتبة عنه .
2/- الآثار المترتبة على قيام التعرض المادي من الغير :
فإذا حدث تعرض الغير نتيجة خطأ المستأجر فلا يرجع بالضمان على المؤجر بل يكون للأخير الرجوع على المستأجر بسبب ما أصابه من ضرر نتيجة هذا التعرض ، فإذا حدث تعرض مادي للغير وجب على المستأجر إخطار المؤجر حتى يتمكن من دفعه ، فإن لم يخطره عد مسؤولا في مواجهة المؤجر عن خطأه هذا ، ويأخذ حكم خطأ المستأجر أو إهماله أيضا ، حالة ما إذا وقع التعرض نتيجة روح العداء و الكراهية التي يشعر بها المعتدي اتجاه المستأجر . فمن خلال ما سبق ذكره سوف نتطرق لآثار التعرض المادي الصادر من الغير .
1/ رجوع المستأجر على المتعرض :
لقد أشارت المادة 487 من القانون المدني الجزائري على أنه( يمكن للمستأجر مطالبة المتعرض بتعويض عن الضرر الذي أصابه طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية و ذلك نتيجة عدم وجود رابطة عقدية بينه و بين المتعرض ) كما يمكنه أن يمارس جميع دعاوى الحيازة ذلك لأن المشرع أراد حماية الحيازة العرضية .(2)
و ذلك فضلا عن مطالبة المتعرض بتعويض الضرر الذي أصابه من جراء هذا التعرض.
2/ رجوع المؤجر على المتعرض :
للمؤجر أن يرجع هو الآخر على الغير المتعرض في حالات معينة منها أنه إذا ترتب على عمل المتعرض ضرر أصاب العين ذاتها بأن لحقها تلف أو هلاك كلي أو جزئي ، فيرجع بالتعويض طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية على الغير المتسبب في ذلك فإذا ترتب على تعدي المتعرض حرمان المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجر ، فيرجع الأخير على المؤجر طالبا الفسخ أو الإنقاص في الأجرة ، فإن للمؤجر أن يرجع بدوره على المتعرض أيضا طبقا لقواعد المسؤولية التقصرية ، و يكون للمؤجر هذا الرجوع أيضا إذا رجع عليه المستأجر بالتعويض عن الأضرار التي أصابته جراء التعرض و ذلك في حالة إشتراط ضمان المؤجر لهذا التعرض المادي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) – و يكون المستأجر مسؤولا عن الحريق و هذا ما قاله الفقيه George hebrecht
" Le locataire est, en psincipe responsable de l'incendie a moins qu’il ne démontre que l'incendie
a pour cause un ces fortuit ou de force majeure, ou un vice de construction ou encore que le feu a été communiqué par la maison voisine . Il est donc indispensable que le locataire contracte une assurance le garantissant contre ce risque locatif Notions essentielles de doit civil, 7eme édition Sirey - France 1967-p250.
(2) – القانون الفرنسي يعطي للمستأجر دعوى استرداد الحيازة دون الدعوتين الأخيرتين ، عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ، ص 373.
3-الرجوع على المؤجر :
طبقا للقواعد العامة لا يمكن للمستأجر الرجوع على المؤجر بدعوى ضمان التعرض المادي ذلك لأنه لا يوجد أي التزام يجبره بهذا الضمان.
إلا أنه حسب ما نصت عليه المادة 487 الفقرة الثانية من القانون المدني الجزائري (1) فإنه يمكن له : إما طلب فسخ عقد الإيجار أو إنقاص الأجرة في حالة بلوغ التعرض حدا من الجسامة أدت إلى حرمان المستأجر من الانتفاع سواء كان الهلاك كليا أو جزئيا ، و بالتالي فإن كان الهلاك كليا إنفسخ الإيجار ، و إن كان جزئيا أي لم يبلغ حد من الجسامة أمكنه طلب الفسخ أو إنقاص الأجرة .
أما إذا كان التعرض واقع على الانتفاع و لم يصل إلى درجة الهلاك فيمكن حسب الأحوال طلب الفسخ أو إنقاص الأجرة بشرط أن يكون الحرمان منه جسيما، و من جهة ثانية لا يكون للمستأجر دخل في حدوث التعرض. فإن وقع لسبب راجع إليه ، فلا يمكن لهذا الأخير الرجوع على المؤجر حتى ولو كان الإخلال الواقع بالانتفاع إخلالا جسيما ، غير أنه في كل الأحوال لقاضي الموضوع السلطة التقديرية في الحكم إن كان التعرض جسيما أولا ، وما إذا كان للمستأجر دخل فيها .
الفــــرع الثالث : الصور الخاصة بهذا التعرض
تنص المادة 485 من القانون المدني الجزائري ( إذا تعدد المستأجرون لعين واحدة أعطيت الأولوية لمن سبق منهم إلى وضع يده عليها دون غش. أما المستأجر فله إذا حرم من الأولوية وهو حسن النية أن يطلب التعويض عن المؤجر) (2)
فمن نص المادة ألاحظ أن تفضيل أحد المستأجرين المتزاحمين يوجب ضمان الاستحقاق للباقين. وأجد أن نص المادة 573 من القانون المدني المصري ( إذا تعدد المستأجرون لعين واحدة فضل من سبق منهم إلى وضع يده عليها دون غش ) إلا أن القانون المصري يضيف إلى ذلك تغييرا بقوله : ( فإذا كان مستأجر عقار قد سجل عقده وهو حسن النية وقبل أن يضع مستأجر آخر يده على العقار المؤجر أو قبل أن يتجدد عقد إيجاره ، فإنه الذي يفضل فإذا لم يوجد سبب لتفضيل أحد المستأجرين ، فليس لهم فيما تعارضت فيه حقوقهم إلا طلب التعويض) وأجد أن المشرع المصري قد فرق بين حالة التزاحم على المنقول وحالة التزاحم على العقار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- يقابل نص المادة 487 من القانون المدني الجزائري، نص المادة 575 من القانون المدني المصري.
(2)- يقابل نص المادة 485 من القانون المدني الجزائري، نص المادة 573 من القانون المدني المصري.
على عكس المشرع الجزائري الذي ترك النص عاما .وعليه أرجع إلى النص المصري باعتباره المرجع للقانون الجزائري وتفسيره لحالات التزاحم فيما إذا كان منقولا أو عقارا .
1/ قواعد التفضيل في حالة التزاحم على المنقول :
فإذا كان الشيء المؤجر منقولا وتعدد المستأجرون له، طبق حكم الفقرة الأولى من نص المادة 573 من القانون المدني المصري والتي تقابلها الفقرة الأولى من نص المادة 485 قانون المدني الجزائري ، حيث يفضل من سبق منه إلى وضع يده دون غش (1) ، وذلك طبقا للقاعدة العامة في هذا الشأن . ومن ذلك يتضح أن تطبيق قاعدة الأفضلية تقتضي أن يكون واضع اليد الأول على المنقول حسن النية .وبذلك لكي يكون لوضع اليد على الشيء المؤجر أثره يجب ألا يكون للمستأجر واضع يده متواطئا مع المؤجر، كما يجب ألا يكون عالما وقت وضع اليد يسبق التأجير وإذا حدث ولم يبادر أي من المستأجرين المزاحمين بوضع يده على الشيء المؤجر ، ثم طلبا المؤجر بتسليمه ،فلا يمكن القضاء بتسليمه لأيهما ، فليس لأحدهم أن يتقدم على الآخر . ولذلك لا يبقى لهما سوى الرجوع بضمان الاستحقاق . أما إذا طالبه أحدهما دون الآخر فيقضي له بالتسليم ولا يبقى للآخر سوى الرجوع بالضمان.
وأجد أن محكمة النقض الفرنسية في أحكام حديثة قد قضت بأن المفاضلة بين المستأجرين المتزاحمين، في المنقول وفي العقار، تكون على أساس الأسبقية في تاريخ عقد الإيجار، وذلك رغم أن التقنين الفرنسي لا يشمل على نص في هذه المسألة (2)
2 / قواعد التفضيل في حالة التزاحم على العقار.
من خلال نص المادة 485 من القانون المدني الجزائري لم يفرق المشرع بينما إذا كانت العين منقولا أو عقارا، وبذلك تسري هذه القاعدة بشأن المفاضلة بين المستأجرين المزاحمين للعقار. أما المشرع المصري أضاف في المادة 573 من القانون المدني بقوله ( فإذا كان مستأجر عقار سجل عقده وهو حسن النية قبل أن يضع مستأجر آخر يده على العقار المؤجر أو قبل أن يتجدد عقد إيجار ، فإنه هو الذي يفضل ).
وعلى ذلك تكون قواعد التفضيل في شأن العقار هي بالأسبقية بوضع اليد أو بالتسجيل ، ويستفاد من نص المادة أن المستأجر الذي سبق إلى وضع يده هو الأولى بالتفضيل لأنه الأصل ولا يسبقه إلا تسجيل سابق له.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1)- فوضع يد المستأجر على العين المؤجرة هو استيفاء لحقه من المؤجر كدائن شخصي له. ومن ذلك جاء التفضيل وليس من مجرد وضع اليد .
وهناك رأي يذهب إلى أن التفضيل إنما يجيء من وضع اليد ذاته مجردا من معنى الاستيفاء – طبقا للقاعدة المعروفة (عند تعادل المركزين يفضل واضع اليد ) ( in pari causa melior est causa possidentis ) عبد الرزاق السنهوري،مرجع سابق، ص 385 .
(2)- فمن كان من المستأجرين عقده أسبق في ثبوت التاريخ كان هو الذي يتقدم . نقض فرنسي (12 فيفري 1954 ).دالوز ،1972
– عبد الرزاق السنهوري ، نفس المرجع ، ص 388 .
وفي ذلك توجد عدة قرارات للمحكمة العليا ومن بينها(القرار المؤرخ في : 10.03.1991 ملف رقم 539 78. من المقرر قانونا أنه إذا تعدد المستأجرون لعين واحدة، أعطيت الأولوية لمن سبق منهم إلى وضع يده عليها دون غش.
ومن ثم فإن القرار الإداري المخالف لهذا المبدأ يعد مخالفا للقانون، ولما كان من الثابت في قضيته الحال أن الطاعن يشغل بحسن نية وبناء على سند قانوني الشقة المتنازع عليها منذ سنة 1984 في حين أن المطعون ضده استخرج عقد إيجار الشقة في سنة 1988 ، ومن ثم فإن مقرر التنازل الثاني يعد لاغيا . ومن كان كذلك استوجب إبطال المقرر المطعون فيه ) (1)
وهناك ( قرار آخر مؤرخ في : 07/02/1994 ملف رقم 107519 " من المقرر قانونا أنه إذا تعدد المستأجرون لعين واحدة أعطيت الأولوية لمن سبق منهم إلى وضع يده عليها دون غش ومن ثم فإن القضاء بهذا المبدأ يعد تطبيقا سليما للقانون .
ولما ثبت من قضيته الحال – أن الطاعن كان حارسا للأماكن – المتنازع عليها – وليس محتلا لها فإن بمحاولته لتغيير صفة الاحتلال من حارس إلى مستأجر برهن عن سوء نيته ، وأن قضاة الموضوع برفضهم حق الامتياز الذي تمسك به الطاعن ، فقد طبقوا صحيح القانون مهما يتعين رفض الطعن ) (2)
1/ التعرض الحاصل من الجيران المستأجرين لمؤجر واحد :
ويخرج من ذلك الجيران المستأجرين من مؤجرين مختلفين ولو كانوا في منزل واحد كأن يكون المنزل مقسم إلى عدة طوابق مملوكة لأشخاص مختلفين ومؤجرة لعدة مستأجرين فالعبرة هنا بوحدة المؤجر لا بوحدة المنزل، فيفترض هنا أن التعرض أو الإخلال بالانتفاع قد صدر من جار المستأجر لنفس المؤجر واتخذ هذا المتعرض إلى حق يدعيه كان التعرض مبنيا على سبب قانوني ويكون المؤجر ضامنا ، أما إذا كان التعرض غير مستند إلى حق وكانت هذه الأعمال لا علاقة لها بصفة المستأجر ، فالتعرض المادي لا يضمنه المؤجر. أما في الحالة العكسية : فهناك رأي يقول بأن هذا التعرض وإن لا يستند فيه إلى حق يدعيه المتعرض مع ذلك يعد تعرضا مبنيا على سند قانوني يضمنه المؤجر(3)، وإذا رجع المستأجر (المتعرض له ) على المؤجر كان لهذا الأخير أن يرجع بدوره على المستأجر المتعرض ويجب عليه إخطاره بالتعرض في الوقت الملائم حتى يستطيع فيه الدفاع عن الأعمال التي ارتكبت ضد المستأجر (المتعرض له) والتي استحق هذا الأخير من أجلها التعويض . وهناك رأي آخر يقول أن التعرض الصادر من المستأجر لجاره يعد تعرضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- المجلة القضائية لسنة 1993-العدد الأول – الصفحة 142.
(2)- المجلة القضائية لسنة1994 – العدد الثاني – الصفحة 31.
(3)- لأن المتعرض لا يعد من الغير بالنسبة للمؤجر.
ماديا لا يضمنه المؤجر مادام غير مستند إلى حق يدعيه ، وللمستأجر المتعرض له أن يرجع مباشرة على المستأجر المتعرض لأنه ليس له الرجوع على المؤجر .
2/ التعرض الحاصل من الجيران المستأجرين لمؤجرين مختلفين :
و يؤخذ بعين الاعتبار في هذه الحالة أيضا باختلاف المؤجر لا باختلاف المنزل ، ويخرج من ذلك المستأجرين من مؤجر واحد ولو كانوا في منازل متفرقة وسواء أكان الجار المتعرض مستأجرا أم مالكا له أو أية صفة أخرى . فمما لاشك فيه أن الجار يعتبر من الغير تطبق عليه أحكام التعرض الصادر من الغير و التي تقضي بأن المؤجر لا يضمن تعرض الجار المادي الذي يكون غير مبني على سبب قانوني ، وقد يكون ناشئا عن أعمال يجريها الجار في العين التي يشغلها وتصيب المستأجر بأضرار ومن ثم فليس لهذا الأخير سوى الرجوع على الجار المتعرض لمطالبته بالكف عن تعرضه والتعويض عن الأضرار التي لحقته طبقا لأحكام المسؤولية التقصيرية (1) . أما إذا كان التعرض جسيما فللمستأجر مطالبة المؤجر بفسخ العقد أو الإنقاص في الأجرة (2). أما إذا كان العمل الذي أتاه الجار ضد المستأجر قد استند فيه إلى حق يدعيه فالتعرض الواقع هنا قانوني يضمنه المؤجر. وقد يكون هذا التعرض واقع في حدود المكان الذي هو فيه كما قد يكون التعرض واقع على العين المؤجرة ذاتها.
3/ التعرض الحاصل من جهة الإدارة :
تنص المادة 486 من القانون المدني الجزائري ( إذا ترتب عن عمل قامت به السلطة الإدارية بمقتضى القانون نقص في الانتفاع بالعين المؤجرة جاز للمستأجر حسب الظروف أن يطلب فسخ الإيجار أو إنقاص ثمنه وله أن يطالب بتعويضه إذا كان عمل السلطة الإدارية قد صدر بسبب يكون المؤجر مسؤولا عنه كل هذا ما لم يوجد اتفاق يقضي بخلاف ذلك ).(3)
فهذه المادة جعلت لأنه في الكثير من الأحيان قد يحدث أن تصدر أعمال من جهة حكومية تؤدي إلى الإخلال بانتفاع المستأجر بالعين المؤجرة ، أو تحرمه من هذا الانتفاع ، فهل يلتزم المؤجر بالضمان أم لا؟.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري .
(2)- طبقا لنص المادة 284 الفقرة الثانية من القانون المدني الجزائري .
(3)- يقابل نص المادة 486 من القانون المدني الجزائري نص المادة 574 مدني مصري والتي تنص على أنه ( إذا ترتب عن عمل من جهة إدارية في حدود القانون نقص كبير في الانتفاع بالعين المؤجرة ، جاز للمستأجر تبعا للظروف أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة ، وله أن يطالب المؤجر بتعويضه إذا كان عمل الجهة الإدارية قد صدر لسبب يكون المؤجر مسؤولا عنه ، كل هذا ما لم يقضي الاتفاق بغيره
وتبعا لما سبق يجب التفريق بين ما إذا كان العمل قانوني أوغير قانوني ، فإن كان قانونيا عد التعرض من جهة الإدارة مبنيا على سبب قانوني يضمنه المؤجر ، لأن الإدارة تستند في عملها إلى حق لها (1) .
ولذلك يطبق على هذا التعرض أحكام التعرض الحاصل من الغير، بمعنى أن المؤجر لا يضمن التعرض المادي الصادر عن السلطة الإدارية ولكنه يضمن تعرضها القانوني . ويكون التعرض ماديا إذا كانت هذه الأخيرة لا تستند في عملها إلى حق خاص تدعيه متعلقا بالعين أو اقتصرت إلى مالها من حقوق وامتيازات السلطة العامة (2).
إلا أن الفقهاء يذهبون بالقول في هذه الحالة بأنه لا جدوى من البحث فيما إذا كان عمل الإدارة يعد تعرضا ماديا أو قانونيا ، فهو في الحالتين يعد من قبيل القوة القاهرة ، ولا يلتزم المؤجر بضمانها ، إلا أن اعتبار ذلك بمثابة القوة القاهرة لا يحرم المستأجر من الرجوع على المؤجر. وعلى جهة الإدارة في بعض الحالات . وعلى ذلك للمستأجر إذا كان الحرمان من الانتفاع جسيما أن يطلب الفسخ ، أما إذا كان النقص أو الحرمان يسيرا فلا رجوع له على المؤجر ، وإنما يرجع على الإدارة إذا كان عملها مخالف للقانون ، ويجوز للمستأجر في هذه الحالة وإذا لم يكن الحرمان على درجة من الجسامة أن يطلب الإنقاص في الأجرة، ويكون هذا الأخير على درجة مبررة ويخضع ذلك لتقدير المحكمة . أما إذا كان عمل الإدارة ينطوي على تعسف في استعمال السلطة ، فيحق للمستأجر أن يطلب التعويض منها لأنه شكل من أشكال التعرض المادي المحض (3).
وبالإضافة إلى ذلك يجوز للمستأجر أن يرجع على المؤجر بالتعويض أيضا إذا تسبب هذا الأخير في حدوث هذا التعرض ، لأنه حيث يكون للمؤجر دخل في عمل الإدارة يتحقق ضمانه (4). ولا رجوع للمستأجر على المؤجر إذا ثبت أن تعرض الإدارة سببه خطأ من المستأجر، وذلك كأن يدير المستأجر العين المؤجرة ناديا للقمار، فتقوم الإدارة بإغلاقه ففي هذه الحالة يلتزم المستأجر بدفع الأجرة إلى نهاية عقد الإيجار وبالتعويض أيضا إن كان له مقتضى .
وتجدر الإشارة إلى نص المادة 486 من القانون المدني الجزائري انتهت بالقول ( كل هذا ما لم يوجد اتفاق يقضي بخلاف ذلك ) وعليه فهي لا تتعلق بالنظام العام وبالنتيجة يجوز الاتفاق على أن يتحمل المؤجر بالضمان عن كل عمل يصدر من جهة إدارية يتعارض مع انتفاع المستأجر بالعين سواء أكان العمل مخالفا للقانون أم لا. كما يجوز الاتفاق على عدم مساءلة المؤجر إلا عن الفسخ ، أو الإعفاء من المسؤولية
وكما يكون الاتفاق صريحا قد يكون ضمنيا ، ولكن لا يجوز أن يستخلص منه مجرد أن المستأجر كان يتوقع تعرض الإدارة له (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- ومن أمثلة ذلك : كأن تجري مصلحة التنظيم . أعمال وإصلاحات في الطرق العمومية من شأنها أن تخل بانتفاع المستأجر .
(2)- ومن أمثلة ذلك : أن تنتزع جهة الإدارة ملكية العين المؤجرة أو أن تستولي عليها .
(3)- ومن ذلك مثلا أن تنزع الإدارة – الملكية للمنفعة العامة – فلا يمكن للمستأجر أن يرجع على تلك الجهة إلا إذا سمحت له القوانين بذلك.
(4)- لكن لا رجوع للمستأجر على المؤجر إذا ثبت أن تعرض الجهة الإدارية كان سببه خطأ من المستأجر دون المؤجر .
(5) – رمضان أبو السعود ، مرجع سابق ، ص 260.
المطلب الثالث : ضمان الاستحقاق في عقد الايجار
تنص المادة 476 من القانوني المدني الجزائري على أنه ( يلتزم المؤجر أن يسلم للمستأجر العين المؤجرة وملحقاتها في حالة تصلح للانتفاع المعد لها تبعا للإتفاق الوارد بين الطرفين أو حسب طبيعة العين ) (1) فإذا أفلح المتعرض في تعرضه وأخفق المؤجر وتقرر الحق المدعى به ، قضاء أو رضاء ، وترتب على ذلك حرمان المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة على الوجه المقصود من العقد، كان للمستأجر أن يرجع على المؤجر بضمان الاستحقاق . ومعنى هذا الضمان ثبوت الحق للمستأجر في أن يطلب تبعا للظروف فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضى ، وذلك طبقا لنص المادة 484 الفقرة الثانية من القانون المدني الجزائري و التي تقابلها المادة 572 الفقرة الثانية من القانون المدني المصري. (2) إلا أنه تجدر الإشارة إلى إمكانية الرجوع بضمان الاستحقاق متوقفة على شروط .
الفرع الأول : شروط الرجوع بضمان الاستحقاق
فلإمكان الرجوع بضمان الاستحقاق يجب أن تتوافر الشروط الآتية :
1/- ثبوت الاستحقاق أي أن يتقرر للمتعرض حقا يتنافى مع أي وجه من وجوه الانتفاع ، سواء كان حقا عينيا(ملكية أو حق ارتفاق)أو كان حقا شخصيا (كثبوت حق المستأجرالثاني و أولويته على المستأجر الأول).
2/ - أن يترتب عن هذا الاستحقاق الإخلال الفعلي بالانتفاع ، وعلى ذلك إذا ثبت الاستحقاق ولكن لم يقم المستحق بمضايقة المستأجر في انتفاعه بالعين بل تركه وشأنه أو أقر إيجاره ، فلا رجوع بالضمان .
3/- أن يثبت عدم تقصير المستأجر في إخطار المؤجر بالتعرض في الوقت المناسب ، فإذا لم يخطره وحال بينه وبين دفع التعرض ، وثبت الاستحقاق ، فلا رجوع للمستأجر عليه ، فإذا توفرت الشروط المتقدمة حقا للمستأجر أن يرجع على المؤجر بضمان الاستحقاق ، سواء كان المؤجر حسن النية أو سيئها يعلم بسبب التعرض ، فلا دخل للنية في ثبوت الحق في الضمان وإن جاز أن تدخل النية في الاعتبار عند تقدير التعويض. وعليه يجوز للمستأجر أن يطلب فسخ الإيجار إذا ثبت أن الإخلال بالانتفاع كان جسيما مبررا للفسخ ، للمحكمة حق التقدير، فلها ألا تجيب المستأجر في طلبه للفسخ إذا كان الإخلال يسيرا ، ويقتصر حكمها على التعويض أو إنقاص الأجرة ، ويسري هذا الأخير من وقت حصول الإخلال الفعلي وبالإضافة إلى ذلك للمستأجر أن يطلب أيضا من المؤجر تعويضا عن الأضرار التي أصابته من جراء الإخلال الصادر من المؤجر في دفع التعرض.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)- يقابل نص المادة 476 مدني جزائري نص المادة 1719 قانون مدني فرنسي .
(3)- إذا كانت حالة العين المؤجرة من شأنها أن تعرض صحة المستأجر ومن معه إلى خطر جسيم جاز له طلب الفسخ ، وليس للقاضي سلطة تقديرية بين الفسخ وإنقاص الأجرة طبقا لنص المادتين 476 ، 477 من القانون المدني ويحكم القاضي بالفسخ حتى ولو تنازل المستأجر عن حقه .
- وتسقط دعوى إنقاص الأجرة أو فسخ العقد، بمضي سنة تبدأ من وقت التسليم الفعلي للعين المؤجرة فهي مدة تقادم لا سقوط طبقا لنص المادة 366 من القانون المدني الجزائري .
الفرع الثاني : الاتفاقات المعدلة لأحكام هذا الضمان
تنص المادة 490 من القانون المدني الجزائري( يبطل كل اتفاق يتضمن الإعفاء أو التحديد من الضمان بسبب التعرض أو العيب إذا كان المؤجر قد أخفى عن غش سبب هذا الضمان ).والتي يقابلها نص المادة 578 من القانون المدني المصري ( يقع باطلا كل اتفاق يتضمن الإعفاء أو الحد من ضمان التعرض أو العيب ، إذا كان المؤجر قد أخفى عن غش سبب هذا الضمان ).
وعليه نلاحظ أن هذا النص يبيح الاتفاق على الإعفاء من ضمان الاستحقاق والعيب وعلى التخفيف منه أو التشدد فيه ، على النحو الذي سبق بيانه في البيع ، ولكن سيتثنى من ذلك الإعفاء أو التخفيف ، إذا كان المؤجر قد أخفى عن غش سبب هذا الضمان . فهذا النص من النظام العام ، لا يمكن الاتفاق على مخالفته .
1- التشديد في الضمان :وبناء على ما سبق يجوز التشديد في ضمان المؤجر ، كاشتراط المستأجر أن يكون له الحق في فسخ الإيجار متى حدث تعرض من الغير ، أيا كان تأثير هذا التعرض على الانتفاع المقصود .
2- تخفيف الضمان :يجوز الاتفاق على تخفيف الضمان ، كما لو اشترط المؤجر المستأجر أن يدفع الأجرة بكاملها حتى مع حصول تعرض من الغير .
3- الإعفاء من الضمان :إذ يجوز الاتفاق على إعفاء المؤجر من الضمان الناشئ عن تعرض الغير القانوني
ويلاحظ أن شرط الإعفاء من الضمان أو التخفيف منه يقع باطلا إذا كان المؤجر قد أخفى عن غش سبب هذا الضمان ، وعلى ذلك إذا كان المؤجر يعلم أن للغير حقا على العين المؤجرة يتعارض مع حق المستأجر وأخفاه متعمدا عن الأخير غشا منه ، فإن الشرط يقع باطلا أما إذا كان يعلم بحق الغير ولكنه لم يتعمد إخفائه فالشرط الصحيح ، فبمجرد علمه بالسبب لا يتضمن في ذاته غشا ، فقد يكون المستأجر عالما بنفسه ، ويمكن أن يتخذ علم المستأجر بالسبب قرنية على أنه أراد ضمنا إعفاء المؤجر من الضمان حتى بدون شرط .
والشرط الذي يعدل من أحكام مسؤولية المؤجر عن تعرضه الشخصي ، ليس كالشرط الذي يعدل من مسؤوليته عن تعرض الغير إذ لا يجوز التوسع في تفسيره . فشرط التشديد لا يتوسع في تفسيره بالإضرار بالمؤجر وشرط التخفيف أو الإعفاء لا يتوسع في تفسيره إضرارا بالمستأجر(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- إن القضاء الفرنسي في ضمان المؤجر لتعرضه الشخصي ، يجعل شرط الإعفاء عبارة عامة باطلا ، أما في ضمان تعرض الغير المبني على سبب قانوني ، فشرط الإعفاء في عبارة عامة يكون صحيحا وإن كان لا يحرم المستأجر من طلب الفسخ أو إنقاص الأجرة والفرق بين الحالتين أن إعفاء المؤجر نفسه من المسؤولية عن تعرضه الشخصي بصفة مطلقة يتعارض مع حسن النية وليس لذلك أن يعفي نفسه من المسؤولية عن تعرض الغير .
- عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ، ص362.
ما يلاحظ أن هناك نصيبين في البيع ، أحدهما تطبيق للمبادئ العامة فيمكن أن يسري على الإيجار ، والآخر يقرر حقا استثنائيا فلا يمكن نقله إلى الإيجار وطريق القياس فالنص الأول هو نص المادة 373 من القانون المدني الجزائري والذي يمكن تطبيقه على عقد الإيجار ، والنص الثاني هو 374 من القانون المدني الجزائري وهذا النص الأخير يقرر الاسترداد ، فهو نص استثنائي ولا يري على عقد الإيجار.
المبحث الثاني : تطبيقات أحكام الضمان في عقد الإيجار على عقد الشركة
في هذا المبحث سنتناول أحكام الضمان في عقد الإيجار المطبقة على الحصص المساهم بها في عقد الشركة ،و ذلك بالتطرق إلى طبيعة الحصص المقدمة في عقد الشركة في المطلب الأول ، أما في الطلب الثاني فإننا سأتطرق على مجال تطبيق أحكام الضمان .
المطلب الأول : طبيعة الحصص المقدمة في عقد الشركة
بعد أن تطرقنا إلى الحصص التي طبقت عليها أحكام الضمان المتعلقة بعقد البيع، سنتطرق إلى الحصص التي يطبق عليها أحكام الضمان المتعلقة بعقد الإيجارو ذلك دائما بالرجوع إلى نص المادة 422 من القانون المدني الجزائري (أما إذا كانت الحصة مجرد انتفاع بالمال فان أحكام الإيجار هي التي تسري في ذلك ) وبالتالي إذا كانت الحصة منصبة على مجرد التمتع بها في هذه الحالة يلتزم الشريك بوضع هذه الحصة تحت تصرف الشركة في حدود مدة معينة و يبقى مالكا لها ،و من ثم يكون هذا الأخير على يقين من استرجاع أمواله بعد انحلال الشركة ،أو عند حلول الأجل المحدد في العقد و بالتالي لا خوف عليه من دائنيها ،لأن هذه الحصة لم تدخل في الذمة المالية للشركة (1). فيعد الشريك في حالة تقديم الحصة على سبيل الانتفاع كأنه قد أبرم عقد إيجار الحصة مع الشركة و من ثم يعد بمثابة المؤجر و الشركة بمثابة مستأجر لها ،و يمكن أن يكون موضوع الحصة المقدمة على سبيل الانتفاع كل الأموال التي تكون قابلة أن تدخل كحصة في عقد الشركة على سبيل التملك لها، و بذلك يقع على عاتق الشريك ضمان التعرض و الاستحقاق الحاصل على الحصة المؤجرة (2). و عليه سأتطرق في المطلب الثاني إلى دراسة مجال تطبيق أحكام الإيجار على عقد الشركة .
المطلب الثاني : مجال تطبيق أحكام ضمان الإيجار على عقد الشركة
فإذا حصل التقديم على سبيل الانتفاعapport en jouissance - -و كان الشيء المقدم عينا معينة يحتفظ المقدم بملكية الحقوق المتعلقة بالشيء المقدم ، ويقدم للشركة حق الانتفاع -usufruit-بالحقوق فقط ،و يكون الشريك الذي يقدم الشيء على سبيل ، بمنزلة المؤجر الذي يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور ، و لكنه يختلف عنه في أنه لا يتقاضى بدل الإيجار ، كما يلتزم المقدم بالضمان الذي يلتزم به المؤجر، أي يلتزم بضمان التعرض .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ،صفحة 272.
(2)- الحسين بن الشيخ آث ملوية ، بحوث في القانون،دار هومة للطباعة و النشر، باتنة ،الجزائر، صفحة113،115.
و تجدر الإشارة عملا بالمبادئ العامة، إلى أنه لا يجوز تقديم الأشياء المثلية على سبيل الانتفاع، بل على سبيل الملكية، حتى ولو كان العقد ينص على أنها مقدمة على سبيل الانتفاع.
فيضمن الشريك عدم التعرض للشركة سواء كان تعرضا ماديا أو قانونيا صادرا منه أو تعرض مبني على سبب قانوني صادر من الغير(1) ،والتي تحول دون الانتفاع بالحصة أو تؤدي إلى نقص الانتفاع بها ،و في حالة التصفية لا يمكن لدائنيها التنفيذ على حصة الشريك لأنها لا تدخل في ذمتها ،فإذا انحلت الشركة قبل انتهاء حق الانتفاع فيدخل هذا الأخير ضمن العناصر الإيجابية للشركة و تخضع للتصفية كأي مال آخر تملكه،و بالتالي يحق للشريك استرداده بمجرد الانتهاء من الانتفاع به و تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان الانتفاع واردا على عقار،وكانت مدته تزيد عن الحد المقرر قانونيا وجب التسجيل طبقا للقواعد المقررة في الإيجار.
و لما كان للمنتفع حق عيني على العين فله السلطة المباشرة على الشيء الذي لا يحتاج في استعماله إلى تدخل صاحب حق الانتفاع ، و بذلك فليس على صاحب حق الانتفاع أية التزامات شخصية في ذمة المنتفع سوى ما التزم به ، كأن يلتزم بضمان التعرض و الاستحقاق ولن هذا الالتزام ترتب بموجب العقد لا بموجب حق الانتفاع ، و بالتالي يسري على صاحب حق الانتفاع ما يسري على أي شخص آخر، حيث لا يجوز له أن يتعدى على حق المنتفع و بالتالي فلا يجوز له أن يدخل أي تعديل في العين دون موافقة المنتفع ، كأن يقيم بناءات جديدة ، فكل ما يسبب ضررا أو تعطيلا أو إنقاصا في حق المنتفع لا يجوز لصاحب حق الانتفاع أن يقوم به، و لكن هناك استثناء على ذلك أورده المشرع لصاحب حق الانتفاع من خلال نص المادة 847فقرة 2 من القانون المدني الجزائري (و للمالك أن يعترض على أي استعمال غير مشروع أو غير متفق مع طبيعة الشيء ، فإذا أثبت أن حقوقه في خطر جاز له أن يطالب بتقديم تأمينات فإن لم يقدمها المنتفع أو استمر على الرغم من اعتراض المالك في استعمال الشيء استعمالا غير مشروع أو غير متفق مع طبيعة الشيء فللقاضي أن ينزع العين من تحت يده و أن يسلمها إلى الغير ليتولى إدارتها بل له تبعا لخطورة الحال أن يقرر انتهاء حق الانتفاع دون إخلال بحقوق الغير ) .
فالمشرع أعطى هذه الاستثناءات لفائدة المالك للمحافظة على حقوقه في حين أنه كقاعدة عامة يلتزم بعدم تعطيل أو إنقاص في حق الانتفاع بالعين، و في هذه الحالة للقاضي أن يقرر انتهاء حق الانتفاع و هذا تبعا لدرجة الخطورة و ذلك دون إخلال بحقوق الغير .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)- و هذا ما نصت عليه المادة 1843 في فقرتيها 3، 4 من القانون المدني الفرنسي.
الخاتمة
لعل أهم ما نخلص إليه في خاتمة هذا البحث هو التأكيد على أهمية الموضوع ، فالمشرع نظم احكام الضمان سواء كان التعرض او الاستحقاق أو العيوب الخفية باعتبارها من اهم الالتزامات التي تترتب على العقد ، خاصة عقد البيع و الايجار و كلها أكثر العقود شيوعا في الحياة العملية و ذلك لضمان استقرار المعاملات .
لكن المشرع في تنظيمه لعقد الشركة تعامل بشيء من التمييز ، إذ طبق عليه نوعان من الضمان ن متخذا طبيعة الحصة معيارا فاصلا . فإذا كانت الحصة العينية مقدمة على سبيل التملك طبقت احكام الضمان الخاصة بعقد البيع ن اما إذا قدم الشريك الحصة على سبيل الانتفاع فقط فإن أحكام الضمان الخاصة بعقد الايجار هي التي تطبق .
و قد اكتفى المشرع الجزائري في تنظيم هذا الموضوع بمادة واحدة فقط هي المادة 422 من القانون المدني ، والتي اقتبس احكامها من القانون المصري ، وهو ما طرح اشكالات عملية في تطبيقها ، خاصة في مجال الشركات التجارية إذ لا يوجد في القانون التجاري ما ينظم هذا الموضوع مما يعني عمومية هذا النص.
و يجب التذكير أن هذا النص وضع سنة 1975 في ظل التوجه الاشتراكي ، حيث كانت التجارة من احتكار الدولة، وكانت المساهمة من طرف الأفراد محتشمة ، ولذا و في ظل التوجه الاقتصادي الحالي و بعد الانفتاح على اقتصاد السوق لم يعد هذا النص يستجيب لهذه المتطلبات . و لذا أصبح لزاما على المشرع التدخل لاعادة تنظيمه على الوجه الكافي واستقرار المعاملات المدنية و التجارية،حيث أن آثارالتعرض لم تناولها اصلا في عقد الشركة و اكتفى باحكام عقد البيع و الايجار و هذا ما لا يتطابق و طبيعة عقد الشركة
و حاصل القول أن هذا النص لا يجد تكريسا له في القضاء و الميدان العملي إذ غالبا ما تلجأ الشركة إلى طلب الفسخ أو الابطال ، متى تعرض الشريك للحصة المقدمة او استحقت للغير، و لا تطلب بتطبيق أحكام الضمان .
و في الأخير نرجو أن تكون هذه الدراسة قد جلبت الأنظار إلى الثغرات القانونية التي يعاني منها القاضي لما تخلفه من إشكاليات في الميدان العملي و أن تكون محفزا لمن يأتي بعدي و أراد الخوض في غمار هذا البحث المتعلق بضمان عدم التعرض و الاستحقاق.
الـمـراجـع
ا/ المراجع بالعربية :
1/ المؤلفات :
1-الحسين بن الشيخ آث ملوية، بحوث في القانون ، دار هومة للطباعة و النشر ، باتنة ، الجزائر.
2- عقد البيع في ضوء قضاء النقض، أنور طلبة ، دار الفكر العربي ،القاهرة .
3- عقد الإيجار ، أنور طلبة ،المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، طبعة 1998.
4- أهم النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالإيجار المدني التجاري اجتهادات المحكمة العليا، بن رقية يوسف ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، الجزائر، طبعة 2002.
5- الوجيز في عقد البيع، توفيق حسن فرج، الدار الجامعية، الإسكندرية، طبعة1988.
6- الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، خليل أحمد حسن قدادة، الجزء الرابع، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر.
7- عقد الإيجار المدني (دراسة نظرية و تطبيقية من خلال الفقه واجتهاد المحكمة العليا) ، ديب عبد السلام ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، الجزائر، الطبعة الأولى 2001.
8- العقود المسماة (عقد الإيجار)، رمضان أبو السعود، الأحكام العامة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية.
9- (شرح القانون المدني ،العقود المسماة ،عقد البيع) ، سليمان مرقس ، الطبعة الرابعة،منقحة ومزينة بأحكام محكمة النقض المصرية ،دار الهناء للطباعة،القاهرة.
10- موسوعة الشركات التجارية، عبد الحميد الشواربي ، دار الكتاب الحديث ، منشأة المعارف الإسكندرية،مصر.
11- الوسيط في شرح القانون المدني،العقود التي تقع على الملكية (الهبة،الشركة)المجلد الخامس عبد الرزاق السنهوري ، دار إحياء التراث العربي ، لبنان.
12- الوسيط في شرح القانون المدني الجديد (الإيجار،العارية)الطبعة الثالثة، عبد الرزاق السنهوري منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان.
13- الوسيط في شرح القانون المدني،العقود التي تقع على الملكية(البيع،المقايضة) عبد الرزاق السنهوري ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان.
14- شرح أحكام البيع، عبد الناصر توفيق العطار، دار الفكر العربي ، القاهرة.
15- الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني ، عمرين سعيد، ،دار الهدى ، عين مليلة الجزائر، طبعة 2004.
16- مدونة القانون المدني، معوض عبد التواب، الجزء الأول، منشأة المعارف، الإسكندرية، القاهرة، طبعة 1987.
17-عقد البيع في القانون المدني الجزائري، محمد حسنين ، ديوان المطبوعات الجامعية ،بن عكنون، الجزائر ، طبعة2000.
18- عقد البيع في القانون المدني الجزائري، محمد حسنين ، ،ديوان المطبوعات الجامعية،بن عكنون ،الجزائر، الطبعة الرابعة 2005.
19- عقد البيع، محمد شتا أبو سعد، ،دار الفكر العربي،القاهرة، طبعة2000.
20- شركات الأموال في القانون الجزائري، نادية فضيل، ديوان المطبوعات الجامعية،طبعة2003،الجزائر.
21- حماية الملكية العقارية ، حمدي باشا عمر ،دار هومة ، الجزائر ،طبعة 2002.
22- القضاء العقاري ،حمدي باشا عمر،دار هومة، الجزائر،طبعة 2002.
2/ المجلات القضائية :
المجلة القضائية لسنة 1989، العدد الرابع.
المجلة القضائية لسنة 1991، العدد الثاني.
المجلة القضائية لسنة 1992 ،العدد الثالث.
المجلة القضائية لسنة 1993 ،العدد الثالث.
المجلة القضائية لسنة 1994 ،العدد الأول.
الاجتهاد القضائي :الغرفة التجارية و البحرية،عدد خاص ،طبعة 1999.
3/ النصوص القانونية :
1 - الأمر رقم 66/154 المؤرخ بتاريخ :08/06/1966 المتضمن قانون الإجراءات المدنية.
2 - الأمر رقم 75/58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1359 الموافق ل:26سبتمبر1975، المتضمن القانون المدني معدل و متمم.
3- الأمر رقم 75/59 المؤرخ في 20 رمضان 1359 الموافق ل:26 سبتمبر 1975، المتضمن القانون التجاري.
4/ القواميس :
1- المصطلحات القانونية في التشريع الجزائري، ابتسام القرام ،دار النشر قصر الكتاب البليدة الجزائر،1998.
2- كنز الطالب، قاموس (فرنسي، عربي) جور دان السابق، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، طبعة2001.
ب/ المراجع بالغة الفرنسية :
1- CODE CIVIL DALLOZ, édition 1995,1996 PARIS.CEDEX 05.
2- GERGE HUBRECHT –Notion essentielle de droit civil édition7, Sirey, France, 1967.
3- RYMOUND –LE GUIDEX-Juress classeur -2-1995-(vente, obligation du vendeur, garantie en cas d éviction).
|
19-02-2021 09:25 مساءً
المسؤولية الجزائية عن فعل الغير
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: الجنائي الخاص وعلم الإجرام
المسؤولية الجزائية عن فعل الغير شكرا لك
|
12-02-2021 01:50 صباحاً
قبول الدعوى حسب قانون الإجراءات المدنية والإدارية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: الإجراءات المدنية و الإداريــة
قبول الدعوى حسب قانون الإجراءات المدنية والإدارية شكرا لك
|
28-01-2021 01:29 صباحاً
الترحيب
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي الأعضــــــــاء الجــــــــدد
|
07-12-2020 12:25 صباحاً
الإثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية و التجارية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: قانون الإثبـــات
|
11-04-2019 08:55 صباحاً
جدول المحامين مجلس قضاء إليزي
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منظمة ورقلــــــــة
ممكن عنوان احد الاساتذة ؟؟؟
|
11-04-2019 08:24 صباحاً
جدول المحامين مجلس قضاء مسيلة
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منظمة سطيـــــف
كنت ابحث علي القائمة شكرا
|
22-12-2017 10:43 مساءً
مطوية المجلس الدستوري الجزائري
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي الكتب و البحوث القانونية
|
06-12-2017 01:21 صباحاً
للعمل كقابض حافلة receveur de bu
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: الركن العام للمواضيع العامــــة
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: نوفل أكاد أجزم أن الاغلبية المطلقة لشبه الأشخاص الذين يمارسون هاته المهنة المنبوذة عديمي الاخلاق و الواقع المعاش يأكد ذلك
كلام صحيح 100/100
|
07-04-2017 10:44 مساءً
الحماية الجناية للطفل في التشريع الجزائري
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
|
29-03-2017 01:11 صباحاً
تبعية الدعوى المدنية للدعوى الجزائية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
|
29-03-2017 01:00 صباحاً
إجراءات الطعن بالاستئناف في أوامر قاضي التحقيق
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
|
29-03-2017 12:55 صباحاً
إجرات التحري و المتابعة امام القضاء العسكري
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
|
29-03-2017 12:48 صباحاً
تنفيذ الأحكام الجزائية في التشريع الجزائري
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
|
29-03-2017 12:45 صباحاً
أحكام معاملة الحدث وفي مراحل الدعوى العمومية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
|
29-03-2017 12:38 صباحاً
إختصاصات غرفة الإتهام
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
|
29-03-2017 12:16 صباحاً
الإنابة القضائية في قانون الاجراءات الجزائية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الجنائي
شكرا لك الاخت علي المذكرة
|
28-03-2017 07:03 مساءً
القضاء الاداري في الجزائر
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: القانون الإداري
مذكرة هامة شكرا لكم علي إضافتها
|
31-07-2016 09:00 مساءً
عضو جديد
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي الأعضــــــــاء الجــــــــدد
مرحبا بك أخونا ..........
|
26-11-2014 11:18 مساءً
بحث حول أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: الجنائي الخاص وعلم الإجرام
رابعا : المسؤولية في السكر الاختياري .
1- في الشريعة الإسلامية :
في الشريعة الإسلامية يسأل السكران مدنيا عن أفعاله سواء كان السكر اختياريا
أو اضطراريا . فالسكر الإختياري لا ينف المسؤولية جزائية كانت أو مدنية ، لان خطأ الفاعل في تناوله المحرم هو الذي ترتب عليه إلحاق الضرر بالغير فيلتزم بتعويضه . أما السكر الاضطراري فيقتصر تأثيره على نفي المسؤولية الجزائية و لا تأثير له في المسؤولية المدنية ، و أساس ذلك أن الدماء و الأموال محرم المساس بها طبقا للقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية (1) .
2- في الفقه .
لقد أثارت مسؤولية من يرتكب جريمة و هو في حالة سكر نقاشا فقهيا ، حيث ذهب أنصار المذهب التقليدي في بداية الأمر إلى أن الجرائم التي ترتكب تحت تأثير السكر لا تشكل إلا جرائم عدم احتياط ، و ذلك اعتبارا لما يسببه السكر من انعدام وعي يؤدي إلى محو القصد الجنائي . و إذا كان يمكن مساءلة السكران عن خطئه في تناول المادة المسكرة لدرجة أفقدته الوعي ، فليس من المقبول أن يسأل عن الأفعال التي أتاها بعد أن أفقده السكر وعيه و إدراكه .
و قد تطور الموقف بعد ذلك تحت تأثير الأحكام الجديدة التي جاءت بها مدرسة الدفاع الاجتماعي فيري أنصاره ضرورة مساءلة السكران باختياره عن جميع الجرائم التي يرتكبها شأنه في ذلك شأن الشخص العادي ، وقد أسس هذا الاتجاه مسؤولية السكران باختياره على أساس نظرية القصد المحتمل إذ كان باستطاعته ومن واجبه أن يتوقع النتائج الإجرامية المحتملة لتناوله المادة المسكرة ، و من ثم يتعين عليه تحمل هذه النتائج (2) .
3- في التشريعات .
هناك بعض التشريعات لم تتعرض لمسؤولية السكران اختياريا سواء كان ذلك بنص
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 153 .
2)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 170 .
صريح أو ضمني ، و هناك تشريعات أخرى نصت بصراحة على المسؤولية في السكر الاختياري ، و هناك تشريعات أخرى تضمنت نصوصا ضمنية تتحدث على مسؤولية السكران إختياريا نتعرض إليها كما يلي :
أ- تشريعات لم تنص على مسؤولية السكران اختياريا : و من هذه التشريعات قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1810 الذي ترك مسألة تأثير السكر الإختياري في المسؤولية الجزائية لإجتهاد الفقه و القضاء . و يعالج الفقه الفرنسي موضوع السكر الإختياري بمناسبة الكلام عن موانع المسؤولية تحت عنوان " الحالات المجاورة للجنون " على إعتبار أن السكر الاختياري يؤدي إلى اضطراب عارض في القوى الذهنية .
و رغم إختلاف الفقه و تردد القضاء ، لم يحسم قانون العقوبات الفرنسي الجديد لسنة 1992 هذا الخلاف بنص صريح ، و قد يكون ذلك من المؤشرات على أن المشرع الفرنسي لا يرى إمتناع المسؤولية بالسكر الإختياري ، لأنه بعدم النص عليه يعني ذلك أنه ليس مانعا من موانع المسؤولية .
ب- تشريعات نصت صراحة على علي مسؤولية السكران إختياريا :
و نذكر من هذه التشريعات قانون العقوبات الإيطالي ، و الهندي و الليبي هذا الأخير الذي بنص في المادة 90 منه « لا يحول السكر الاختياري دون مسؤولية الفاعل و لا ينقصها » و هو نص قاطع و صريح في نفي تأثير السكر الإرادي في مسؤولية الفاعل و ينص كذلك قانون العقوبات اللبناني على مسؤوليته السكران باختياره عن الجرائم التي يرتكبها سواء العمدية أو غير العمدية .
جـ- تشريعات نصت ضمنيا على مسؤولية السكران اختياريا :
من هذه التشريعات أغلب القوانين العربية ، و قانون العقوبات المصري . فهذه القوانين تقرر صراحة امتناع مسؤولية السكران بغير اختيار . و يستفاد من هذا الحكم بمفهوم المخالفة أن السكران باختياره يسال عن الجرائم التي يرتكبها و هو تأثير المادة المسكرة (1) .
أما عن موقف المشرع الجزائري فلم ينص على السكر ضمن موانع المسؤولية سواء كان سكرا اضطراريا أو اختياريا . و من ثم يعاقب بالعقوبات المقررة قانونا كل من
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 150-152 .
ارتكب جريمة و هو في حالة سكر بصرف النظر عن طبيعة الجريمة المرتكبة سواء تعلقت بالمرور أو القانون العام . بل يعد السكر و تأثير المخدرات من الظروف المشددة للجريمة كما هو الحال في جرائم القتل أو الجرح الخطأ حسب المادة 290 قاع ، و كذلك حالة سياقة مركبة في حالة سكر أو تحت تأثير مخدر على أن تعادل نسبة الكحول في الدم أو تزيد عن 0.10 غ ‰ (1).
و بعد أن تطرقنا في هذا المطلب لموانع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية نتطرق في المطلب الثاني لموانع المسؤولية بسبب انعدام حرية الاختيار .
المطلب الثاني : موانع المسؤولية بسبب انعدام حرية الاختيار .
قد يصاب الفاعل بفقد الاختيار ، و هذا الفقد لا يرجع هنا إلى فقدانه ملكاته العقلية
أو لصغر سنه ، و إصابته بجنون ، أو لأنه في حالة سكر . وإنما يصاب بهذا الفقد و هو في كامل قدرته على الإدراك و فهم الأمور و التمييز بين ما هو مجرم و غير مجرم إنما يرجع هذا الفقد إما إلى حالة الضرورة التي وضع فيها الفاعل رغما عنه أو لحالة من حالات الإكراه التي قد يصاب بها الفاعل سواء كان إكراها ماديا ، أو معنويا
و نتعرض فيما يلي لهاتين الحالتين على التوالي :
الفرع الأول : حالة الضرورة .
هي حالة تعرض الشخص لضرر جسيم لا سبيل لدفعه إلا بإرتكابه لفعل محظور
أو فعل مجرم قانونا . أي أن الضرورة هي الجريمة التي يرتكبها شخص لوقاية نفسه
أو نفس غيره من خطر جسيم محدقا به (2) .
و قد عرفها المذهب الحنفي بأنها « خوف الضرر أو الهلاك على النفس أو بعض الأعضاء بترك الأكل » .أما المذهب الحنبلي فعرفها على أنها « خوف الإنسان التلف ان لم يأكل ، المحرم غير السم » .
و أما المذهب المالكي فعرفها على أنها « الخوف على النفس من الهلاك علما أو ظنا »
و يعرفها الدكتور رمسيس بهنام على أنها « وضع مادي للأمور ينشأ بفعل الطبيعة
أو بفعل إنساني موجه إلى الغير ، و ينذر بضرر جسيم على النفس ، يتطلب دفعه ________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 170 .
2)- د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 51 .
ارتكاب جريمة على إنسان بريء » (1) . و الضرر الجسيم على النفس ، إذ ترتكب الجريمة على إنسان برئ في سبيل درئه ، يستوي فيه أن يكون مهددا ذات الشخص الذي ارتكب هذه الجريمة ، أو أن يكون مهددا شخصا آخر غيره .
و بعد معرفة المفهوم العام لحالة الضرورة نحاول فيما يلي تعريفها من خلال التطرق إلى أساس انتفاء المسؤولية في حالة الضرورة ، و التفرقة بين حالة الضرورة و الدفاع الشرعي من جهة ، و حالة الضرورة و الإكراه من جهة أخرى .
أولا : تعريف حــالة الضرورة .
لم تكن حالة الضرورة محل نقاش في الفقه الجزائري و لكن نالت حقها من النقاش في الفقه الفرنسي الذي يقر في غالبيته بعدم العقاب في حالة الضرورة غير أنه إختلف حول أساس إنتفاء المسؤولية كالآتي :
1- أساس إنتفاء المسؤولية في حالة الضرورة :
إنقسم الفقه الفرنسي حول مسألة عدم العقاب في حالة الضرورة عموما إلى فريقين : فريق يؤسسه على إعتبارات ذاتية ، و فريق يؤسسه على إعتبارات موضوعية .
أما الفريق الأول فقد بني بعضه إنتفاء المسؤولية على أساس الإكراه المعنوي . و إذا كان هذا صحيحا في حالة ما إذا كان الخطر محدقا بشخص الفاعل أو بماله فانه لا يصلح في حالة ما إذا كان الخطر محدقا بالغير أو بماله (2) .
فيما ذهب البعض إلى أن الضرورة تنفي القصد الجنائي ، كما ذهب إليه قضاة محكمة
استئناف آميان في قضية " مينار " الشهيرة (*) غير أن هذا التبرير مردود لما فيه من خلط بين القصد ، و الدافع . كما أن القصد الجنائي غير متوفر أساسا في الجرائم غير
العمدية (3) .
________________________
1)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، الطبعة لا توجد مصر ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، سنة 1991 ، ص 19 - 21 .
2)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 325 .
*)- المرأة الفرنسية التي اختلست قلعة خبز من واجهة مخبزة بعد بقاءها يومين كاملين دون طعام .
3)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 132 .
و أما الفريق الثاني و هو الغالب في فرنسا ، فقد برر انتفاء المسؤولية عن الجريمة المرتكبة في حالة الضرورة على اعتبارات موضوعية ، حيث يرى هذا الفريق أن حالة الضرورة هي مثل حالة الدفاع سببا من أسباب الإباحة مؤسسا
على مصلحة المجتمع إذ ليس في مصلحة المجتمع تسليط العقوبة على مرتكب الجريمة في حالة ما إذا كان المال المضحى به أقل قيمة من المال المحمي ، و في ذلك معنى الموازنة بين مصلحتين .
و هذا ما أخذ به القضاء الفرنسي و كرسه قانون العقوبات الجديد الصادر سنة 1992 حيث أقرت المادة 122/7 منه على أن حالة الضرورة سببا لانتفاء المسؤولية و تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري لم يأخذ بحالة الضرورة كسبب عام للإباحة أو لانتفاء المسؤولية ، و مع ذلك فقد نصت المادة 308 من قانون العقوبات على إباحة إجهاض الحامل إذا كان ضروريا لإنقاذ حياة الأم من الخطر (1) .
2- الفرق بين حالة الضرورة و الحالات المشابهة :
أ- حالة الضرورة و الدفاع الشرعي :
قد تشتبه حالة الضرورة بالدفاع الشرعي لكنها في الحقيقة تتميز عنه تماما ، فهي مانع من موانع المسؤولية بينما الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة ، لما بين أسباب الإباحة ذات الطبيعة الموضوعية ، و موانع المسؤولية ذات الطبيعة الشخصية من فوارق و تتضح باقي الفوارق بينهما من خلال مقارنة الشروط اللازم توفرها لقيام كل حالة هي:
- إن الخطر الذي ينشئ حالة الضرورة يكون موجها ضد النفس خلا فالحالة الدفاع الشرعي التي تبيح ارتكاب الجريمة دفعا لخطر يهدد النفس أو المال (2) .
- مصدر الضرر المدفوع بجريمة مرتكبة في حالة دفاع شرعي هو دائما إنسان أما مصدر الضرر المدفوع بجريمة مرتكبة في حالة الضرورة قد يكون فعل الطبيعة (3) .
كأن يسرق شخص قاربا لإنقاذ شخص آخر رآه يغرق في عرض البحر .
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 133 .
2)- د / محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 499 .
3)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، المرجع الساق
ص 219 .
- يلزم لقيام حالة الضرورة أن يكون الخطر جسيما بينما يكفي لقيام الدفاع الشرعي الخطر اليسير شرط أن يتناسب معه فعل الدفاع (1) .
- الجريمة المركبة في حالة الدفاع الشرعي توجه ضد إنسان معتد بخلاف الجريمة المرتكبة في حالة الضرورة فهي توجه ضد إنسان برئ .
- الدفاع الشرعي يمحوا الجريمة فلا يجوز المطالبة بالتعويض المدني . أما في حالة الضرورة فيجوز المطالبة بالتعويض المدني المدني باعتبار أن حالة الضرورة تمنع المسؤولية الجزائية فقط .
و بالرغم من الفوارق الموجودة بين حالتي الدفاع الشرعي و الضرورة إلا أن القاسم المشترك بينهما هو أن مرتكب الجريمة في كلتا الحالتين يقوم بسلوك يريد به توفي خطر حال على النفس. إضافة إلى المال في حالة الدفاع الشرعي .
ب- حــالة الضرورة و الإكراه .
بصفة عامة نقول أن سبب ارتكاب الفعل المجرم في حالة الضرورة ظروف يقتضي الخروج منها ذلك . لدرء خطر على نفس الشخص أو الغير . أما في حالة الإكراه فان سبب ارتكاب الفعل المجرم هو أمر المكره بالقيام بفعل جبرا لو كان في ظروف غير التي كان فيها لما قام به بالإضافة إلى فروقات أخرى نتطرق إليها كالآتي :
- تكون حالة الضرورة في غالب الأحيان من فعل الطبيعة في حين أن الإكراه لا يكون إلا فعلا لإنسان .
- جريمة الضرورة قد يسعى بها فاعلها إلى درء ضرر لا يهدده شخصيا و إنما يهدد الغير . أما الجريمة المرتكبة في حالة الإكراه تهدف إلى درء خطر يهدد المكره شخصيا (2) .
الخاضع للإكراه يحدد له السلوك المطلوب منه كي يتفادى الخطر المهدد به بخلاف من يوجد في حالة ضرورة لا يحدد له ذلك بل عليه أن يلحظ الظروف ________________________
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 99 .
2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 327
المحيطة به و يتصور وسيلة إجتناب الخطر (1) .
و بالرغم من هذه الاختلافات نقول أنه في كل من حالة الضرورة و الإكراه تتجرد إرادة الفاعل من حرية الاختيار الذي لا يجد سبيلا للخلاص من الخطر المحدق به إلا بارتكاب الجريمة . و على هذا الوجه يدخل الإكراه في معنى الضرورة بمعناها العام فمن يوجد في حالة ضرورة هو مكره على الفعل الذي يخلصه منها (2) .
و بعد تعريف حالة الضرورة نتطرق إلى الشروط الواجب توفرها فيها حتى يمكن القول بأنها تصلح لنفي المسؤولية الجزائية .
ثانيا : شروط حالة الضرورة .
لم يرد في القانون الجزائري نص خاص بحالة الضرورة و إنما نصت المادة 48 قاع « لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها » و عبارة النص تنصرف أساسا إلى الإكراه المادي و لكن الفقه و القضاء الفرنسي توسع في تفسير النص المقابل في النص الفرنسي و هو مصدر النص الجزائري بحيث أدخلا في نطاقه الإكراه و حالة الضرورة و استمد منه شروطهما (3) .
اذ تفترض جميع حالات الضرورة خطرا يهدد من يتعرض لها و فعلا يرتكب تحت تأثير التهديد به . و هناك شروط يجب أن تتوفر في الخطر . و شروط يتعين توافرها في الفعل المرتكب تحت تأثير التهديد به نتعرض إليها بهذا الترتيب كالآتي :
1- شـــروط الخطر .
مناط الضرورة هو فعل الخطر الحال الذي يهدد النفس تهديدا جسيما بشرط ألا يكون للشخص دخل في إحداث هذا الخطر و تبعا لذلك سندرس هذه الشروط كالآتي :
أ- خطر يهدد النفس : محل الخطر في حالة الضرورة هو النفس فلا تنتف مسؤولية من يدرأ خطرا محدقا بما له متذرعا بحالة الضرورة ، و الهدف من هذا التضييق هو كون الفعل المجرم – فعل المضطر – غالبا ما ينصب على شخص بريء لا يد له في حدوث الخطر .
________________________
1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 499 .
2)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، المرجع السابق
ص 223 .
3)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 97
و مفهوم النفس في حالة الضرورة هو نفسه في حالة الدفاع الشرعي ، إذ تشمل كذلك سلامة الجسم و العرض و الشرف و الحرية و لا يشترط أن يكون الخطر واقعا على نفس المضطر بل تقوم حتى و لو وقع الخطر على نفس شخص آخر لا تربطه به علاقة (1) .
ب- خطر جســيم . يجب لتوافر حالة الضرورة أن يكون الخطر جسيما ، و ينذر بحصول ضرر لا يمكن إصلاحه . و يبرر ذلك أن جريمة الضرورة تقع على بريء . فإذا كان الأذى ينجم عن الخطر ضئيلا ، فانه لا يجوز الإعفاء من المسؤولية و جسامة الخطر تقدرها محكمة الموضوع وفقا لمعيار مجرد هو معيار الشخص العادي الذي يوجد في مثل ظروف المتهم (2) .
جـ خطر حــال :
و تتحقق هذه الحالة إذا كان الخطر وشيك الوقوع أي أن الخطر سيقع فعلا لو لم يبادر المضطر لدرئه ، أو يكون قد بدأ و لكنه لم ينته بعد . و عليه إذا كان للمضطر وقت يستطيع من خلاله أن يتدبر الوسيلة التي تخلصه من الخطر دون ارتكاب الجريمة لا يكون له التمسك بحالة الضرورة لنفي مسؤوليته الجزائية (3) ، و يجب أن يكون الخطر غير مشروع ، فإذا كان الخطر مشروعا كشخص حكم عليه بالإعدام فلا يجوز لآخر على تهريبه قبل تنفيذ العقوبة إحتجاجا بحالة الضرورة (4) .
د- عدم تسبب المضطر في نشأة الخطر : و ترجع العلة من هذا الشرط إلى أن الإنتقاص من حرية الاختيار يفترض أن المتهم قد فوجئ بحلول الخطر و لم يكن لديه وقت للتفكير بفعل يتجنب به الخطر سوى ارتكاب الجريمة . أما إذا كانت إرادة المتهم قد اتجهت إلى تحقيق الوضع المهدد بالخطر فمعنى ذلك أنه توقع حلوله وكان في استطاعته تجنبه بوسيلة على نحو لا يمس حقوق غيره (5) . كمن يحرق عمدا مكانا ثم يضطر في سبيل الفرار من النيران إلى إصابة شخص إعترض طريقه .
________________________
1)-د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص 53 .
2)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات "القسم العام "،المرجع السابق ،ص 400
3)- د / نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 413 .
4)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 99 .
5)- د/ محمود محمد عبد العزيز الزيتي ، الضرورة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي ، المرجع السابق ص 113
و بعد معرفة شروط الخطر الموجب لفعل الضرورة نتطرق فيما يلي إلى شروط فعل الضرورة .
2- شروط فعل الضرورة .
فعل الضرورة هو ما يرتكبه الشخص ليدفع به خطرا حالا يهدد نفسه أو غيره على نحو جسيم و يشترط في فعل الضرورة أن يكون .
أ- لازمــا : لإمتناع المسؤولية الجزائية تمسكا بحالة الضرورة يجب أن يكون إرتكاب الجريمة لازما لدفع الخطر الذي يهدد الشخص في نفسه أو غيره .
و يقتضي هذا الشرط أن تنصب الجريمة على الخلاص من الضرر لا أن تتوجه للسبب المنشئ للخطر الذي قد لا يعد هو الوسيلة اللازمة لدفع الخطر (1).
على أن شخصا أغرق سفينة فليس لأحد الركاب التذرع بحالة الضرورة للإعتداء عليه لأن ذلك لا يعد وسيلة للخلاص من الخطر .
كما يتطلب هذا الشرط أن يكون فعل الضرورة هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر فإذا كان يمكن دفع الخطر لوسيلة أخرى كالفرار ، أو الاستعانة ، أو ارتكاب فعل آخر لا يعد جريمة تبقى مسؤوليته الجزائية قائمة
و لزوم الجريمة في حالة الضرورة أمر نسيبي لا مطلق بمعنى أنه يرجع فيه إلى التقدير الشخصي لفاعل الجريمة و إلى كونه مطابقا لتقدير الرجل العادي الموجود في نفس الظروف (2) .
ب- متناسبا مع الخطر المهدد للشخص : يقتضي هذا الشرط أن يكون فعل الضرورة متناسبا مع الخطر المحدق بالشخص . فلا ضرورة كلما ثبت أنه بوسع المضطر أن يدرأ الخطر الذي يتهدده بجريمة أقل جسامة من الجريمة التي ارتكبها، لأن الضرورة تقدر بقدرها . فإذا تجاوز الفاعل بجريمة القدر المناسب لدفع الخطر فانه يسأل عن قدر تجاوزه . و تقدير التناسب يرجع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع استنادا إلى معيار الشخص العادي إذا وجد في نفس الظروف و الملابسات التي أحاطت بالفاعل (3) .
________________________
1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 502 .
2)-د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 569 .
3)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات "القسم العام "،المرجع السابق ،ص 402 .
و بعد أن تطرقنا لشروط حالة الضرورة نتطرق فيما يلي للآثار التي ترتبها حالة الضرورة .
ثالثا : أثــار حــالة الضــرورة .
حالة الضرورة كغيرها من موانع المسؤولية لا ترتب أثارها إلا إذا تم إثباتها و إثبات حالة الضرورة يكون على عاتق من يدفع بها . و الدفع بتوافر حالة الضرورة من النظام العام يتعين على محكمة الموضوع إثارته من تلقاء نفسها إذا لم يثره الخصوم (1)
و تختلف أثار حالة الضرورة من المسؤولية الجزائية إلى المسؤولية المدنية ، كما أنها تختلف بحسب ما إذا توافرت شروطها كاملة أو اختل أحدها و تبعا لذلك نتعرض لهذه العناصر كما يلي :
1- أثار حالة الضرورة في قيام المسؤولية .
أ- المسؤولية الجزائية : تتفق الأنظمة القانونية التي أخذت بحالة الضرورة على أن توافر حالة الضرورة يؤدي إلى عدم العقاب على العمل المرتكب سواء كان ذلك على أساس انعدام الجريمة بالنسبة للأنظمة القانونية التي تعتبر حالة الضرورة بسبب الإباحة أو على أساس إنعدام الخطأ بالنسبة للأنظمة القانونية التي تعتبر حالة الضرورة مانعا للمسؤولية كما في قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1992 (2).
ب- المسؤولية المدنية : الأصل أن الفعل المرتكب من قبل من هو في حالة الضرورة لا يشكل خطأ و بالتالي لا يسأل مرتكبه مدنيا . غير أن الضحية في حالة الضرورة لم يرتكب أي خطأ مما أدى ببعض التشريعات التي أخذت بحالة الضرورة إلى إقرار تعويض الضحية على أساس الإثراء بلا سبب .
و تنص المادة( 130 قام )على أنه « من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر محدقا به أو بغيره لا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا »
و يتبين من هذا النص أن الشخص الذي حملته الظروف المحيطة به على الإضرار بالغير حتى يتجنب ضررا أكبر محدقا به بغيره يلتزم بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا .
________________________
1)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص56 .
2)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 136 .
2- تجاوز حدود الضرورة :
يقع التجاوز حين يرتكب الفاعل و هو يدفع الخطر فعلا أشد مما يقتضيه المقام
و بالتالي يكون التجاوز في حالة الضرورة إخلالا بشرط التناسب . و هناك من القوانين التي أخذت بحالة الضرورة إلا أنها لم تحدد حكم التجاوز مثل القانون المصري مما يقتضي القول بالرجوع إلى القواعد العامة (1) .
و يمكن القول من باب القياس بإنزال أحكام تجاوز حدود الدفاع الشرعي على حالات تجاوز حدود حالة الضرورة .
و بعد دراسة أحكام حالة الضرورة نتطرق فيما يلي للإكراه باعتباره سبب نفسي ينفي حرية الاختيار و بالتالي المسؤولية الجزائية .
الفرع الثاني : الإكـــراه .
الرضا شرط لكل التصرفات القانونية و لا وجود لهدا الرضا إذا شابه عيب من عيوب الرضا منها الإكراه .
فالإكراه إذن من العيوب التي تهدم الرضا عند الإنسان المكره إذ يعلم أن ما يقدم عليه من أقوال و أفعال إنما هي ضد رغبته و مع ذلك يقوم بها ليدفع الأذى عن نفسه . فيكون الرضا غير موجود لأن الإكراه يتنافى مع الرضا و إن كان فعلا قام بالفعل الذي أكره عليه إلا أن ذلك لم يكن تعبيرا عن إرادته الحرة . و على هذا هل تسقط المسؤولية الجزائية عن الفعل الذي ارتكبه الشخص تحت الإكراه ؟
و للإجابة على هذا التساؤل يجب أولا معرفة مفهوم الإكراه و أنواعه و شروطه و من خلال ذلك نتطرق لمدي تأثيره على المسؤولية الجزائية و فيما يلي نتطرق لهذه العناصر
أولا : تعريف الإكراه .
يعرف الإكراه على أنه « الضغط الذي تنتفي معه حرية الاختيار لدى الجاني
و لا ينتف الإدراك لديه لكونه متمتعا بكل قواه العقلية لكنه مقيد في اختيار سلوك دون الأخر » (2) .
________________________
1)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 56 .
2)- د/ إبراهيم الشباسي ، الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " الطبعة الأولى ، الجزائر ، دار الكتاب ، سنة 1990 ، ص 198 .
و يعرفه الدكتور سليمان عبد المنعم على أنه « الضغط على إرادة الفاعل بحيث يفقد كيانه الذاتي و لا يجد الفاعل سبيلا إلا إرتكاب السلوك الإجرامي »
و من هذه التعاريف نستنتج أن الإكراه يقوم على أركان هي :
- المكره : هو الحامل لغيره على عمل شيء قهرا .
- المكره : هو الشخص المجبر على القيام بالفعل المكره غصبا و قهرا .
- المكره عليه : هو القول أو الفعل الذي يقع عليه الإكراه .
- المكره به : نوع التهديد الذي يوجه للمكره كالقتل أو قطع عضو أو إتلاف مال أو ضرب أو نحو ذلك . و قد يلحق الأذى به أو بغيره نتيجة التهديد و مثاله تهديد الأب بقتل ابنه إذا لم يقم بالفعل المطلوب منه .
و الإكراه نوعان إكراه مادي و إكراه معنوي و هما كالتالي :
ثــانيا : أنــواع الإكراه .
نتطرق في هذا العصر إلى الإكراه المادي من خلال تعريفه ، و الفرق بينه و الحالات المشابهة له ، و صوره ثم نتطرق إلى الإكراه المعنوي من خلال تعريفه و تحديد صوره و ذلك كالتالي :
1- الإكـراه المــادي .
أ- تعريف الإكـراه المــادي .
هو تعرض المرء لقوى مادية خارجية تعدم إرادته و تحمله على القيام بالواقعة الإجرامية ، و عليه فهو عنف يباشر على جسم الإنسان أو الشخص الخاضع له يؤدي إلى انعدام الإرادة كليا (1) و عليه الإكراه المادي الصادر عن أحد عوامل الطبيعة أو بفعل الإنسان أو الحيوان أو المرض ، يؤثر في إرادة الخاضع له و يجعلها غير موجودة و أنه عبارة عن آلة مسخرة و غير قادر على السيطرة على نفسه و لذلك تنتفي مسؤوليته
الجزائية لأن الفاعل لا يعاقب على أي فعل ما لم يكن قد ارتكبه عن وعي و حرية اختيار .
و استنادا لذلك فان الإكراه المادي حسب ما عرفه الفقهاء « هو قوة مادية مهما
________________________
1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 314 .
كان مصدرها يستحيل على الإنسان مقاومتها فتسيطر على أعضاء جسمه
و تحركها دون إرادة من صاحبها في عمل يعاقب عليه القانون كالآلة المسخرة »(1)
كالذي يمسك بيد شخص و يجعله يضع إمضاءه على محرر مزور . فتقع المسؤولية عليه دون صاحب الإمضاء عن جريمة التزوير .
و للإكراه المادي صورتان هما :
ب- صور الإكراه المادي : قد يكون الإكراه المادي خارجيا أو داخليا و ذلك حسب مصدره .
* الإكـراه الخـارجي : قد يكون مصدر الإكراه قوة طبيعية مثل الفيضان أو السيل الذي يقطع سبل المواصلات فيمنع الشاهد من الذهاب إلى المحكمة لأداء شهادة دعي إليها قانونا ، أو العاصفة التي تقذف بإنسان على آخر فيقتله أو يصيبه بجروح .
كما قد يكون مصدر الإكراه قوة ناشئة عن فعل حيوان كالحصان الذي يجمح براكبه بحيث لا يقوى على كبح جماحه فيصيب إنسانا بجراح أثناء هروبه . وقد يكون مصدر الإكراه قوة ناشئة عن فعل إنسان كمن يهدد بسلاح ناري أمين صندوق البنك ، و يرغمه على تسليم المال المودع به . أو ذلك الذي يحبس الشاهد لمنعه من الذهاب إلى المحكمة لأداء الشهادة .
و قد يكون مصدر الإكراه من فعل السلطات العامة و لذلك حكم في فرنسا ببراءة المتهم من جريمة عدم الذهاب إلى الخدمة العسكرية بناء على طلب السلطات المختصة لأنه كان محبوسا على ذمة قضية أخرى .
* الإكـراه الــداخلي : ينتج الإكراه أثره و لو كانت القوة التي أثرت على إرادة الفاعل مصدرها داخلي متصل به ، متى كان من المستحيل مقاومتها و يتعلق الأمر هنا بقوة تنشأ عن سبب ذاتي ملازم لشخص الجاني نفسه .
و قد أخذ القضاء الفرنسي بالإكراه المادي ذي المصدر الداخلي في قضية راكب قطار غلبه النعاس في سفر طويل من كثرة التعب فجاوز المسافة التي دفع أجرها (2) . و مثال
الإكراه الداخلي كذلك أن يصاب سائق السيارة بإغماء مفاجئ غير متوقع لا توجد
________________________
1)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 393 .
2)- د / فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 157 .
أسباب ظاهرة تدل عليه فيصدم إنسانا و يقتله أو يصيبه بجروح .
و قد استقر القضاء الفرنسي على أن المرض من قبيل القوة القاهرة التي تمحوا إرادة الفاعل و تمنع مسؤوليته الجزائية ، إذا بلغ من الجسامة حدا يمنع المريض من الوفاء بالالتزامات التي يفرضها عليه القانون ، و تطبيقا لذلك قضي ببراءة المتهم في جريمة هجر العائلة بسبب إصابته بمرض في القلب منعه من ممارسة عمله ، و الحصول على الدخل الذي ينفق منه على أسرته (1) .
جـ - المقارنة بين الإكراه المادي و الحالات المشابهة .
* الإكراه المفاجئ و الحادث المفاجئ :
الحادث المفاجئ عامل طارئ يتميز بالمفاجأة أكثر مما يتميز بالعنف يجعل جسم الإنسان أداة للجريمة دون اتصال إرادي بين هذه الجريمة ، و نفسية الفاعل فينتفي الركن المعنوي إلا أنه لا يمحو الإرادة ، بل و لا يجردها من التمييز و حرية الاختيار . و لكن يزيل عنها القصد و الخطأ .
كما يختلف الحادث المفاجئ عن الإكراه المادي في أنه قد يكون فعل الطبيعة أو فعل إنسان في حين أنه في الإكراه المادي غالبا ما يكون من فعل إنسان .
* الإكراه المادي و القوة القاهرة :
من الفقهاء من يعتبر أن القوة القاهرة و الإكراه المادي تعبيران مترادفان ، و لكن تخصص أحيانا دلالة الإكراه المادي فتقتصر على حالة ما إذا كانت القوة إنسانية ، أما سائر حالتها كالقوة الطبيعية ، أو قوة الحيوان ، فيطلق عليها تعبير القوة القاهرة (2) .
فلا جدوى تذكر من التفرقة بينهما سوى القول بأن الإكراه المادي يتم بواسطة الإنسان في حين تتم القوة القاهرة بواسطة الحيوان أو الطبيعة ، ففي الإكراه المادي نجد الشخص المسؤول عن الجريمة و هو من قام بأعمال الإكراه في حين أنه لا جريمة في حالة القوة القاهرة لغياب الإنسان الذي يمكن أن تنسب إليه الجريمة (3).
و يمكن القول أن الإكراه المادي يتفق مع كل من القوة القاهرة و الحادث المفاجئ على ________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 158 .
2)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 549 .
4)- د / عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 310 .
أنها جميعا من قبيل السبب الأجنبي الذي يحول دون التعويض ، فالمسؤولية المدنية تنتفي في حالة تحقق السبب الأجنبي حسب المادة ( 127 قام ) .
2- الإكراه المعنوي .
أ- تعريف الإكراه المعنوي :
يرى بعض الفقهاء أن الإكراه المعنوي " قوة إنسانية تتجه إلى نفسية الإنسان دون أن تقبض على جسمه ، فتحمل هذه النفسية كرها على إرادة الجريمة " (1) .
في حين يرى البعض الآخر انه " الضغط على إرادة شخص لحمله على ارتكاب الجريمة و يتمثل هذا الضغط في الإنذار بشر إذا لم يرتكب المكره الجريمة المطلوبة " (2)
و يرى الدكتور رمسيس بهنام أنه " ينتج الإكراه المعنوي من ضغط يمارس على إرادة الفاعل بسبب خارجي " أو سبب ذاتي " كالعاطفة و الهوى " .
و يختلف الإكراه المعنوي عن الإكراه المادي من ناحية أن الإكراه المادي ينصب على جسم المكره بينما الإكراه المعنوي يتجه إلى نفسيته .
و من ناحية أن الإكراه المادي تنعدم فيه إرادة الشخص كليا بينما الإكراه المعنوي فلا تنعدم فيه إرادة الشخص بل تفتقر فحسب إلى الحرية كمن يهدد آخر بإنزال الأذى به إذا لم يرتكب جريمة سرقة (3) . و مثاله أيضا أن يهدد شخص شخصا آخر بإطلاق النار عليه إن لم يطلق هو النار على شخص ثالث بجواره . أو أن يستعمل العنف بشكل لا يبلغ حد السيطرة على أعضاء المكره و تحريكها لارتكاب الجريمة كأن يحبسه و يعذبه
و يهدده باستمرار ذلك .
و للإكراه المعنوي صورتان نتطرق إليهما فيما يلي :
ب- صور الإكراه المعنوي : الإكراه المعنوي شأنه شان الإكراه المادي قد يكون خارجيا أو داخليا .
* الإكراه الخارجي : و يتمثل أساسا في التهديد و الاستفزاز الصادر عن الغير و في كلتا ________________________
1)-د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 149 .
2)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 165 .
3)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 496 .
الحالتين لا يؤخذ به كمانع للمسؤولية إلا إذا بلغ تأثيره الحد الذي يرغم المكره على سلوك الجريمة .
و يجب أن تكون التهديدات الصادرة عن الغير غير مشروعة . حيث قضي في فرنسا أن هيبة الابن من الأب ، وهيبة الزوجة من الزوج ، و هيبة الخادم من مستخدمه لا تنف المسؤولية .
الإكراه الــداخلي : و يتعلق الأمر هنا بتأثير العواطف و الهوى . و لا يؤخذ بهذا النوع من الإكراه كسبب لانتفاء المسؤولية الجزائية إلا إذا قضى نهائيا على إرادة الفاعل و في هذه الحالة لا نكون أمام مجرد إكراه معنوي بل الإكراه المادي أو الجنون .
و غالبا ما يكون الإكراه المعنوي سببا لتخفيف العقوبة دون أن يصل الأمر إلى الحكم بانتفاء المسؤولية (1) .
و بعد تعريف الإكراه و التطرق إلى أنواعه و صور كل نوع نتطرق فيما يلي إلى شروطه .
ثالثا : شروط الإكراه .
يخضع الإكراه المادي و المعنوي لذات الشروط من أن يكون السبب المكره غير متوقع و أن يكون مستحيلا دفعه . مع الأخذ بعين الاعتبار أن القوة المكرهة في الإكراه المعنوي غالبا ما تكون قوة إنسانية توجه إلى مشاعر الإنسان المكره متمثلة في خوفه على روحه أو حياة ولده أو عرض زوجته أو ما شابه ذلك (2).
و من ثم لا يجد الشخص المكره أمامه سوى ارتكاب الجريمة لدرء الخطر الجسيم ،الحال المهدد للنفس . و إذا ثبت أنه كان من الممكن اتخاذ سلوك آخر غير الجريمة فان مسؤوليته لا تنتف و فيما يلي نركز على شرطي عدم إمكانية التوقع
و استحالة الدفع .
1- عدم إمكانية التوقع : يجب أن يكون سبب الإكراه غير متوقع لأن الشخص إذا توقع الفعل لزم عليه تجنبه فلا يعد مكرها ، و هذه مسألة موضوعية يستخلصها قاضي الموضوع بحسب ظروف كل حــالة .
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 175 .
2)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص 64 .
كأن يمتطي شخص جوادا و هو على علم بأنه جامح و يعلم أنه غير قادر على السيطرة عليه فيحجز عن السيطرة عليه فيصيب شخصا فيقتله فلا يعد مكرها .
2- استحالة الدفع : هو شرط منطقي باعتبار أن الإكراه يعدم الإرادة . فإذا كان ممكننا دفعه يمتنع القول بانعدام الإرادة . فامتناع المسؤولية بالإكراه مناطه أن يلغي الاختيار بالقوة و هذا لا يتحقق إذا كان المكره بوسعه مقاومتها (1).
كأن يقيد أحد المساهمين في الجريمة شاهدا لمنعه من الإدلاء بشهادته و على الرغم من ذلك كان في وسع هذا الشاهد الهرب إلا أنه لم يفعل فلا يكون مكرها على التخلف عن أداء شهادته .
فإذا كان في وسع المكره أن يدفع مصدر الإكراه بعد وقوعه ، و التخلص منه بأي وسيلة ، و لم يفعل فلا يعد مكرها على أي فعل مجرم يرتكبه (2) .
و نشير إلى أن استحالة الدفع تحدد بمعيار شخصي محض ، مؤداه قوة الشخص المكره نفسه وهل بوسعه في ظروفه ، و حالته الصحية ، و النفسية ، و جنسه و ظروف ارتكاب الجريمة و التهديد أن يقاوم القوة المهدد بها . بصرف النظر عن قياس ذلك بالنسبة للشخص العادي لان العبرة بمدى تأثير القوة المكرهة في نفسية المكره (3) .
______________________
1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 497 .
3)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص64 .
1)-د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 411 .
الخـــاتمة :
إن أسباب الإباحة ظروف موضوعية تطرأ وقت ارتكاب الفعل المجرم ، و بتوافرها ينتفي الوصف الإجرامي عن الفعل ، و بالتالي فان هذه الأسباب تعمل على إعدام الركن الشرعي في الجريمة فتخرج الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة . و تضم أسباب الإباحة بحسب طبيعتها أمر و إذن القانون ، و الدفاع الشرعي ، و رضا المجني عليه كسبب إباحة أقره القانون المقارن .
و بما أن الأصل في الأفعال الإباحة بينما الاستثناء هو التجريم ، و القياس على الاستثناء غير جائز ، فانه لا يجوز القياس في قواعد التجريم بينما يصح ذلك بالنسبة للقواعد المعفية التي ليست سوى تعبيرا عن الأصل العام في الإباحة ، و من ثم يمكن القول بجواز القياس في أسباب الإباحة . و إن كان الأصح أنها وردت على سبيل الحصر للمثال إذ نجد أن المشرع الجزائري مثلا لم يعين الجرائم التي تباح بأمر القانون أو إذنه . فالقانون يأمر و يأذن بأفعال لا يمكن حصرها .
و إذا بحثنا عن أثر اقتران أسباب الإباحة بالفعل المجرم نقول أن أسباب الإباحة تؤدي إلى تعطيل الركن الشرعي في الجريمة ، و بالتالي إنتفاء هذه الأخيرة و من ثم لا تترتب عنها أي مسؤولية سواء كانت مسؤولية جزائية أو مدنية .
و ما يلاحظ على النصوص القانونية المنظمة لأسباب الإباحة في قانون العقوبات الجزائري أنها وردت عامة . ففي أمر القانون و إذنه مثلا لم يحدد المشرع الجزائري تطبيقات إذن القانون الشائعة كما فعل المشرع الأردني ، و لم يحدد المكلف بتنفيذ أمر القانون . و فيما يتعلق بالدفاع الشرعي نجد انه لم ينص على أحكام تجاوز حدود الدفاع الشرعي كما فعل المشرع المصري لأهميتها في تحديد مسؤولية الجاني و ضمان حق المجني عليه . كما قصر الدفاع الشرعي على الشخص الطبيعي دون الشخص المعنوي على خلاف المشرع الأردني الذي نص في المادة 60 قاع « يستوي في الحماية الشخص الطبيعي و الشخص المعنوي » . إذ أنه يجوز استخدام العنف لصد مؤامرة في مرحلة الإعداد إذا كانت تستهدف أمن الدولة باعتبار الدولة شخص معنوي تصح المدافعة عنه ، كما أن امتناع الموظف عن الوفاء بشيك دون رصيد هو بمثابة دفاع شرعي عن البنك.
كما لم يحسم المشرع الجزائري موقفه بصراحة من رضا الجني عليه في قانون العقوبات كما فعلت جل التشريعات العربية و الأجنبية . و ان كان قد أخذ به في مواضع متفرقة في قانون العقوبات و القوانين المكملة له .
لذلك يجب تحديد ضوابط هذه الأسباب بدقة ، و عدم تجاوز الحدود المرسومة لها لان ذلك يعد تجاوزا على القانون و الحقوق التي يحميها . مما يستلزم إعادة النظر في الأحكام المتعلقة بأسباب الإباحة ، لضرورة التأكد من صواب التمسك بهذه الأسباب كظروف موضوعية قد ترافق الجريمة ، حتى لا يفتح المجال واسعا أمام المتذرعين بها للحصول على التخفيف من العقوبة ، إن لم يكن التبرير المطلق .
كما أن هناك حالات أخرى تتشابه و حالات أسباب الإباحة هي موانع المسؤولية هذه الحالات تتعلق بالركن المعنوي للجريمة و هي ظروف شخصية مرتبطة بمرتكب الجريمة تجعل إرادته غير معتبرة قانونا بتجريدها من التمييز ، و حرية الاختيار مما يؤدي الى انتفاء المسؤولية الجزائية .
و استنادا إلى المقررات العلمية الجنائية الحديثة أصبحت هذه الموانع توزع بحسب طبيعتها على الوجه التالي ، أسباب باتولوجية ( الجنون ) ، و أسباب نفسية ( الإكراه ) ، و أسباب موضوعية ( الضرورة ) ، و أسباب عارضة ( الغيبوبة ) .
و نظرا للطبيعة الشخصية لموانع المسؤولية فلا يستفيد منها إلا من توافرت فيه ، كما أن موانع المسؤولية لا تؤدي إلى انتفاء الصفة الإجرامية للفعل و إنما ينحصر دورها في نفي المسؤولية الجزائية عن الفاعل متى توفرت شروطها ، إلا أن ذلك لا يحول دون تطبيق تدابير الأمن اتجاه مرتكب الجريمة متى ثبتت خطورته الإجرامية .
و ما يلاحظ على النصوص القانونية المنظمة لموانع المسؤولية كذلك أنها وردت عامة
و مختصرة ، فنجد أن المشرع الجزائري مثلا لم يفرد نصا خاصا لحالة الضرورة و إنما أدرجها ضمن حالة الإكراه ضمنيا ، كما أنه لم يحدد شروط كل حالة كما فعل مع حالة الدفاع الشرعي ، و لم يحدد الطبيعة القانونية لحالة الضرورة فلا هو أدرجها ضمن أسباب الإباحة و لا هو أدرجها ضمن موانع المسؤولية ، و إن كان يأخذ بها في كثير من المواضع كسبب لامتناع المسؤولية .
كما أنه لم يتحدث عن حكم السكر و اكتفى بالقول أنه ظرف مشدد في بعض الجرائم إلا أن القواعد العامة تقتضي بأن يكون السكر الاضطراري مانعا للمسؤولية ، لأنه يؤدي إلى انعدام التمييز ، و حرية الاختيار دون دخل لإرادة الشخص في ذلك .
و الشخص لا يسأل عن الأفعال التي يأتيها إلا إذا كان مدركا لها ، و حرا في اختيارها و بصفة عامة نقول أن توافر أسباب الإباحة بشروطها يؤدي إلى نفي الجريمة
و العقوبة المقررة لها بكل صورها و المسؤولية المدنية عنها ، بالنسبة لكل من شارك في الجريمة . و إن قيام مانع من موانع المسؤولية يؤدي إلى أنه لا جريمة عمدية ، و لا مسؤولية جزائية عمدية ، مع إمكانية تطبيق تدابير الأمن في الحالات التي تتطلب ذلك مع قيام المسؤولية المدنية في الحدود التي يقررها القانون . بالنسبة للشخص الذي توافر فيه المانع دون أن يمتد أثرها إلى من ساهم معه في ارتكاب الفعل المجرم فإذا كان الملف على مستوى النيابة العامة وجب عليها حفظه ، و إذا كان على مستوى جهات التحقيق وجب عليها إصدار أمر بألا وجه للمتابعة ، و إذا كان على مستوى المحكمة وجب على القاضي إصدار حكم ببراءة المتهم .
|
26-11-2014 11:12 مساءً
بحث حول أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: الجنائي الخاص وعلم الإجرام
المطلب الثاني : انتقاء المسؤولية الجــزائية .
ان تمتع الشخص بجملة من الصفات و المؤهلات الشخصية يؤهله للقيام بجملة من التصرفات النافعة أو الضارة . هذه الأخيرة التي تأخذ شكل جرائم يعاقب عنها قانون العقوبات و القوانين المكملة له و بالتالي فهذا الشخص الذي ارتكب هذه الأفعال عن وعي و إرادة يتحمل نتائجها أي قيام المسؤولية الجزائية في حقه .
و لكن قد تنشا عوارض تؤدي إلي انتفاء المسؤولية الجزائية عن هذا الشخص و قد أطلقت معظم التشريعات على هذه العوارض تعبير موانع العقاب و الأصح أن يطلق عليها تعبير موانع المسؤولية الجزائية ، لان تأثيرها لا يقتصر على مجرد الإعفاء من العقاب بل يمتد إلى أركان المسؤولية الجزائية فيعطلها ، و يجعلها غير صالحة لقيام هذه المسؤولية .
ولكن ما يلاحظ أن انتفاء المسؤولية الجزائية ، و إفلات الفاعل من العقاب لا يمنع من خضوعه لتدابير الأمن ، متى ظهرت خطورته الإجرامية على نفسه و المجتمع و قبل التطرق إلى تقسيمات موانع المسؤولية نتطرق أولا إلى أركان المسؤولية الجزائية و من ثم نعرج للحديث عن الأسباب التي تؤدي إلى إسقاط احد هذه الأركان و بالتالي انتفاء المسؤولية الجزائية ، و نختم هذا المطلب بالحديث عن الفرق بين المسؤولية الجزائية
و المدنية .
الفرع الأول : أركان المسؤولية الجزائية .
تقوم المسؤولية الجزائية على ركنين هما الخطأ و الأهلية .
________________________
1)- د / أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 190 .
2) - د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 142 .
أولا : الخطأ
هو إتيان فعل مجرم قانونا و معاقب عليه سواء عن قصد أو عن غير قصد و لكي
تقوم المسؤولية الجزائية عن عمد يجب أن تكون الفاعل على علم بكل العناصر التي يتطلبها القانون لتكوين الجريمة و هذه العناصر هي :
1- موضوع الحق المعتدى عليه : أي الحق الذي يحميه القانون عن طريق تقرير العقاب على الاعتداء الواقع عليه ، و الذي ينصب عليه فعل الجاني (1) . ففي جريمة القتل يجب أن يعلم الجاني بأنه يوجه فعله المجرم قانونا إلى إنسان حي . و عليه فالطبيب الذي يشرح جسم إنسان معتقدا أنه ميت بينما هو حي فيؤدي إلى وفاته فالقصد الجنائي لا يتوفر لديه ، و إن كان يعتبر مسئولا عن جريمة غير عمدية .
2- العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية قانونا : إذا اعتقد الفاعل أن فعله لا يكون خطرا على المصلحة المحمية قانونا ثم قام بفعله ، ففعله لا يعد جريمة عمدية ، بل يسأل عن جريمة غير عمدية .
3- العلم بزمان و مكان الجريمة : الأصل العام أنه إذا ارتكبت الجريمة من الجاني يعاقب عليها في كل زمان و مكان ، لكن يمكن أن يشترط القانون في بعض الجرائم أن تكون في أماكن محددة مثال ذلك المادة ( 97 قاع ) المتعلقة بجريمة التجمهر التي لا تتم إلا في مكان عام . و كذلك المادة (314 قاع ) المتعلقة بجريمة ترك الأطفال التي لا تتم إلا في مكان خال .
كما يمكن أن يشترط القانون أن تكون بعض الجرائم في زمن محدد مثل جرائم إجراء مراسلات ، أو إقامة علاقات مع مواطن ، أو عملاء دولة معادية بغير إذن من الحكومة ، في وقت الحرب حسب المادة (72 قاع ) .
4- العلم ببعض صفات الجاني أو المجني عليه : كعلم المرأة التي تحاول إجهاض نفسها بأنها حامل ، و كذلك الأمر في جريمة الخيانة كحمل السلاح ضد الجزائر حسب المادة (61 قاع ) فلا تقوم الجريمة بصورة عمدية في هذه الحالة إلا إذا كان الفاعل يعلم أنه جزائري .
________________________
1)-د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 330 .
5- توقع النتيجة : بمعنى اتجاه إرادة الجاني لتحقيق هدف معين كأحد عناصر الركن المادي للجريمة ، فإذا كانت الجريمة قتلا يتعين أن يتوقع الجاني وفاة إنسان بمعناها المجرد ، و لا أهمية بعد ذلك لأن يكون الإنسان معينا بذاته أو جنسه (1) أو حالته الاجتماعية ، لأن هذه الأوصاف تخرج عن المدلول القانوني للنتيجة .
ثانيا : الأهليــة .
لا يحمل القانون شخصا نتائج تصرفاته إلا إذا كان قادرا على فهمها و حرا في اختيارها و باعتبار الإرادة عنصر من عناصر الأهلية للمسؤولية فهي القدرة النفسية التي يستطيع بها الشخص أن يتحكم في نشاطه العضوي ، أو الذهني بحيث يستطيع أن يسلك سلوكا معينا و يمتنع عنه (2) .
فلا تقوم المسؤولية على شخص لا قدرة له على إدراك و فهم ما يقوم به من تصرفات . كالمجنون أو القاصر غير المميز . كما لا تقوم المسؤولية أيضا على من أكرهته قوة غالبة لم يكن له مقوماتها ، ز أفقدته حرية الاختيار ، كما في حالة الضرورة ، و الإكراه (3) .
و بعد أن تطرقنا إلى أركان المسؤولية الجزائية نتطرق فيما يلي إلى أسباب امتناع المسؤولية الجزائية .
الفرع الثاني : أسباب امتناع المسؤولية الجزائية .
تمتنع المسؤولية الجزائية بتخلف أحد أركانها فلا مسؤولية جزائية بلا خطأ و لا مسؤولية جزائية بلا أهلية .
و عليه أسباب امتناع المسؤولية قد تكون بسبب انعدام الأهلية و تضم صغر السن
و الجنون ، و السكر بتحفظ . و قد تكون بسب انعدام حرية الاختيار ، و تضم حالة الضرورة و الإكراه .
و أسباب إمتناع المسؤولية الجزائية بصفة عامة مرتبطة بالركن المعنوي للجريمة فتجرد الفاعل من التمييز ، و حرية الاختيار و تجعل إرادته غير معتبرة قانونا .
________________________
1)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 329 .
2) - د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 52
3) - د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 268 .
و هي ظروف شخصية لا تثار إلا بعد نسبة الجريمة إلى مرتكبها ، و لا يستفيد منها إلا من توافرت فيه . كأن يشترك مجنون أو صغير في إرتكاب الجريمة فانتفاء المسؤولية لا يكون إلا بالنسبة للمجنون أو الصغير .
و أسباب امتناع المسؤولية الجزائية على خلاف أسباب الإباحة لا ترفع الصفة الإجرامية عن الفعل ، و إنما يقتصر أثرها على نفي المسؤولية الجزائية في حق مرتكبها فقط . إلا أنها لا تنف الخطورة الإجرامية لدى الفاعل فيجوز تطبيق تدبير إحترازي إتجاهه (1) .
و بعد أن تطرقنا إلى أركان المسؤولية الجزائية ، و أسباب امتناعها نتطرق فيما يلي إلى الفرق بين المسؤولية الجزائية و المدنية . و قد ركزنا على المسؤولية المدنية دون غيرها من المسؤوليات نظرا لأهميتها . و اتصالها بالمسؤولية الجزائية في غالب الأحيان فإذا أثبتت المسؤولية الجزائية ترتبت المسؤولية المدنية بالضرورة .
الفرع الثالث : الفرق بين المسؤولية الجزائية و المسؤولية المدنية .
تختلف المسؤولية الجزائية عن المسؤولية المدنية من عدة جوانب نذكرها في النقاط التالية :
- المسؤولية الجزائية تنشأ عن فعل سبب ضررا للمجتمع ، في حين أن المسؤولية المدنية تترتب من فعل أضر بصالح الفرد .
- الجزاء المترتب على الفعل المنشئ للمسؤولية الجزائية يكون عقوبة جزائية بينما الجزاء على الفعل المنشئ للمسؤولية المدنية هو التعويض .
- الذي يتولى رفع الدعوى عن المسؤولية هو الدولة و تمثلها النيابة العامة بينما الذي يرفع الدعوى عن المسؤولية المدنية هو الشخص الذي أصابه الضرر .
- الجريمة التي ترتب المسؤولية الجزائية تقع على المجتمع فليس للنيابة العامة أن تتنازل أو تتسامح فيه و لا أن تتصالح مع مرتكبه ، بينما يجوز للمضرور في
المسؤولية المدنية أن يتنازل عن حقه في التعويض و أن يتصالح مع المسؤول .
قد ينشأ عن الفعل مسؤولية جزائية دون أن ينشأ عنه مسؤولية مدنية ما دام لم
________________________
(1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 72
ينشأ عنه ضرر للأفراد . مثال ذلك جريمة حمل السلاح دون ترخيص أو الشروع
في القتل و بالعكس قد يرتب الفعل مسؤولية مدنية دون أن يقع تحت طائلة قانون العقوبات و يرتب مسؤولية جزائية مثل المنافسة غير المشروعة .
- الاختصاص القضائي بالنظر في الدعاوى التي ترفع عن المسؤولية الجزائية للمحاكم الجزائية وحدها ، بينما الاختصاص بالنظر في دعاوى المسؤولية المدنية هو المحاكم المدنية في الأصل و استثناءا من هذا الأصل للمضرور من فعل يرتب المسؤولية الجزائية أن يرفع دعوى المدنية إلى المحكمة الجزائية التي تنظر في المسؤولية الجزائية بشرط أن يكون الضرر مترتبا على الجريمة محل المتابعة (1).
- تتقادم دعوى المسؤولية المدنية بمضي خمسة عشر (15) سنة حسب المادة 133 قام ، بينما في المسؤولية الجزائية المترتبة على جناية يسقط الحق في رفع الدعاوى بمضي عشر (10) سنوات من يوم وقوع الجناية و ثلاث(03) سنوات من يوم وقوع الجنحة ، و سنتين من يوم وقوع المخالفة حسب المادتين ( 07-08 قا اج ) .
- إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية ، و الدعوى العمومية أمام المحكمة الجزائية فيجب على المحكمة المدنية أن توقف الفصل في الدعوى المدنية حتى تفصل المحكمة الجزائية في الدعوى الجزائية .
- إذا رفع المدعي المدني دعواه المدنية المترتبة على جريمة إلى المحكمة المدنية فليس له أن يعدل عنها بعد إنتهاء المرافعة إلى المحكمة الجزائية ، إذ أن المحكمة المدنية هي الأصل و لا يجوز العدول عن الأصل . و مع ذلك فالقضاء الفرنسي يجيز العدول إذا كانت المرافعة لم تنته بعد أو كانت المحكمة المدنية غير مختصة أما إذا رفع المدعي المدني دعواه أمام المحكمة الجزائية بالتبعية للدعوى الجزائية فان له أن يعدل عنها و يرفعها إلى المحكمة المدنية .
________________________
1)- د/ علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، الطبعة الخامسة ، الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية
" بن عكنون " ، سنة 2003 ، ص 339 .
- الحكم الصادر في الدعوى العمومية من القضاء الجزائي إذا حاز قوة الأمر المقضي فيه ، يقيد القاضي المدني فيما فصل فيه من وقائع تتعلق بموضوع الفعل المجرم فلا يجوز للقاضي المدني أن ينسب إلى شخص فعلا نفي القاضي الجزائي صدوره منه ، و لكن ذلك لا يمنع القاضي المدني من أن يقضي في بعض الأحوال بتعويض ضرر مادي عن فعل لا يقع تحت طائلة قانون العقوبات (1) .
المبحث الثاني : تقسيم موانع المسؤولية .
لقيام المسؤولية الجزائية يجب أن يكون مرتكب الفعل المجرم متمتعا بالملكات الذهنية التي تسمح له بادراك الجريمة و العقوبة ، و تجعله قادرا على التمييز بين الفعل المجرم و غير المجرم ، و تعطيه الإختيار بين فعله و الإمتناع عنه .
و بناءا على ذلك فإن موانع قيام المسؤولية الجزائية قد ترجع إلى انعدام الأهلية بسبب صغر السن أو الجنون أو السكر ، و قد ترجع إلى انعدام حرية الاختيار لقيام حالة الضرورة أو الإكراه .
لذلك إرتأينا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين ، نتناول في المطلب الأول ، موانع المسؤولية بسبب إنعدام الأهلية ، و نتناول في المبحث الثاني موانع المسؤولية بسبب إنعدام حرية الاختيار .
المطلب الأول : موانع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية .
نقصد بالأهلية الجنائية أن الشخص عاقل بالغ مدرك لتصرفاته ، و أنها تشكل جريمة تستحق عقابا بحيث يمكنه الإقدام عليها أو الإحجام عنها . و تنعدم الأهلية الجنائية في أحوال ثلاثة يتجرد فيها الشخص من القدرة على فهم دلالة أفعاله و إدراك تبعاته القانونية و لذلك يقرر المشرع إمتناع مسؤوليته الجزائية . و تتمثل هذه الأحوال في صغر السن و الجنون و السكر (2).
و فيما يلي نتعرض لكل مانع منها على حدى .
________________________
1)- د/ علي علي سليمان ، النظرية العامة للالتزام ، المرجع السابق ، ص 340 .
2)- د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 89
الفرع الأول : صغر الســن .
أولا : علة امتناع المسؤولية بسبب صغر السن .
يتمثل قوام المسؤولية الجزائية في الوعي و الإرادة ، و لا شك في ارتباط الوعي ببلوغ الإنسان سنا معينة . لأن الإنسان لا يولد متمتعا بملكة الوعي أو التميز دفعة و إنما يتراخى ميلاد تلك الملكات فترة بعد الميلاد ، ثم تبدأ هذه الملكات في التطور مع تقدم العمر ، و على هذا الأساس فان صغر السن يكون سببا في انتفاء الوعي كليا أو جزئيا . و في المقابل نجد أن المسؤولية الجزائية يتم تحديدها على أساس الوعي
و الإرادة اللذان لا يتوفران للصغير دفعة واحدة . لذلك كان صغر السن مانعا من موانع المسؤولية يؤدي إلى تغيير جزاء الحدث بمدى نصيبه من الوعي و الإرادة ، و نتطرق لذلك فيما يلي :
ثانيا : امتناع المسؤولية بسبب صغر السن في بعض التشريعات .
1- في الشريعة الإسلامية .
المسؤولية الجزائية في الشريعة الإسلامية مناطها التمييز و حرية الاختيار
و التمييز يتدرج تبعا للمرحلة من العمر التي يمر بها الإنسان منذ ولادته إلى أن يكتمل تمييزه ، و لذلك تندرج المسؤولية الجزائية بنمو التمييز الذي يمر بثلاثة مراحل هي (1) :
أ- انعدام التمييز : و تبدأ هذه المــرحلة من الولادة حتى سن السابعة باتفاق الفقهاء و في هذه المرحلة تنعدم المسؤولية الجزائية للصغير ، لكن ذلك لا يحول دون اتخاذ تدابير الحماية الاجتماعية التي يقررها ولي الأمر كما أن ذلك لا يعفيه من المسؤولية المدنية عن الأفعال الضارة التي يرتكبها .
ب- التمييز الناقص : و تبدأ هذه المرحلة من سن السابعة حتى سن البلوغ و هي خمسة عشر عاما (15) في رأي غالبية الفقهاء ، و ثمانية عشر عاما (18) في رأي البعض . و في هذه المرحلة لا يسأل الصبي المميز جزئيا و إنما يسأل مسؤولية
تأديبية من خلال توبيخه ، و إيداعه في مؤسسات الرعاية الاجتماعية
________________________
1)-د / فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 76 .
أو إلحاقه بمؤسسات التدريب المهني . اما المسؤولية المدنية عن أفعاله الضارة فان الصغير المميز يسأل كما يسال البـالغ .
ج- اكتمال التمييز : تبدأ من سن البلوغ أي الخامسة عشر(15) أو الثامنة عشر (18) و في هذه المرحلة يسأل الشخص مسؤولية جزائية كاملة عن الجرائم التي يرتكبها .
2- في بعض التشريعات الوضعية .
تأخذ التشريعات الوضعية عامة سواء العربية ، أو الغربية بما أخذت به الشريعة الإسلامية من حيث اختلاف المسؤولية الجزائية للأحداث باختلاف مراحل أعمارهم
و الرأي الغالب في هذه القوانين هو تقسيم عمر الإنسان إلى أنواع بحسب السن و أن الحدث يمر بثلاثة مراحل مميزة عن بعضها ، و لو أنه يصعب تحديد كل مرحلة تحديدا دقيقا . و ذلك حسب نظرة كل مشرع وطني على حدى و فيما يلي نتعرض لموقف بعض التشريعات من حالة صغر السن (1).
أ- في التشريع البولوني :
قام المشرع البولوني بحصر النصوص المتعلقة بالأحداث المنحرفين في فصل واحد وقد أطلق عليه تسمية معالجة القاصرين .و يتميز هذا التشريع بخصائص تدل على تطور النظرة إلى مفهوم صغر السن ، و أثره على المسؤولية الجزائية حيث أنه :
* منع القصاص على كل قاصر لم يبلغ سن الثالثة عشر(13) عند اقترافه فعلا إجراميا .
* يستبدل العقاب في جميع الأحوال بتدابير التهذيب ، و الحماية مثل وضع القاصر تحت رعاية ولي تعينه المحكمة خصيصا لهذه الغاية .
* إذا ارتكب القاصر جريمة عن إدراك و معرفة . فيكتفي بحجزه في مؤسسة تأديبية لغاية بلوغه واحد و عشرون سنة 21 سنة ، أما من تجاوزا هذا السن توقع عليهم العقوبات الأصلية .
* و قد أعطي المشرع البولوني صلاحيات واسعة لإدارة المعاهد التأديبية بحيث أنه أجاز للإدارة حق وضع الحدث المحكوم عليه خارج المؤسسة لمدة تحت رعايتها المباشرة ، و في حال ارتكابه أي جريمة و هو داخل هذه المؤسسة
________________________
1)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الخامس ، مرجع سابق ، ص 196 .
و قبل بلوغه سن السابعة عشر يعود للإدارة وحدها اتخاذ التدابير اللازمة دون الرجوع إلى القاضي .
ب- في التشريع اليوناني :
إهتم التشريع اليوناني بكل حدث لم يبلغ سن الثانية عشر (12) من عمره ، و بالمراهق الذي تجاوز سن الثانية عشر (12) و لم يبلغ سن السابعة عشر (17) . و بالفتى الذي تجاوز السابعة عشر (17) و لم يبلغ سن الواحد و العشرون (21) و قسم الأحكام الموقعة على القاصرين كالآتي :
• التدابير العلاجية في الأحوال التي يكون فيها القاصر مصابا بمرض نفسي
• التدابير التأديبية و قد سماها القانون اليوناني عن سهو الوسائل العقابية فهي تقتصر على الوضع في مؤسسة إصلاحية فقط ، كما اعتمد هذا القانون الإفراج المشروط بحق المحكوم عليه .
جـ- في التشريع البلغاري :
لقد أدخل المشرع البلغاري مسألة صغر السن في نطاق المسؤولية الجزائية معتبرا أن الفعل الإجرامي غير معاقب عليه إطلاقا إذا لم يتم القاصر سن الثالثة عشر 13 سنة . أما من تجاوز سن الثالثة عشر 13 سنة و لم يصل سن السابعة عشر 17 سنة يعاقب بالحبس من سنة إلى عشر سنوات بدلا من الإعدام . و عقوبة السجن المؤقت أو المؤبد تحول إلى الحرمان من الحرية حسب الظروف عن مدة لا تقل عن ستة أشهر و لا تزيد عن سنتين
د- في التشريع المصري :
أول ما ينتبه إليه بالنسبة للمشرع المصري أنه أضاف قانونا خاصا بالأحداث سنة 1974 . و ألغي هذا القانون ضمنيا من الناحية الموضوعية و الإجرائية بقانون الطفل الصادر سنة 1996 . و قد نظم الأحكام الخاصة بمعاملة الأحداث في الباب الثامن من هذا القانون تحت عنوان « المعاملة الجنائية للأطفال » ووردت هذه الأحكام كالآتي (2) :
الصغير دون سن السابعة يعتبره القانون عديم التمييز ، غير أهل لمباشرة حقوقه المدنية كما أنه غير مسؤول من الناحية الجزائية .
________________________
1) - د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الخامس ، مرجع سابق ، ص 197 .
2)- د / فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 21 .
- الصغير المميز الذي يتراوح سنه بين سبعة سنوات (07) و خمسة عشر(15) لا يجوز توقيع العقوبات العادية عليه و إنما توقع عليه التدابير المنصوص عليها ففي المادة 101 من قانون الطفل و هي : التوبيخ ، التسليم ، الإلحاق بالتدريب المهني الإلزام بواجبات معينة .
- الطفل الذي يتراوح بين خمسة عشر سنة (15) و عشر سنوات (10) .
أقر المشرع من حيث المبدأ أهليته لتحمل العقوبة بعد تخفيضها كما أجاز للقاضي الاستغناء عن العقوبة و الاكتفاء ببعض التدابير إذا قدر ملائمة ذلك.
- الطفل الذي يتراوح سنه بين ستة عشر (16) و دون الثامنة عشر (18) (1) استحدث قانون الطفل الجديد هذه المرحلة ، و نص على أنه لا يحكم بالإعدام و لا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذي زاد سنه على ستة عشر (16) و لم يبلغ الثامنة عشرة سنة (18) كاملة وقت إرتكاب الجريمة ، و في هذه الحالة ارتكب المتهم جريمة عقوبتها الإعدام يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل عن عشرة سنوات (10) و إذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل مدته عن سبع سنوات (07) ، و إذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم عليه بالسجن .
- إذا بلغ الشخص سن الثامنة عشرة (18) صار أهلا للمسؤولية الجزائية الكاملة بكل ما يترتب عليها من أثار . فتوقع عليه كافة العقوبات المقررة لما يرتكبه من جرائم ، و لا تخفف هذه العقوبة إلا تطبيقا للقواعد العامة في قانون العقوبات (2) .
ثالثا : مــراحل المسؤولية الجزائية حسب سن المجرم في قانون العقوبات الجزائري
تنص المادة 49 من قانون العقوبات « لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية ، و مع ذلك فإنه في مواد المخالفات لا يكون محلا إلا للتوبيخ . و يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18 سنة إما لتدابير الحماية
أو التربية أو لعقوبات مخففة » .
________________________
1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 484 .
2)-د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 97 .
و من خلال هذا النص نستنتج أن قانون العقوبات الجزائري قد ميز بين ثلاث مراحل للمسؤولية بحسب عمر مرتكب الجريمة القاصر على النحو التالي :
1- الصبي دون الثالثة عشر سنة .
يتضح من نص المادة 49 قاع أنه لا يعد مسئولا بحكم القانون . فلا يجوز إقامة الدليل على أنه أهل للمسؤولية حتى لو كان من أعقل الناس . لأن عدم بلوغه سن الثالثة عشر (13) قرينة قاطعة على أنه غير مسئول . و تحسب مدة الثلاثة عشر سنة (13) سنة للقول بعدم المسؤولية الجزائية للصغير على أساس وقت ارتكابه الجريمة .
و قد جنب المشرع القاصر في هذه المرحلة وضعه في المؤسسة العقارية حسب المادة 456/1 قاا ج التي جاء فيها « لا يجوز وضع المجرم الذي لم يبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة كاملة في مؤسسة عقابية و لو بصفة مؤقتة »
لكن ذلك لا يمنع من إمكانية خضوعه لتدابير الحماية ، أو التربية إذا كان
يخشى أن يؤدي تركه دون أي مساعدة إلى خطر أن يعود الطفل إلى الإجرام ، أو أن يشب معتادا على الإجرام (1) .
2- القاصر بين الثالثة عشر و الثامنة عشر سنة (13 و 18 ) .
عند بلوغ الصبي الثالثة عشرة (13) من عمره يصبح مسئولا عن أعماله و لو مسؤولية مخففة ، باعتبار أن المشرع يحدد سن الثامنة عشر لاكتمال نضجه العقلي فإذا ارتكب القاصر بعد بلوغه الثالثة عشر (13) و قبل بلوغه الثامنة عشر (18) من عمره جريمة ، فان القانون يسمح بإخضاعه لتدابير الحماية
أو التربية ، أو العقوبات محققة . كما يوجب القانون تخفيف العقوبة على هذا القاصر
و ذلك حسب المادة 50 من قاع التي تنص « إذا قضي بأن يخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 الى 18 سنة لحكم جزائي فان العقوبة التي تصدر عليه تكون كالآتي :
- إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤبد فانه يحكم عليه بعقوبة الحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة
- إذا كانت العقوبة هي السجن ، أو الحبس المؤقت ، فانه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا »
________________________
1) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 317 .
و إذا كان القانون يوجب تخفيف العقوبة على القاصر فهل يجوز للقاضي تخفيض الغرامة إذا رأى الحكم بها ؟ .
إن نص المادة ( 50 قاع ) لم يقيد القاضي و لم يوجب عليه تخفيض الغرامة لذلك فالقاضي يحكم بها في حدود سلطته التقديرية بين الحدين الأدنى و الأقصى لها . كما بينها القانون أما إذا جاء النص بحد واحد لها فان القاضي يحكم لها . أي أن القاصر يتساوى مع البالغ عند الحكم عليه بالغرامة على أن لا يجوز اللجوء إلى إجباره على التنفيذ بالإكراه البدني (1) .
3- البالغ من العمر الثامنة عشر سنة (18) فما فوق .
إذا بلغ الشخص 18 سنة كاملة و ارتكب جريمة أعتبر مسؤولا عنها مسؤولية كاملة من الناحية الجزائية ذلك أن المشرع الجزائري حدد سن الرشد الجزائي في تمام الثامنة عشر حسب المادة( 442 قاا ج ) . و العبرة في تحديد سن الرشد الجزائي تكون بسن المجرم يوم ارتكاب الجريمة حسب المادة( 443 قاا ج ) و يعود تقدير السن إلى شهادة الميلاد أو أية أوراق رسمية تثبت ذلك . أما في حالة عدم وجود أوراق ثبوتية رسمية تبين سن المجرم . يلجأ القاضي لتقدير السن إلى أهل الخبرة الفنية كالأطباء . و تقدير السن على هذا الوجه من المسائل التي تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع (2) .
فإذا بلغ الشخص سن الثامنة عشر (18) صار أهلا للمسؤولية الجزائية الكاملة بكل ما يترتب عليها من أثار فتوقع عليه كافة العقوبات المقررة لما يرتكبه من جرائم و لا تحقق هذه العقوبات إلا تطبيقا للقواعد العامة في قانون العقوبات .
و ما يمكن ملاحظته عن سن الرشد الجزائي أنه يختلف عن سن الرشد المدني الذي حدده القانون بتسعة عشر سنة كاملة .
و بصفة عامة يمكن القول أن القانون الجزائري يقدم الأحداث حسب ما أكده المحامي نور الدين اوزناجي بقوله « إن القصر الأحداث يمكن تجريمهم ، و لكن القانون الجزائري وضع في الحسبان الظروف الاجتماعية التي أدت بالقاصر إلى ارتكاب الجناية
________________________
1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 318 .
2)- د/ محمد علي سالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 425 .
أو الجنحة مع مراعاة السن باعتبار أن المسؤولية لا تلقى على عاتق الطفل " الحدث "
بصفة كلية و كاملة ، لأن القضاء الجزائري يتضمن خصوصيات فالجرائم التي يرتكبها القاصر الذي يقل عمره عن الثامنة عشر (18) سنة يحاكم بشأنها في محكمة الأحداث
و لا تتم متابعتهم في القضايا المرتكبة في جلسات علنية و إنما في مكتب قاضي الأحدث سواء تعلق الأمر بجناية أو جنحة . و يؤكد السيد أوزناجي أنه إذا كانت تهمة الحدث سرقة ، يكتفي قاضي التحقيق بالإنذار و التوبيخ ، أما إذا كانت جناية قتل ، فيراعى فيها ظروف التحقيق حيث يقضي على فعلته سنة حبس نافذا . مع أخذ الظروف التي أدت به إلى ارتكاب هذه الجناية بعين الاعتبار . و يواصل المحامي أن عقوبة السجن تتم على مستوى مراكز التربية و التأهيل مع التشديد على أن يعامل هؤلاء الأطفال بطريقة حسنة كما يعطي قاضي التحقيق تراخيص لعائلات الأحداث ليتسنى لها زيارته في كل المناسبات كما يمكن له الخروج إلى البيت لمدة لا تتعدي 48 ساعة ليقضي عطلة الأعياد في بيته » (1) .
الفرع الثاني : الجنـــون .
إذا كان الإنسان عاجزا عن إدراك تصرفاته ، و توجيه إرادته في مسارها الصحيح ، نتيجة نقص في قدرته العقلية ، أو بسبب مرض أو عاهة أثرت على إدراكها . انتفت مسؤوليته الجزائية عن الأفعال غير المشروعة التي يقوم بها لأنه غير مدرك لطبيعة فعل و هذا ما يسمى بحالة الجنون . و هي ظاهرة مرضية عرفتها الإنسانبة منذ أقدم عهودها ، و لكن النظرة إليها تغيرت بتحول الحضارات و قد كانت في الأصل ضمن العلوم الطبيعية ، و لم تدخل نطاق القانون إلا بعد تدرج طويل و قد بدأ ذلك أيام الرومان القدامى الذين كانوا يفرقون بين الرجل السليم و المجنون ، متأثرين بما تأثر به أطباء اليونان ، و كأن المجنون يتعرض لبعض التدابير القاسية كمحاولة لشفاءه .
و لكن حين انهارت المدينة القديمة تحت وطئة الغزو في القرون الوسطي ظهرت مفاهيم قائمة على السحر ، و الشعوذة ، و الخرافات ، فكان الحكام رجال الدين حتى
أكثرهم علما و ثقافة يؤمنون أن المجنون مسكون بالأرواح الخفية و الشياطين مما جعلهم يعاملون المجنون بقسوة فيربطونه بالسلاسل ، و يضعونه في كهوف مظلمة .
________________________
1)- مأخوذ عن مقال ، القانون الجزائري يخدم الأحداث ، جريدة الخبر ، العدد 117 ، الصادرة بتاريخ 22/04/2007
و في مطلع القرن الثامن عشر (18) تطور علم الطب ، و انكب على دراسة المرض العقليين و النفسيين فأطاح بالخرافات القديمة و قلب المقاييس و أصبح يفرق بين الإنسان العادي ، و الإنسان المختل الشعور من الناحية العلمية ، مما أثر كثيرا في الأوضاع التشريعية و القضائية و الجزائية (1).
و بعد هذه اللمحة التاريخية عن حالة الجنون نتطرق فيما يلي الى أحكام الجنون كمانع للمسؤولية ضمن العناصر التالية :
أولا: تعريف الجنون .
يمكن تعريف الجنون على أنه ذلك الإضطراب الذي يصيب القوى العقلية بعد نموها مما يؤدي إلى إختلاف المصابين به عن العقلاء في تصوراتهم و تقديرهم للأمور .
و يعرف كذلك على أنه « كل حالات اضطراب القوى العقلية التي يزول بها التمييز
و حرية الاختيار » (2) .
و أثير الدفع بالجنون لأول مرة عام 1843 أمام محاكم انجلترا عندما أفرج عن
ماكناتن دانيال المتهم بقتل ادوارد دراموتد (3) .
و تتمثل وقائع هذه القضية في إقدام ما كناتن دانيال على إطلاق النار على سكرتير السيد روبرت بيل و هو ادوارد راموند ظنا منه أن المجني عليه هو بيل نفسه ، و عند النظر في قضيته إدعى ما كناتن أنه كان واقعا تحت تأثير هذيان الجنون ، و قدم الدليل الطبي على ذلك ، فقرر المحلفون أنه غير مذنب بسبب الجنون و أودع بمؤسسة علاجية بطريقة عــادية (4) .
و قد أثار هذا الحكم إحتجاج الصحافة حتى أن مجلس اللوردات طلب من القضاة المبدأ القانوني الذي أصدر على أساسه الحكم ، فكان المبدأ الذي خرج به القضاة على أن تكون له قوة إلزامية هو « على المحلفين أن يعلموا في جميع القضايا أن كل إنسان مفترض فيه
________________________
1)- د / فريد الزغبي ، المسؤولية الجنائية ، مرجع سابق ، ص 145-146 .
2)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 142 .
2)- د/ عبد الحكم فودة و الدكتور سالم حسين الدميري ، الطب الشرعي و جرائم الاعتداء على الأشخاص و الأموال مصر ، دار المطبوعات الجامعية ، سنة 2004 ، ص 531 .
3)-د / كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 282 .
أنه سليم العقل ، و لديه الدرجة الكافية من التمييز التي تجعله مسئولا عن جرائمه ما لم
يثبت العكس . و أنه لتأمين الدفاع بسبب الجنون يجب أن يثبت بوضوح :
- أن المتهم وقف ارتكاب الفعل كان يعاني من نقص في التمييز ناجم عن مرض عقلي .
- و أنه لم يكن يعرف طبيعة و نوع فعله أو إذا كان يعرف أنه لم يكن عارفا أنه يرتكب خطأ .
- و أضاف القضاة أنه إذا كان معانيا هذيانا جزئيا فقط و لكنه ليس مجنونا من نواح أخرى ، فانه يجب أن يعتبر لغايات المسؤولية في نفس وضع ما لم كانت الوقائع المرتبطة بوجود الهذيان حقيقة » (1) .
و من خلال استعراض هذا المبدأ يمكن استنتاج الشروط الواجب توفرها حتى تنتفي المسؤولية الجزائية بسبب الجنون و هي :
1- إصابة المتهم باختلال عقلي يفقده الوعي و الاختبار : إن مسألة امتناع المسؤولية الجزائية بسبب الجنون أمر متوقف على أثر حالة الجنون على وعي المصاب به
و إرادته ، فان ترتب عليها فقدانه لوعيه و إرادته كانت العلة متوافرة و امتنع قيام المسؤولية الجزائية على المجنون (2) . فيجب أن يكون الجنون قائما بأن يكون الاضطراب العقلي من الجسامة بحيث يعدم الشعور و الاختيار كليا ، أي أن صلة عدم مسؤولية الشخص المجنون مرتبطة ارتباطا وثيقا بفقده الشعور و الاختيار .
فإذا كانت العاهة لا تقضي إلى فقد الشعور ، أو الاختيار لا تصلح مانعا للمسؤولية الجزائية مثال ذلك الحمق و السفه (3) .
2- معاصرة الاختلال العقلي لوقت ارتكاب الجريمة : أشار نص المادة( 47 قاع ) إلى هذا الشرط صراحة ، فيجب أن يكون الشخص مجنونا وقت ارتكاب الجريمة حتى تمتنع مسؤوليته الجزائية ، إذ لا عبرة بجنونه قبل أو بعد ارتكاب الجريمة .
و شرط معاصرة الاختلال العقلي لوقت ارتكاب الجريمة لا يثير أية صعوبة بشأن الجرائم الوقتية ، إذ العبرة حينها بحالة المجرم وقت ارتكاب الفعل المكون للجعيمة . ________________________
1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 583 .
2) - د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 407 .
(3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 108 .
إلا أنه يقتضي تطبيق هذا الشرط بدقة بشأن بعض الجرائم كالجرائم المستمرة ، و جرائم الاعتياد . فبالنسبة للجرائم المستمرة لا تمتنع المسؤولية الجزائية للمجرم إلا إذا كان
مصابا بالمرض العقلي مدة الإستمرار في الجريمة، و إذا استرد قواه العقلية في جزء من هذه المدة كان مسؤولا . و في جرائم الاعتياد لا يدخل في تكوين ركن الاعتياد سوى الأفعال التي يرتكبها الشخص و هو متمتع بالأهلية الجزائية (1) .
و تقدير توافر شروط امتناع المسؤولية الجزائية بالجنون يرجع لقاضي الموضوع
و له أن يستعين بخبير للفصل في حالة المتهم العقلية .
و للقاضي أن يثير الدفع بالجنون من تلقاء نفسه ، لتعلق الأمر بالمسؤولية الجزائية
و توقيع العقاب على المتهم . و لا يجوز للمتهم أن يدفع بالجنون لأول مرة أمام المحكمة العليا لأنه دفع يتعلق بماديات الدعوى يختص به قاضي الموضوع (2) . و فيما يلي نتطرق لأنواع الجنون .
ثانيا : أنـــواع الجنون .
يجب التفرقة بين الأمراض العقلية " الجنون بالمعنى الواسع " التي تعدم المسؤولية الجزائية و بين الأمراض النفسية التي لا تعدم كلية الإدراك و حرية الاختيار ، مثل الأشخاص المصابين بالشخصية السكوباتية (*أ) و المصابين بأمراض الهستيريا (*ب)
و النورستانيا (*ج) و للقاضي الاستعانة بطبيب مختص لإرشاده عن نوع مرض الفاعل وعما إذا كان مرضا عقليا أم نفسيا ، و إذا ثبت أن المتهم مصاب بمرض نفسي لا يمكن
إعفاءه من المسؤولية الجزائية . و مع ذلك يمكن للقاضي استعمالا لسلطته التقديرية أن
________________________
1)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 403 .
2)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 141 .
*أ)- الشخصية السيكوباتية : شخصية شاذة متقلبة المزاج ، منحرفة القيم قلقة لا تميل إلى الاستقرار و تهوى التغيير
و صاحبها يدرك ما يحيط به و يصدر عنه من تصرفات .
*ب)- تفترض الهستيريا اختلالا لا ينتاب نفسية المريض بها ، و لكن قدرته على التمييز تبقى قائمة إلا انه لا يسيطر على إرادته ، و تصرفاته تكون وليدة إرادة مندفعة لا يتحكم فيها صاحبها مطلقا أو يتحكم بها بصورة ناقصة غير طبيعية .
*ج)- النورستانيا حالة عصبية من أعراضها الشعور انهاك و سرعة الاستثارة الانفعالية و العجز عن التركيز و الملل و الهجس . و قد فقد هذا اللفظ دلالته العلمية لأنه لا يؤدي إلى أي ضعف عضوي و لا نقص في الوظائف العصبية .
يعتبر المرض النفسي المصاب به المتهم من الظروف المخففة للعقوبة و من أهم الأمراض العقلية التي تعدم المسؤولية الجزائية نذكر :
a. العته و البله الشديد : يولد المريض مصابا به فيتوقف نحوه العقلي عند سن الطفولة ، فيظل فاقدا الإدراك و التمييز .
b. جنون الشيخوخة : مرض يصيب بعض الأشخاص في سن الشيخوخة نتيجة تصلب الشرايين ، و ضعف خلايا المخ ، و يبدوا فيه المريض غير مهتم بأي شيء حوله .
c. الفصام العقلي : تسيطر علي المريض أفكار معينة تجعله يعاني من الشعور بالاضطهاد و عدم تناسق أفكاره ، و هو مرض نفسي في الأصل يصل إلى مرتبة الأمراض العقلية في مراحله المتقدمة ، و قد يسمع المريض أصواتا و يرى أشباحا لا وجود لها . فتصبح الملكات الذهنية للمريض معطلة لا يستطيع استعمالها لتأثير الضغوط النفسية و الأفكار الوهمية عليه.
d. الصرع : يأتي المرض نوبات يفقد فيها وعيه و ذاكرته ، و لا يسيطر على الحركات الإرادية لأعضائه ، و يرافق ذلك حركات تشنجية . أو أن تأتي النوبة الصرعية دون حركات تشنجية و يقتصر تأثيرها على النشاط الذهني ، فتعطله
و تفقده الاتصال بالمحيط الذي يكون فيه مما يدفع المريض إلى ارتكاب الجريمة دون شعور(1) .
و بعد أن تطرقنا إلى تعريف الجنون و شروطه و أنواعه نتطرق فيما يلي إلى أثار ثبوت الجنون وقت ارتكاب الجريمة .
ثالثا : أثار ثبوت الجنون وقت ارتكاب الجريمــة .
تنص المادة( 47 قاع ) على انه « لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة و ذلك دون الإخلال بأحكام الفقرة 02 من المادة 21 »
من خلال هذه المادة نستنتج أنه إذا توافرت شروط الجنون كمانع للمسؤولية ترتب على
ذلك عدم إمكان نسبة الجريمة إلى إرادة من صدرت عنه الأفعال المكونة للركن المادي لها ، على نحو تمتنع معه مسؤوليته الجزائية عن هذه الأفعال .
________________________
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 143 .
و يترتب على امتناع المسؤولية الجزائية لجنون أو عاهة في العقل امتناع سلطة التحقيق عن الاستمرار في إجراءات الدعوى العمومية بإصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى وإذا كانت الدعوى قد أحيلت إلى المحكمة المختصة ، وجب على المحكمة الحكم ببراءة المتهم إذا ثبت لديها عدم تمتعه بقواه العقلية (1) .
و يجوز للقاضي أن يأمر بوضعه في الحجز القضائي كتدبير وقائي بموجب المادة
(21 قاع ) التي تنص « الحجز القضائي في مؤسسة نفسية هو وضع الشخص بناءا على قرار قضائي في مؤسسة مهيأة لهذا الغرض بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت ارتكاب الجريمة أو اعتراه بعد ارتكابها يمكن أن يصدر الأمر بالحجز القضائي بموجب أي حكم بإدانة المتهم أو العفو عنه أو ببراءته
أو بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى ، غير أنه في هاتين الحالتين الأخيرتين يجب أن تكون مشاركته في الوقائع المادية ثابتة .
يجب إثبات الخلل في الحكم الصادر بالحجز بعد الفحص الطبي »
و يلاحظ من النص أن الحكم بالحجز من اختصاص القضاء ، و يجب أن يثبت أن المتهم المحكوم عليه بالبراءة ، أو بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى قد ثبت إشراكه المادي في الواقعة الإجرامية . و أن يخضع للفحص الطبي للتأكد من الخلل العقلي و لا يجوز للقاضي الأمر بالحجز القضائي دون اللجوء إلى الفحص الطبي حتى يتم العناية بالمريض حسب حالته العقلية .
و تطبيقا للقواعد العامة لا يجوز وضع المجنون المبرأ في الحجز القضائي تلقائيا و لو بحكم قضائي ، و إجراء فحص طبي . إذا لم يكن يخشى منه ارتكاب الجرائم . لان مناط توقيع التدبير هو الخطورة الإجرامية للمتهم (2) .
إذا كان هذا حكم الجنون وقت إرتكاب الجريمة فما هو حكم الجنون اللاحق على ارتكاب الجريمة ؟
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 111 .
2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 314 .
رابعا : حكم الجنون اللاحق على إرتكاب الجريمــة .
إذا ثبت الجنون بعد إرتكاب الجريمة لا يكون له تأثير في المسؤولية الجزائية ، و مع ذلك يكون له تأثير في الإجراءات المتخذة إتجاه مرتكب الجريمة . لأن اتخاذها في مواجهته يفترض إدراكه لها حتى تنتج الأثر الذي يرجوه القانون منها ، و هو ما لا يتحقق إذا فقد المتهم التمييز و الإدراك .
و المقصود بالإختلال العقلي الذي يؤثر في إجراءات الدعوى هو أن يكون من شأنه جعل المتهم عاجزا عن الدفاع عن نفسه ، بحيث يخشى ألا تتحقق الضمانات التي يقررها القانون له أثناء المحاكمة (1) .
و هناك عدة افتراضات لوقوع الجنون بعد إرتكاب الجريمة نوردها كالآتي (2):
- وقوع الجنون بعد الجريمة و قبل المحاكمة : في مثل هذه الحالة يحول الجنون الطارئ دون إتخاذ الإجراءات القانونية و محاكمة المتهم ، و يتم حجز المتهم في مؤسسة نفسية بناءا على قرار قضائي حسب المادة 21/1 قاع . و لا يجوز تقديمه للمحاكمة إلا بعد أن يعود إلى رشده .
- وقوع الجنون أثناء المحاكمة : في هذه الحالة يوقف الجنون المحاكمة ، و لا تستأنف إلا بعد شفاءه ، حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه .
- وقوع الجنون بعد الحكم بالإدانة : في هذه الحالة يجب وقف تنفيذ العقوبة حتى يتم شفاء المجرم . و ذلك لكي تتحقق الأهداف المرجوة من العقوبة .
و بعد أن تطرقنا إلى الجنون نتطرق في الفرع الموالي إلى السكر و مدى مصداقيته في نفي المسؤولية الجزائية بإعتباره فعل قد يخلق مرتكبه سببه و هو متمتع بإرادة واعية و حــرة .
الفـرع الثــالث : الـــسكر .
نشير أولا إلى أن السكر الذي يكون مانعا للمسؤولية هو الذي يكون فيه من أقدم على تعاطيه جاهلا بطبيعة المادة التي تناولها ، و الآثار التي تنجم عنها ، و يكون جهله هذا غير راجع لخطأ . و معيار ذلك أن شخصا عاديا لو كان مكانه لوقع في ذات الغلط .
________________________
1)-د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 608 .
2)- د / عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 312 .
أو أن يتناول المسكر أو المخدر تحت تأثير إكراه مادي ، أو معنوي أو للعلاج (1) . و لم يرد في التشريع الجزائري نص يعتد بالسكر كمانع من موانع المسؤولية الجزائية إلا أن القواعد العامة توجب الاعتداد بالسكر الإجباري في نفي المسؤولية الجزائية (2).
و فيما يلي نتطرق لأحكام السكر :
أولا : تعــريف السكر
هو حالة نفسية عارضة و مؤقتة ، و هذه الحالة لا تصدر عن عارض مرضي أصيل لدى الشخص و إنما تنشأ نتيجة لتناوله مواد مخدرة ، أو كحول ، أو أي مادة أخرى تؤثر على إرادته و إدراكه . و لا عبرة بعد ذلك بشكل هذه المادة أو بطريقة تداولها (3) .
و ينتج عن السكر أنه يجعل الشخص غير قادر على إدراك الأفعال الصادرة عنه و تقدير النتائج المترتبة عليها . و عليه فان الشخص الخاضع لتأثير مواد مسكرة يمر بثلاثة مراحل . فيكون بالمرحلة الأولى في حالة تهيج بسيط مصحوب بحالة من الانتعاش
أو الحزن ، و تظل قدراته الذهنية سليمة ، أما في المرحلة الثانية فيزداد تهيجه و يرافق ذلك اختلال عضلي ، و تصبح قدراته الذهنية ناقصة بشكل ملحوظ . و في المرحلة الأخيرة يصبح في مرحلة ما يسمى " السكر السباتي " و يكون في حالة انحطاط تام من الناحية العضوية ، و النفسية لا يمكن معها إدراك تصرفاته و لا تقدير نتائجها ، و السكر نوعان نتطرق إليهما فيما يلي :
ثـانيا : أنــواع السكر .
هناك نوعان من السكر سكر إختياري و سكر إضطراري .
1- السكر الاختياري :
يكون السكر إختياريا إذا اتجهت فيه نية الشخص بمحض إرادته الكاملة إلى تناوله المواد المسكرة و المخدرة لغير سبب و هو عالم بكافة الآثار التي تحدثها هذه المواد (4)
________________________
1)- د / كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 611 .
2)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 150 .
3)- د / نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام" ، مرجع سابق ، ص 405 .
4) - د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص39 .
و محل الاختيار هو فعل التناول ذاته . و كلما كانت الإرادة حرة أثناء التناول كان السكر إختياريا .
2- السكر الاضطراري :
يكون السكر إضطراريا إذا تناول الشخص المواد المسكرة دون علمه . أو تناولها بعلمه و لكن دون إرادته (1) . و تتحقق الحالة الأولى في حالة ما إذا وقع في غلط من تلقاء نفسه فتناول هذه المواد جاهلا طبيعتها أو كان قد دسها له شخص آخر في طعام
أو شراب ، أما الحالة الثانية فتحقق في حالة ما إذا أخذها لضرورة علاجية ، أو تناولها تحت تأثير إكراه معنوي كأن يتناول المادة المسكرة تحت التهديد بالسلاح ، أو تحت تأثير إكراه معنوي كأن يكره شخص شخصا آخر على تناول المادة المسكرة و إلا قام بإيذاء ابنه المحجوز لديه .
بعد التعرف على أنواع السكر نتعرف فيما يلي على النوع الذي يكون مانعا للمسؤولية و بالضرورة شروط السكر المانع للمسؤولية .
ثالثا : شــروط السكر المــانع للمسؤولية .
لكي يكون السكر مانعا للمسؤولية يجب أن تتوفر شروط معينة ، قد ورد تحديدها صراحة في القوانين التي تأخذ بالسكر الاضطراري كمانع للمسؤولية و يجب أن تكون الغيبوبة التي أصابت الفاعل وليدة تأثير تناول المواد المسكرة و المخدرة فقط حيث أنه إذا كانت ناشئة عن حالة تسمم داخلي مرجعه إفراز الجسم مواد سامة ، و عجزه عن التخلص منها لا يعد في حالة سكر و إنما تلحق هذه الحالة بالاختلاف العقلي . و شروط السكر المانع للمسؤولية هي :
1- حالة السكر الكــامل .
يشترط لانتفاء المسؤولية الجزائية بالسكر أن يكون فقد الشعور تاما (2) مما يؤدي إلى العجز عن الإدراك و التمييز . و بذلك تنعدم حرية الاختيار و يصبح غير قادر على السيطرة و التحكم في تصرفاته .
________________________
1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 490 -491 .
2) – د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 52 .
و إثبات حالة السكر ، و توافر كمية المادة المسكرة أو المخدرة في الدم يتم بواسطة الفحوص الطبية و المخبرية . و يعود تقدير ذلك إلى قاضي الموضوع دون رقابة تمارسها عليه المحكمة العليا .
2- الصفة الاضطرارية للسكر .
يجب أن يكون الشخص قد تناول المادة المسكرة أو المخدرة قهرا عنه
أو على غير علم منه بها سواء كان القهر لإكراه مادي أو معنوي أو كان عدم العلم للجهل بماهية الشيء أو نتيجة غلط وقع فيه بشأنها (1) . فمن تناول مادة مخدرة أو مسكرة مختارا ، أو عن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولا عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثرها فالقانون في هذه الحالة يجري عليه حكم المدرك التام الإدراك مما يبنى عليه توافر القصد الجنائي العام (2) .
3- تــزامن فقدان الوعي بسبب السكر مع ارتكاب الجريمة .
يجب أن يرتكب الفاعل السلوك الإجرامي أثناء حالة فقدان الوعي الناتج عن تناول المادة المسكرة (3) .
فالعبرة بفقد الاختيار وقت ارتكاب الجريمة . فإذا وقعت الجريمة قبل تناول المادة المسكرة أو بعد زوال أثارها تحققت المسؤولية الجزائية .
و مما سبق ذكره نستنتج أن السكر الاضطراري المتضمن لفقدان الوعي و الإرادة على النحو السابق يمكن الاحتجاج به كصورة من صور دفع المسؤولية الجزائية ، و ما يدعم ذلك هو تنبيه من طرف عدة تشريعات كمانع للمسؤولية الجزائية (4) ، و من بين هذه التشريعات نذكر قانون العقوبات اللبناني و قانون العقوبات السوري و قانون العقوبات الأردني .
و بعد أن تطرقنا لحكم السكر الاضطراري ، و عرفنا أنه يكون مانعا للمسؤولية و ما ذلك إلا تطبيق للقواعد العامة التي تقضي بأن يسأل الشخص عن فعله إلا إذا قام به عن
وعي و حرية اختيار ، نـتطرق فيمــا يلي إلى حكم الــسكر الاختياري في ضوء
________________________
1)- د- عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، المرجع السابق ، ص 52 .
2)- د / ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص 48 .
3)- د / عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 144 .
4)- د / كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 613 .
الشريعة الإسلامية و الفقه و بعض التشريعات الوضعية .
|
26-11-2014 10:59 مساءً
بحث حول أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: الجنائي الخاص وعلم الإجرام
مطلب الثاني : الأسباب المطلقة للإباحة .
نتناول في هذا المطلب الدفاع الشرعي كسبب مطلق للإباحة باعتبار انه يستفيد منه كافة من توافرت فيه الشروط العامة للدفاع الشرعي دون شرط أو صفة خاصة في الشخص ، كما أنه مطلق من حيث الجرائم بمعنى أنه يؤثر في أي جريمة مهما كانت .
و نتناول كذلك في هذا المطلب رضا المجني عليه و لا نعني بإدراجنا إياه سببا مطلقا أنه صالح لتفي كل جريمة تم رضا المجني عليه بها ، لأنه أصلا المبدأ العام انه لا يجوز الاعتداد به كسبب إباحة ، و لكن صنفناه على أساس انه مطلق من حيث معيارالأشخاص المستفيدين منه بحيث أن التشريعات التي تبنته صراحة كسبب إباحة لم تحدد شرطا أو صفة خاصة في المجني عليه ، و تبعا لذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين ، نتناول في الفرع الأول الدفاع الشرعي و في الفرع الثاني رضا المجني عليه .
________________________
1)- د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 356 - 357 .
2)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 192 .
الفرع الأول : الدفاع الشرعي .
يعتبر الدفاع الشرعي من أبرز أسباب الإباحة في القوانين الوضعية و هو قديم قدم التاريخ و الخلاف بين بني البشر ، أمر بدأ منذ النزاع بين ولدي آدم عليه السلام واستمر و سيبقى إلى أن يرث الله الأرض و من عليها لأنها سنة الله في خلقه و لا تبديل لسنة الله لقوله تعالى : « و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم » (*) .
و هذا الخلاف في دنيا البشر هو أساس العدوان الذي عرفته البشرية منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل و لذلك كان الدفاع الشرعي متجددا مع البشرية و متطورا بتطورها
وقد اعترف القانون الروماني بالدفاع الشرعي باعتباره حقا طبيعيا و ليس فقط حقا من الحقوق المكتوبة ، كما أجازت اللوائح الاثنى عشر قتل السارق ليلا أو نهارا إذا شرع في استعمال أسلحته .
أما في القانون الفرنسي المتأثر بالفكر المسيحي نجد قانون 1670 نص على أن الملك دون القاضي هو الذي يملك حق العفو عن القاتل دفاعا عن النفس و هو الذي يمنحه خطاب الغفران أو خطاب العفو و لم يكن الملك يرفض إذا كان هناك ضرورة للدفاع المشروع (1).
و بعد هذه اللمحة التاريخية حول الدفاع الشرعي نعرج إلى تعريفه فيما يلي :
أولا : تعريف الدفاع الشرعي .
لقد عرفت جل التشريعات الدفاع الشرعي كسبب من أسباب الإباحة ، لذلك نجد أن كل الدراسات الفقهية عالجت هذا الموضوع ، فتعددت تعاريف الدفاع الشرعي (*أ). و إن كانت تؤدي نفس المعنى و يمكن أن نعرفه على أنه « استعمال القوة اللازمة لصد خطر غير مشروع يهدد بالاعتداء على حق يحميه القانون »(2).
_______________________
*)-سورة هود ، الآية 119 .
1)- د/ محمد سيد عبد التواب ، الدفاع الشرعي في الفقه الإسلامي ، الطبعة الأولى ، مصر ، دار الهدى ، سنة 1983 ص 75
*أ)- يعرف د/ محمد أحمد المشهداني الدفاع الشرعي على أنه : « استعمال القوة اللازمة لمواجهة خطر اعتداء حال غير محق و لا مثار و معنى غير محق أي غير مشروع ، و معنى غير مشار أي التعرض الذي يصدر عن المعتدي لم يقابله استفزاز من المدافع » و يعرفه د/ عبد الله سليمان « الحق باستعمال القوة اللازمة الذي يقرره القانون لمصلحة المدافع لرد الاعتداء الحال عليه أو على ماله ، أو على نفس الغير أو ماله »
2)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 84 .
و قد عرفت الشريعة الإسلامية الدفاع الشرعي قبل أن تنص عليه التشريعات الوضعية بأربعة عشر قرنا تقريبا و سمته بدفع الصائل ، لقوله تعالى « فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم » (*أ) .
و نبحث فيما يلي طبيعة الدفاع الشرعي ، و أساسه ، و ما لا يؤثر في قيامه .
1- طبيعة الدفاع الشرعي .
لقد اختلف الشراح حول طبيعة الدفاع الشرعي ، فمنهم من قال أنه أداء لواجب اجتماعي ، و منهم من قال أنه حق ، و من ثم جرى الفقهاء على اعتبار الدفاع المشروع استعمالا لحق شخصي (1) .
و منهم من قال انه تفويض قانوني باستعمال سلطة الضبطية الإدارية في منع الجرائم
و لعل الصحيح أن الدفاع الشرعي ترخيص من القانون للمدافع برد الاعتداء ، و فرق بين الحق و الرخصة ، فالحق يقابله التزام بدين و ليست الرخصة كذلك (2) .
2- أساس الدفاع الشرعي :
اختلف فقهاء القانون الجنائي و رجال القانون فيما يتعلق بأساس الدفاع الشرعي فذهبوا إلى أراء مختلفة و عديدة في تفسيره (3) .
فذهب جانب من الفقه إلى أن أساس الدفاع الشرعي هو العدالة المطلقة (4) فالاعتداء شر و من العدل أن يقابل الشر بالشر ، و قد عبر الفيلسوف الألماني هيجل عن الفكرة بقوله
« إن الاعتداء نفي لحق و الدفاع نفي لهذا الاعتداء ، إذن الدفاع إثبات للحق » .
و ذهب آخرون إلى إسناد الدفاع الشرعي إلى نظرية العقد الاجتماعي التي نادي بها
جون جاك روسو لكن هذا الرأي انتقد على أساس أن هذه الفكرة لا تصلح لتفسير الدفاع عن حقوق الغير (5).
_______________________
*أ)- سورة البقرة ، الآية 194 .
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سـابق ، ص 136.
2)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 217 .
3)- د/ محمد احمد المشهداني ، الوسيط في شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 202 .
4)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 165 .
5)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 310 .
- و ذهب آخرون إلى اعتبار الإكراه المعنوي كأساس له ، لان الشخص الموجود في حالة دفاع شرعي عن نفسه يكون واقعا تحت تأثير معنوي يفقده حرية الاختيار إلا أن هذا التفسير انتقد لأن الاعتداء الذي يصيب المدافع لا يشترط فيه أن يصل إلى الحد الذي يفقده حرية الاختيار ، كما أن الإكراه المعنوي مانع من موانع المسؤولية في حين أن الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة ، فضلا عن أن هذا التفسير لا يستقيم مع أحوال إباحة الدفاع الشرعي عن نفس الغير و ماله .
- و ذهب جانب آخر من الفقه إلى تأسيسه على فكرة التفويض القانوني باعتبار أن المدافع في رده للاعتداء ينوب عن الدولة في ممارسة سلطتها في منع الجرائم إذا تعذر عليها التدخل في الوقت المناسب ، و قد انتقد هذا التفسير أيضا على أساس أن التفويض يمنح إليه ذات السلطات المخولة للمفوض و لا يبيح للمفوض إليه ما يمتنع على المفوض ، في حين نجد المدافع يرتكب أفعالا لا يباح لرجال السلطة العامة ارتكابها (1) .
و الراجح أن أساس الدفاع الشرعي يرجع إلى فكرة الموازنة بين المصالح المتعارضة للإفراد و إيثار مصلحة أولى بالرعاية تحقيقا للصالح العام ، و هو هدف كل نظام قانوني ، فالمبدأ العام أنه لا يجوز للشخص أن يقتضي حقه بنفسه ، و إنما يجب عليه اللجوء إلى السلطات المختصة و استثناءا من هذه القاعدة يجوز للشخص أن يدفع الاعتداء على حقه إذا تعذر عليه الاستعانة بالسلطات العامة (3).
3- ما لا يؤثر في قيام الدفاع الشرعي .
ما يشترطه القانون في فعل المعتدي أن يكون مخطورا بنص قانوني و لا عبرة بعد ذلك بنوع الجريمة ، أو كون المعتدي لا يخضع لقضاء الدولة ، أو كان المعتدي يتعلق برفع الدعوى ضده على شكوى ، أو طلب ، أو إذن ، أو كان المعتدي غير مسؤول عن أفعاله ، كذلك لا عبرة بوقوع المعتدي في عذر قانوني يخفف عقابه فيجوز الدفاع ضده .
________________________
1)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 165 – 166 .
3)-د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 142 .
أ- نوع الجريمة :
لا يشترط القانون في الجريمة التي ينشأ عنها حق الدفاع الشرعي قدرا معينا من الجسامة فيستوي الأمر إن كانت جناية ، أو جنحة ، أو مخالفة سواء كانت عمدية أو غير عمدية ، سواء اكتمل الركن المادي أو لا ، و إن كان حق الدفاع الشرعي قد شرع حتى لا يبلغ الركن المادي المكون لجريمة الاعتداء حده (1) .
ب- عدم خضوع المعتدي لقضاء الدولة .
هناك بعض الأشخاص بالرغم من إقامتهم على إقليم دولة غير دولتهم إلى أن قانون تلك الدولة لا يسري عليهم ، كأعضاء البعثات الدبلوماسية ، إلا أن ذلك لا يؤثر في قيام الدفاع الشرعي ضد أي فرد منهم إذا اعتدى على الغير .
ج- تعليق رفع الدعاوي على شرط .
يشترط القانون في بعض الجرائم عدم رفع الدعوى العمومية إلا بناءا على طلب أو إذن ، أو شكوى ، مثال ذلك السرقة بين الأقارب و الحواشي و الأصهار حتى الدرجة الرابعة حسب المادة( 369/1 قاع) ، و جريمة الزنا حسب المادة( 339/2 قاع ) ، إلا أن هذه القيود في رفع الدعوى لا تؤثر في قيام حالة الدفاع الشرعي .
د- امتناع مسؤولية المعتدي
إن فقدان المعتدي وقت ارتكاب الجريمة الشعور أو الاختيار لقيام أحد موانع المسؤولية لا يحول دون قيام الدفاع الشرعي ضده لدرء ما قد ينشا عنه و عن فعله من خطر .
هـ- المستفيد من العذر القانوني .
حدد المشرع بعض الأعذار القانونية التي تستوجب تخفيف العقاب في بعض الجرائم مثال ذلك ما نصت عليه المادة 279 قاع (*) ، فإذا شرع الزوج في قتل زوجته و من يزني بها فسارعه الآخر بالدفاع عن نفسه فقتل الزوج عد القاتل و هو من يزني بالزوجة مستغلا لحق الدفاع الشرعي ، و العلة في قيام الدفاع الشرعي ضد المتهم
________________________
1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، الجزء الأول ، مرجع سابق ، ص 131 .
*)- تنص المادة 279 قاع « يستفيد مرتكب القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا ارتكب احد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا »
المستفيد من عذر قانوني هو كون فعله ما زال مجرما فلم تزل صفة التجريم بتوافر العذر القانوني (1).
بعد التطرق لمفهوم الدفاع الشرعي ندرس شروطه فيما يلي :
ثانيا : شروط الدفاع الشرعي .
يستوجب الدفاع الشرعي سلوكا من جانب المعتدي عليه يسمى فعل الدفاع لرد سلوك عدواني صادر من المعتدي يسمى الاعتداء و يلزم توافر شروط معينة في الاعتداء و أخرى في فعل الدفاع حتى يمكن القول أن الفاعل كان في حالة دفاع شرعي و نتطرق فيما يلي لشروط فعل الاعتداء ثم نتطرق لشروط فعل الدفاع .
1- شروط فعل الاعتداء .
الاعتداء هو الخطر الذي ينذر بوقوع ضرر يصيب النفس أو المال أو استمراره
و اشتراط وجود الاعتداء يعني توافر الخطر الذي يهدد بوقوع ضرر أو استمراره
و تطبيقا لذلك ، فان انتفاء الخطر يترتب عليه انتفاء الاعتداء و بالتالي انتفاء الدفاع الشرعي ، و يجب أن يكون فعل الاعتداء غير مشروع ، و حال ، و أن يكون محله إحدى جرائم النفس أو المال .
أ- فعل غير مشروع .
يكون محل الاعتداء غير مشروع إذا كان ينطوي على خطر حقيقي و كان غير مثار
* وجود تعرض ينطوي على خطر حقيقي : إن حالة الدفاع الشرعي لا تنشأ إلا إذا كان هناك خطر يجعل من المحتمل وقوع جريمة ، لذلك لابد من قيام المعتدي بنشاط يخشى
منه وقوع جريمة من الجرائم على حق يحميه القانون حتى تتوفر حالة الدفاع الشرعي (2).
و لا يشترط أن يكون فعل الاعتداء ايجابيا بل يكفي مجرد الامتناع الذي يقره القانون جريمة ، كامتناع الأم عن إرضاع طفلها لقتله فهو خطر يبيح الدفاع الشرعي متى توافرت باقي شروط الدفاع الشرعي سواء بإرغام الأم على إرضاعه أو باتخاذ أي وسيلة ملائمة أخرى لإنقاذه (3).
________________________
1)-د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 112-113- 114
2)- د/ محمد علي السام عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 182 .
3)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 86 .
إلا انه قد يعتقد شخص بأنه مهدد بخطر فيبادر باستخدام القوة اللازمة لدفعه ثم يتبين أن هذا الخطر لا وجود له و أن اعتقاده كان وهما ، كمن يرى شخصا في الظلام فيظنه عدوا يتربص به فيقتله ، فهذا الشخص لا يجوز له الاحتجاج بالدفاع الشرعي لإباحة فعله ، لأن الخطر الوهمي ما هو إلا صورة من صور الغلط في الإباحة لأنه ينصب على واقعة الاعتداء و التحقق مما إذا كان هذا الاعتداء ينطوي على خطر حال أو لا (1)
و بما أن أسباب الإباحة موضوعية فإنها لا تنتج أثرها إلا إذا تحققت في الواقع .
كذلك اذا وقع الاعتداء بأمر من القانون أو بإذنه كان عادلا و فقد الدفاع شرعيته كالشخص الذي أصدرت في حقه السلطات أمرا بقبضه ، و يقاوم تنفيذ هذا الأمر لا يكون في حالة دفاع شرعي ، كذلك الحال بالنسبة لمن يقاوم الضبط الذي يقوم به مواطن طبقا لأحكام المادة 61 قاع « يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها و المعاقب عليها بعقوبة الحبس ، ضبط الفاعل و اقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية »
* تعرض غير مثار : حالة الدفاع الشرعي لا تقوم اذا كان الخطر مصدره المدافع نفسه فحالة الاعتداء غير المثار تعني أن الاعتداء الذي يصدر عن المعتدي لا يكون للمدافع يد فيه فالشخص الذي يكون سببا في حدوث الاعتداء لا يجوز له أن يحتج بالدفاع الشرعي و مثال ذلك اللص الذي يدخل منزلا في الليل ليسرق ، فإذا استعمل صاحب المنزل العنف لمواجهته كان في حالة دفاع شرعي ، أما اللص إذا واجه صاحب المنزل فليس له أن يحتج بأنه كان في حالة دفاع شرعي لأنه هو من أثار الاعتداء بدخوله منزل الغير ليلا بطريق غير مشروع قاصدا السرقة .
ب- فعل حــال .
يجب أن يكون الخطر حالا و ليس هناك وقت للجوء الى السلطات العامة لدرء الخطر ، فإذا كان الخطر آجلا لم يكن هناك مبرر للعنف و ارتكاب رد الفعل طالما اتسع الوقت لدرء الخطر باللجوء الى السلطات العامة و قد عبر المشرع الجزائري عن هذا الشرط في المادة 39/2 قاع بقوله « الضرورة الحالة للدفاع المشروع »
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 310 .
و يكون الخطر حالا اذا كان وشيك الوقوع أو بدأ و لم ينته بعد .
* يكون الخطر وشيك الوقوع : إذا صدر عن المعتدي أفعال تجعل وقوع الاعتداء أمرا منتظرا على الفور بحسب المجرى العادي للأمور (1) ، كأن يحاول المعتدي إطلاق النار على الشخص المدافع ، أو ضربه بعصا ، أو سكب البنزين تحضيرا لإلقاء عود ثقاب لحرق مؤسسة ففي هذه الأمثلة نكون بصدد اعتداء وشيك لا يعقل تجريد المعتدى عليه من حقه في الدفاع الشرعي في مواجهته ، قبل أن يتحول إلى عدوان بالفعل يلحق ضررا بمال أو نفس المعتدي عليه أو مال أو نفس غيره .
و لعل معظم حالات الدفاع الشرعي تندرج تحت هذه الصورة و إن اختلفت التسميات التي يضفيها البعض عليها كالقول بالخطر الحال ، أو الخطر الداهم أو التعدي على وشك الحلول (2) .
* خطر بدأ و لم ينته بعد : نكون أمام هذه الحالة إذا وقع الاعتداء بالفعل و اكتملت به الجريمة قانونا لكنه لازال مستمرا في إنتاج أثاره (3) ، و عليه يجوز الدفاع الشرعي في مواجهة السارق الذي بدأ في السرقة و لم يتمها ، و ضد من يواصل ضرب شخص آخر
أما بعد انتهاء الاعتداء لا يجوز للمعتدي عليه التذرع بحق الدفاع الشرعي في مواجهة المعتدي و إنما يعد في حالة انتقام كأن يضرب شخص آخر ثم يهرب فيتعقبه المجني عليه ليضربه .
جـ- محل الاعتداء إحدى جرائم النفس أو المال .
حسب المادتين( 39/2 قاع ) ،( 40 قاع ) الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي تشمل جرائم النفس و المال ، و يستوي بعد ذلك أن يكون فعل الاعتداء موجها لنفس المدافع أو غيره ، أو ماله أو مال غيره .
* جرائم النفس : تتخذ جرائم الاعتداء على النفس عدة مظاهر و هي كالآتي :
________________________
1)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام" ، الجزء الأول ، المرجع السابق ، ص 134
2)- د/ سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة
سنة 2000 ، ص 429 .
3)- محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2002
ص 249 .
- جرائم الاعتداء على حياة الإنسان و سلامة جسمه بما فيها جرائم القتل و الضرب و الجرح .
- جرائم الاعتداء على العرض مثل جرائم هناك العرض و الإخلال بالحياء .
- الجرائم الماسة بالشرف و الاعتبار مثل القذف و السب .
- جرائم الاعتداء على الحرية و يظهر هذا الاعتداء بعدة مظاهر منها الاعتداء على حرية الحركة و الانتقال .
* جرائم المال : تشمل كل الجرائم المرتكبة ضد الأموال المنصوص عنها في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له (*) ، مثل جرائم السرقة و ابتزاز الأموال و النصب
و إصدار شيك دون رصيد ، و خيانة الأمانة ، و التعدي على الملكية العقارية ، و إخفاء الأشياء المسروقة ، و التعدي على الملكية الأدبية و التخريب ، أما جريمة الإفلاس بالرغم من أنها من جرائم الأموال ، إلا أن طبيعتها تتنافى و قيام حق الدفاع الشرعي لأن القانون التجاري أورد أحكام الإفلاس و مدى حقوق الدائنين في مواجهة المفلس و من ثم لا يجوز للدائن اللجوء إلى الدفاع الشرعي (1) .
بعد التعرف على شروط فعل الاعتداء نتطرق فيما يلي لشروط فعل الدفاع
2- شروط فعل الدفاع .
إذا توافرت في فعل الاعتداء الشروط التي ذكرت سابقا نشأ لمن يهدده هذا الاعتداء أو يهدد غيره الحق في استعمال القوة اللازمة لصده ، و بالقدر المناسب لدرئه ، و عليه
يشترط في فعل الدفاع شرطان هما اللزوم و التناسب .
و يرجع لقضاة الموضوع تقدير تحقيق هذه الشروط ، و ذلك تحت رقابة المحكمة العليا و من ثم يتعين إثارة الدفع بتوافر شروط الدفاع المشروع أمام قضاة الموضوع و لا يجوز إثارته لأول مرة أمام المحكمة العليا (1).
أ- اللــــزوم
يستلزم هذا الشرط أن تكون حالة الدفاع ضرورية لردع المعتدي و منعه من تنفيذ
________________________
*)-حصر المشرع المصري الجرائم التي تجيز الدفاع الشرعي عن المال ، في جرائم معينة هي جرائم الحريق العمد السرقة ، التخريب و الإتلاف ، و انتهاك حرمة منزل .
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 91 .
)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 144 .
جريمته عن طريق استعمال العنف ، و يجب أن يكون فعل الدفاع المرتكب هو الوسيلة الوحيدة لصد الاعتداء ، و أن يتجه إلى مصدر الخطر .
* فعل الدفاع هو الوسيلة الوحيدة لصد الاعتداء : يتحقق ذلك في حالة الاضطرار إلى الجريمة لدرء الخطر (1). و يعني ذلك أن الدفاع لا يباح إلا إذا كان المعتدي عليه غير قادر على درء الخطر إلا بالجريمة التي أقدم عليها ، أما إذا كان في وسعه رد الخطر بوسيلة أخرى غير الجريمة فان الدفاع بالفعل الإجرامي يكون غير لازم .
* اتجاه فعل الدفاع المرتكب إلى مصدر الخطر : لا محل لتبرير فعل الدفاع و لا يعتبر لازما لدرء الخطر إلا إذا وجه هذا الفعل إلى مصدر الخطر لوقفه و التخلص منه (2).
فإذا ترك المعتدى عليه مصدر الخطر ووجه مقاومته العنيفة إلى غيره ، فلا يعتبر فعله مباحا تمسكا بالدفاع الشرعي ، كأن يحرض شخص كلبه ليهاجم غريمه فيطلق المعتدي عليه النار على مالك الكلب فيقتله بدلا من قتل الكلب مصدر الخطر ، فلا يفسر فعل المعتدى عليه هنا إلا على أنه انتقام .
ب- التنــاسب .
نقصد بالتناسب أن تكون القوة التي استعملها المعتدي عليه في دفاعه لا تزيد عن القدر اللازم لدفع الاعتداء ، فهي إذن مقارنة الجرائم المتاحة للمدافع لدرء الخطر
و اختيار أقلها ضررا لدفع الخطر (3) . و حتى يتحقق شرط التناسب يجب :
* أن يكون فعل الدفاع متناسبا مع الخطر الذي تعرض له المدافع : و ذلك بأن يكون الأذى الذي أصاب المعتدي متناسبا مع الأذى الذي كان المدافع عرضة له و أراد تجنبه .
* أن يكون فعل الدفاع أقل ضررا من أي فعل آخر يمكن صد الاعتداء به : فإذا كان في وسع المعتدي عليه أن يدرأ الخطر بالضرب فلا يباح له أن يدرأه بفعل أشد جسامة كالجرح ، و من كان في وسعه أن يدرأ الخطر بالجرح فلا يباح له أن يدرأه بفعل اشد جسامة كالقتل و جسامة الاعتداء مسالة وقائع يفصل فيها القضاء بالنظر إلى الخطر
________________________
1)- د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 369 .
2)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 199 .
3)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع الساق ، ص 93 .
الذي كان يهدد المدافع (1) .
و بعد دراسة المبادئ العامة للدفاع الشرعي نعالج فيما يلي تطبيق الدفاع الشرعي .
ثالثا : تطبيق الدفاع الشرعي .
و نتطرق من خلال هذا العنصر إلى الحالات الممتازة للدفاع الشرعي ، و إثباته و آثاره ، و حكم تجاوز حدود الدفاع الشرعي .
1- الحالات الممتازة للدفاع الشرعي .
بعد أن حددت المادة ( 39/2 قاع ) الأحكام العامة للدفاع الشرعي ، جاءت المادة (40 قاع ) و تحدثت عن حالات خاصة للدفاع الشرعي ، و هي حالات أجاز القانون فيها للمعتدي عليه دفع الاعتداء عنه دون التقيد بالشروط العامة للدفاع الشرعي نظرا لخطورتها.
و بذلك تكون المادة( 40 قاع ) أنشأت قرينة قانونية مفادها أن من يدافع عن شخصه أو حرمة مسكنه من أي اعتداء حدث ليلا ، أو من يدافع عن نفسه أو غيره ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة هو في حالة دفاع شرعي دون حاجة لإثبات توافر الشروط العامة للدفاع المشروع ، و عليه تتمثل الحالات الممتازة للدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري في حالتين :
* الحالة الأولى : نصت عليها المادة ( 40/1 قاع ) و تتمثل في « القتل أو الجرح
أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز و الحيطان أو مداخل المنازل ، أو الأماكن المسكونة أو توابعها و كسر شيء منها أثناء الليل » ، وقد أدرج المشرع الجزائري هذه الحالة ضمن الحالات الممتازة للدفاع الشرعي لان الليل ظرف يستغله المجرمون لمفاجئة الناس بالعدوان و إثارة الخوف في نفوسهم ، مما يجعل تقدير الخطر الداهم ، و جسامته أمر صعب و للاستفادة من هذه القرينة يجب التقيد بالشروط التي وردت في النص و هي :
- أن يتم التسلق أو كسر متعلقا بمسكن ، أو أحد توابعه و يعتبر مسكنا المكان المخصص للسكن مهما كانت صفته ، و توابعه يقصد بها ما اتصل بالمسكن مباشرة.
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 147 .
- أن يتم الدخول ليلا و ذلك لما يحدثه التهديد بالاعتداء على حياة الشخص و سلامة جسمه من فزع في نفس المدافع إذا حدث في الليل ، فضلا عن أن الاعتداء في الليل دليل على مدى خطورة المعتدي و سوء نيته .
- أن يكون الدخول بغرض ارتكاب جريمة لأنه إذا ثبت أن دخول المسكن عن طريق التسلق لم يكن بغرض ارتكاب جريمة و كان المدافع يعلم ذلك فان الإباحة تنتفي .
* الحالة الثانية : نصت عليها المادة( 40/2 قاع ) و تتمثل في «الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة » .
و قد اعتبرت هذه الحالة قرينة على توفر شروط الدفاع الشرعي حتى لا يبقى المجتمع تحت سلطة الأشرار و العصابات و إباحة مقاومة أعمالهم بالقوة و يشترط لقيام هذه الحالة :
- أن يهدد الخطر بالاعتداء على النفس المدافع أو نفس غيره .
- أن يقع التهديد من أشخاص يرتكبون جرائم السرقات أو النهب بالقوة ، سواء في الليل أو النهار و يلاحظ أن النص لم يشترط عددا معينا من المهاجمين ، أو استعمال وسيلة معينة في الهجوم .
2- إثبات الدفاع الشرعي .
عند الحديث عن إثبات الدفاع الشرعي يجب أن نفرق بين حالتين :
- إثبات الدفاع الشرعي بوجه عام .
- إثبات الحالات الممتازة .
أ- الإثبات بوجه عــام .
يذهب رأي في الفقه إلى القول بأن المتهم لا يتحمل عبء إثبات وقائع الدفاع الشرعي ، و إنما يقع هذا العبء على عاتق النيابة العامة استنادا لقرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم (1) ، و على المحكمة أن تفصل في ذلك حسب ما يتضح من الوقائع و ملابسات القضية و الأدلة المقدمة لأن تقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي
________________________
1)-د/ محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني ، المرجع السابق ، ص 242 .
أو نفيها ، و التزام حدوده أو تجاوزها و حسن النية أو سوءها أمور متعلقة بموضوع الدعوى (1).
لكن محكمة النقض الفرنسية قضت بأن « إثبات أي سبب من أسباب الإباحة يقع على عاتق المتهم باستثناء الحالات الممتازة للدفاع الشرعي » (2) . فيجب على المتهم الذي يتمسك بالدفاع الشرعي أن يقيم الدليل على توافر شروطه .
ب- إثبات الحالات الممتازة للدفاع الشرعي .
يثور التساؤل حول قيمة القرينة القانونية الواردة في المادة( 40 قاع ج ) المقابلة للمادة( 329 قاع فرنسي) ، هل هي قرينة مطلقة أم قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس ؟.
ظاهر نص المادة( 40 قاع ج ) يفيد أنها قرينة قاطعة (3). لكن إذا تمعنا فيه نجد أنه من غير العدل أن يستغل المدافع هذا النص ، و يقوم بفعل الدفاع دون أي قيد إذا ثبت أنه كان على علم مسبق بفعل الغير لأن غاية هذا النص حماية حق المدافع أمام مفاجأة الغير له بالاعتداء على شخصه أو على مسكنه ليلا ، فالمنطق يقضي بتطبيق الأحكام العامة للدفاع الشرعي إذا كان المعتدي عليه يعلم بفعل الغير ، و بالتالي لا تكتسي هذه القرينة طابعا مطلقا و إنما تقبل الدليل العكسي (4).
أما بالنسبة لأفعال السرقة و النهب بالقوة فالقرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس .
3- أثار الدفاع الشرعي .
إذا توافرت شروط الدفاع الشرعي فان كل ما يصدر من أفعال عن المدافع يعتبر مبررا ، فإذا كان الملف على مستوى النيابة العامة وجب عليها حفظه ، و إذا كان على مستوى التحقيق تعين على قاضي التحقيق إصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى ، و اذا كان على مستوى جهة الحكم كان عليها أن تقضي بالبراءة ، شرط أن يشمل حكمها على
1)- د-ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، مرجع سابق ، ص121 .
2)- د/ محمد مروان ، نظام الإثبات في الموارد الجنائية في القانون الوضعي الجزائري ، الجزء الأول ، الطبعة لا توجد ، الجزائر " بن عكنون " ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 2000 ، ص 107 .
3)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام" ، المرجع السابق ، ص 138 .
4)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 149 .
ما يفيد أنها محصت الدعوى و أحاطت بظروفها ، و بأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر و بصيرة ، ووازنت بينها و بين أدلة النفي (1) .
4- تجاوز حدود الدفاع الشرعي .
البث في ثبوت التجاوز من عدمه متعلق بالواقع يختص بالفصل فيه قاضي الموضوع (2) و كثيرا ما يصعب على المحاكم التمييز بين انتفاء الدفاع الشرعي ، و بين تجاوز حدوده (3) و يمكن القول تفريقا بينهما أن لزوم الدفاع الشرعي يقتضي عدم اللجوء إلى الجريمة لدفع الخطر المهدد طالما أمكن دفعه بغير الجريمة ، فان ثبت انه كان يمكن دفع الخطر بغير الجريمة انتفى الدفاع الشرعي كليا .
أما شرط التناسب فانه يقتضي إذا كان لابد من استعمال الجريمة فإنها لا تبرر إلا بالقدر اللازم لرد خطر الجريمة الماثل وقوعها وما زاد عن ذلك فهو تجاوز لحدود الدفاع الشرعي ، و لم يتعرض المشرع الجزائري لحكم تجاوز الدفاع الشرعي (*) و عليه نطبق القواعد العامة ، فإذا اعتدى المعتدي على المعتدى عليه يحق لهذا الأخير أن يرد الاعتداء عن نفسه بقدر جسامته ، أما إذا تجاوز حدود الدفاع الشرعي – أي لم يكن الدفاع متناسبا مع فعل الاعتداء – فان فعل المدافع يشكل جريمة يعاقب عنها المدافع و لا يعف من العقاب (4) و لتحديد مسؤولية متجاوز حدود الدفاع الشرعي نميز بين ثلاث حالات تتوقف على مدى توافر القصد الجنائي .
- إذا كان التجاوز مقصودا بأن يدرك المدافع جسامة الخطر و في وسعه رده بفعل متناسب معه ، و لكنه يلجأ إلى قوة تزيد على ذلك يكون مسئولا عن جريمة عمدية ، لأن فعله أقرب إلى الانتقام منه إلى رد الخطر المحدق به (5) ، كأن ينتهز شخص فرصة
________________________
1)- د/ كامل عبد الواحد الجوهري ، حكم البراءة في القضايا الجنائية ، الطبعة الأولى ، مصر ، دار محمود ، سنة 2006 ص 104 .
2)- د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 116 .
3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 169 .
*)- على خلاف نظيره الأردني الذي نص في المادة 60 قاع « إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل ، الجريمة من العقوبة بالشروط المذكورة في المادة 79 » .
4)- د/ محمد أحمد المشهداني ، الوسيط في شرح قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 209 .
5)-د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام" ، الجزء الأول ، المرجع السابق ، ص 142
الاعتداء عليه بالضرب فيقتل المعتدي عن قصد .
- إذا كان التجاوز مبنيا على خطأ المدافع في تقدير جسامة الاعتداء ، و كان بوسعه التحديد الصحيح لجسامة الخطر الماثل عليه ، و فعل الدفاع اللازم لدرئه ، يكون المتجاوز مسؤولا عن الجريمة التي ارتكبها مسؤولية غير عمدية (1) .
- و في الأخير لا يكون المتهم مسئولا إذا ثبت تجرد فعله من القصد و الخطأ كما لو كان التجاوز وليد اضطراب شديد أصابه على حين غرة ، و تعليل انتقاء المسؤولية هو تجرد فعله من الخطأ العمدي و غير العمدي كذلك .
بعد دراسة أسباب الإباحة التي نص عليها المشرع الجزائري في قانون العقوبات نتطرق في الفرع الموالي إلى رضا المجني عليه كسبب إباحة أقره القانون المقارن هذا السبب الذي أثار جدلا كبيرا حول مدى مصداقيته في الصفة الإجرامية عن الفعل و تبعا لذلك نعالجه فيما يلي :
الفرع الثاني : رضا المجني عليه
تقتضي الجريمة وجود الجاني و المجني عليه ، و غالبا ما تقع الجريمة خلافا لإرادة هذا الأخير و دون علمه المسبق بها ، و عليه يبدوا غريبا أن يطرح رضا المجني عليه كسبب للإباحة ، إلا أن الواقع يثبت وجود حالات يوافق المجني فيها على أن يتحمل نتائج الجريمة أو أن يكون محلا لها ، كأن توافق امرأة على إجهاضها من قبل الغير ، أو يوافق شخص على قتله لمعاناته من مرض يستعصي شفاءه .
و ما هذه الأمثلة إلا صور لرضا المجني عليه بوقوع الجريمة ضده ، و فيما يلي
ندرس رضا المجني عليه كسبب إباحة (*) وفق العناصر التالية :
________________________
2)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 202 .
*)- لأنه قد يكون لرضا المجني عليه كذلك تأثير على الدعوى العمومية ، فليس للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في بعض الجرائم إلا بناءا على شكوى يقدمها المجني عليه كجرائم السرقة بين الأزواج ، و جرائم الزنا ، و إن لم يقدم هذه الشكوى فان ذلك يعنى انه قد رضي بعدم محاكمة المتهم ، و قد يكون له كذلك تأثير على الركن المادي في بعض الجرائم ، فالسرقة مثلا يقوم ركنها المادي على الأخذ أو الاختلاس ، و لا يتحقق ذلك إلا إذا كان المجني عليه غير راض عن خروج الشيء عن حيازته و دخوله حيازة الغير – و قد يكون الرضا عنصرا في بعض أسباب الإباحة مثل إباحة الأعمال الطبية التي تندرج تحت إذن القانون .
أولا : تعريف رضا المجني عليه .
عرفه الفقيه جريسيني على أنه « الإذن المعطى بواسطة شخص من أشخاص القانون الخاص لفرد أو أفراد لتنفيذ عمل معاقب عليه بواسطة القانون الوضعي و يترتب على هذا العمل الإتلاف أو الإضرار بمال أو مصلحة للشخص الذي صدر منه الإذن ، أو تعريضها للخطر » (1) .
و عرفه قانون العقوبات الهندي على أنه « القبول المبني على تحكم العقل الحرفي التفكير في الأمور و عواقبها دون إكراه أو غش أو غلط في فهم حقيقة الواقع » (2).
و يتضح أن أطراف الرضا هي :
* المجني عليه : و هو " الشخص الذي وقع عليه الاعتداء مباشرة " ، أو أنه " ذلك الشخص الذي يملك الحق المحمي من الجريمة أو المعرض للخطر و يرضى بتحمل الآثار الناجمة عن الجريمة " .
* من صدر إليه الرضا : قد يكون شخصا واحد ، أو مجموعة من الناس دون تحديد الشخص منهم فعلى سبيل المثال رضا مالك الأرض بأن يقوم أي شخص دون تحديد ببناء على أرضه .
بعد تعريف رضا المجني عليه نتطرق فيما يلي إلى مدى مصداقيته في محو الصفة الإجرامية عن الفعل .
ثانيا : مدى مصداقية رضا المجني عليه كسبب إباحة .
1- المبدأ العام : عدم جواز الاعتداء برضا المجني عليه كسبب إباحة .
القاعدة العامة أن رضا المجني عليه ليس سببا من أسباب الإباحة ، و القاعدة التي وردت به على سبيل الاستثناء الذي لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه (2).
فلا يمكن الاعتداد برضا المجني عليه لإباحة الجرائم التي تمس حقا أو مصلحة للدولة مثل جرائم اختلاس المال العام ، و تزييف العملة ، و تزوير المحررات الرسمية .
كما لا يمكن الاعتداد به في الجرائم التي ينال فيها الاعتداد حقا للمجتمع ، مثل
________________________
1)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، الطبعة لا توجد ، مصر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1975 ، ص 58 -59 .
2)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سـابق ، ص 282 .
جرائم الفعل العلني المخل بالحياء ، و المتاجرة بالأشياء الممنوعة ، و تزوير المحررات العرفية ، ولا أثر لرضا المجني عليه في الجرائم ضد الأموال (1) . و قد يكون هذا الرضا سببا في تجريم فعل المجني عليه مثل جريمة قبول المجني عليه شيكا و هو يعلم أنه دون رصيد كما انه كذلك لا أثر لرضا المجني عليه في الجرائم التي ينال الاعتداء فيها حقا لنظام الأسرة ، مثل جرائم الزنا و هجر العائلة ، و إن كان المشرع يقرر عدم جواز تحريك الدعوى العمومية في جريمة الزنا مثلا إلا بعد تقديم شكوى من الزوج فلا يعنى ذلك أن سكوت الزوج يفيد إباحة الجريمة بل يعنى فحسب امتناع المتابعة القضائية لاعتبارات قدرها المشرع ، فإذا رضي الزوج المجني عليه و قدم شكوى أمكن رفع الدعوى العمومية ضد الزوجة الزانية و معاقبتها (2) .
كما ينعدم تأثير الرضا على فئة الجرائم التي تنال من حقوق الأفراد ، إلا أن لها أهمية اجتماعية كبيرة بحيث لا يجوز للأفراد التنازل عنها لما في ذلك من إهدار لمصلحة اجتماعية على جانب كبير من الأهمية ، و من أهم هذه الجرائم الاعتداء على الحياة
و سلامة الجسم ، فالحق في الحياة و سلامة البدن ليس حقا خالصا للأفراد و إنما يشترك المجتمع مع الأفراد في هذا الحق لأنه يتوقف عليه سلامة المجتمع كله (3) .
و على العكس من ذلك فقد يكون حق الفرد المعتدي عليه في الجريمة حقا خالصا له ففي هذه الحالة يعتد برضا المجني عليه كسبب إباحة ، و لعل هذا الفرض هو وحده المقصود برضا المجني عليه كسبب إباحة . و بالتالي نجد أن هناك استثناءات ترد على المبدأ القاضي بعدم جواز الاعتداء برضا المجني عليه كسبب إباحة نتطرق إليها فيما يلي
2- الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ العام .
المعيار في تحديد جرائم الرضا يستند إلى الحق المعتدى عليه إن كان القانون يجيز للمجني عليه التصرف فيه ، فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فتعدي الغير على هذا الحق لا يعد جريمة (4) ، مثل جرائم هدم ، أو تخريب ، أو إتلاف ملك الغير ، أو التعدي على
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 151 .
2)-د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 279 .
3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 362 .
4)-د/ عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 133.
المزروعات و الحيوانات و آلات الزراعة . فهذه الأفعال لا تعتبر جرائم إلا إذا ارتكب بغير رضا المالك ، أما إذا ارتكبها بنفسه أو رضي بارتكابها من قبل الغير لا تقوم بها الجريمة ، لأن الفعل يتحول من اعتداء على الملكية في حالة انعدام الرضا إلى تصرف في الشيء محل الملكية إذا توفر الرضا ، و من الصعب حصر الجرائم التي يعد الرضا سببا لإباحتها لان ذلك يتوقف على تحديد الحقوق المعتدي عليها ، و بيان ما إذا كان القانون يجيز التصرف فيها و نقلها للغير أم لا .
و الحقيقة أن الرضا في الأمثلة السابقة ليس سبب إباحة ، لأن أسباب الإباحة تفترض قيام الجريمة من حيث أركانها المادية ، ثم تقترن بها لتنفي الصفة الإجرامية عنها
و الأمر ليس كذلك في الجرائم السابقة ، فلو تمعنا فيها لوجدنا أن الجريمة غير قائمة أصلا ، فجريمة هدم ملك الغير لا يتصور وقوعها إلا إذا ارتكب الجاني أفعال الهدم دون رضا المالك ، فرض المالك عنصر سلبي من عناصر الركن المادي في هذه الجريمة
و انتفاءه يعني انتفاء الركن المادي للجريمة و بالتالي انتفاء الجريمة لعدم اكتمال أركانها و ليس لان رضا المجني عليه أباحها .
و نخلص مما تقدم إلى رفض اعتبار رضا المجني عليه سببا لإباحة الجرائم التي تنال حقوقا يجوز التصرف فيها و نقلها للغير ، و الصحيح أن الرضا يؤثر على أركان هذه الجرائم و على وجه الخصوص الركن المادي (2).
ثالثا : القتل برضا المجني عليه و بطلبه في القانون المقارن .
لم يأخذ المشرع الجزائري برضا المجني عليه كسبب إباحة في قانون العقوبات للأفعال المجرمة . و فيما يخص جريمة القتل مطلقا لم يأخذ برضا المجني عليه كسبب إباحتها و بالعكس تماما فهو يعاقب على مساعدة الغير على الانتحار طبقا لنص المادة 273 قاع و التي جاء فيها « كل من ساعد عمدا شخصا في الأفعال التي تساعده على الانتحار أو زوده بالأسلحة أو السم أو بالآلات المعدة للانتحار مع علمه بأنها سوف تستعمل في هذا الغرض يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا نفذ الانتحار ».
وفيما يخص التشريعيات الأخرى فقد نصت بعض التشريعيات على رضا المجني
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 362 - 364 .
عليه كسبب من أسباب الإباحة في حدود(1) من دلك المادة05 من ق ع الايطالي ( لا عقاب على من يعتدي على حق الغير أو يجعله في خطر إذا حصل دلك برضا صاحب الحق وكان من الجائز له التصرف في الحق ) (*) . وفيما يلي نركز على جريمة القتل برضا المجني عليه وبطلبه في بعض التشريعات.
1- في القانون الفرنسي :
إن قانون العقوبات الفرنسي لم ينص بنص خاص على جريمة القتل بناءا على الطلب بل ترك الأمر للقواعد العامة التي تعاقب على جريمة القتل العمد .فالقتل بناءا على طلب الضحية يعتبر جريمة قتل عمد حسب المادة295 قاع فرنسي. وهدا هو الرأي الراجح فقها و قضاء .
2- في القانون الانجليزي :
طبقا للرأي القاتل في انجلترا أن "حياة الإنسان ليست ملكه وحده بل ملك للمجتمع أيضا " فانه لا يحق لأي إنسان أن ينهى حياته برضاه أو بطلب من شخص أخر أن ينهى حياته. ولا اثر لرضا المجني عليه في جرائم القتل إلا في تخفيف العقوبة و تمييزها عن جريمة القتل العمد العادية .
3- في القانون الإيطالي :
نص القانون الإيطالي الصادر سنة 1930 فى المادة 579 على انه "من يرتكب جناية على شخص المجني عليه بناءا على رضاه يعاقب بالأشغال الشاقة من ( 06 سنوات إلى 15 سنة ) وتشدد العقوبات طبقا للمادة 61 إذا كان الفعل ارتكب في الحالات التالية :
- كل شخص يقل سنه عن18 سنه.
- كل شخص مجنون أو مريض عقليا أو مدمن على تعاطي المخدرات.
- كل شخص يكون رضاه اغتصب منه بواسطة الجاني بالعنف والتهديد (2).
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، المرجع السابق ، ص 159 .
*)- كان القانون السوداني أسبق من القانون الإيطالي في النص على رضا المجني عليه كسبب إباحة ( المادة 51)
و قد نقل النص عن المادة 91 من القانون الهندي و نقلت المادة 39 من القانون الكويتي عن القانون السوداني .
2)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، المرج السابق ، ص 128
4- في القانون السوداني .
على خلاف قانون العقوبات المصري الذي لا يعتبر رضا المجني عليه سبب مبيح لجريمة القتل بناءا على الطلب و الأخذ بقواعد القتل العمد طبقا للمادة230 ق ع مصري جعل قانون العقوبات السوداني الرضا سببا لتخفيف العقوبة بناءا على شروط محددة في المادة 51 من قاع هي :
– أن تكون سن المجني عليه تزيد عن 18سنة حتى يكون تميزه و تقديره للأفعال معتبرا.
- أن يكون الباعث أو الدافع انسانى نبيل يختلف عن الدافع الاجرامى .
وعلى هذا الشرط فان المنطق والعدالة يقتضيان عدم مساواة من يقتل زميله العسكري الجريح بجرح سام خطير بناءا على توسلاته مع من يقتل غيره حقدا
أو بدافع آخر (1).
وفيما يلي نتطرق لشروط رضا المجني عليه حتى ينتج أثره في قانون العقوبات.
رابعا : شروط رضا المجني عليه
سواء كان لرضا المجني عليه أثر على أركان الجريمة أو باعتباره أحد عناصر بعض أسباب الإباحة ، أو أحد أسباب الإباحة عند من يرى ذلك يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية حتى يرتب آثاره و هي :
- أن يكون المجني عليه صاحب الحق متمتعا بأهلية الرضا .فتصح الإنابة من صاحب الحق نفسه أو ممن ينوب عنه متى كانت الإنابة جائزة (2). و يشترط أن يبلغ صاحب الحق سنا معينة لكي يعتد بالرضا الصادر عنه .و إذا لم يحدد المشرع سنا معينة يترك الأمر لتقدير قاضى الموضوع (3) .
- أن يكون الرضا خاليا من العيوب .فيجب أن يصدر الرضا باختيار المجني عليه و بإرادته الحرة السليمة ، ولا وجود له على الإطلاق إذا ما صدر عن شخص نتيجة تهديد
_______________________
1)- د/ محمد صبحي نجم ، رضا المجني عليه و أثره على المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 130 .
2)- محمد زكي أبوا عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 286 .
3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 364 .
أو إكراه كما لا يعتد القانون الجزائي به إذا صدر عن شخص نتيجة الحيلة ، أو الخداع أو الغلط .
- المعاصرة الزمنية للرضا مع الفعل الواقع على المجني عليه , فلا عبرة للرضا إذا كان سابقا على الفعل , و إنما العبرة إذا استطال حتى وقت وقوع الفعل, كما لا عبرة به إذا قام بعد وقوع الفعل ، إذ الحكمة في المعاصرة أن الرضا بذلك ينفي عن الفعل وصف الجريمة و بالتالي ينفي عنه وصف الركن المادي ، و لا يحدث الرضا السابق أو اللاحق مثل هذا الأثر (1) .
- يشترط في الرضا الذي صدر من المجني عليه أن لا يكون مخالفا للنظام العام
و الآداب العامة ، فرضا الأشخاص البالغين بارتكاب الجرائم الجنسية علانية لا أثر له في إباحة جرائمهم لمخالفة النظام العام و الآداب العامة .
_______________________
(2): د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 134.
الفصل الثاني : مـــوانع المـــسؤولية .
بعد التطرق في الفصل الأول لأسباب الإباحة باعتبارها تلك الأسباب الموضوعية التي تقترن بالفعل الإجرامي فتزيل عنه الصفة الإجرامية بالنسبة لكل من ساهم فيه نحاول أن نتطرق في هذا الفصل إلى موانع المسؤولية .
و إذا كانت أسباب الإباحة تتصل بالركن الشرعي للجريمة فان موانع المسؤولية تتصل بالركن المعنوي للجريمة ، مما أكسبها الطبيعة الشخصية ، فلا يستفيد منها إلا من توافرت فيه و لا تتعدى إلى من ساهم في الجريمة .
و لمعرفة الضوابط التي تحكم موانع المسؤولية أثرنا أن ندرج تحت هذا الفصل مبحثين ، نعالج في المبحث الأول عموميات حول المسؤولية الجزائية و في المبحث الثاني تقسيم موانع المسؤولية و تفصيل ذلك كالتالي .
المبحث الأول : عموميات حول المسؤولية الجزائية .
قبل قيام الثورة الفرنسية كانت المسؤولية تنسب للإنسان و الحيوان على حد سواء عند ارتكاب فعل ضار ، و كانت الأفعال الإجرامية و العقوبة المحددة لها تخضع للسلطة التقديرية للقاضي، فكان الشخص إذا أتى فعلا لم يكن مجرما بنص قانوني ورغم ذلك رأى القاضي أن ذلك الفعل يستحق العقاب فإن ذلك الشخص حتما يعاقب.
كما كان فاقد الإدراك وحرية الاختيار يعاقب على ارتكابه الجريمة كما يعاقب من قام بها عن وعي وإرادة، وبقيام الثورة الفرنسية زالت هذه الأفكار وحلت محلها مبادئ جديدة جعلت الإدراك وحرية الاختيار أساسا لقيام المسؤولية الجزائية ، و أصبح المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه سياسة التجريم و العقاب أنه لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص القانون
و قرنية براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته (1).
و بعد هذه اللمحة الوجيزة حول تطور المسؤولية الجزائية نتطرق فيما يلي لمفهوم المسؤولية الجزائية من خلال معرفة الأساس الذي تقوم عليه و المراحل التي مرت بها إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم .
المطلب الأول : مفهــوم المسؤولية الجــزائية .
إذا كانت الجريمة هي العمل الخارجي الذي نص عليه القانون و قرر له عقوبة إذا صدر عن إنسان ، فالمقصود بذلك أن الدولة ترمي بمباشرة حقها في العقاب المحافظة على كيانها بصفتها دولة ، و السهر على حماية الأمن و النظام العام .
و من الواضح أن نجاح العقوبة في بلوغ الغايات المذكورة رهين بمدى إدراك من تنزل به لما تنطوي عليه من معاني بمقدار ما تسلط عليه من ألم .
لذلك كان الإنسان على فرض تمتعه بالملكات التي تؤهله للإدراك و الإحساس هو دون غيره الذي يصلح لان يكون محلا للمسؤولية الجزائية .
و المسؤولية الجزائية قال عنها البعض أنها « تعبير عن ثبوت نسبة الوضع الإجرامي للواقعة المادية التي يجرمها القانون إلى شخص معين متهم بها ، بحيث
________________________
1) – د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الخامس ، مرجع سابق ، ص 140 .
يضاف هذا الوضع إلى حسابه فيتحمل تبعته ويصبح مستحقا للمؤاخذة عنه بالعقاب » (1)
و يرى البعض أن للمسؤولية الجزائية مفهومان .
- مفهوم مجرد : يراد به صلاحية الشخص لأن يتحمل تبعة سلوكه ، و هنا نجد أن المسؤولية تتعلق بصفة الشخص ، أو حالة تلازمه سواء وقع منه ما يقتضي المساءلة أو لم يقع منه شيء .
- مفهوم واقعي : يراد به تحميل الشخص تبعة سلوك صدر منه حقيقة، و هنا المسؤولية ليست مجرد صفة أو حالة قائمة بالشخص ، بل هي جزاء أيضا و هذا المفهوم يحتوي المفهوم المجرد لأنه لا يتصور تحميل شخص تبعة سلوكه إلا إذا كان أهلا لتحمل هذه التبعة (2) .
و هناك من يرى أن المسؤولية الجزائية هي « أهلية الإنسان العاقل الواعي لأن يتحمل جزاء العقاب نتيجة اقترافه جريمة من الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات ، و هو بذلك يميزها عن المسؤولية المدنية التي هي أهلية الإنسان لتحمل التعويض المترتب عن الضرر الذي ألحقه بالغير نتيجة الإخلال بالتزام قانوني أو تعاقدي » (3).
و المسؤولية الجزائية على الوجه السابق توضيحه ليست ركنا من أركان الجريمة إذ لا تنشا إلا إذا توافرت ابتداءا جميع أركان الجريمة ، فهي أثر لاجتماع هذه الأركان في شخص عاقل مميز متمتع بحرية الاختيار في إتيان الأفعال أو الامتناع عنها ، و يتوافق هذا التحليل مع اشتقاق لفظ المسؤولية فهو مرادف المساءلة أي سؤال الجاني عن السبب في اختياره الجريمة سلوكا مخالفا لما يقضي به القانون.
و فكرة المسؤولية الجزائية ليست فكرة وليدة العصر الحديث ، و إنما كانت معروفة في القوانين القديمة ، كل ما في الأمر أنها كانت تتحدد على نحو مخالف لما هي عليه الآن ، لأن القانون إذ ينشأ في بيئة معينة فانه يتأثر بها و بمعتقداتها ، و عليه فان دراسة
المسؤولية الجزائية لا يجب أن تتم بمعزل عن إطارها التاريخي و لا يتحقق ذلك إلا
________________________
1)- د/ عبد الحميد الشواربي ، المسؤولية الجنائية في قانون العقوبات و الإجراءات الجنائية ، الطبعة لا توجد ، مصر دار الجامعة الجديدة ، سنة 1998 ، ص 05 .
2)- د- أحمد أبو الروس ، القصد الجنائي و الشروع و علاقة السببية و الدفاع الشرعي ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار المكتب الجامعي الحديث ، سنة 2000 ، ص 71 .
3)- د- سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 273 .
بمعرفة أساس المسؤولية الجزائية ، و المراحل التي مرت بها عبر الزمن لغاية وصولها إلى ما هي عليه اليوم و تبعا لذلك ندرج تحت هذا المطلب فرعين ، نتناول في الفرع الأول أساس المسؤولية الجزائية و في الفرع الثاني مراحل المسؤولية الجزائية .
الفرع الأول : أساس المسؤولية الجزائية .
إن تحديد أساس المسؤولية الجزائية يعتبر أمر لا غنى عنه عند رسم السياسة الجزائية. إذ أنه بمقتضاه يتم تحديد الشروط الواجب توفرها لقيام المسؤولية الجزائية
و هو الذي يحدد رد الفعل الاجتماعي إزاء الجريمة إن كان عقوبة أو تدبير أمن . كما تبرز أهمية تحديد أساس المسؤولية الجزائية بصفة خاصة بالنسبة لطوائف المجرمين الذين يشكل سلوكهم و حالاتهم الخاصة خطورة على المجتمع .
و يتمحور أساس المسؤولية الجزائية حول فكرتين أساسيتين هما حرية اختيار السلوك الإجرامي من ناحية ، و حتمية السلوك الإجرامي من ناحية أخرى .
و فيما بعد ظهر مذهب يهدف للتوفيق بين حرية الاختيار و الحتمية . و هذا ما سنتطرق إليه فيما يلي :
أولا : مذهب حرية الاختيار .
يرى بعض الفقه أن المسؤولية الجزائية تقوم على أساس حرية الإنسان في الاختيار .
فكل إنسان بالغ عاقل يستطيع التمييز بين المباح و المحظور ، كما يستطيع التحكم في سلوكه فلا يأتي من الأفعال إلا ما يريد (1) . و لهذا يجب أن يسأل عما وقع منه ، و أن يتحمل تبعته . و لا تنتف المسؤولية عند أنصار هذا المذهب إلا إذا فقد الشخص قدرته على الإدراك و الاختيار ، لان عقابه سيكون ظلما من جهة ، و غير مجد من جهة أخرى .
فمناط المسؤولية حسب هذا المذهب هو حرية الإنسان في توجيه إرادته نحو السلوك الإجرامي ، و طالما توفرت هذه الحرية الكاملة كان الإنسان مسئولا عن سلوكه و إذا انعدمت حرية الإرادة أو إذا انتقصت وجب القول بانعدام المسؤولية أو تخفيفها ، فالإنسان لا يسأل جزائيا إلا في حدود القدر من الحرية التي توافرت له وقت التصرف الذي وجه
________________________
1)- د/ عوض محمد عوض ، قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2000 ص 418 .
إرادته فيه إلى السلوك المخالف للقانون (1). و يستند أنصار هذا المذهب إلى حجة رئيسية مؤداها أن حرية الاختيار هي الأساس الوحيد الذي يمكن تصوره للمسؤولية الأخلاقية
أو القانونية و دون هذه الحرية لن يكون للمسؤولية معنى ، و لا يمكن أن تستند إلى أساس آخر يدعمه القانون . و في مجال القانون الجزائي يتوافق مذهب حرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجزائية مع الوظيفة الاجتماعية لهذا القانون ، فإذا كان العقاب يهدف إلى الشعور بالعدالة وجب لضمان تحقيق هذا الهدف أن لا يخضع للعقاب إلا من يكون سلوكه مستوجبا ، اللوم و السلوك لا يكون كذلك إلا حين يكون وليد حرية الاختيار (2).
إلا أن هذا المذهب انتقد بشدة على أساس ان حرية الاختيار وهم يكذبه الواقع ، و لا يمكن تأسيس المسؤولية الجزائية على أساس أخلاقي أو أدبي فالإنسان مسير لا مخير (*)
كما انتقد هذا المذهب على أساس أنه يركز جل اهتمامه على الجريمة دون المجرم ، في حين نجد أن الجريمة ما هي إلا مظهر خارجي لنفس شريرة ، و دليل على وجود شخصية خطرة هي الأولي بالعناية و الدراسة و ذلك لاتخاذ الوسائل المناسبة لتجنب شرها (3).
وعلى اثر هذه الانتقادات التي وجهت لهذا المذهب ظهر مذهب آخر هو مذهب الحتمية .
ثانيا : مذهب الحتمية .
يطلق البعض على هذا المذهب اسم النظرية الواقعية أو الجبرية ، التي مؤدها إن الإنسان خاضع خضوعا تاما لظروف الحياة التي لا تترك حرية الاختيار ، و إن كل نشاطه الضار و النافع نتيجة حتمية لأسباب مختلفة متصلة بطبيعته و بيئته و تكوينه و هذا لا يعني ترك المجرم دون عقاب ، لأن الجريمة مقدرة عليه بل يجب اتخاذ الوسائل الكفيلة بحماية المجتمع من خطورته .
____________________
1)- د/ عبد الحميد الشواربي ، المسؤولية الجنائية في قانون العقوبات و الإجراءات الجنائية ، المرجع السابق ص 05 .
2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " مرجع سابق " ، ص 08 .
*)- حيث يقول في هذا الصدد الأستاذ جاروفالو و هو أحد أقطاب المدرسة الوضعية « لا نستطيع أن نبني قانوننا العقابي على أساس المسؤولية الأخلاقية ، فإرادة الفرد تخضع و على الدوام لمؤثرات داخلية و خارجية »
3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 517
و المجرم حسب هذا المذهب منقاد إلى الجريمة ، و لا محل لإسناد المسؤولية إليه على أسس أخلاقية ، و إنما يسأل مسؤولية اجتماعية تقوم على مجرد توافر رابطة السببية بين الفعل و الفاعل بشرط أن تثبت خطورة هذا الأخير على المجتمع .
و بناءا على ذلك يتجرد الجزاء الذي يتخذ قبل المجرم من كل معاني اللوم ، و يصبح مجرد وسيلة دفاع اجتماعي بهدف تجنب الخطورة الإجرامية . و لا يكون داع لموانع المسؤولية فكل مجرم و لو كان مجنونا هو مصدر خطورة و لا بد من تدبير يتخذ لمواجهة هذه الخطورة (1) . و لكن هذا المذهب هو الآخر لم ينج من النقد .فالقول بأن المجرم مجرد آلة بيد الظروف و العوامل المختلفة قول لا يمكن التسليم به ، لأنه و إن كانت الجريمة ترجع فعلا إلى عوامل مختلفة إلا أن الإرادة و حرية الاختيار هي أقوى هذه العوامل .
كما أن هذا المذهب يغفل شعور الناس بضرورة إقامة العدل ، و معاقبة المجرم على مخالفته القانون ، و الاعتداء على حقوق الغير ، و يهتم فقط بإجراءات الوقاية التي تحمي المجتمع مستقبلا .
و أمام هذه المواقف المتعارضة تماما حول أساس المسؤولية الجزائية ظهرت مدارس وسطية حاولت التوفيق بين الرأيين السابقين (2) .
ثالثا : المذهب التوفيقي .
يقوم هذا المذهب على مبدأ حرية الاختيار ، و لكنه يذهب الى أن هذه الحرية غير مطلقة و لا متساوية عند جميع الأشخاص . فأما انها غير مطلقة فلأن هذه الحرية هي قدرة مقاومة الدوافع و الميول المختلفة ، و هذه القدرة مقيدة بطباع الإنسان و ما وجد فيه من ظروف . و أما أنها غير متساوية عند جميع الأشخاص فيعني ذلك أنها تتفاوت من شخص إلى آخر حسب ميوله و نزعاته الشخصية ، بل أنها تختلف حتى عند الشخص الواحد باختلاف الأزمنة و الملابسات. و التسليم بحرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجزائية لا يعني إهمال دراسة العوامل التي تحيط بسلوك الفرد ، و تتظافر مع إرادته في إنتاج الجريمة . فالعناية بشخص مرتكب الجريمة .
________________________
1)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 519
2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 243 .
و محاولة استئصال خطورته الإجرامية عن طريق العقوبة أو التدبير لا يتعارض مع نسبة الجريمة إلى إرادته الحرة و لا تناقض في الجمع بين المسؤولية الجزائية التي تقوم على حرية الاختيار ، و التي تقوم على توافر الخطورة الإجرامية (1) .
و قد أقام الاتحاد الدولي لقانون العقوبات المسؤولية الجزائية على مذهب حرية الاختيار من جهة ، و نادى بالخطورة الإجرامية من جهة أخرى (2) .
أما المشرع الجزائري فقد اعترف بحرية الاختيار في إقامة المسؤولية الجزائية . و الدليل على دلك أنه استبعد المسؤولية الجزائية في الحالات التي انتفت فيها حرية الاختيار حسب ما سيتم بيانه في المبحث الثاني من هذا الفصل.
و مع ذلك لم يأخذ بمبدأ حرية الاختيار على إطلاقه ، و إنما هذه الحرية مقيدة تستتبع وضع تدابير أمن للحالات التي يستلزم فيها قيام المسؤولية ذلك .
الفرع الثاني : مــراحل المسؤولية الجزائية .
محل المسؤولية الجزائية في التشريعات الحديثة هو الإنسان الحي الذي ارتكب سلوكا مجرما ، و توافرت لديه الأهلية الجنائية . ذلك أن قانون العقوبات قانون إنساني لا يوجه أوامره و نواهيه إلا لمن يدركها . و إذا كان هذا هو الأصل العام إلا أن المسؤولية الجزائية قد تقوم بحكم القانون قبل من لا وعي له ، و لا إرادة . و نقصد بالضرورة هنا الشخص المعنوي . هذا ما يجرنا للحديث على مراحل المسؤولية الجزائية .
أولا : المسؤولية الجزائية التقليدية .
لقد كانت المسؤولية الجزائية ثمرة تطور في المفاهيم الجزائية استغرق حقبة من الزمن انتهت في أواخر القرن التاسع عشر (19) إلى الإقرار بشخصية المسؤولية . ففي البداية كان أساس المسؤولية الجزائية يتمثل في الفعل المادي ، و كان الإنسان يسأل عن فعله باعتباره مصدرا للضرر بصرف النظر عما إذا كان قاصدا فعله ، أو غير قاصد له سواء كان مدركا لفعله ، أو غير مدرك له ، و سواء كان حرا أو مكرها في ارتكابه (3)
ثم جاءت التعاليم الدينية لإقامة المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي ، و لقد أقرت
________________________
1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 16 .
2) – د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري ، " القسم العام " مرجع سابق ، ص 243 .
3)- د-/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 166 .
الشريعة الإسلامية هذا الأساس منذ أكثر من أربعة عشر قرنا . حيث نجد عدة آيات في القرآن الكريم تقيم المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي نذكر منها :
قوله تعالى « لا تزر وازة وزر أخرى » (*أ) .
و قوله تعالى « من يعمل سوءا يجز به »(*ب) .
و قوله تعالى « و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم » (*جـ) .
غير أن قيام الخطأ وحده غير كاف لمساءلة شخص عن فعله المجرم قانونا و تحميله نتائج هذا الفعل ، فيجب أن يكون الفاعل قد قام بالفعل و هو مدرك و قادر على اتخاذ القرار بشأن ما يفعل .
و يذهب البعض إلى القول أن الخطأ نفسه لا يتوافر عند فقدان الادارك و الوعي لأن القصد أو الإهمال يفترضان صدورهما عن إدراك ووعي ، و هما شرطان لقيام الخطأ
ذاته (1) . فيما يرى البعض الآخر أن الخطأ يتوفر عند مخالفة القاعدة الجزائية ، إلا أن مساءلة الفاعل تستوجب إدراكه ووعيه بما قام به . فمن كان فاقدا وعيه يخطئ إلا أنه لا يعاقب (*د) .
ثانيا : المسؤولية الجزائية الحديثة .
و تضم المسؤولية عن فعل الغير و مسؤولية الشخص المعنوي .
1- المسؤولية عن فعل الغير :
الأصل العام أنه لا يسأل الا من ارتكب الجريمة أو شارك فيها ، غير أن بعض القوانين توحي أن هناك شذوذا فيما يتعلق بهذا المبدأ . لا سيما في المجال الاقتصادي كتلك القوانين التي تعاقب رئيس تحرير الجريدة أو المحرض المسئول بصفة فاعلا أصليا للجرائم التي ترتكب من طرف المحررين و تعفيه من المسؤولية في حالتين :
________________________
*أ)- سورة النجـــم ، الآية 37 .
*ب)- سورة النســاء ، الآية 123 .
*جـ)- سورة الشـورى ، الآية 49 .
1)- د/أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 168 .
*د)- و هذا ما أخذ به المشرع الفرنسي في المادة 122/1 من قانون العقوبات المعدل في 22/01/1992 و التي جاء فيها « إن قائد الوعي و الإدراك لا يسأل جزئيا » و كذلك المشرع الجزائري في المادة 47 قاع « لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة »
- إذا ثبت أن النشر حصل دون علمه ، و قدم منذ بداية التحقيق كل المعلومات المساعدة على معرفة المسؤول .
- إذا أرشد أثناء التحقيق عن مرتكب الجريمة ، و قدم كل ما لديه من المعلومات
و الأوراق لإثبات مسؤوليته .
و من تلك القوانين أيضا التي تجعل كل ما يقع في المحل من مخالفات من مسؤولية من يكون مستغلا للمحل ، أو مديرا له أو مشرفا على أعماله (1).
و قد اختلفت الآراء حول تحديد طبيعة ، و أساس المسؤولية في الأحوال السابقة .
فمنهم من قال أنها مسؤولية مفترضة في الحقيقة ، أقامها المشرع حتى لا يفلت من العقوبة أصحاب المصلحة الحقيقية في العمل إذا ما اخل أتباعهم بالإجراءات المفروضة بحسن سير و حماية المصلحة العامة .
و منهم من قال أنها مسؤولية موضوعية ، مناطها ثبوت الصفة ككون الشخص مالكا
أو مستغلا أو مديرا ، و حدوث الواقعة الإجرامية يؤدي إلى قيام المسؤولية دون حاجة إلى ثبوت الخطأ أو افتراضه .
و يرى البعض أن المسؤولية في الأحوال السابقة ليست من قبيل المسؤولية عن فعل الغير ، بل هي مسؤولية عادية ، فالقانون في هذه الأحوال يلزم شخصا معينا بمراقبة نشاط غيره و إذا أخل بهذا الالتزام قامت جريمة ركنها المادي الامتناع أما ركنها المعنوي فهو العمد إذا اتجهت إرادته الحرة إلى الإخلال بهذا الالتزام ، أو الخطأ إذا لم يوجه إرادته الحرة إلى ذلك رغم قدرته على الوفاء بالتزامه .
و أول من كرس هذه المسؤولية هو الاجتهاد القضائي الفرنسي منذ القرن التاسع عشر و حرص على إظهار طابعها الاستثنائي لأنها تشكل خروجا على شخصية العقوبة
و المسؤولية (2) . و تجد هذه المسؤولية تطبيقها أساسا في المجال الصناعي خاصة لدى رئيس المؤسسة و لكي تقوم لابد من توفر شروط هي :
- أن تكون الجريمة مرتكبة من قبل التابع أو الأجير .
________________________
1) - د/ عوض محمد عوض ، قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 444 – 445 .
2)- د / أحمد أبو الروس ، القصد الجنائي و الشروع و علاقة السببية و الدفاع الشرعي ، مرجع سابق ، ص 178 .
- أن يكون رئيس المؤسسة أو المتبوع قد ارتكب هو بنفسه خطأ سمح أو سهل أو أسهم في الجريمة التي ارتكبها التابع أو الأجير .
- أن لا يكون رئيس المؤسسة قد فوض بصفة قانونية سلطات الحراسة و الرقابة الواقعة على عاتقه إلى شخص مؤهل .
2- مسؤولية الشخص المعنوي :
من المسلم به أن الأشخاص الاعتبارية تسأل مدنيا عن الأضرار التي تصيب الغير من أعمال من يمثلونها قانونا أثناء أدائهم لوظائفهم ، و لكن المسؤولية الجزائية للأشخاص الاعتبارية محل نظر كأن يحوز ممثل الشخص المعنوي مخدرا لحساب هذا الشخص المعنوي ، أو أن يعطي رشوة لتسهيل صفقة على الشخص المعنوي .
و يثار التساؤل عن مدى أهلية الشخص المعنوي لتحمل المسؤولية الجزائية عن تلك الجرائم التي يرتكبها ممثلها القانوني لحسابها .
يذهب الرأي الراجح في الفقه و القضاء ، إلى عدم الاعتراف للشخص المعنوي بالأهلية الجنائية لان تلك الأهلية تقوم على الإدراك و حرية الإرادة التي لا توجد إلا عند الإنسان . كما أن الشخص المعنوي لا يمكن أن تطبق عليه أهم العقوبات المقررة للجرائم كالإعدام ، و العقوبات السالبة للحرة . و إن طبقت عقوبتي الغرامة و المصادرة عليه كان ذلك إهدارا لمبدأ شخصية العقوبة .
لان العقوبة هنا تصيب جميع الأفراد المكونين له و إن لم يكن لهم دخل في الجريمة المرتكبة ، كما انه لا يمكن تحقيق أهداف العقوبة بتطبيقها على الشخص المعنوي (1) .
و يذهب جانب آخر من الفقه إلى أن الشخص المعنوي قد يشكل خطورة على المجتمع و لا يجب أن يقف مبدأ إنكار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أمام حماية المجتمع بل لابد من اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة هذه الخطورة . و تتمثل هذه الإجراءات في تدابير الأمن منها حل الشخص الاعتباري ووضعه تحت الحراسة و حظر بعض أوجه نشاطه ، و مصادرة أمواله .
كما أن التطور الهائل في مجال الصناعة أدى إلى تزايد الجماعات التي أنيط بها دور فعال في مختلف المجالات ، و قد سبق و أن اعترف القانون المدني لهذه الجماعات
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 140 .
بالشخصية الحقيقية ، و حان الوقت ليعترف قانون العقوبات لها بذلك (1) .
أما عن موقف المشرع الجزائري فقد أخذ بمبدأ عدم مساءلة الشخص المعنوي جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه لحسابه ، و إنما يتحمل مسؤوليتها الإنسان الذي ارتكبها (2)
و لكنه مع ذلك أقر حل الشخص المعنوي ، و مصادرة أمواله ، و إغلاق المؤسسة كعقوبة تكميلة للجريمة التي ارتكبها ممثله .
|
26-10-2014 09:01 صباحاً
طلب إغفال محامي
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منظمة بومـرداس
|
26-10-2014 09:00 صباحاً
الإغفال بناءا علي طلب و الإغفال التلقائي
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منظمة بومـرداس
|
25-09-2014 05:48 مساءً
إدارة عمومية ترفض تسليم قرارات فردية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي المســــاعدة وطلبــات الأعضـــــاء
طلب وقف تنفيذ القرار الإداري هو طلب مستعجل، يتقدم به الطاعن بالقرار الإداري بالإلغاء سعيا به توقي أثار هذا القرار التي قد يتعذر تداركها في حال قبول دعوى الإلغاء، على أن القضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري سلطة تقديرية للمحكمة المختصة بنظر الدعوى في الإلغاء.
ولأصل ادن كما سبق القول أن القرار الإداري هو قرار واجب التنفيذ متى استكمل شرائط نفاذه من الناحية القانونية، وما دام لم يسحب من قبل الإدارة، أو يقضي بإلغائه بواسطة القضاء، فرفع دعوى الإلغاء في ذاته لا يتضمن وقف تنفيذ القرار وإنما قد تتوافر ظروف معينة تبرر الحكم بوقف تنفيذ بل تجعل وجوده ضرورة لا مفر منها.
|
14-05-2013 11:35 صباحاً
اتفافية نيويورك
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي المســــاعدة وطلبــات الأعضـــــاء
مذا تقصدين الأخت
رجاءا تحديد مضمون الموضوع
|
06-05-2013 07:18 مساءً
من فظلكم أريد عناوين كتب
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي المســــاعدة وطلبــات الأعضـــــاء
إن شاء الله يساعدك الأعضاء
|
06-05-2013 06:29 مساءً
قانون 08-11 يتعلق بشروط دخول الأجانب وإقامتهم بها وتنقلهم فيها
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي التشـــــــــــريع القانونـــي
جزاك الله خيرا..................
|
02-04-2013 05:55 مساءً
مصادر القانون الرسمية و الإحتياطية
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: مدخل للعلوم القانونية
جزاك الله خيرا علي الموضوع
|
29-03-2013 04:49 مساءً
مرسوم تنفيدي 06-144 خاص بالمعوقيين
|
الكاتب :رشيد
|المنتدى: منتدي التشـــــــــــريع القانونـــي
|