بحث الكفيل في القانون التجاري الجزائري
خطة
مقدمة
المبحث الأول : ماهية عقد الكفالة
المطلب الأول : تعريف عقد الكفالة و خصائصه
المطلب الثاني : تمييز عقد الكفالة عن بعض الأنظمة الأخرى المشابهة لها
المبحث الثاني : أنواع الكفالة و الأركان الوجبة لقيامها
المطلب الأول : أنواع الكفالة و الشروط الواجبة التوفر في شخص الكفيل
المطلب الثاني : أركان عقد الكفالة
خاتمة
المقدمة :
إن علاقة المديونية التي تربط الدائن بالمدين تكتسي أهمية كبيرة لتعلقها بحقوق مالية، إذ أن الدائن يكون مهدد بخطر عدم تمكنه من الحصول على الحق الذي له قبل مدينه، وذلك متى لم يف المدين بما عليه من دين اختياريا، ولهذا الغرض بالذات أوجد القانون نوعين من الوسائل لضمان حق الدائن من الضياع، الأول، يسمي بالضمان العام ومؤداه أن جميع أموال المدين ( أي ذمته المالية) ضامنة للوفاء بديونه وهو المبدأ المقرر بالمادة 188 من التقنين المدني الجزائري، إلا أنه لا يكفي لتأمين حق الدائن لسببين، أحدهما يعود لعموميته باعتبار أنه يشمل أموال المدين دون تخصيص شيء منها للوفاء بحق الدائن، الشيء الذي يجعل للمدين الحق في التصرف في هذا المال مما يؤدي حتما إلى إنقاص هذا الضمان ، والثاني أنه مشترك بين كل الدائنين مما يجعلهم متساوين فيه، فيقتسمون أموال المدين قسمة غرماء بنسبة قيمة حق كل منهم، ويزاحم بعضهم بعض في ذلك، فإن لم تكف أموله للوفاء بجميع حقوق الدائنين، ضاع على كل منهم جزء من حقه.
المبحــث الأول: ماهيــة عقــد الكفالــة
المطلـب الأول : تعريـف عقـد الكفالـة و خصائصـه
الفــرع الأول :تعــريفهـا
نصت المادة 644 من التقنين المدني الجزائري على ما يلي :
« الكفالة عقد يكفل بمقتضاه شخص تنفيذ إلتزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه ».
من هذا التعريف يتبين لنا في البداية أن عقد الكفالة هذا، إنما ينشأ عن وجود علاقة مديونية، تقوم بين دائن و مدين، وأن الكفيل إنما يأتي لضمان الوفاء بهذه المديونية، وأنه لولا عقد الكفالة لظل الكفيل غريبا عن هذه العلاقة، ومن ثمة كان عقد الكفالة بهذا المعني يتم بين شخصين أساسين هما : الدائن في الالتزام الأصلي و بين الكفيل، وأن المدين في الالتزام الأصلي ليس طرفا في عقد الكفالة، رغم أنه يلعب دورا في إنعقادها، ذلك أن المعتاد أو الغالب أنه من يدعو الكفيل للتعاقد مع الدائن، ليوفر له الثقة و الإئتمان، و مع ذلك يظل أجنبي عن عقد الكفالة و لا يعتبر طرفا فيها، هذا وقد تتم الكفالة من جهة أخرى دون علم المدين، وحتى رغم معارضته، إذ تنص المادة 647 من التقنين المدني على أنه: « تجوز كفالة المدين بدون علمه، و تجوز أيضا رغم معارضته ». فالكفالة بما أنها ترتكز على التزام أصلي، و تعمل على الوفاء به، فهي تابعة دائما له، ومن ثمة فهي ترتب إلتزام شخصي في ذمة الكفيل محله الوفاء بالالتزام الأصلي إن لم يف به المدين.
ومنه لا يكون مصدر الالتزام المكفول هو العقد دائما بل تتعدد مصادره بمصادر الالتزام، المعروفة وهي : العقد، الإرادة المنفردة، شبه العقد، الفعل المستحق للتعويض أو القانون، بينما التزام الكفيل الناشئ عن عقد الكفالة، مصدره دائما واحد وهو العقد (1).
-هذا، ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا ينبغي أن يفهم من العبارة الأخيرة الواردة، بنص المادة 644 : « إذا لم يف به المدين نفسه ».أن التزام الكفيل معلق على شرط واقف، وهو عدم قيام المدين، الأصلي بالوفاء لأن التزام الكفيل التزام بأن يترتب في ذمة الكفيل بمجرد انعقاد الكفالة، فالمراد من هذا التنصيص العمل على إبراز الصفة الاحتياطية به للكفالة، والتي تجعل الكفيل ملتزم من الدرجة الثانية، بمعنى أن الدائن ملزم بأن يطالب المدين أولا وهو ما نصت عليه المادة 660 من ق.م.ج(2)، وأن يبدأ بالتنفيذ على أمواله قبل التنفيذ على أموال الكفيل أيضا، وهو الشيء الذي سنتعرض له تفصيلا عند دراستنا لأثار عقد الكفالة في الفصل الثاني من هذا البحث.
من هذا التحليل المختصر لمضمون المادة 644 ق.م نخلص أخيرا بالقول إلى أن الكفالة، عقد تأمين شخصي، يلتزم بموجبه شخصي الكفيل بالوفاء بالتزام المدين متى عزف هذا الأخير عن أدائه، وذلك بضم ذمته المالية لذمة المدين.
(1)ترد الكفالة على أي التزام مهما كان نوعه، مادام يمكن تقديره نقدا أو ما يترتب على عدم تنفيذه كالحكم بالتعويضات.
(2)زاهية سي يوسف، عقد الكفالة، دار الأمل، صفحة 18.
الفرع الثاني : خصائصها
يمكن أن نحدد خصائص عقد الكفالة من التعريف السابق إيراده، كالتالي:
أولا :عقد الكفالة عقد ضمان شخصي
وذلك لأنها تضمن وفاء المدين بالدين، فهي تأمين للدائن ضد امتناع المدين عن الوفاء بالتزامه، فتعهد الكفيل بالوفاء بالدين يزيد ثقة الدائن في حصوله على حقه فيتحقق به الضمان، حيث يضيف الكفيل ذمته إلى جانب ذمة المدين للوفاء للدائن، أي أن الكفيل يضم ضمانه العام إلى الضمان العام للمدين، ويرد هذا على كل مفردات العنصر الإيجابي في ذمته المالية، وللطابع الشخصي للكفالة يميزها عن الكفالة العينية التي يقدم الكفيل فيها مالا معينا لضمان الوفاء بدين المدين وهو لا يضمن الوفاء إلا في حدود المال الذي قدمه تأمينا له، فمسئوليته تنحصر في قيمة العين التي قدمها تأمينا لحق الدائن، فهو مسؤول في حدود المال المخصص لهذا الضمان.
هذا و يترتب على اعتبار الكفالة عقد من عقود الضمان الشخصي أنها لا تجنب الدائن تماما مخاطر الإعسار لأنها وإن كانت تجنبه مخاطر إعسار مدنية إلا أن الإحتمال نفسه لا يزال قائما أيضا بالنسبة للكفيل، لكن في الوقت الحاضر، أصبح الضمان الذي تقدمه الكفالة أكثر أمانا، خاصة بعد تدخل البنوك و المؤسسات المالية لتقديم ضمانها للحصول على الائتمان اللازم.
ثانيا : الكفالة عقد ملزم لجانب واحد هو الكفيل
ينشأ عقد الكفالة بين الدائن والكفيل فقط، أين يتعهد الكفيل في هذا العقد أمام الدائن بضمان وفاء الدين إن لم يف به المدين الأصلي، فالعقد كما سبق وأن قلنا يرتب التزاما بالضمان على عاتق الكفيل، أما الدائن فلا يلتزم عادة بشيء نحو الكفيل، لذا يقال بأن الكفالة عقد ملزم لجانب واحد، وهو الكفيل، وليس معنى أن الكفالة عقد ملزم لجانب واحد أنها تصرف بإرادة منفردة، بل هي عقد لا يتم إلا بتبادل و تطابق إرادتي كل من الكفيل والدائن، فالكفالة لا تقوم بمجرد إعلان من جانب الكفيل وحده.
إن الأصل هو أن الكفالة عقد ملزم لجانب واحد، إلا أنه إذا التزم الدائن نحو الكفيل بدفع مقابل نظير كفالته للدين، فإن الكفالة تصبح عقدا ملزما للجانبين حيث تنشأ عنه التزامات متبادلة على عاتق كل من الدائن والكفيل، هذه الالتزامات المتقابلة يرتبط بعضها ببعض، بحيث يعتبر كل منها سببا لقيام الالتزام المقابل.
فإذا تمثل المقابل الذي يدفعه الدائن للكفيل مقابل كفالته للدين في مبلغ من النقود، ثار الشك حول طبيعة هذا العقد، هل يظل كفالة أم ينقلب إلى عقد تأميني من خطر إعسار المدين؟
والحال أن المرجع هو قصد المتعاقدين الذي يتضح من عبارات العقد و مضمونه، فإذا اتجه قصد الطرفين إلى أن المبلغ الذي يدفعه الدائن هو مقابل تعهد الكفيل بتأمينه من خطر الإعسار، و تعوضيه عن الضرر اللاحق به من جراء ذلك، فإن العقد يصبح صورة من صور التأمين وبتعبير أدق تأمين الائتمان، وهو في هذه الحالة عقد أصلي و احتمالي و ليس تابع و محدد لأنه أضحى تأمين و ليس كفالة، أما إن اتجهت إرادة الأطراف إلى أن الكفيل يقتصر دوره على التعهد بتنفيذ التزام المدين إذا لم يقم بوفائه فإن العقد يظل كفالة و لا ينفي عنه هذه الصفة دفع مبلغ من النقود مقابل كفالته.
هذا و يمكن أن يشترط الكفيل على الدائن، عند إبرام الكفالة، بعض الاشتراطات لمصلحة المدين ( أو الغير ) كاشتراط منح المدين أجلا أوسع للوفاء بالدين أو اشتراط زيادة مقدار القرض له، فهنا تكون الكفالة ملزمة للجانبين في صورة اشتراط لمصلحة الغير، حيث يتعهد الدائن في مواجهة الكفيل، مقابل كفالته للدين بآداء معين لمصلحة المدين الذي يعتبر من الغير بالنسبة للعقد.
ويمكن أن يلتزم المدين بدفع مبلغ معين للكفيل مقابل كفالته له، و يتحقق ذلك عندما يقوم البنك بكفالة المدين من خلال تقديم خطاب ضمان، و يتقاضى أجرا على ذلك، في هذه الحالة تظل الكفالة عقد ملزما لجانب واحد لأن الكفيل ( البنك ) هو الملتزم بالضمان تجاه الدائن الذي لا يلتزم بأي شيء، فالمدين هو الذي يدفع المقابل للبنك، وهو ليس طرفا في الكفالة.
هذا و إذا كان القانون يفرض على الدائن بعض الالتزامات فإنها ليست ناشئة عن عقد الكفالة، وإنما يفرضها القانون عليه وهو ما نصت عليه المادة 659 ق.م.ج التي تلزم الدائن وقت إستيفائه الدين تسليم المستندات للكفيل لاستعمال حقه في الرجوع على المدين، وحقيقة الأمر أن مثل هذا الالتزام لا يقع على الدائن نتيجة عقد الكفالة، ولكنه يترتب عن واقعة الوفاء بالدين، والتي تعتبر لاحقة لإبرام عقد الكفالة، ومن ثمة يكون من غير المتصور أن نصف عقد بأنه ملزم لجانبين بما يترتب من آثار عن واقعة مستقلة و خارجة عنه.
وكذلك الحالات المنصوص عليها بالمواد 657، 658، 659 من ق.م.ج وهي ألا يعمل الدائن بخطئه على تضيع التأمينات الأخرى وأن يرجع على المدين خلال 6 أشهر من تاريخ إنذار الكفيل له وأن يدخل في تفلسة المدين و حقيقة هذه الالتزامات أنها شروط يفرضها القانون على الدائن لرجوعه على الكفيل وفي حالة الإخلال بها ينقضي الالتزام.
إن مثل هذه الالتزامات لا تغير من طبيعة عقد الكفالة، و تجعله عقدا ملزما للجانبين لأنها لا تنشأ عن عقد الكفالة نفسه، بل تترتب عن وفاء الدين كواقعة لاحقة إبرام العقد و مستقلة عنه، أو كشروط لازمة لإمكان المطالبة والعودة على الكفيل.
ثالثا- عقد الكفالة عقد رضائي :
تنعقد الكفالة بمجرد التراضي بين طرفيها، الكفيل والدائن، ولا يشترط لهذا الانعقاد أي شكلا خاص، و لا يؤثر في الطابع الرضائي لعقد الكفالة اشتراط المشرع الجزائري في المادة 645 ق. م وجود ثبوتها بالكتابة و لو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالبينة.
ومن ثمة كانت الكتابة هنا شرط للإثبات و ليس للانعقاد، فهي بذلك تخضع للقاعدة العامة في إبرام العقود وهي الرضائية.
أن هذا النص جاء استثناء على القاعدة العامة في الإثبات و الواردة بنص المادة، 333 ق.م والتي أوجبت الكتابة في كل علاقة مديونية تزيد قيمتها عن 1000 دج، ومن ثم لا يطبق هذا النص على عقد الكفالة لورود نص المادة السالف ذكرها بالتنصيص على الكتابة كشرط للإثبات ولو قلت قيمة الدين عن 1000 دج، هذا في الوقت الذي أكدت فيه المادة على هذا الشرط في عقد الكفالة أضافـت في شطرها الثاني على إمكان أن يثبت الالتزام الأصلي بالبينة مما يفيد حصر أدلة إثبات عقد الكفالة إلا في الكتابة أو ما يقوم مقامها كالإقرار و اليمين، ويجوز الإثبـات
بالبينة استثناء إن وجد مبدأ ثبوت بالكتابة الذي يعني كل كتابة صادرة من الخصم يكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال هذا و تجوز البينة في الإثبات إن وجد هناك مانع مادي أو أدبي حال دون الحصول على دليل كتابي أو إذا فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي خارج عن إرادته(1).
و الواقع أن الخروج على القواعد العامة في إثبات عقد الكفالة يرجع أساسا إلى التزام الكفيل الذي يعد تبرعا الشيء الذي يوجب أن يستند إلى رضا صريح وقاطع، والهدف من هذا كله يعود إلى إرادة المشرع في حماية الكفيل وذلك باقتضاء أن يستند التزامه إلى رضا صريح و قاطع.
وقد صدر في هذا الشأن عن المحكمة العليا قرار جاء في حيثياته:« من المقرر قانونا أن الكفالة لا يجوز إثباتها إلا بالكتابة ولو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالبينة ومن ثم فإن النعى على القرار المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون غير وجيه و يستوجب الرفض ولما كان من الثابت في قضية الحال أن عقد الكفالة لا يثبت بوثيقة كتابية فإن قضاة الموضوع طبقوا القانون صحيحا حين أخرجوا المطعون ضده من الخصومة باعتباره ليس كفيلا ومتى كان ذلك استوجب رفض الطعن(2).
رابعا- عقد الكفالة عقد تبعي :
تتميز الكفالة، بتبعيتها المباشرة والضيقة للالتزام المكفول و تفسير ذلك يرجع إلى أن محل التزام الكفيل هو الوفاء بالتزام المدين الأصلي عند عدم وفاء هذا الأخير به، فإن كان هناك علاقتان، علاقة بين المدين والدائن و علاقة بين الدائن والكفيل فإن هناك أيضا التزامان مستقلان، التزام المدين في مواجهة الدائن و التزام الكفيل في مواجهة الدائن، إلا أنه و مع ذلك يوجد دين واحد يجب الوفاء به لذا فإن كل ما يمس هذا الدين ينعكس بالضرورة على التزام الكفيل.
ومنه فإن كل اتفاق للضمان لا يتوفر فيه صفة التبعية فإنه لا يعتبر كفالة، وعلى العكس فإن كل اتفاق للضمان الشخصي يتصف بهذه الصفة فإنه كفالة، أيا كانت الألفاظ المستخدمة من جانب المتعاقدين.
من هذا المنطلق اعتبرت التبعية من الأمور الحتمية بالنسبة للكفالة وهو ما يتضح من نص المادة 648 ق.م والتي جاء فيها على أن لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيح، وكذا ما جاء بالمادة 652 ق.م والتي تنص على أن لا تجوز الكفالة في مبلغ أكبرهما هو مستحق على المدين ولا بشروط أشد من شروط الدين المكفول.
لكن يجب أن لا يفهم من ذلك أن صفة التبعية من النظام العام، فمبدأ الرضائية في العقود يسمح بأن يستبعد الأطراف هذه الصفة ومع ذلك لا تكون أية مخالفة للنظام العام، إلا أنهم بذلك يكونوا قد استبعدوا صفة الكفالة من هذا الاتفاق.
(1)المادة 335، 336 قانون المدني.
(2)قرار بتاريخ 13/07/1988، ملف 65336 بين القرض الشعبي الجزائري صد ( ص ب ومن معه ). منشور في المجلة القضائية لسنة 1991.
كما أن اشتراط التضامن بين الكفيل والمدين لا ينزع عن الكفالة صفة التبعية، كل ما هنالك أن هذا الشرط يعط للدائن ضمان أكبر باعتبار أن الكفيل يعد متنازلا عن الدفع بالتجريد أو بالتقسيم، لكن ورغم ذلك يحتفظ دائما بالحماية اللّصيقة لصفة التبعية و بصفة خاصة الاحتجاج بالدفوع الناشئة عن الالتزام المكفول و له من ثمة أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين ( المادة 654 ق. م ) وكذلك التمسك ببراءة ذمته بقدرما أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات ( المادة 656 ق.م) و كذا براءة ذمة الكفيل إن لم يقم باتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل للدائن ( المادة 657 ق.م)
إن لصفة التبعية هذه نتائج نجملها فيما يلي :
1/ فالكفالة لا تكون صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيح ( المادة 648 ق.م)
2/ لا تجوز الكفالة في مبلغ أكبر مما هو مستحق على المدين و لا يشرط أشد من شروط الدين المكفول، ولكن تجوز في مبلغ أقل و بشرط أهون ( المادة 652 ق. م )
3/ يستفيد الكفيل من كل تغيير طارئ في الالتزام المكفول و لكن لا يضار من هذا التغيير.
4/ أن مصير التزام الكفيل مرتبط من عدة جوانب بمصير الالتزام الأصلي :
أ) فينقض التزام الكفيل بالتقادم نتيجة لانقضاء الالتزام الأصلي بالتقادم و لو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة به، حيث أن إلتزام الكفيل لا يمكن أن يقوم دون أن يرتكز إلى إلتزام أصلي يعمل على ضمان الوفاء به.
ب) حجية الشيء المقضي ضد المدين الأصلي والمتعلقة بوجود الدين المكفول يحتج بها في مواجهة الكفيل.
ج) كما أن انقضاء الالتزام الأصلي بالوفاء بمقابل يؤدي إلى براءة ذمة الكفيل ولو إستحق الشيء المقضي للوفاء في يد الدائن ( 655 ق.م).
د) هذا و يترتب على تجديد الالتزام المكفول انقضاؤه بتوابعه و ينشأ مكانه إلتزام جديد و لا ينتقل إلى هذا الالتزام الجديد الكفالة عينية كانت أو شخصية إلا إذا رضى الكفلاء بذلك.
هذا وأن صفة التبعية لا تؤدي بالضرورة إلى تطابق تام في النظام القانوني للالتزامين لأن محل إلتزام الكفيل هو الوفاء بالتزام المدين إن لم يف به، إلا أن إلتزام الكفيل مع ذلك ينشأ من عقد مستقل، هذا العقد يخضع لقواعد خاصة، ومن صور مظاهر الاستقلال:
1/ أن الكفالة لا تثبت إلا بالكتابة ولو كان من الجائز إثبات الإلتزام الأصلي بالبينة ( المادة 645 ق.م)
2/ أن الاتفاق على تحديد الإختصاص المحلي في العقد لا يسري على الكفيل
3/ تحديد الطبيعة المدنية، أو التجارية للكفالة يؤدي غالبا إلى أن الكفالة تبقى مدنية بالرغم من أن الالتزام الأصلي تجاري ولو كان الكفيل تاجر ( المادة 651 ق.م) مما يؤدي إلى أن كل من الإلتزامين يخضعان لإختصاص نوعي و محلي مختلف.
خامسا- عقد الكفالة عقد تبرعي :
إن القول لهذه الصفة تستوجب علينا دراسة القواعد الواجبة التوفر للقول بأن تصرف ما ينطوي على تبرع، فطبق للقواعد العامة فإن عقد التبرع هو العقد الذي لا يأخذ فيه أحد المتعاقدين مقابلا لما يعطي مع إنصراف النية لذلك، ومنه نخلص بالقول إلى أن معيار التفرقة بين عقود المعاوضة و التبرع ذو شقين:
الأول : انتفاء المقابل أو العوض المعادل.
الثاني : نية التبرع أي أن تنصرف نية أحد المتعاقدين إلى إعطاء المتعاقد الأخر قيمة مالية دون مقابل.
ونحن نعلم أن العلاقة المتولدة من عقد الكفالة تنشئ لنا علاقين مستقلتين:
أ/العلاقة بين الكفيل و الدائن:
وهنا نجد أن الكفيل يؤدي خدمة بدون مقابل، فهو يلزم بالضمان دون أن يتلقى أي مقابل من الدائن لقاء إلتزامه، فالتزامه عند إبرام العقد، ذهب إلى أن يلتزم شخصيا أمامه بأن يفي له بالإلتزام الذي على عاتق المدين إن لم يف به هذا الأخير، رغم أن البعض ذهب بالقول إلى أن عقد الكفالة على مستوى هذه العلاقة لا يعد تبرعا لأن الكفيل يفتقد لنية التبرع، إلا أن هذا الرأي مهجور تماما و مردود لإن الكفيل وإن كان- من حيث المبدأ – يعود على المدين بعد الوفاء بالالتزام إلا أن المدين هو طرف يعتبر خارج عن العلاقة، ومنه العلاقة بينهما لا تؤثر بتاتا على صفة التبرع لهذا العقد(1).
ب/العلاقة بين الكفيل والمدين:
العلاقة بين الكفيل و المدين هي علاقة تمت بصلة عميقة من حيث طبيعتها إلى عقد التفضل الذي يعتبر كما نعلم من عقود التبرع، أين يقدم المتبرع بغير مقابل خدمة أو منفعة للمتبرع له دون أن يخرج مال من ذمته فهو لا يلتقي أي مقابل إلا أن صفة المجانية ليست من مستلزماته لأنه لا يوجد ما يمنع أن يشترط الكفيل مقابلا عادلا في نظير المخاطر التي يتعرض لها و الصعاب التي يمكن أن يلاقيها عند رجوعه، وهذا ما يحدث غالبا عند ما يكون أحد البنوك كفيلا لأحد عملائه.
ومن ثمة نخلص إلى أن العلاقة بين الدائن و الكفيل تكون دائما عقد تبرع، بمعنى أن الدائن لا يعطي أي مقابل للكفيل لقاء كفالته أما إذا تعهد الدائن للكفيل بمقابل لالتزامه كمبلغ من النقود فإننا لا تكون بصدد عقد كفالة بل تأمين إئتمان ومن ثمة تصبح عقدا أصليا لا تابعا و إحتماليا لا محددا على نقيض الكفالة(2) هذا و يترتب على إعتبار عقد الكفالة من عقود التبرع آثار مهمة نوردها فيما يلي :
1-إشتراط أهلية التبرع في الكفيل حتى يعتبر العقد صحيحا(3).
2-لا يجوز إبرام عقد الكفالة بطريق الوكالة إلا إذا صدر توكيل خاص يعين فيه محلها على وجه التخصيص بأن يعين فيها على الأقل المدين المكفول و الالتزام المكفول، وهو الأمر الذي نصت عليه المادة 574 ق.م.
3-يجوز الطعن في الكفالة بالدعوى البوليصية دون إشتراط تواطؤ المدين لا مع الدائن و لا مع الكفيل، وفي هذا المجال تطبيق للقواعد العامة إذ تنص المادة 192 ق.م " إذا كان تصرف المدين بعوض، فإنه لا يكون حجة على الدائن إلا إذا كان هناك غش صدر من المدين و إذا كان الطرف الآخر قد علم بذلك الغش يكفي لإعتبار التصرف منطوي على الغش أن يكون قد صدر من المدين، وهو عالم بعسره.
(1)هذا و بينما تعتبر طبيعة العلاقة بين الكفيل الدائن عقد تبرع بالنسبة للكفيل فإنها تكون بالنسبة للدائن عقد معاوضة لأنه يلتزم بمنح الدين للمدين مقابل كفالة الكفيل له.
(2)عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء العاشر صفحة 56.
(3)المادة 40 ق.م.ج حددت سن الرشد بـ 19 سنة وهي السن اللازمة لابرام تصرفات ذات طبيعة تبرعية.
كما يعتبر من صدر له التصرف عالما بالغش إذا كان قد علم أن هذا المدين في حالة عسر".
4-كما أنه يترتب على إعتبار الكفالة من أعمال التبرع أنها تكون في الأصل تصرف مدني وإن كان الالتزام المكفول تجاري، والكفيل تاجرا وهذا طبقا لنص المادة 651/1 ق.م، والسبب يعود لكون نية التبرع غريبة عن التجارة وأن التجارة تقوم على فكرة المضاربة، إلا أنها ورغم صفتها المدنية فإنها تعتبر عملا تجاريا إذ نشأت عن ضمان الأوراق التجارية(1) ضمانا إحتياطيا و يتم ذلك إما بالكتابة على الورقة التجارية ذاتها أو على ورقة مستقلة فتعتبر تجارية في جميع الأحوال إن وردت على كمبيالة ( سفتجة) أما إذا وردت على سند أذني فلا تعتبر تجارية إلا إذا كان السند الأدنى نفسه تجاريا بأن كان محرره تاجر حرر لعمل تجاري أو مدني أو كان غير تاجر ولكن لعملية تجارية أو عن تظهير هذه الأوراق وفقا للقانون التجاري طبقا لنص المادة 651/2.
المطلب الثاني :تميز عقد الكفالة عن بعض الأنظمة المشابهة لها
تعتبر الكفالة أداة إئتمان من الناحية الإقتصادية، وهي وسيلة ضمان من الناحية القانونية، لذلك نجد هناك أنظمة أخرى شبيهة بالكفالة سواء من حيث تكوينها القانوني أو من حيث وظيفتها الإقتصادية.
1/ التضامن بين المدينين :
تختلف الكفالة عن التضامن بين المدينين، من حيث أن المدين المتضامن يلتزم بصفة أصلية في مواجهة الدائن(2)، وذلك على نقيض إلتزام الكفيل حتى ولو كان متضامنا مع المدين، فهو يعتبر إلتزاما تابعا لالتزام المدين، و يترتب على صفة التبعية هذه أن للكفيل حتى ولو كان متضامن أن يتمسك ببراءة ذمته إذا ما أضاع الدائن تأمينات، وكذلك سقوط إلتزامه إذا لم يرجع الدائن على المدين خلال ستة أشهر من تاريخ إنذار الكفيل له بذلك، وإذا لم يحل الدائن في تفليسة المدين سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ما كان يستطيع أن يحصل عليه من هذه التفليسة ( المواد 656، 657، 658 ق.م) (3).
2/ الإنابة الناقصة : ( المواد 294، 295، 296 من ق.م)
تعني الإنابة أن المدين قد أناب عنه شخصا آخر يتعهد للدائن بالوفاء بالدين الموجود في ذمته.
فهي تتم إذا حصل المدين على رضا الدائن بشخص أجنبي يقوم بوفاء الدين مكان المدين و الإنابة نوعان :
*الإنابة الكاملة : وتكون عندما ينيب المدين شخص آخر يتعهد للدائن بدين جديد بدل الذي كان في ذمته، أي أن الدين القديم ينقضي لينشأ مكانه دين جديد، ويعتبر هذا تجديد بتغيير المدين.
(1)المادة 409 من القانون التجاري الجزائري.
(2)الدكتور محمد حسنين: الوجيز في التأمينات الشخصية والعينة في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، بدون تاريخ النشر، صفحة 59.
(3)المادة 217 ق.م.التضامن لا يفترض و إما لكون بناءا على نص أو إتفاق.
*الإنابة القاصرة أو الناقصة : فهي لا تتضمن تجديدا، بل يبقى الدين في ذمة المدين الأصلي و ينظم إليه المدين الجديد ليكون مدينا لذات الدائن، بنفس الدين ومناط التفرقة بين النوعين يمكن في تضمنها تجديدا بتغير المدين أو عدم تضمنها له.
لا وجه للالتباس بين فكرة الإنابة الكاملة، والكفالة لأن الإنابة الكاملة تنطوي على تحديد للالتزام بتغير المدين، فالمدين الأصلي ( المنيب ) يختفي ليحل محله مدين جديد (المناب).
ويمكن أن يثور التلبس بصدد الإنابة الناقصة، حيث يتعدد المدينون بدين واحد، إذ يبقى الدين في ذمة المدين الأصلي، و ينظم إليه المدين الجديد ليكون مدينا بنفس الدين.
ولكن الفارق بين الإنابة الناقصة والكفالة أي بين الكفيل و المناب يكمن في فكرة التبعية، فالمناب يلتزم بدفع دين الغير إلتزاما أصليا لا إلتزاما تابعا كما هو الحال بالنسبة للكفيل و يستطيع الدائن أن يختار أي من المنيـب أو
المناب لمطالبته بحقه لأن كل منهما يلتزم إلتزاما أصليا في مواجهة الدائن، ولا يستطيع المناب أن يطلب من الدائن أن يرجع على المنيب ( المنيب الأصلي ) ولو كان موسرا، ولا يستطيع أن يحتج بالدفوع التي يحتج بها المنيب على المناب لديه ( الدائن).
أما بالنسبة للكفيل فإن إلتزامه تابع للالتزام الأصلي، ومن تم يجوز له، كما رأينا، أن يدفع في مواجهة الدائن بضرورة رجوعه، على المدين الأصلي أولا، وله أن يتمسك في مواجهته بضرورة التنفيذ على أموال المدين و تجريده من أمواله قبل الشروع في التنفيذ على أموال الكفيل(1).
3/ التعهد عن الغير : المادة 114.
التعهد عن الغير هو الحالة التي يتعاقد فيها شخص مع أخر على تعهده شخصيا بأن يحمل الغير على قبول التعاقد أو التزام معين، مثال ذلك، حالة الوكيل الذي يتجاوز حدود الوكالة، و يتعهد شخصيا بأن يجعل الموكل يقر الاتفاق الخارج عن حدود التوكيل، والتعهد عن الغير لا يلزم الغير، فالمتعهد يلتزم شخصيا بالعقد الذي يبرمه، فهو ليس وكيلا عن الغير أو نائبا عنه و لا سلطة له في إلزامه، ولكنه يتعهد بأن يحصل على رضاء هذا الغير بالعقد فمحل إلتزام المتعهد هو دائما إلتزام بعمل هو أن يحمل الغير على قبول إلتزام معين.ولا يرتب التعهد عن الغير إلتزاما في ذمته بل يظل حرا في أن يقبل العقد الذي تم التعهد به عنه أو أن يرفضه.
فالمتعهد عن الغير يلتزم إلتزاما أصليا بأن يجعل الغير يقبل إلتزام معين، أما إلتزام الكفيل فهو إلتزام تبعي حيث يلتزم بالوفاء بالدين إذا لم يف به المدين نفسه، فالكفيل يضمن وفاء المدين بالتزامه أما المتعهد فيقتصر دوره على حمل الغير على قبول الالتزام دون أن يضمن الوفاء بهذا الالتزام.
للغير الحرية في قبول الالتزام أو رفضه، فإذا رفض الغير القيام بتنفيذ ما تعهد به المتعهد، فإن هذا الأخير يكون قد أخل بالتزامه الأصلي، و يلتزم بتعويض المتعهد له عما ناله من ضرر، و يجوز للمتعهد عن الغير أن يتخلص من التعويض بأن يقوم بنفسه بما تعهد أن يقوم به الغير، أي أنه يجوز للمتعهد أن يقوم بتنفيذ نفس الإلتزام
(1)عبد الرزاق السنهوري، التأمينات الشخصية و العينية ج 10، صفحة 62.
موضوع التعهد، إن كان ذلك ممكنا و ذلك كصورة من صور التعويض، وقد يؤدي هذا إلى الاعتقاد بأن المتعهد يعتبر هنا بمثابة كفيل لأنه ينفذ الالتزام الذي كان من المفروض أن ينفذه الغير، إلا أن هذا الإعتقاد غير صحيح.
لأن الغير لم يوجد عليه أي إلتزام أصلا حتى ينفذ المتعهد بدلا منه و يقوم المتعهد بتنفيذ إلتزامه هو، وهو إلتزام أصلي و ليس تابعا و يتم ذلك عن طريق التنفيذ بمقابل أي أنه ينفذ إلتزاما بديلا لالتزامه أما الكفيل فإلتزامه تابع لانه يقوم بتنفيذ إلتزام المدين إذا لم يقم به.
4/تأمين سيار المدين:
هو عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه وهو المؤمن، لطرفه الثاني وهو المستأمن، في مقابل قسط معين بضمان الخسارات التي تلحقه نتيجة إعسار مدينه، هذا العقد يهدف لتأمين الدائن من خطر إعسار المدين وهو لا يضمن سيار المدين، بل يلتزم إلتزاما أصليا بموجب عقد التأمين لا بوفاء دين المدين ذاته، بل بتعويض الدائن عن الضرر الذي يلحقه نتيجة إعسار المدين(1).
المبحث الثاني: أنواع الكفالة و الأركان الواجبة لقيامها
المطلب الأول :أنواع الكفالة والشروط الوجبة التوفر في شخص الكفيل
الفرع الأول- أنواع الكفالة :
يمكن إجراء أكثر من تقسيم للكفالة بحسب الزاوية المنظور إليها منها
-من حيث المصدر: تكون الكفالة إما إتفاقية قانونية أو قضائية.
-ومن حيث الطبيعة : هناك الكفالة المدنية والكفالة التجارية.
-ومن حيث المحل : تكون كفالة شخصية ( بسيطة أو تضامنية )، أو عينية، أو كفالة بدن.
1/ أنواع الكفالة بحسب مصدرها :
أ-الكفالة الاتفاقية :
هي التي تنشأ نتيجة إتفاق المدين مع الدائن على إلتزام الأول بتقديم كفيل للثاني يضمن دينه، و يكون هذا الإتفاق هو مصدر إلتزام المدين بتقديم الكفالة، سواء تم الاتفاق قبل نشوء الدين في ذمة المدين أو بعد ذلك.
ويعد من قبيل الكفالة الاتفاقية سعى المدين من تلقاء نفسه إلى الحصول، على كفيل يضمنه و يقدمه من تلقاء نفسه، دون أن يكون ملتزما بذلك، للدائن حتى يحصل منه على إئتمان جديد أو أن يجدد الإئتمان السابق، و يمكن أن تنشأ الكفالة كذلك في حالة تقدم الكفيل من تلقاء نفسه لضمان المدين و إلتزامه بذلك في مواجهة الدائن، حتى ولو لم يعلم بها هذا الإخير أو حتى رغم معارضة، حيث يكون مصدر إلتزام الكفيل هذا هو الإرادة المنفردة، وهي مصدر إرادي يقيد به، وتعتبر هاتين الحالتين من قبل الكفالة الاتفاقية.
(1)أحمد محمود سعد، عقد الكفالة الطبعة الأولى، سنة 1994، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع القاهرة، صفحة 134.
ب/الكفالة القانونية :
تكون الكفالة قانونية في الأحوال التي يوجب القانون فيها على المدين تقديم كفيل للدائن، ومثال ذلك نص المادة 851 من القانون المدني الجزائري والتي تلزم المنتفع بمنقول أن يقدم لمالك الرقبة كفالة ضمان للوفاء بالتزامه برّد المنقول أو بدله "وأيضا نص المادة 388/2(1) من القانون المدني الجزائري والتي تخول للبائع بأن يقدم كفيلا " إذا أراد إستيفاء الثمن رغم التعرض للمشتري و رغم حق المشتري في الحبس.
وأيضا ما نصت عليه المادة 211/2 ق.م.ج والتي تنص على أن أجل الدين يسقط متى إنقض بفعل المدين وإلى حد كبير ما أعطى الدائن من تأمين خاص ولو كان هذا التأمين قد أعطى، بعقد لاحق أو بمقتضى القانون، ما لم يفضل الدائن، أن يطالب بتكملة الثمن .
وكذا نص المادة 212 التي نصت على أنه للدائن، وقبل إنقضاء الأجل، أن يتخذ من الإجراءات ما يحافظ به على حقوقه، ولو بوجه خاص أن يطالب بتأمين إن خشي إفلاس المدين.
ج/ الكفالة القضائية:
تكون الكفالة قضائية في الحالات التي يكون مصدر إلتزام المدين فيها بتقديم كفيل حكم القاضي، مثل ما جاءت به المادة 717-2 مدني، إذ تنص أنه إذا وافقت المحكمة على قرار الشركاء الذين يملكون
على الأقل ¾ من المال الشائع بإجراء تغيرات أساسية فيه فإن لها أن تأمر بإعطاء المخالف من الشركاء كفالة تضمن الوفاء بما قد يستحق لـه من تعويضات، وكذا نص المادة 40/2 إ.ج/م التي تقضي بأنه يجوز للقاضي، أن يأمر بكفالة في حالة الإستعجال بالتنفيذ.
هذا وأن إعتبار الكفالة إتفاقية أو قانونية أو قضائية، لـه أهمية من الناحية العملية ذلك أن القانون يجعل للكفالة القانونية والقضائية أحكام خاصة، لا يؤخذ بها في الكفالة الإتفاقية، فنصت المادة 667 مدني، على أنه يكون الكفلاء في الكفالة القضائية دائما متضامين(2)، في حين أنه إذا تعدد الكفلاء في الكفالة الإتفاقية، يكونون غير متضامنين إلا إذا ثم الإتفاق على ذلك في عقد الكفالة، لذا يكون إلتزام الكفيل في الكفالة القانونية والقضائية أشد منه في الكفالة الاتفاقية إذ يكون متضامن مع الغير من الكفلاء بقوة القانون دون أن ينص على ذلك عقد الكفالة.
2/ أنواع الكفالة بحسب طبيعتها:
تنقسم الكفالة بحسب طبيعة العقد المبرم بين الكفيل والمكفول لـه إلى كفالة مدنية و كفالة تجارية، و يترتب على التميز بين نوعي الكفالة نفس نتائج التمييز بين الأعمال التجارية و الأعمال المدنية من حيث أحكام الإثبات والفائدة القانونية والاختصاص القضائي والأهلية الواجب توفرها في الكفيل.
(1) هناك عدم توضيح للمادة 388/2 فإن اللفظ الصحيح يكون :" فإن تعرض أحد للمشتري مستندا إلى حق سابق و آل من البائع أو إذا خيف على المبيع أن ينزع من يد المشتري جاز له إن لم يمنعه شرط في العقد أن يمسك الثمن إلى أن ينقطع التعرض أو يزول الخطر وله أن يملك الثمن على أن يقدم كفيل أو ضمان للمشتري.
(2)يطابق النص المادة 795 مدني مصري, 761 سوري، 804 ليبي، 1030 عراقي
أ/ الكفالة المدنية :
القاعدة أن الكفالة عقد مدني لأنه من عقود التبرع، والتجارة تقوم على الربح والمضاربة ولا تتفق مع صفة التبرع، فالكفيل متبرع ولا يحصل على مقابل، وهو ما أكدته المادة 651 من ق.م، و يترتب على ذلك أن الكفالة تعتبر مدنية ولو كان الكفيل يضمن دين تجاري أو وليد علاقة تجارية بين المدين و الدائن، ولو كان الكفيل لديه الأهلية التجارية، ويقوم بممارسة نشاط تجاري، طالما أن الكفالة تمت على سبيل التبرع.
ب/ الكفالة التجارية:
إستثنت المادة 651/2 حالتين، إعتبرت فيهما أن الكفالة الناشئة عن ضمان الأوراق التجارية ضمان إحتياطيا وأن أي تطهير لها يجعلها عمل تجاري.
فالضمان الاحتياطي يقصد به ضمان الالتزام الناشئ من الورقة التجارية و يتم ذلك بكتابته على الورقة التجارية ذاتها أو كتابته على الورقة المتصلة بها أو في ورقة مستقلة وهو ما أكدته المادة 409 من ق.ت
أما بالنسبة للتظهير، فعلى الرغم من إعتبار المشرع تظهيرها بمثابة كفالة تجارية، إلا أن البعض الأخر ذهب لاعتبارها صورة من صور الرهن الحيازي للورقة التجارية.
3/ أنواع الكفالة بحسب محلها:
أ/ الكفالة الشخصية:
هي الكفالة العادية التي يلتزم فيها الكفيل بضمان الوفاء بالدين إذا لم يف به المدين، فيستطيع الدائن أن يستوفي حقه من أموال المدين ومن أموال الكفيل إذ لم تكفي أموال الأول، و ترد الكفالة على الضمان العام للكفيل أي على كل أمواله دون تخصيص.
ب/ الكفالة العينية :
وهي تأمين عيني حيث يقدم الكفيل مالا ( عقار أو منقول) مملوكا لضمان الوفاء بالتزام في ذمة شخص آخر و سمي الكفيل هنا بالكفيل العيني حيث يقوم برهن عقار أو منقول يملكه لضمان الوفاء بالتزام المدين وهو لا يضمن هذا الوفاء إلا في حدود المال الذي قدمه تأمينا له فالضمان لا يرد على كل ذمته المالية.
ومنه الكفيل العيني لا يكون مسؤول شخصيا عن الدين بل يضمن الدين في حدود المال الذي قدمه رهنا و منه الكفالة العينة تندرج تحت التأمينات العينية ضمن عقد الرهن.
يترتب على التميز بين النوعين النتائج التالية:
*أن ضمان الكفيل العيني ينحصر في حدود العين المرهونة لتأمين هذا الوفاء أما الكفيل الشخصي فيضمن الوفاء بالدين في كل أمواله ( كل العناصر الإيجابية لذمته المالية ).
*الكفالة العينية تجعل الدائن في مركز خاص و ممتاز بحيث تجنبه خطر إعسار المدين و الكفيل بحيث يكون له إلى جانب الضمان العام للمدين سلطة تنصب على الشيء المقدم من الكفيل رهنا رسميا أو حيا زيا وهي السلطة التي تخوله حق التتبع و الأولوية في استفاء الثمن بعد بيعه(1).
(1)الدكتور أحمد شرف الدين:التأمينات العينية والشخصية، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون تاريخ النشر صفحة 39.
الفرع الثاني-الشروط الواجبة التوفر في شخص الكفيل :
حتى تؤدي الكفالة الغرض منها كأداة لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي و تأمين الدائن في استفاء حقه، فإنه يجب أن تتوافر شروط معينة في الكفيل، تضمنتها المادة 646 بقولها : « إذا التزم المدين بتقييم كفيل وجب أن يقدم شخصا موسرا و مقيما بالجزائر، وله أن يقدم عوضا عن الكفيل تأمينا عينيا كافيا ».
وعلى ذلك فإنه كلما التزم المدين بأن يقدم لدائنه كفيلا وجب أن تتوافر في الكفيل الشروط التالية :
1/ وجوب أن يكون الكفيل موسرا :
أي قادرا على الوفاء بالالتزام الذي قام بضمانه إذ اقتضت الحالة ذلك و المدين الملتزم بتقديم كفيل هو الذي يقع عليه عن إثبات سيار هذا الكفيل، ويسار الكفيل يقاس ما لديه من أموال كافية للوفاء بالدين الذي كفله سواء كانت منقولات أو عقارات شائعة أو مفرزة متى كان ذلك كافيا للوفـاء بدين الدائن (1)ومـع ذلك يستطيـع الدائن
أن يثبت أن هذه الأموال أو بعضها متنازع فيها أو يصعب التنفيذ عليها، لبعدها و سهولة تهريبها، أو كانت مرهونة أو عليها حق عيني كحق الانتفاع، وتوافر صفة اليسار أو الاقتدار مسألة موضوعية، متروك تقديرها لقاضي الموضوع، لأنه هو من يقدر إن كان الكفيل المراد تقديمه موسرا أم لا(2).
لكن هل يشترط وجود أموال الكفيل بأرض الوطن ؟
يذهب البعض إلى أنه يجب تقدير يسار الكفيل بالنظر إلى أمواله الموجودة داخل الإقليم حتى يمكن التنفيذ عليها لأن أمواله الموجودة بالخارج تثير الكثير من الإشكالات والصعوبات المتعلقة بتنازع القوانين الأمر الذي يشكك في قدرة الكفيل على تأمين الدين(3).
إلا أننا نرى أنه لا يمكن القول باشتراط مثل هذا الشرط، فلا شك أن الأمر يختلف من حالة لأخرى حسب طبيعة المال و ظروفه، ومن تمت يجب ترك المسألة لتقدير المحكمة طبقا لملابسات كل حالة على حدة.
2/ الإقامة بالجزائر :
والحكمة من هذا الشرط واضحة وهي أن الدائن يستطيع مطالبة الكفيل و الرجوع عليه إذالم يف المدين بالتزامه، والمقصود بالإقامة في الجزائر هو أن يكون للكفيل موطن بها، ولا يشترط أن يكون الكفيل مقيما في موطن المدين(4)هذا و لا يشترط أن يكون الكفيل جزائري الجنسية بل يمكن أن يكون أجنبيا مادام مقيما في الجزائر وله موطن فيها، بل يكفي أن يكون له حتى موطن مختار يعتمد عليه فيما ينشأ عن الكفالة من علاقات(5).
(1)إن القانون الفرنسي يشترط في مادته 1019 أن يكون مال الكفيل الذي يثبت سياره عقار لا منقولا: و يرجع هذا إلى الفكرة السائدة عند وضع قانون نابوليون والتي مردها أن كل منقول تافه القيمة و نفس الشيء بالنسبة للقانون الإيطالي إلا أن الحكمة ليست واحدة لأن هذا الأخير يدفع الفكرة إلى كون أن المنقول دائما سهل التهريب وصعبة الاستدلال عليها والتثبيت من ملكيتها.
(1)أنظر سلميان مرقص عقد الكفالة صفحة 35.
(2)السنهوري، التأمينات الشخصية و العينية ج 10/ صفحة 85.
(3)مثل ما تقتضيه نصوص القانون الفرنسي، المادة 2015 والغاية من إشتراط هذا النص، هو التسيير على الدائن في العودة على الكفيل.
(4)التأمينات الشخصية والعينة، مدونة للدكتور سي يوسفي، عن ديوان المطبوعات الجامعية صفحة 16.
وبالإضافة إلى هذين الشرطين المستمدين من نص المادة 646 ق.م أضاف الفقه شرطا، آخر لم يشير له المشرع ربما لبداهته وهو :
3/ وجوب توافر الأهلية الواجبة للالتزام بالكفالة:
وهو الشرط المستمد مما تقتضيه القواعد العامة، وعلى ذلك إذا كان المدين ملزما بأن يقدم لدائنه كفيلا فإنه يجب أن تتوافر فيه الأهلية، وذلك لأنه مقبل على التزام ضارا بمصالحه، لذا يستوجب أن يكون واعيا بما هو قادم عليه، و متدارك لحضوره هذا الالتزام(1)، ومن هذا المنطلق، فإن المدين متى قدم كفيلا موسرا، ومقيما بالبلاد، وتوفرت لديه أهلية إبرام العقد، فإنه يكون قد أوفي بالتزامه بتقديم كفيل، ولكن ما هو الحل، إذا فقد الكفيل أحد هذه الشروط بعد ذلك؟ كما لو أصبح معسرا أو غيّر موطنه.
*أن المدين يلتزم بتقديم كفيل تتوافر فيه الشروط السابقة، وذلك إذا طلب الدائن ذلك، أما إذا كان الكفيل قد تم اختياره بواسطة الدائن فإن المدين لا يلتزم بتقديم شخص آخر يحل محله إذا فقد أحد الشروط الواجبة، ونفس الحكم، إذا كان الكفيل قد التزم دون علم المدين(2)، فإذا اعسر الكفيل إعسارا جزئيا، جاز للدائن أن يطالب بكفالة أخرى تكمل كفالة الأول، ولا يكون المدين ملزما بتقديم كفيل آخر إذا مات الكفيل الأول الذي قدمه لأن التزام هذا الأخير ينفذ من تركته.
هذا و يجيز القانون للمدين أن يقدم عوضا عن الكفيل تأمينا عينيا لأنه يحقق ضمانا أكثر للدائن في استفاء حقه، وعلى هذا يكون للمدين الخيار بين تقديم كفيل أو تأمين عيني للدائن بشرط أن تكون هذا التأمين كافيا وإذا نازع الدائن في كفاية التأمين العيني فإن تقدير الأمر متروك لقاضي الموضوع، وبهذا للمدين أن يقدم للدائن رهن رسمي أو حيازي.
إن الحديث عن التأمينات المقدمة للدائن في سبيل تأمين دينه يجرنا حتما للكلام عن كفالة الكفيل في حد ذاته أو ما يسمى في اصطلاح الفقه «المصدق»، وهو ما ورد في نص المادة 659 ق.م و 669، و المصدق هو الشخص الذي يكفل الكفيل، فهو يكفل التزام الكفيل دون المدين أي أنه يكفل الالتزام التابع وليس الالتزام الأصلي، ويلتزم بهذا، المصدق بوفاء التزام الكفيل وليس التزام المدين الأصلي، وعلاقة المصدق بالكفيل هي نفس علاقة الكفيل بالمدين، ومن ثمة تخضع لنفس أحكام الكفالة ذلك أن التزام المصدق هو إلتزام تابع لإلتزام الكفيل.
ويعتبر المصدق في علاقته بالدائن كفيلا للكفيل و في علاقته بالكفيل كما لو كان هذا الكفيل مدنيا أصليا بالنسبة له، و يترتب على ذلك أنه لا يجوز للدائن أن يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل، وهو ما جاء
(1)والسن اللازمة هي سن الرشد القانوني ( 19 سنة )
(2)إن مرد جواز تقديم كفيل آخر لضمان الدين إن أعسر الكفيل الأول هو نص المادة 646 لأنها جاءت بصيغة الجواز يقودها، «وله أن يقيم عوض عن الكفيل تأمين عيني كافي …». مما يفيد أن المدين متى التزم بقديم كفيل و أفلس له أن يعوض الدائن بكفيل آخر ملئ الذمة وله أن يقدم له تأمين عيني حسب قدرته و حسب اتفاقه مع الدائن و رضائه بذلك.
بالمادة 669 ق.م(1)، ومن ثمة فالمصدق لا يجبر على الوفاء للدائن إلا حيث يكون المدين الأصلي والكفيل المكفول معسرين ولا يرجع الدائن على المصدق إلا إذا لم يمكنه الرجوع على الكفلاء والمدين الأصلي.
ويستطيع المصدق أن يطلب من الدائن أن يرجع أولا على المدين الأصلي ثم على الكفيل، وله كذلك الدفع بالتجريد إزاء المدين و إزاء الكفيل، و له الدفع بالتجريد للمدين الأصلي ثم الكفيل، فالدائن لا يستطيع التنفيذ على أموال المصدق قبل أن ينفذ على أموال المدين الأصلي أولا و الكفيل ثانيا(2).
وليس للمصدق أن يطلب تقسيم الدين مع الكفيل لأنهما لا يكفلان دينا واحدا فالكفيل يكفل التزام المدين الأصلي، أما المصدق فيكفل التزام الكفيل ( أي أننا لا نطبق نص المادة 664).
أما إذا أننا بصدد أكثر من مصدق لنفس الكفيل فإن الدين ينقسم عليهم لأنهم يكفلون جميعا التزام واحد هو التزام الكفيل بشرط أن يكونوا قد التزموا بعقد واحد وغير متضامنين ( 664 ق.م).
ولكفيل الكفيل التمسك بالدفوع التي يجوز للكفيل التمسك بها، ومن هذه الدفوع دفوع خاصة بالكفيل و دفوع خاصة بالمدين الأصلي، ويجوز أن يتمسك بالدفوع الخاصة به، كبطلان عقد كفالة الكفيل أو قابليته للإبطال، وانقضاء التزام كفيل الكفيل بطريق أصلي وله كذلك أن يتمسك بأن ينفذ الدائن على كفالة عينية قدمها المدين الأصلي، وله استعمال حقوق الكفيل الذي كفله باسم هذا الكفيل كما يستعمل حقوق المدين في الدعوى الغير مباشرة.
هذا و إذا كان المصدق متضامنا مع الكفيل، فتطبق عليه أحكام الكفيل المتضامن ومن ثم فليس له أن يطلب من الدائن الرجوع على المدين الأصلي أو الكفيل أولا وليس له الدفع بالتجريد و كذلك أي طلب للتنفيذ على أموالهما في البداية.
هذا وأن كفالة المصدق لا تفترض بل يجب الاتفاق عليها صراحة فإذا كفل المدين الأصلي كفيلان سبق أحدهما الأخر في الكفالة فإن هذا لا يعني أن الكفيل المتأخر يكفل الكفيل المتقدم، بل يكون كل منهما كفيلا للمدين الأصلي و تطبق عليهم القواعد الخاصة بتعدد الكفلاء وفي هذا رجوع لنص المادة 664/2 (3).
(1)وذلك بقولها: تجوز كفالة الكفيل، وفي هذه الحالة لا يجوز للدائن أن يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل، إلا إذا كان كفيل الكفيل متضامن مع الكفيل، وهنا نشير إلى النص باللغة العربية سقطت منه عبارة: « الكفيل » المبينة سالفا مما جعلت النص غير مفهوم إذ يفهم منه وهي ساقطة أن الدائن لا يرجع على الكفيل والمقصود هو كفيل الكفيل، إلا أننا نعتقد أن الخطأ هو مطبعي باعتبار أن النص الفرنسي صحيح، ومفهوم المعني، كما أننا نشير إلى أن المادة 659 نصت في بدايتها على أن « يجوز كفالة الكفيل وفي هذه الحالة لا تجوز المستندات الأزمة استعمال حقه في الرجوع»، وهنا النص جاء بترجمة جد ركيكة فالمادة لا تتكلم على كفالة الكفيل بل تنظم التزام الدائن في وقت الوفاء الذي تم من الكفيل بأن يسلم لهذا الأخير المستندات اللازمة يستعملها عند ممارسة حقه في الرجوع على المدين و التي تضمن الدين وهذا مرة أخرى راجع للترجمة الركيكة و السهو بإضافة ألفاظ لا علاقة لها بموضوع المادة.
(2)فالمصدق يتمتع بنفس الدفوع الممنوحة للكفيل عند عودة الدائن عليه أولا والمنصوص عليها بالمواد 660-661 و 663.
(3)أي يرجع على أي واحد منهم بكل الدين إلا إذا احتفظ لنفسه بحق التقسيم
المطلب الثاني : أركـــان الكفالــة
إذا كان عقد الكفالة بالمعنى الضيق لا يكون إلا بين الدائن و الكفيل، إلا أن تعريف، الكفالة، يدل على أن هناك شخصا ثالثا يهمه الأمر، هو المدين الأصلي وعلى العموم يبرم عقد الكفالة، بتوافر الأركان العامة المعروفة من : رضا، محل، سبب مع بعض الخصوصية التي تميز عقد الكفالة والتي سندرسها فيما يلي :
1/ الرضا : عقد الكفالة كغيره من العقود، قوامه الرضا، الذي هو الأساس الطبيعي لكل عقد، وهذا منطقي باعتباره عقد رضائي، فلقيامه يجب تطابق إرادتي الدائن والكفيل دون اشتراط شكل خاص، ودون حاجة إلى رضا المدين لأنه ليس طرف في عقد الكفالة(1).
والتعبير عن الإرادة من هذا المنطلق، يتم بالنسبة للدائن بالتعبير عن إرادته صراحة أو ضمنيا تطبيق للقواعد العامة، وهو ما نصت عليه المادة 60 من القانون المدني.
وبالنسبة للكفيل يطرح التساؤل : هل يشترط أن يكون تعبيره عن إرادته صريحا أم يجوز أن يكون ضمنيا ؟
وهنا نقول أن المشرع لم يحدد موقفه من ذلك، واكتفى بالقواعد العامة، أي الحكم المنصوص عليه بالمادة 60 من القانون المدني، إلا أن وصفنا لعقد الكفالة بأنه عقد تبرعي، ينم عن خطورة بالنسبة للكفيل تكمن فيما يلقي على عاتقه من التزام، ومنه تحميله بهذه الالتزامات يوجب أن يرتضي بها صراحة و بصفة قاطعة تدل على قصده في تحملها(2)، ولهذا السبب ارتأى المشرع الفرنسي إلى وضع نص صريح تجسد في المادة 2015 ق.م فرنسي أوجب فيها أن يكون رضا الكفيل صريحا.
*الأهلية : يجب أن تتوفر في الكفيل أهلية التبرع، وهي الأهلية اللازمة للتصرفات الضارة ضررا محضا، وهو ما نصت عليه المادة 40 من القانون المدني. والتي حددت سن الرشد بـ: 19 سنة على أن لا يكون الكفيل محجورا عليه وإلا وقعت الكفالة الكفالة باطلة بطلانا مطلقا، وعلى ذلك لا يجوز للقاصر ولا المحجور عليه أن يكفل الغير متبرعا.
أما بالنسبة للدائن، فإن هذا التصرف بالنسبة له يعتبر من الأعمال النافعة نفعا محضا، ومنه يكفي أن تتوافر أهلية التميز طبقا للمادة 42 من قانون المدني.
(1)وهو ما نصت عليه المادة 647 بقولها: « تجوز كفالة المدين يغير علمه و تجوز أيضا رغم معارضته»، وهو النص المطابق لنص المادة 775 مدني مصري وللإشارة أن هذا النص جاء مخالف لقواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم على الكفيل الذي يضمن المدين بدون علمه أو رغم معارضته من حق الرجوع عليه، ولقد وافق المشرع التونسي الشريعة الإسلامية في نص المادة 1488 من القانون التونسي.
(2)في هذا الصدد ذهب جانب من الفقه المصري إلى أن اشتراط الكتابة في إثبات عقد الكفالة دليل على خطورة التزام الكفيل، لذا ذهب هذا الجانب إلى وجوب أن يكون رضا الكفيل صريح، إلا أن هذا الرأي ليس صائب لأن اشتراط الكفالة حسب نص المادة 773 مدني مصري ليس دليل على اشتراط أن يكون الرضا صريح، حيث أنه عند تخلف الكفالة، يجوز إثبات الالتزام بما يقوم مقامه من إقرار و يمين ومن ثمة ذهب رأي آخر للقول بأن التنصيص على الإرادة الصريحة تعود إلى خطورة الالتزام باعتباره تبرعي و ليس لأن المادة أوجبت الكتابة في الإثبات.
*عيوب الإرادة في الكفالة :
حتى يكون عقد الكفالة صحيحا يجب طبقا للقواعد العامة ألا يكون الرضا في هذا العقد مشوبا بما يلحق الإرادة من عيوب، أي الغلط، أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال.
في العقد الملزم لجانب واحد-كعقد الكفالة-نجد أنه لا ينشئ التزاما إلا في جانب أحد المتعاقدين-وهو الكفيل، ولذا نجد أن مسألة عيوب الإرادة لا تهم إلا الطرف المدين، أما بالنسبة للدائن فإنه وإن كان ليس بمنأى عن الوقوع في غلط في شخص الكفيل أو يساره، إلا أنه ليس له مصلحة في طلب إبطال العقد، لهذا السبب لأنه في مثل هذه الحالات يستطيع الدائن أن يرجع على المدين الأصلي الذي قدم له الكفالة ليطلب منه كفيل آخر، وإلا عرّض الحقوق المكفولة بهذا الضمان للخطر كأن يطلب سقوط الأجل مثلا.
هذا و أن الملاحظ أن شخص المدين و صفاته لها أهمية جوهرية في عقد الكفالة، فإن اعتقد الكفيل أنه يكفل مدين معين، ثم تبين له أن المدين شخص آخر أو إذا اعتقد أن المدين تاجر، فإذا به غير ذلك، كان له-الكفيل- طلب إبطال العقد على أساس الغلط الذي وقع فيه(1)، وبما أن المادة 82 ق.م تنص على أنه : «يكون الغلط جوهري إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
ويكون الغلط جوهري على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدان جوهرية، أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد و لحسن النية.
إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته و كذلك تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد ».
فالمادة لم تحصر الحالات التي تعتبر فيها الغلط جوهري، ومنه تعتبر الغلط في شخص المدين جوهري لأنه موضوع إعتبار في التعاقد ومنه يحق للكفيل طلب الإبطال على هذا الأساس بشرط أن يثبت أنه لولا ذلك لما أرتضى أن يضمن المدين وأن الدائن كان يعلم بعدم يسار المدين أو كان من السهل عليه أن يتبين ذلك(2).
أما بالنسبة للتدليس، و الإكراه، فإن القواعد العامة تقتضي أنه في حالة وقوع التدليس أو الإكراه من غير المتعاقدين و هو الغالب فليس للمتعاقد المدّلس عليه أو المكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن المتعاقد الآخر كأن يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بالتدليس و الإكراه، فإن الكفيل لا يستطيع طلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن الدائن كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بالتدليس و الإكراه،(المادة 87 و 89 ق.م)
هذا و إن كان الغالب أن التدليس يقع من المدين فإنه قد يقع من الدائن نفسه الذي هو طرف في العلاقة و هنا تخضع هذه الحالة لنص المادة 86 ق.م التي تنص على جواز إبطال العقد للتدليس إن كانت الحيل التي لجأ إليها، أحد المتعاقدين أو نائبه من الجسامة بحيث لولاه لما أبرم الطرف الثاني العقد، ونفس الشيء بالنسبة للإكراه ( المادة 88 ق.م).
(1)سمير تناغو، التأمينات الشخصية والعينية 1991، صفحة 86.
(2)العبرة من وجوب العلم لدى المتعاقد الآخر بالخطأ يكمن في استقرار المعاملات حتى لا يفاجأ الدائن بإبطال العقد.
أما بالنسبة للاستغلال ( المادة 90 م) والمتعلقة بالإبطال الناتج عنه فإنه من المتصور جدا، إذ قد تستغل امرأة شابة الهوى الجامع لدى محبوبها الطاعن في السن ليضمنها لدى الدائن ليمنحها قرضا كبيرا، لكن يستوجب هنا أن يكون الدائن على علم بذلك حتى لا يفاجأ بإبطال عقد لا يعرف عن سببه شيء، وهذا تحقيقا لاستقرار المعاملات.
2/ المحل:
محل التزام الكفيل هو أن يفي بالتزام المدين، إذ لم يف به المدين نفسه، ويجب أن يكون هذا المحل ممكن و معينا و مشروعا ولكي يكون محل التزام الكفيل ممكنا يجب أن يكون الالتزام الأصلي موجودا أو قابلا للوجود، وصحيحا، وعليه نتطرق للأحكام المتعلقة بالدين المكفول، لأن محل التزام الكفيل لا يكون ممكن إلا بتوافر شروط
معينة في الدين الأصلي كما أن لشرط تعين محل التزام الكفيل أو قابلية للتعيين لا يتحقق إلا إذا كان محل التزام المدين الأصلي كذلك. أما مشروعية محل التزام الكفيل فلا تثير أي إشكال لأن التعهد بضمان التزام صحيح يعد مشروعا في حد ذاته
أ-الالتزام المكفول :
أي التزام يمكن كفالته أيا كان مصدره وأيا كان محله، إذ يمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره العقد، أو الالتزام الذي يكون مصدره العمل الغير مشروع، أي أن يعترف المدين في العمل الغير مشروع بمبدأ المسؤولية و بمقدار التعويض و يأتي كفيل ليضمنه فيه، وقد يكون الالتزام مصدره الإثراء بلا سبب أو رد غير مستحق أو فضالة، وقد يكون مصدره القانون، هذا و يمكن كفالة التزام أيا كان محله سواء التزام بإعطاء أو الالتزام بعمل أو الالتزام بالامتناع عن عمل، وقد يكون التزام الكفيل محلا لكفالة أخرى و يسمى هنا كفيل الكفيل أو المصدق من شروط التزام المكفول أن يكون: موجودا، صحيحا وأن يكون معينا أو قابل للتعين
*/ الشرط الأول : وجود الالتزام المكفول:
التزام الكفيل التزام تابع لا يقوم بذاته بل يستند إلى التزام آخر صحيح يضمن الوفاء به ولكن هذا لا يمنع من أن يكون الالتزام الأصلي مستقبليا أو شرطيا.
ا-كفالة الالتزام المستقبلي :
تنص المادة 650 ق.م على أنه :«تجوز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد مقدما المبلغ المكفول، كما تجوز الكفالة في الدين المشروط.
غير أنه إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة الكفالة، كان له أن يرجع فيها، في أي وقت مادام الدين المكفول لم ينشأ».
أجاز القانون كفالة الالتزام المستقبلي في هذه المادة متأثرا بالقاعدة العامة الواردة بالمادة 92/1 ق.م.ج(1) : «يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا».
(1)المادة المقابلة لهذه المادة 131 ق. مدني مصري.
فإذا كانت قاعدة التبعية تفترض وجود الدين الأصلي فإنها لا تشترطه ومنه أمكن وجود كفالة قبل وجود الدين، ومن ثمة كانت كفالة الالتزام المستقبل، هو التزام صحيح وبات لأن الالتزام المكفول وإن لم يكن موجودا إلا أنه قابل للوجود.
كفالة الالتزام المستقبل مقيدة بقاعدتين:
الأولى - وجوب تحديد المبلغ المكفول:
اشترطت المادة لانعقاد الكفالة تحديد مقدار الدين المكفول أو الحد الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه و إلا كانت باطلة و الحكمة من ذلك هو حماية الكفيل حتى يكون على بينة من الدين الذي يكفله، وحتى لا يتورط في دين لا يعرف مقداره.
ويكفي أن يكون الدين محدد المقدار أو قابل للتحديد والتعيين طبقا للقواعد العامة، وهنا يتوجب تحديد الحد الأقصى الذي يمكن أن يكفله الكفيل.
الثانية - مدة الالتزام في الكفالة المستقبلية:
متى عين الكفيل مدة معينة يلتزم خلالها بكفالة الدين المستقبل، فإنه يظل مقيد بهذه الكفالة طول هذه المدة، فلا يرجع عنها خلال المدة المحددة فإن نشأ جزء من الدين ضمنه الكفيل لأن ضمانه يقتصر على ما ينشأ من الدين خلال مدة الكفالة، فإذ لم ينشأ الدين برأت ذمة الكفيل نهائيا بانتهاء المدة ما لم يتفق على تجديدها.
أما أن لم تعين مدة للكفالة، فإن للكفيل الرجوع عنها و التحلل من إلتزامه في أي وقت ما دام الدين لم ينشأ، أما إن نشأ فإن الكفيل لا يستطيع الرجوع عنها، هذا ولكي ينتج الرجوع أثره، وجب إعلان الدائن بهذا الرجوع عن الالتزام بالكفالة طبقا للقواعد العامة التي تقضي بأن التغيير لا ينتج أثره إلا من الوقت الذي يصل فيه إلى علم الدائن.
ب-كفالة الالتزام الشرطي:
نصت المادة 650 ق.م.ج :« .. كما تجوز الكفالة في الدين المشروط ..» مؤدي المادة أن كفالة الالتزام في الدين الشرطي جائزة، و تطبق القواعد العامة في هذا الصدد، حيث تكون الكفالة تطبيقا لفكرة التبعية معلقة على ذات الشرط المعلق عليه الالتزام الأصلي سواء كان شرطا فاسخ أو واقف.
*فإذا كان الدين المكفول معلق على شرط واقف، فإن التزام الكفيل يكون معلق على ذات الشرط، فإن تحقق الشرط فإن كل من الالتزام المكفول و التزام الكفيل يصبح نافذا أو باتا أما أن تخلف الشرط الواقف زال الدين الأصلي بأثر رجعي ومعه التزام الكفيل بالتبعية و إذا كان الدين المكفول معلق على شرط فاسخ فإن الكفالة تكون كذلك فإن تحقق الشرط زال كل من التزام المدين والتزام الكفيل في نفس الوقت بأثر رجعي، أما إن تخلف الشرط الفاسخ فإن كل من الالتزامين يصبح باتا.
ج-كفالة الالتزام الطبيعي:
نظم المشرع الالتزام الطبيعي في المواد 160 إلى 163، و يقصد به الالتزام الذي يتضمن عنصر المديونية فقط، ويفتقد لعنصر المسؤولية بحيث لا يمكن إجبار المدين على الوفاء به(1).
ومن هذا المنطلق إذا كان المدين غير مجبر على تنفيذ الالتزام إن كان طبيعيا، فإنه من غير المتصور أن نضمن الوفاء بهذا الالتزام وهذا تطبيقا لفكرة التبعية، حتى لا يكون التزام الكفيل أشد التزام المدين(2)، وحتى وإن انعقدت الكفالة صحيحة ضمانا لالتزام مدني ثم تحول هذا الالتزام إلى التزام طبيعي، فيتحول التزام الكفيل أيضا.
لكن إذا قام الكفيل بالوفاء بالدين تنفيذا لالتزام طبيعي فإنه لا يمكنه أن يسترد ما دفعه لأن نص المادة 162 مدني جاء فيه : لا يسترد المدين ما أداه باختياره بقصد تنفيذ التزام طبيعي».
هذا وإذا قدم المدين في التزام طبيعي كفيل للدائن ضمانا للوفاء فسّر ذلك على أنه أراد أن يحول التزامه الطبيعي إلى التزام مدني وهذا جائز طبقا للمادة 165(3)التي نص:«يمكن أن يكون الالتزام الطبيعي سببا لالتزام مدني ».
*/ الشرط الثاني-أن يكون الالتزام المكفول صحيحا:
تنص المادة 648 مدني على أنه: « لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا»، فطبقا لنص المادة لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام الأصلي صحيحا أي لا يمكن أن توجد كفالة على التزام باطل».
وفيما يلي نبين حكم كفالة الالتزام الباطل و كفالة الالتزام القابل للإبطال ثم كفالة ناقص الأهلية باعتبار أن المشرع خصها بحكم خاص بها.
أ-كفالة الالتزام الباطل :
يكون الالتزام الأصلي باطلا إذ اختل ركن من أركانه كأن يكون محله غير مشروع أو لم يستوف الشكل إذا كان العقد شكليا أو كان سببه غير مشروع.وعملا بفكرة تبعية الكفالة الالتزام الأصلي من حيث الصحة والبطلان، فإنه إذا كان الالتزام الأصلي باطلا كانت كفالته كذلك و يستطيع الكفيل التمسك ببطلان الالتزام الأصلي أيا كان سبب البطلان و بالتالي لا تجوز كفالته ومنه إن كان الالتزام الأصلي باطلا أعتبر محل إلتزام، الكفيل مستحيلا في ذاته.
ب-كفالة الالتزام القابل للإبطال:
الالتزام القابل للأبطال يعتبر التزاما صحيحا و منتجا لكل آثاره، حتى يحكم بإبطاله، ومنه كفالة هذا الالتزام جائزة و صحيحة، ولكنها تأخذ حكم هذا الالتزام، أي تبقى صحيحة طالما الالتزام الأصلي لا زال قائما ولم يبطل، أما إن أبطل الالتزام الأصلي فتبطل الكفالة معه بالتبعية وهو الحكم الذي ينطبق على كافة حالات القابلية للإبطال لأي عيب من عيوب الإرادة مع مراعاة الحكم الخاص بناقص الأهلية.
(1)كأن سقط الدين المدين بالتقادم ( المادة 320) ق.م.ج
(2)المادة 652 من القانون المدني الجزائري
(3)محمدي سليمان-التأمينات الشخصية عقد الكفالة، ديوان المطبوعات الجامعية، ص 19.
لكن قد يحدث أن يجيز المدين الأصلي التزامه، فما هو مصير الكفالة في هذه الحالة، أي هل يسقط حق الكفيل في طلب الإبطال بمجرد أن يصبح الالتزام الأصلي صحيحا بالإجازة أم يبقى حق الكفيل في طلب الإبطال قائما طالما لم يجز كفالته لتصبح صحيحة بدورها؟
إن الرأي الراجح في هذه المسألة هو أن حق الكفيل في طلب إبطال كفالته لا يسقط بإجازة المدين الأصلي لعقده، وإنما يبقى حق الكفيل في طلب الإبطال قائما و الحجة على ذلك هو تفسير المادة 654/2، لأنها استثنت الحالة التي لا يجوز فيها للكفيل طلب الإبطال و تحديد هذه الحالة دليل على أن المشرع لم يرد أن يحرم الكفيل من التمسك بالإبطال في كل الحالات التي يكون فيها الالتزام الأصلي قابل للإبطال، ويرى أصحاب هذا الرأي بأنه، ما عدا الحالة المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 654، وهي حالة كفالة ناقص الأهلية فإنه في بقية حالات قابلية العقد الأصلي للإبطال، فحق الكفيل لا سقط بإجازة الالتزام الأصلي لان مقتضى التبعية يجب أن يكون فيما يفيد الكفيل وليس فيما يضره.( المادة 652 ق.م.ج) و هذا للإشارة متى كان الكفيل لا يعلم بسبب القابلية للإبطال، لأنه هنا يكون له التمسك في طلب الإبطال على أساس الغلط، الذي وقع فيه باعتباره أنه اعتقد أنه كفل التزام صحيح، في الوقت الذي كفل فيه التزام قابل للإبطال(1).
ج-كفالة ناقص الأهلية:
أورد المشرع حكم خاص لكفالة ناقص الأهلية بالمادة 649 ق.م.ج والتي تنص: « من كفل التزام ناقص الأهلية، وكانت الكفالة بسبب نقص الأهلية، كان ملزم بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول، باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 654 ».
فبعد أن أقر المشرع بالمادة 654 كقاعدة عامة بأن الكفيل يبرئ بمجرد براءة المدين، وله أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين، جاء بالفقرة 2 حكم خاص بناقص الأهلية، أين قررت :« على أنه إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين هو نقص الأهلية وكان الكفيل عالما بذلك وقت التعاقد، فليس لديه أن يحتج بهذا الوجه.
لفهم حكم هذين النصين يجب أن نفرق بين 3 فرضيات:
الفرضية الأولى:حالة الكفيل الذي لا يعلم بنقص أهلية المدين المكفول، هنا التزام المدين قابل للإبطال بسبب نقص أهلية و يتبع ذلك التزام الكفيل ومن ثمة إن طلب المدين الإبطال و حكم له به، فإن التزام الكفيل ينقضي حتما و للكفيل التمسك بقابلية التزامه للإبطال ولو لم يتمسك به المدين نفسه لأنه صاحب مصلحة فيه طبقا للمادة 654/1، و يبطل التزام الكفيل هنا دون التزام المدين الأصلي لأنه لا يحكم له بالبطلان إلا إذا تمسك به صاحب الحق.
الفرضية الثانية: الحالة التي يكون فيها الكفيل عالما بنقص أهلية المدين المكفول
*هنا التزام المدين قابل للإبطال، ومعه التزام الكفيل بالتبعية، فإن تمسك المدين بإبطال التزامه وحكم له به امتد هذا الحكم إلى التزام الكفيل.
(1)هذا وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن إجازة المدين الأصلي للعقد تجعل الكفالة بالتبعية صحيحة وذلك استنادا، إلى فكرة التبعية من جهة وأن الكفيل قد كفل عند التزامه بها عقد صحيح باعتبار أن العقد القابل للإبطال صحيح عند إبرامه و منتج لكل آثاره، وأن الكفيل لا تستطيع الاستناد إلى سبب خاص بالمدين لطلب الإبطال.
*لكن إن لم يتمسك المدين بالبطلان أو أجاز العقد الأصلي القابل للإبطال فإن العقد يظل منتج لآثاره، و تطل الكفالة منتجة لآثارها وليس للكفيل الاحتجاج بنقص الأهلية لإبطال التزامه ( المادة 654/2).
الفرضية 3: الحالة التي يكفل فيها الكفيل المدين بسبب نقص الأهلية.
*وهذا الفرض الذي نصت عليه المادة 649 ق.م، وهنا يكون كل من الدائن و الكفيل الأصلي، عالما بنقص أهلية هذا المدين، فالعقد المبرم بين الدائن والمدين قابل للإبطال ومنه للمدين إبطاله، وتوقفا لهذا الاحتمال عقدت الكفالة ( بسبب نقص أهلية المدين الأصلي )
*ومنه الكفيل ضامن للوفاء بالتزام المدين إن لم يف به هو و ذلك في حالة عدم تمسكه بإبطال العقد، أما إن تمسك به و أبطل الالتزام الأصلي فإن الكفيل يصبح هو الملتزم بالوفاء لا باعتباره كفيل لأن الالتزام الذي كلفه قد زال، و إنما باعتباره مدين أصلي(1).
-وهنا يرى بعض الفقهاء أن الكفيل لا يكون كذلك، بل يكون مدين أصلي تحت شرط واقف هو عدم تنفيذ المدين للالتزام الأصلي، فإن تحقق بأن المدين لم ينفذ الالتزام وجب على من تقدم بصفته كفيل أن ينفذ الالتزام.
-بينما ذهب رأي آخرهنا بتفسير الحالة على أساس نظرية تحول العقد فالكفالة هنا صحيحة ما لم يتمسك ناقص الأهلية ببطلان الالتزام فتبطل حينذاك و يتحول إلى تعهد منشئ لالتزام أصلي في ذمة من تعهد ككفيل.
-وذهب رأي آخر إلى اعتبار كفالة ناقص الأهلية يعتبر قد أبرم عقدا مركبا يتضمن كفالة و تعهد عن الغير، يتعهد الكفيل فيه بأن لا يستعمل المدين حقه في طلب الإبطال متعهدا بأن يقوم على سبيل التعويض بتنفيذ الالتزام الأصلي إن أخل بتعهده عن الغير وطلب المدين الإبطال، فإن حدث وطلبه و حكم له بذلك فزال الالتزام الأصلي ومعه التزام الكفيل فإنه يتحقق عند ذلك الإخلال بالتعهد عن الغير و يلتزم عندها الكفيل المتعهد بالتنفيذ على سبيل التعويض لأنه مخل بالتزامه، ويكون هنا التزامه أصلي غير تابع لغيره.
*/ الشرط الثالث-تعيين التزام الكفيل:
يجب أن يكون محل التزام الكفيل معين أو قابلا للتعين، وإلا كانت الكفالة باطلة، وتعيين التزام الكفيل يرتبط بتعيين التزام المدين، وباعتبار أن التزام الكفيل مستقل عن التزام المدين، فإنه من الجائز، والممكن أن يختلف محل كل من الالتزامين إلا أن هذا الاختلاف مقيد بقاعدة أساسية، وهي أن التزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشد من التزام المدين(2) ولتبسط هذا يجب علينا أن نميز بين نوعين من أنواع الكفالة وهما الكفالة المطلقة و الكفالة المحددة.
ا/الكفالة المطلقة:
تكون كذلك متى وردت بصيغة عامة، وبعبارات مجملة غير مبينة لحدود الالتزام و نطاقه، وهنا يتحدد نطاق الكفالة على ضوء الدين المكفول(3)، ويسأل الكفيل مسؤولية مطابقة لالتزام المدين في مقداره و أوصافه.
(1)هذا وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن إجازة المدين الأصلي للعقد تجعل الكفالة بالتبعية صحيحة وذلك استنادا، إلى فكرة التبعية من جهة وأن الكفيل قد كفل عند التزامه بها عقد صحيح باعتبار أن العقد القابل للإبطال صحيح عند إبرامه و منتج لكل آثاره، وأن الكفيل لا تستطيع الاستناد إلى سبب خاص بالمدين لطلب الإبطال.
(1)نص المادة 652 ق.م.ج
(3)و يكون التحديد هنا يتعين الدين الأصلي المكفول تعين دقيق، و تعين محله، مصدره و أطرافه، فمتى تحدد الالتزام المكفول على هذا الشكل دون تحديد التزام الكفيل فإن التزام هذا الأخير يكون مطابق لالتزام المدين لأنه جاء مطلق
ومنه التزام الكفيل في الكفالة المطلقة يشمل : أصل الدين وكذلك الملحقات والمصروفات طبقا لنص المادة 653 ق.م.ج التي نصت :
«إذا لم يكن هناك اتفاق خاص فإن الكفالة تشمل ملحقات الدين و مصروفات المطالبة الأولى وما يستجد من المصروفات بعد إخطار الكفيل ».
ومنه فإن محل التزام الكفيل في الكفالة المطلقة يتكون بالإضافة إلى أصل الدين المكفول : والذي يتضمن الدين دون زيادة أو نقصان، ومنه التزام الكفيل مماثل للدين المكفول في مقداره،شروطه، أوصافه.
1-ملحقات الدين: ويشمل التعويضات التي يلتزم بها المدين بسبب إخلاله بالتزامه، و تشمل أيضا فوائد الدين و إن كان التشريع الجزائري يبطل الفائدة بين الأفراد(1) إلا أنه يجيزها إذا كان المقرض مؤسسة(2).
2-مصروفات المطالبة الأولى: وهي التي ينفقها الدائن عند المطالبة بالدين و تشمل تكاليف الأعذار و رسوم رفع الدعوى أي يشمل المصاريف السابقة على المطالبة القضائية.
3-ما يستجد من المصروفات بعد إخطار الكفيل: وهي مصروفات لا يضمنها الكفيل إلا إذا كانت قد صرفت بعد الإخطار من قبل الدائن بأنه قد قام بمطالبة المدين، فالمدين ملزم بإخطار الكفيل برجوعه على المدين ليفي بالدين الذي لم يف به هذا الأخير فإن لم يقم بذلك تحمل الكفيل كل هذه المصاريف لأنه كان من الممكن أن يتفاداها بوفائه، فإن لم يخطر لا يلزم بدفعها، و يقتصر التزامه على مصروفات المطالبة الأولى.
ب-الكفالة المحددة:
إذا لم يرد الكفيل الالتزام بضمان كل دين المدين و ملحقاته فما عليه إلا تحديد محل التزامه تحديدا دقيقا وهذا جائز عملا بالقاعدة التي تقضي بأنه يجوز أن يكون التزام الكفيل أخف من التزام المدين، فقد لا يلتزم الكفيل إلا بجزء من الدين أو يلتزم به دون ملحقاته و المصاريف فعقد الكفالة هو الذي يحدد محل التزام الكفيل، ومن أمثلتها أن يتم تحديدها من حيث المدة بأن لا تتعدى وقت محدد لها أو أن يتم كفالة ديون ما قد تنشأ خلال فترة معينة فقط، وهو الشيء المستمد من مضمون.
القاعدة الناصة على أنه لا تجوز الكفالة في مبلغ أقل و بشروط أهون(3) هذا و يستفيد الكفيل من كل تغير طارئ في الالتزام الأصلي يكون فيه مصلحة له فإن تنازل الدائن عن جزء من حقه أو قام بتقسيط الوفاء فإن الكفيل يستفيد من كل ذلك و يخف التزامه بالتبعية، وكذلك إن تم إعفاؤه من الفوائد أو إنقاص سعرها، فيتمسك الكفيل بكل ذلك في مواجهة الدائن.
(1)وهو جاء بنص المادة 454 بقولها: «الفرض بين الأفراد يكون دائما بدون أجر ويقع باطلا كل نص يخالف ذلك».
(2)وهو ما جاء بالمادة 456 بقولها :« يجوز لمؤسسات القرض التي تمنح فروض فروضا قصد تشجيع النشاط الاقتصادي الوطني أن تأخذ فائدة يحدد قدرها بموجب قرار الوزير المكلف بالمالية ».
(3)المادة 654/2 ق.م.ج
السبب:
إن تحديد ركن السبب في عقد الكفالة، صعب و ترجع هذه الصعوبة إلى طبيعته الخاصة باعتبارها عملية قانونية ثلاثية، إذ هناك العلاقة بين الدائن والمدين ثم العلاقة بين الكفيل والدائن و بين الكفيل والمدين وهذه الأخيرة رغم أهميتها إلا أنها خارجة عن نطاق عقد الكفالة لأن المدين ليس طرفا فيها، وهنا قد يكون سبب كفالته هو إسداء خدمة بتوفير الاتمان للمدين أو مقابل يتقاضاه منه أو قد يكون بقصد قضاء دين عليه لهذا الأخير.
-ومنه هل يستطيع الكفيل أن يحتج في مواجهة الدائن بما قد يعتري علاقته بالمدين من عدم وجود السبب أو عدم مشروعية الباعث و بناءا عليه يطالب ببطلان الكفالة؟(1).
-ذهب البعض إلى عدم جواز ذلك لأن الكفالة تصرف مجرد، فالتزام الكفيل صحيح ولو لم يكن له سبب أو كان سببه غير مشروع، بينما رأي البعض الآخر خاصة في مصر و فرنسا عكس ذلك بوجوب أن يكون للالتزام سبب مقصود وأن يكون الباعث الرئيسي الدافع إلى التعاقد مشروع.
-ولعل السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا التزم الكفيل في مواجهة الدائن؟
والإجابة على هذا السؤال لا نجدها في العلاقة بين الكفيل والدائن، ولكن نجدها في العلاقة بين الدائن والمدين أين نجد أن الكفيل التزم في مواجهة الدائن ليسمح للمدين بالحصول على الائتمان من الدائن وهذا هو سبب التزام الكفيل و بشرط أن يكون موجود لحماية الكفيل حتى الالتزام في مواجهة الدائن دون سبب وهو السبب الذي يتوافق و الشروط الموضوعية للنظرية التقليدية للسبب ( سبب موضوعي مجرد و مباشر وغير متغير ) هذا و عدم وجوده يؤدي إلى بطلان التزام الكفيل.
-أما الباعث الرئيسي أو الدافع للتعاقد، فهو شخصي وغير مباشر و متغير، يختلف من كفيل إلى آخر، ويشترط فيه أن يكون مشروعا.
كما يتوجب أن يكون المتعاقد الأخر-الدائن- على علم به وذلك لاستقرار المعاملات وحتى لا يفاجأ ببطلان عقد لا يعلم عن سببه شيء، وإن كان الدافع إلى التعاقد غير مشروع كان العقد باطل يشترط أن يكون الدائن عالما به(2).
هذا و إذا قام نزاع حول وجود السبب أو مشروعيته فإن عبء الإثبات يقع على عاتق الكفيل إذ عليه أن يثبت عدم وجود السبب أو مخالفته للنظام العام و الآداب و علم الدائن بالباعث الدافع للتعاقد أو إمكانية علمه بذلك، وله في ذلك أن يلجأ لكافة طرق الإثبات.
(1)زكي محمود جمال الدين، التأمينات الشخصية والعينية صفحة 75.
(2)ومثاله أن يكفل شخص خليلته لا لشيء إلا ليحظر باستمرار معاشرها له فالباعث الدافع الرئيسي غير مشروع لمخالفته لحسن الآداب.
الخاتمة :
بعد دراستنا «عقد الكفالة» كأبرز وأهم أنواع التأمينات الشخصية، يتبين لنا أن هذا الضمان الشخصي عاجز عن تحقيق الحماية الفعالة والمثلى للدائن أو الدائنين إذ قد يفقد الكفيل أو الكفلاء حال تعددهم أحد الشروط الموضوعية الواجبة فيهم كأن يتعرض للإعسار أو يفقد أهليته، ضف إلى ذلك أن الدائن في هذا الضمان يظل دائنا عاديا إذ يشترك مع غيره من الدائنين في الضمان العام، و لا يتميز أبدا عن غيره،فما هي الأثار التي تلحق بعقد الكفالة حين يتم إنعقاده؟.
3/ وجوب توافر الأهلية الواجبة للالتزام بالكفالة:
وهو الشرط المستمد مما تقتضيه القواعد العامة، وعلى ذلك إذا كان المدين ملزما بأن يقدم لدائنه كفيلا فإنه يجب أن تتوافر فيه الأهلية، وذلك لأنه مقبل على التزام ضارا بمصالحه، لذا يستوجب أن يكون واعيا بما هو قادم عليه، و متدارك لحضوره هذا الالتزام(1)، ومن هذا المنطلق، فإن المدين متى قدم كفيلا موسرا، ومقيما بالبلاد، وتوفرت لديه أهلية إبرام العقد، فإنه يكون قد أوفي بالتزامه بتقديم كفيل، ولكن ما هو الحل، إذا فقد الكفيل أحد هذه الشروط بعد ذلك؟ كما لو أصبح معسرا أو غيّر موطنه.
*أن المدين يلتزم بتقديم كفيل تتوافر فيه الشروط السابقة، وذلك إذا طلب الدائن ذلك، أما إذا كان الكفيل قد تم اختياره بواسطة الدائن فإن المدين لا يلتزم بتقديم شخص آخر يحل محله إذا فقد أحد الشروط الواجبة، ونفس الحكم، إذا كان الكفيل قد التزم دون علم المدين(2)، فإذا اعسر الكفيل إعسارا جزئيا، جاز للدائن أن يطالب بكفالة أخرى تكمل كفالة الأول، ولا يكون المدين ملزما بتقديم كفيل آخر إذا مات الكفيل الأول الذي قدمه لأن التزام هذا الأخير ينفذ من تركته.
هذا و يجيز القانون للمدين أن يقدم عوضا عن الكفيل تأمينا عينيا لأنه يحقق ضمانا أكثر للدائن في استفاء حقه، وعلى هذا يكون للمدين الخيار بين تقديم كفيل أو تأمين عيني للدائن بشرط أن تكون هذا التأمين كافيا وإذا نازع الدائن في كفاية التأمين العيني فإن تقدير الأمر متروك لقاضي الموضوع، وبهذا للمدين أن يقدم للدائن رهن رسمي أو حيازي.
إن الحديث عن التأمينات المقدمة للدائن في سبيل تأمين دينه يجرنا حتما للكلام عن كفالة الكفيل في حد ذاته أو ما يسمى في اصطلاح الفقه «المصدق»، وهو ما ورد في نص المادة 659 ق.م و 669، و المصدق هو الشخص الذي يكفل الكفيل، فهو يكفل التزام الكفيل دون المدين أي أنه يكفل الالتزام التابع وليس الالتزام الأصلي، ويلتزم بهذا، المصدق بوفاء التزام الكفيل وليس التزام المدين الأصلي، وعلاقة المصدق بالكفيل هي نفس علاقة الكفيل بالمدين، ومن ثمة تخضع لنفس أحكام الكفالة ذلك أن التزام المصدق هو إلتزام تابع لإلتزام الكفيل.
ويعتبر المصدق في علاقته بالدائن كفيلا للكفيل و في علاقته بالكفيل كما لو كان هذا الكفيل مدنيا أصليا بالنسبة له، و يترتب على ذلك أنه لا يجوز للدائن أن يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل، وهو ما جاء
(1)والسن اللازمة هي سن الرشد القانوني ( 19 سنة )
(2)إن مرد جواز تقديم كفيل آخر لضمان الدين إن أعسر الكفيل الأول هو نص المادة 646 لأنها جاءت بصيغة الجواز يقودها، «وله أن يقيم عوض عن الكفيل تأمين عيني كافي …». مما يفيد أن المدين متى التزم بقديم كفيل و أفلس له أن يعوض الدائن بكفيل آخر ملئ الذمة وله أن يقدم له تأمين عيني حسب قدرته و حسب اتفاقه مع الدائن و رضائه بذلك.
بالمادة 669 ق.م(1)، ومن ثمة فالمصدق لا يجبر على الوفاء للدائن إلا حيث يكون المدين الأصلي والكفيل المكفول معسرين ولا يرجع الدائن على المصدق إلا إذا لم يمكنه الرجوع على الكفلاء والمدين الأصلي.
ويستطيع المصدق أن يطلب من الدائن أن يرجع أولا على المدين الأصلي ثم على الكفيل، وله كذلك الدفع بالتجريد إزاء المدين و إزاء الكفيل، و له الدفع بالتجريد للمدين الأصلي ثم الكفيل، فالدائن لا يستطيع التنفيذ على أموال المصدق قبل أن ينفذ على أموال المدين الأصلي أولا و الكفيل ثانيا(2).
وليس للمصدق أن يطلب تقسيم الدين مع الكفيل لأنهما لا يكفلان دينا واحدا فالكفيل يكفل التزام المدين الأصلي، أما المصدق فيكفل التزام الكفيل ( أي أننا لا نطبق نص المادة 664).
أما إذا أننا بصدد أكثر من مصدق لنفس الكفيل فإن الدين ينقسم عليهم لأنهم يكفلون جميعا التزام واحد هو التزام الكفيل بشرط أن يكونوا قد التزموا بعقد واحد وغير متضامنين ( 664 ق.م).
ولكفيل الكفيل التمسك بالدفوع التي يجوز للكفيل التمسك بها، ومن هذه الدفوع دفوع خاصة بالكفيل و دفوع خاصة بالمدين الأصلي، ويجوز أن يتمسك بالدفوع الخاصة به، كبطلان عقد كفالة الكفيل أو قابليته للإبطال، وانقضاء التزام كفيل الكفيل بطريق أصلي وله كذلك أن يتمسك بأن ينفذ الدائن على كفالة عينية قدمها المدين الأصلي، وله استعمال حقوق الكفيل الذي كفله باسم هذا الكفيل كما يستعمل حقوق المدين في الدعوى الغير مباشرة.
هذا و إذا كان المصدق متضامنا مع الكفيل، فتطبق عليه أحكام الكفيل المتضامن ومن ثم فليس له أن يطلب من الدائن الرجوع على المدين الأصلي أو الكفيل أولا وليس له الدفع بالتجريد و كذلك أي طلب للتنفيذ على أموالهما في البداية.
هذا وأن كفالة المصدق لا تفترض بل يجب الاتفاق عليها صراحة فإذا كفل المدين الأصلي كفيلان سبق أحدهما الأخر في الكفالة فإن هذا لا يعني أن الكفيل المتأخر يكفل الكفيل المتقدم، بل يكون كل منهما كفيلا للمدين الأصلي و تطبق عليهم القواعد الخاصة بتعدد الكفلاء وفي هذا رجوع لنص المادة 664/2 (3).
(1)وذلك بقولها: تجوز كفالة الكفيل، وفي هذه الحالة لا يجوز للدائن أن يرجع على كفيل الكفيل قبل رجوعه على الكفيل، إلا إذا كان كفيل الكفيل متضامن مع الكفيل، وهنا نشير إلى النص باللغة العربية سقطت منه عبارة: « الكفيل » المبينة سالفا مما جعلت النص غير مفهوم إذ يفهم منه وهي ساقطة أن الدائن لا يرجع على الكفيل والمقصود هو كفيل الكفيل، إلا أننا نعتقد أن الخطأ هو مطبعي باعتبار أن النص الفرنسي صحيح، ومفهوم المعني، كما أننا نشير إلى أن المادة 659 نصت في بدايتها على أن « يجوز كفالة الكفيل وفي هذه الحالة لا تجوز المستندات الأزمة استعمال حقه في الرجوع»، وهنا النص جاء بترجمة جد ركيكة فالمادة لا تتكلم على كفالة الكفيل بل تنظم التزام الدائن في وقت الوفاء الذي تم من الكفيل بأن يسلم لهذا الأخير المستندات اللازمة يستعملها عند ممارسة حقه في الرجوع على المدين و التي تضمن الدين وهذا مرة أخرى راجع للترجمة الركيكة و السهو بإضافة ألفاظ لا علاقة لها بموضوع المادة.
(2)فالمصدق يتمتع بنفس الدفوع الممنوحة للكفيل عند عودة الدائن عليه أولا والمنصوص عليها بالمواد 660-661 و 663.
(3)أي يرجع على أي واحد منهم بكل الدين إلا إذا احتفظ لنفسه بحق التقسيم
المطلب الثاني : أركـــان الكفالــة
إذا كان عقد الكفالة بالمعنى الضيق لا يكون إلا بين الدائن و الكفيل، إلا أن تعريف، الكفالة، يدل على أن هناك شخصا ثالثا يهمه الأمر، هو المدين الأصلي وعلى العموم يبرم عقد الكفالة، بتوافر الأركان العامة المعروفة من : رضا، محل، سبب مع بعض الخصوصية التي تميز عقد الكفالة والتي سندرسها فيما يلي :
1/ الرضا : عقد الكفالة كغيره من العقود، قوامه الرضا، الذي هو الأساس الطبيعي لكل عقد، وهذا منطقي باعتباره عقد رضائي، فلقيامه يجب تطابق إرادتي الدائن والكفيل دون اشتراط شكل خاص، ودون حاجة إلى رضا المدين لأنه ليس طرف في عقد الكفالة(1).
والتعبير عن الإرادة من هذا المنطلق، يتم بالنسبة للدائن بالتعبير عن إرادته صراحة أو ضمنيا تطبيق للقواعد العامة، وهو ما نصت عليه المادة 60 من القانون المدني.
وبالنسبة للكفيل يطرح التساؤل : هل يشترط أن يكون تعبيره عن إرادته صريحا أم يجوز أن يكون ضمنيا ؟
وهنا نقول أن المشرع لم يحدد موقفه من ذلك، واكتفى بالقواعد العامة، أي الحكم المنصوص عليه بالمادة 60 من القانون المدني، إلا أن وصفنا لعقد الكفالة بأنه عقد تبرعي، ينم عن خطورة بالنسبة للكفيل تكمن فيما يلقي على عاتقه من التزام، ومنه تحميله بهذه الالتزامات يوجب أن يرتضي بها صراحة و بصفة قاطعة تدل على قصده في تحملها(2)، ولهذا السبب ارتأى المشرع الفرنسي إلى وضع نص صريح تجسد في المادة 2015 ق.م فرنسي أوجب فيها أن يكون رضا الكفيل صريحا.
*الأهلية : يجب أن تتوفر في الكفيل أهلية التبرع، وهي الأهلية اللازمة للتصرفات الضارة ضررا محضا، وهو ما نصت عليه المادة 40 من القانون المدني. والتي حددت سن الرشد بـ: 19 سنة على أن لا يكون الكفيل محجورا عليه وإلا وقعت الكفالة الكفالة باطلة بطلانا مطلقا، وعلى ذلك لا يجوز للقاصر ولا المحجور عليه أن يكفل الغير متبرعا.
أما بالنسبة للدائن، فإن هذا التصرف بالنسبة له يعتبر من الأعمال النافعة نفعا محضا، ومنه يكفي أن تتوافر أهلية التميز طبقا للمادة 42 من قانون المدني.
(1)وهو ما نصت عليه المادة 647 بقولها: « تجوز كفالة المدين يغير علمه و تجوز أيضا رغم معارضته»، وهو النص المطابق لنص المادة 775 مدني مصري وللإشارة أن هذا النص جاء مخالف لقواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم على الكفيل الذي يضمن المدين بدون علمه أو رغم معارضته من حق الرجوع عليه، ولقد وافق المشرع التونسي الشريعة الإسلامية في نص المادة 1488 من القانون التونسي.
(2)في هذا الصدد ذهب جانب من الفقه المصري إلى أن اشتراط الكتابة في إثبات عقد الكفالة دليل على خطورة التزام الكفيل، لذا ذهب هذا الجانب إلى وجوب أن يكون رضا الكفيل صريح، إلا أن هذا الرأي ليس صائب لأن اشتراط الكفالة حسب نص المادة 773 مدني مصري ليس دليل على اشتراط أن يكون الرضا صريح، حيث أنه عند تخلف الكفالة، يجوز إثبات الالتزام بما يقوم مقامه من إقرار و يمين ومن ثمة ذهب رأي آخر للقول بأن التنصيص على الإرادة الصريحة تعود إلى خطورة الالتزام باعتباره تبرعي و ليس لأن المادة أوجبت الكتابة في الإثبات.
*عيوب الإرادة في الكفالة :
حتى يكون عقد الكفالة صحيحا يجب طبقا للقواعد العامة ألا يكون الرضا في هذا العقد مشوبا بما يلحق الإرادة من عيوب، أي الغلط، أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال.
في العقد الملزم لجانب واحد-كعقد الكفالة-نجد أنه لا ينشئ التزاما إلا في جانب أحد المتعاقدين-وهو الكفيل، ولذا نجد أن مسألة عيوب الإرادة لا تهم إلا الطرف المدين، أما بالنسبة للدائن فإنه وإن كان ليس بمنأى عن الوقوع في غلط في شخص الكفيل أو يساره، إلا أنه ليس له مصلحة في طلب إبطال العقد، لهذا السبب لأنه في مثل هذه الحالات يستطيع الدائن أن يرجع على المدين الأصلي الذي قدم له الكفالة ليطلب منه كفيل آخر، وإلا عرّض الحقوق المكفولة بهذا الضمان للخطر كأن يطلب سقوط الأجل مثلا.
هذا و أن الملاحظ أن شخص المدين و صفاته لها أهمية جوهرية في عقد الكفالة، فإن اعتقد الكفيل أنه يكفل مدين معين، ثم تبين له أن المدين شخص آخر أو إذا اعتقد أن المدين تاجر، فإذا به غير ذلك، كان له-الكفيل- طلب إبطال العقد على أساس الغلط الذي وقع فيه(1)، وبما أن المادة 82 ق.م تنص على أنه : «يكون الغلط جوهري إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
ويكون الغلط جوهري على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدان جوهرية، أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد و لحسن النية.
إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته و كذلك تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد ».
فالمادة لم تحصر الحالات التي تعتبر فيها الغلط جوهري، ومنه تعتبر الغلط في شخص المدين جوهري لأنه موضوع إعتبار في التعاقد ومنه يحق للكفيل طلب الإبطال على هذا الأساس بشرط أن يثبت أنه لولا ذلك لما أرتضى أن يضمن المدين وأن الدائن كان يعلم بعدم يسار المدين أو كان من السهل عليه أن يتبين ذلك(2).
أما بالنسبة للتدليس، و الإكراه، فإن القواعد العامة تقتضي أنه في حالة وقوع التدليس أو الإكراه من غير المتعاقدين و هو الغالب فليس للمتعاقد المدّلس عليه أو المكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن المتعاقد الآخر كأن يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بالتدليس و الإكراه، فإن الكفيل لا يستطيع طلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن الدائن كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بالتدليس و الإكراه،(المادة 87 و 89 ق.م)
هذا و إن كان الغالب أن التدليس يقع من المدين فإنه قد يقع من الدائن نفسه الذي هو طرف في العلاقة و هنا تخضع هذه الحالة لنص المادة 86 ق.م التي تنص على جواز إبطال العقد للتدليس إن كانت الحيل التي لجأ إليها، أحد المتعاقدين أو نائبه من الجسامة بحيث لولاه لما أبرم الطرف الثاني العقد، ونفس الشيء بالنسبة للإكراه ( المادة 88 ق.م).
(1)سمير تناغو، التأمينات الشخصية والعينية 1991، صفحة 86.
(2)العبرة من وجوب العلم لدى المتعاقد الآخر بالخطأ يكمن في استقرار المعاملات حتى لا يفاجأ الدائن بإبطال العقد.
أما بالنسبة للاستغلال ( المادة 90 م) والمتعلقة بالإبطال الناتج عنه فإنه من المتصور جدا، إذ قد تستغل امرأة شابة الهوى الجامع لدى محبوبها الطاعن في السن ليضمنها لدى الدائن ليمنحها قرضا كبيرا، لكن يستوجب هنا أن يكون الدائن على علم بذلك حتى لا يفاجأ بإبطال عقد لا يعرف عن سببه شيء، وهذا تحقيقا لاستقرار المعاملات.
2/ المحل:
محل التزام الكفيل هو أن يفي بالتزام المدين، إذ لم يف به المدين نفسه، ويجب أن يكون هذا المحل ممكن و معينا و مشروعا ولكي يكون محل التزام الكفيل ممكنا يجب أن يكون الالتزام الأصلي موجودا أو قابلا للوجود، وصحيحا، وعليه نتطرق للأحكام المتعلقة بالدين المكفول، لأن محل التزام الكفيل لا يكون ممكن إلا بتوافر شروط
معينة في الدين الأصلي كما أن لشرط تعين محل التزام الكفيل أو قابلية للتعيين لا يتحقق إلا إذا كان محل التزام المدين الأصلي كذلك. أما مشروعية محل التزام الكفيل فلا تثير أي إشكال لأن التعهد بضمان التزام صحيح يعد مشروعا في حد ذاته
أ-الالتزام المكفول :
أي التزام يمكن كفالته أيا كان مصدره وأيا كان محله، إذ يمكن كفالة الالتزام الذي يكون مصدره العقد، أو الالتزام الذي يكون مصدره العمل الغير مشروع، أي أن يعترف المدين في العمل الغير مشروع بمبدأ المسؤولية و بمقدار التعويض و يأتي كفيل ليضمنه فيه، وقد يكون الالتزام مصدره الإثراء بلا سبب أو رد غير مستحق أو فضالة، وقد يكون مصدره القانون، هذا و يمكن كفالة التزام أيا كان محله سواء التزام بإعطاء أو الالتزام بعمل أو الالتزام بالامتناع عن عمل، وقد يكون التزام الكفيل محلا لكفالة أخرى و يسمى هنا كفيل الكفيل أو المصدق من شروط التزام المكفول أن يكون: موجودا، صحيحا وأن يكون معينا أو قابل للتعين
*/ الشرط الأول : وجود الالتزام المكفول:
التزام الكفيل التزام تابع لا يقوم بذاته بل يستند إلى التزام آخر صحيح يضمن الوفاء به ولكن هذا لا يمنع من أن يكون الالتزام الأصلي مستقبليا أو شرطيا.
ا-كفالة الالتزام المستقبلي :
تنص المادة 650 ق.م على أنه :«تجوز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد مقدما المبلغ المكفول، كما تجوز الكفالة في الدين المشروط.
غير أنه إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة الكفالة، كان له أن يرجع فيها، في أي وقت مادام الدين المكفول لم ينشأ».
أجاز القانون كفالة الالتزام المستقبلي في هذه المادة متأثرا بالقاعدة العامة الواردة بالمادة 92/1 ق.م.ج(1) : «يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا».
(1)المادة المقابلة لهذه المادة 131 ق. مدني مصري.
فإذا كانت قاعدة التبعية تفترض وجود الدين الأصلي فإنها لا تشترطه ومنه أمكن وجود كفالة قبل وجود الدين، ومن ثمة كانت كفالة الالتزام المستقبل، هو التزام صحيح وبات لأن الالتزام المكفول وإن لم يكن موجودا إلا أنه قابل للوجود.
كفالة الالتزام المستقبل مقيدة بقاعدتين:
الأولى - وجوب تحديد المبلغ المكفول:
اشترطت المادة لانعقاد الكفالة تحديد مقدار الدين المكفول أو الحد الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه و إلا كانت باطلة و الحكمة من ذلك هو حماية الكفيل حتى يكون على بينة من الدين الذي يكفله، وحتى لا يتورط في دين لا يعرف مقداره.
ويكفي أن يكون الدين محدد المقدار أو قابل للتحديد والتعيين طبقا للقواعد العامة، وهنا يتوجب تحديد الحد الأقصى الذي يمكن أن يكفله الكفيل.
الثانية - مدة الالتزام في الكفالة المستقبلية:
متى عين الكفيل مدة معينة يلتزم خلالها بكفالة الدين المستقبل، فإنه يظل مقيد بهذه الكفالة طول هذه المدة، فلا يرجع عنها خلال المدة المحددة فإن نشأ جزء من الدين ضمنه الكفيل لأن ضمانه يقتصر على ما ينشأ من الدين خلال مدة الكفالة، فإذ لم ينشأ الدين برأت ذمة الكفيل نهائيا بانتهاء المدة ما لم يتفق على تجديدها.
أما أن لم تعين مدة للكفالة، فإن للكفيل الرجوع عنها و التحلل من إلتزامه في أي وقت ما دام الدين لم ينشأ، أما إن نشأ فإن الكفيل لا يستطيع الرجوع عنها، هذا ولكي ينتج الرجوع أثره، وجب إعلان الدائن بهذا الرجوع عن الالتزام بالكفالة طبقا للقواعد العامة التي تقضي بأن التغيير لا ينتج أثره إلا من الوقت الذي يصل فيه إلى علم الدائن.
ب-كفالة الالتزام الشرطي:
نصت المادة 650 ق.م.ج :« .. كما تجوز الكفالة في الدين المشروط ..» مؤدي المادة أن كفالة الالتزام في الدين الشرطي جائزة، و تطبق القواعد العامة في هذا الصدد، حيث تكون الكفالة تطبيقا لفكرة التبعية معلقة على ذات الشرط المعلق عليه الالتزام الأصلي سواء كان شرطا فاسخ أو واقف.
*فإذا كان الدين المكفول معلق على شرط واقف، فإن التزام الكفيل يكون معلق على ذات الشرط، فإن تحقق الشرط فإن كل من الالتزام المكفول و التزام الكفيل يصبح نافذا أو باتا أما أن تخلف الشرط الواقف زال الدين الأصلي بأثر رجعي ومعه التزام الكفيل بالتبعية و إذا كان الدين المكفول معلق على شرط فاسخ فإن الكفالة تكون كذلك فإن تحقق الشرط زال كل من التزام المدين والتزام الكفيل في نفس الوقت بأثر رجعي، أما إن تخلف الشرط الفاسخ فإن كل من الالتزامين يصبح باتا.
ج-كفالة الالتزام الطبيعي:
نظم المشرع الالتزام الطبيعي في المواد 160 إلى 163، و يقصد به الالتزام الذي يتضمن عنصر المديونية فقط، ويفتقد لعنصر المسؤولية بحيث لا يمكن إجبار المدين على الوفاء به(1).
ومن هذا المنطلق إذا كان المدين غير مجبر على تنفيذ الالتزام إن كان طبيعيا، فإنه من غير المتصور أن نضمن الوفاء بهذا الالتزام وهذا تطبيقا لفكرة التبعية، حتى لا يكون التزام الكفيل أشد التزام المدين(2)، وحتى وإن انعقدت الكفالة صحيحة ضمانا لالتزام مدني ثم تحول هذا الالتزام إلى التزام طبيعي، فيتحول التزام الكفيل أيضا.
لكن إذا قام الكفيل بالوفاء بالدين تنفيذا لالتزام طبيعي فإنه لا يمكنه أن يسترد ما دفعه لأن نص المادة 162 مدني جاء فيه : لا يسترد المدين ما أداه باختياره بقصد تنفيذ التزام طبيعي».
هذا وإذا قدم المدين في التزام طبيعي كفيل للدائن ضمانا للوفاء فسّر ذلك على أنه أراد أن يحول التزامه الطبيعي إلى التزام مدني وهذا جائز طبقا للمادة 165(3)التي نص:«يمكن أن يكون الالتزام الطبيعي سببا لالتزام مدني ».
*/ الشرط الثاني-أن يكون الالتزام المكفول صحيحا:
تنص المادة 648 مدني على أنه: « لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحا»، فطبقا لنص المادة لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام الأصلي صحيحا أي لا يمكن أن توجد كفالة على التزام باطل».
وفيما يلي نبين حكم كفالة الالتزام الباطل و كفالة الالتزام القابل للإبطال ثم كفالة ناقص الأهلية باعتبار أن المشرع خصها بحكم خاص بها.
أ-كفالة الالتزام الباطل :
يكون الالتزام الأصلي باطلا إذ اختل ركن من أركانه كأن يكون محله غير مشروع أو لم يستوف الشكل إذا كان العقد شكليا أو كان سببه غير مشروع.وعملا بفكرة تبعية الكفالة الالتزام الأصلي من حيث الصحة والبطلان، فإنه إذا كان الالتزام الأصلي باطلا كانت كفالته كذلك و يستطيع الكفيل التمسك ببطلان الالتزام الأصلي أيا كان سبب البطلان و بالتالي لا تجوز كفالته ومنه إن كان الالتزام الأصلي باطلا أعتبر محل إلتزام، الكفيل مستحيلا في ذاته.
ب-كفالة الالتزام القابل للإبطال:
الالتزام القابل للأبطال يعتبر التزاما صحيحا و منتجا لكل آثاره، حتى يحكم بإبطاله، ومنه كفالة هذا الالتزام جائزة و صحيحة، ولكنها تأخذ حكم هذا الالتزام، أي تبقى صحيحة طالما الالتزام الأصلي لا زال قائما ولم يبطل، أما إن أبطل الالتزام الأصلي فتبطل الكفالة معه بالتبعية وهو الحكم الذي ينطبق على كافة حالات القابلية للإبطال لأي عيب من عيوب الإرادة مع مراعاة الحكم الخاص بناقص الأهلية.
(1)كأن سقط الدين المدين بالتقادم ( المادة 320) ق.م.ج
(2)المادة 652 من القانون المدني الجزائري
(3)محمدي سليمان-التأمينات الشخصية عقد الكفالة، ديوان المطبوعات الجامعية، ص 19.
لكن قد يحدث أن يجيز المدين الأصلي التزامه، فما هو مصير الكفالة في هذه الحالة، أي هل يسقط حق الكفيل في طلب الإبطال بمجرد أن يصبح الالتزام الأصلي صحيحا بالإجازة أم يبقى حق الكفيل في طلب الإبطال قائما طالما لم يجز كفالته لتصبح صحيحة بدورها؟
إن الرأي الراجح في هذه المسألة هو أن حق الكفيل في طلب إبطال كفالته لا يسقط بإجازة المدين الأصلي لعقده، وإنما يبقى حق الكفيل في طلب الإبطال قائما و الحجة على ذلك هو تفسير المادة 654/2، لأنها استثنت الحالة التي لا يجوز فيها للكفيل طلب الإبطال و تحديد هذه الحالة دليل على أن المشرع لم يرد أن يحرم الكفيل من التمسك بالإبطال في كل الحالات التي يكون فيها الالتزام الأصلي قابل للإبطال، ويرى أصحاب هذا الرأي بأنه، ما عدا الحالة المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 654، وهي حالة كفالة ناقص الأهلية فإنه في بقية حالات قابلية العقد الأصلي للإبطال، فحق الكفيل لا سقط بإجازة الالتزام الأصلي لان مقتضى التبعية يجب أن يكون فيما يفيد الكفيل وليس فيما يضره.( المادة 652 ق.م.ج) و هذا للإشارة متى كان الكفيل لا يعلم بسبب القابلية للإبطال، لأنه هنا يكون له التمسك في طلب الإبطال على أساس الغلط، الذي وقع فيه باعتباره أنه اعتقد أنه كفل التزام صحيح، في الوقت الذي كفل فيه التزام قابل للإبطال(1).
ج-كفالة ناقص الأهلية:
أورد المشرع حكم خاص لكفالة ناقص الأهلية بالمادة 649 ق.م.ج والتي تنص: « من كفل التزام ناقص الأهلية، وكانت الكفالة بسبب نقص الأهلية، كان ملزم بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول، باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 654 ».
فبعد أن أقر المشرع بالمادة 654 كقاعدة عامة بأن الكفيل يبرئ بمجرد براءة المدين، وله أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين، جاء بالفقرة 2 حكم خاص بناقص الأهلية، أين قررت :« على أنه إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين هو نقص الأهلية وكان الكفيل عالما بذلك وقت التعاقد، فليس لديه أن يحتج بهذا الوجه.
لفهم حكم هذين النصين يجب أن نفرق بين 3 فرضيات:
الفرضية الأولى:حالة الكفيل الذي لا يعلم بنقص أهلية المدين المكفول، هنا التزام المدين قابل للإبطال بسبب نقص أهلية و يتبع ذلك التزام الكفيل ومن ثمة إن طلب المدين الإبطال و حكم له به، فإن التزام الكفيل ينقضي حتما و للكفيل التمسك بقابلية التزامه للإبطال ولو لم يتمسك به المدين نفسه لأنه صاحب مصلحة فيه طبقا للمادة 654/1، و يبطل التزام الكفيل هنا دون التزام المدين الأصلي لأنه لا يحكم له بالبطلان إلا إذا تمسك به صاحب الحق.
الفرضية الثانية: الحالة التي يكون فيها الكفيل عالما بنقص أهلية المدين المكفول
*هنا التزام المدين قابل للإبطال، ومعه التزام الكفيل بالتبعية، فإن تمسك المدين بإبطال التزامه وحكم له به امتد هذا الحكم إلى التزام الكفيل.
(1)هذا وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن إجازة المدين الأصلي للعقد تجعل الكفالة بالتبعية صحيحة وذلك استنادا، إلى فكرة التبعية من جهة وأن الكفيل قد كفل عند التزامه بها عقد صحيح باعتبار أن العقد القابل للإبطال صحيح عند إبرامه و منتج لكل آثاره، وأن الكفيل لا تستطيع الاستناد إلى سبب خاص بالمدين لطلب الإبطال.
*لكن إن لم يتمسك المدين بالبطلان أو أجاز العقد الأصلي القابل للإبطال فإن العقد يظل منتج لآثاره، و تطل الكفالة منتجة لآثارها وليس للكفيل الاحتجاج بنقص الأهلية لإبطال التزامه ( المادة 654/2).
الفرضية 3: الحالة التي يكفل فيها الكفيل المدين بسبب نقص الأهلية.
*وهذا الفرض الذي نصت عليه المادة 649 ق.م، وهنا يكون كل من الدائن و الكفيل الأصلي، عالما بنقص أهلية هذا المدين، فالعقد المبرم بين الدائن والمدين قابل للإبطال ومنه للمدين إبطاله، وتوقفا لهذا الاحتمال عقدت الكفالة ( بسبب نقص أهلية المدين الأصلي )
*ومنه الكفيل ضامن للوفاء بالتزام المدين إن لم يف به هو و ذلك في حالة عدم تمسكه بإبطال العقد، أما إن تمسك به و أبطل الالتزام الأصلي فإن الكفيل يصبح هو الملتزم بالوفاء لا باعتباره كفيل لأن الالتزام الذي كلفه قد زال، و إنما باعتباره مدين أصلي(1).
-وهنا يرى بعض الفقهاء أن الكفيل لا يكون كذلك، بل يكون مدين أصلي تحت شرط واقف هو عدم تنفيذ المدين للالتزام الأصلي، فإن تحقق بأن المدين لم ينفذ الالتزام وجب على من تقدم بصفته كفيل أن ينفذ الالتزام.
-بينما ذهب رأي آخرهنا بتفسير الحالة على أساس نظرية تحول العقد فالكفالة هنا صحيحة ما لم يتمسك ناقص الأهلية ببطلان الالتزام فتبطل حينذاك و يتحول إلى تعهد منشئ لالتزام أصلي في ذمة من تعهد ككفيل.
-وذهب رأي آخر إلى اعتبار كفالة ناقص الأهلية يعتبر قد أبرم عقدا مركبا يتضمن كفالة و تعهد عن الغير، يتعهد الكفيل فيه بأن لا يستعمل المدين حقه في طلب الإبطال متعهدا بأن يقوم على سبيل التعويض بتنفيذ الالتزام الأصلي إن أخل بتعهده عن الغير وطلب المدين الإبطال، فإن حدث وطلبه و حكم له بذلك فزال الالتزام الأصلي ومعه التزام الكفيل فإنه يتحقق عند ذلك الإخلال بالتعهد عن الغير و يلتزم عندها الكفيل المتعهد بالتنفيذ على سبيل التعويض لأنه مخل بالتزامه، ويكون هنا التزامه أصلي غير تابع لغيره.
*/ الشرط الثالث-تعيين التزام الكفيل:
يجب أن يكون محل التزام الكفيل معين أو قابلا للتعين، وإلا كانت الكفالة باطلة، وتعيين التزام الكفيل يرتبط بتعيين التزام المدين، وباعتبار أن التزام الكفيل مستقل عن التزام المدين، فإنه من الجائز، والممكن أن يختلف محل كل من الالتزامين إلا أن هذا الاختلاف مقيد بقاعدة أساسية، وهي أن التزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشد من التزام المدين(2) ولتبسط هذا يجب علينا أن نميز بين نوعين من أنواع الكفالة وهما الكفالة المطلقة و الكفالة المحددة.
ا/الكفالة المطلقة:
تكون كذلك متى وردت بصيغة عامة، وبعبارات مجملة غير مبينة لحدود الالتزام و نطاقه، وهنا يتحدد نطاق الكفالة على ضوء الدين المكفول(3)، ويسأل الكفيل مسؤولية مطابقة لالتزام المدين في مقداره و أوصافه.
(1)هذا وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن إجازة المدين الأصلي للعقد تجعل الكفالة بالتبعية صحيحة وذلك استنادا، إلى فكرة التبعية من جهة وأن الكفيل قد كفل عند التزامه بها عقد صحيح باعتبار أن العقد القابل للإبطال صحيح عند إبرامه و منتج لكل آثاره، وأن الكفيل لا تستطيع الاستناد إلى سبب خاص بالمدين لطلب الإبطال.
(1)نص المادة 652 ق.م.ج
(3)و يكون التحديد هنا يتعين الدين الأصلي المكفول تعين دقيق، و تعين محله، مصدره و أطرافه، فمتى تحدد الالتزام المكفول على هذا الشكل دون تحديد التزام الكفيل فإن التزام هذا الأخير يكون مطابق لالتزام المدين لأنه جاء مطلق
ومنه التزام الكفيل في الكفالة المطلقة يشمل : أصل الدين وكذلك الملحقات والمصروفات طبقا لنص المادة 653 ق.م.ج التي نصت :
«إذا لم يكن هناك اتفاق خاص فإن الكفالة تشمل ملحقات الدين و مصروفات المطالبة الأولى وما يستجد من المصروفات بعد إخطار الكفيل ».
ومنه فإن محل التزام الكفيل في الكفالة المطلقة يتكون بالإضافة إلى أصل الدين المكفول : والذي يتضمن الدين دون زيادة أو نقصان، ومنه التزام الكفيل مماثل للدين المكفول في مقداره،شروطه، أوصافه.
1-ملحقات الدين: ويشمل التعويضات التي يلتزم بها المدين بسبب إخلاله بالتزامه، و تشمل أيضا فوائد الدين و إن كان التشريع الجزائري يبطل الفائدة بين الأفراد(1) إلا أنه يجيزها إذا كان المقرض مؤسسة(2).
2-مصروفات المطالبة الأولى: وهي التي ينفقها الدائن عند المطالبة بالدين و تشمل تكاليف الأعذار و رسوم رفع الدعوى أي يشمل المصاريف السابقة على المطالبة القضائية.
3-ما يستجد من المصروفات بعد إخطار الكفيل: وهي مصروفات لا يضمنها الكفيل إلا إذا كانت قد صرفت بعد الإخطار من قبل الدائن بأنه قد قام بمطالبة المدين، فالمدين ملزم بإخطار الكفيل برجوعه على المدين ليفي بالدين الذي لم يف به هذا الأخير فإن لم يقم بذلك تحمل الكفيل كل هذه المصاريف لأنه كان من الممكن أن يتفاداها بوفائه، فإن لم يخطر لا يلزم بدفعها، و يقتصر التزامه على مصروفات المطالبة الأولى.
ب-الكفالة المحددة:
إذا لم يرد الكفيل الالتزام بضمان كل دين المدين و ملحقاته فما عليه إلا تحديد محل التزامه تحديدا دقيقا وهذا جائز عملا بالقاعدة التي تقضي بأنه يجوز أن يكون التزام الكفيل أخف من التزام المدين، فقد لا يلتزم الكفيل إلا بجزء من الدين أو يلتزم به دون ملحقاته و المصاريف فعقد الكفالة هو الذي يحدد محل التزام الكفيل، ومن أمثلتها أن يتم تحديدها من حيث المدة بأن لا تتعدى وقت محدد لها أو أن يتم كفالة ديون ما قد تنشأ خلال فترة معينة فقط، وهو الشيء المستمد من مضمون.
القاعدة الناصة على أنه لا تجوز الكفالة في مبلغ أقل و بشروط أهون(3) هذا و يستفيد الكفيل من كل تغير طارئ في الالتزام الأصلي يكون فيه مصلحة له فإن تنازل الدائن عن جزء من حقه أو قام بتقسيط الوفاء فإن الكفيل يستفيد من كل ذلك و يخف التزامه بالتبعية، وكذلك إن تم إعفاؤه من الفوائد أو إنقاص سعرها، فيتمسك الكفيل بكل ذلك في مواجهة الدائن.
(1)وهو جاء بنص المادة 454 بقولها: «الفرض بين الأفراد يكون دائما بدون أجر ويقع باطلا كل نص يخالف ذلك».
(2)وهو ما جاء بالمادة 456 بقولها :« يجوز لمؤسسات القرض التي تمنح فروض فروضا قصد تشجيع النشاط الاقتصادي الوطني أن تأخذ فائدة يحدد قدرها بموجب قرار الوزير المكلف بالمالية ».
(3)المادة 654/2 ق.م.ج
السبب:
إن تحديد ركن السبب في عقد الكفالة، صعب و ترجع هذه الصعوبة إلى طبيعته الخاصة باعتبارها عملية قانونية ثلاثية، إذ هناك العلاقة بين الدائن والمدين ثم العلاقة بين الكفيل والدائن و بين الكفيل والمدين وهذه الأخيرة رغم أهميتها إلا أنها خارجة عن نطاق عقد الكفالة لأن المدين ليس طرفا فيها، وهنا قد يكون سبب كفالته هو إسداء خدمة بتوفير الاتمان للمدين أو مقابل يتقاضاه منه أو قد يكون بقصد قضاء دين عليه لهذا الأخير.
-ومنه هل يستطيع الكفيل أن يحتج في مواجهة الدائن بما قد يعتري علاقته بالمدين من عدم وجود السبب أو عدم مشروعية الباعث و بناءا عليه يطالب ببطلان الكفالة؟(1).
-ذهب البعض إلى عدم جواز ذلك لأن الكفالة تصرف مجرد، فالتزام الكفيل صحيح ولو لم يكن له سبب أو كان سببه غير مشروع، بينما رأي البعض الآخر خاصة في مصر و فرنسا عكس ذلك بوجوب أن يكون للالتزام سبب مقصود وأن يكون الباعث الرئيسي الدافع إلى التعاقد مشروع.
-ولعل السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا التزم الكفيل في مواجهة الدائن؟
والإجابة على هذا السؤال لا نجدها في العلاقة بين الكفيل والدائن، ولكن نجدها في العلاقة بين الدائن والمدين أين نجد أن الكفيل التزم في مواجهة الدائن ليسمح للمدين بالحصول على الائتمان من الدائن وهذا هو سبب التزام الكفيل و بشرط أن يكون موجود لحماية الكفيل حتى الالتزام في مواجهة الدائن دون سبب وهو السبب الذي يتوافق و الشروط الموضوعية للنظرية التقليدية للسبب ( سبب موضوعي مجرد و مباشر وغير متغير ) هذا و عدم وجوده يؤدي إلى بطلان التزام الكفيل.
-أما الباعث الرئيسي أو الدافع للتعاقد، فهو شخصي وغير مباشر و متغير، يختلف من كفيل إلى آخر، ويشترط فيه أن يكون مشروعا.
كما يتوجب أن يكون المتعاقد الأخر-الدائن- على علم به وذلك لاستقرار المعاملات وحتى لا يفاجأ ببطلان عقد لا يعلم عن سببه شيء، وإن كان الدافع إلى التعاقد غير مشروع كان العقد باطل يشترط أن يكون الدائن عالما به(2).
هذا و إذا قام نزاع حول وجود السبب أو مشروعيته فإن عبء الإثبات يقع على عاتق الكفيل إذ عليه أن يثبت عدم وجود السبب أو مخالفته للنظام العام و الآداب و علم الدائن بالباعث الدافع للتعاقد أو إمكانية علمه بذلك، وله في ذلك أن يلجأ لكافة طرق الإثبات.
(1)زكي محمود جمال الدين، التأمينات الشخصية والعينية صفحة 75.
(2)ومثاله أن يكفل شخص خليلته لا لشيء إلا ليحظر باستمرار معاشرها له فالباعث الدافع الرئيسي غير مشروع لمخالفته لحسن الآداب.
الخاتمة :
بعد دراستنا «عقد الكفالة» كأبرز وأهم أنواع التأمينات الشخصية، يتبين لنا أن هذا الضمان الشخصي عاجز عن تحقيق الحماية الفعالة والمثلى للدائن أو الدائنين إذ قد يفقد الكفيل أو الكفلاء حال تعددهم أحد الشروط الموضوعية الواجبة فيهم كأن يتعرض للإعسار أو يفقد أهليته، ضف إلى ذلك أن الدائن في هذا الضمان يظل دائنا عاديا إذ يشترك مع غيره من الدائنين في الضمان العام، و لا يتميز أبدا عن غيره،فما هي الأثار التي تلحق بعقد الكفالة حين يتم إنعقاده؟.
قائمة المراجع:
أولا: الكتب القانونية باللغة العربية
/الدكتور أحمد شرف الدين :التأمينات الشخصية والعينية –دار النهضة العربية (القاهرة) بدون تاريخ النشر.
/الدكتور امحمد صبري السعيدي: عبد الكفالة في التشريع الجزائري، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة.
/الدكتور أحمد محمود سعد : عقد الكفالة، دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة طبعة 1، 1994.
/زكي محمود جمال الدين –التأمينات الشخصية والعينية، القاهرة – مطابع دار الشعب 1979.
/الدكتور زهية سي يوسف: عقد الكفالة، دار الأمل، تيزي وزو، طبعة 2001.
/الدكتور سمير عبد السيد تناغو : التأمينات الشخصية والعينية منشأة المعارف – الإسكندرية، طبعة 1975.
/الدكتور السنهوري عبد الزراق: الوسيط في شرح القانون المدني في التأمينات الشخصية والعينية-دار النهضة العربية، القاهرة- القاهرة 1970.
/الدكتور محمد حسين : الوجيز في التأمينات الشخصية والعينية في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، بدون تاريخ النشر.
/الدكتور محمدي سليمان : بدونه التأمينات الشخصية، عقد الكفالة، ديوان المطبوعات الجامعية.
رابعا: القوانين
-القانون المدني الجزائري الصادر، بموجب الأمر 75/58 مؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق لـ:26 سبتمبر 75 والمعدل المتمم بالقانون الثالث 1980 المتعلق بالتأمينات و 1984 المتضمن قانون المالية سنة 1985.
الفهرس
المبحث الأول: ماهية عقد الكفالة ------------------------------------------- 3
المطلب الأول: تعريف عقد الكفالة و خصائصه ---------------------------------- 3
الفرع الأول: تعريفها ---------------------------------------------------------- 3
الفرع الثاني: خصائصها ------------------------------------------------------ 4
1-عقد ضمان شخص -------------------------------------------------------- 4
2-عقد ملزم لجانب واحد هو الكفيل ---------------------------------------------- 4
3-عقد الكفالة رضائي ------------------------------------------------------- 5
4-عقد تبعي -------------------------------------------------------------- 6
5-عقد تبرعي ------------------------------------------------------------- 7
المطلب الثاني: تمييز عقد الكفالة عن بعض الأنظمة الأخرى المشابهة لها ----------------
9
1 / التضامن بين المدنيين ---------------------------------------------- 9
2 / الإنابة الناقصة --------------------------------------------------- 9
3 / التعهد عن الغير -------------------------------------------------- 10
المبحث الثاني: أنواع الكفالة والأركان الوجبة لقيامها ------------------------------ 11
المطلب الأول: أنواع الكفالة والشروط الواجبة التوفر في شخص الكفيل ------------------- 11
الفرع الأول : أنواع الكفالة ------------------------------------------ 11
1 – أنواعها حسب مصدرها --------------------------------------------- 11
2 – أنواعها حسب طبيعتها ---------------------------------------------- 12
3 – أنواعها حسب محلها ----------------------------------------------- 13
الفرع الثاني : الشروط الواجبة التوفر في شخص الكفيل ------------------------- 14
المطلب الثاني: أركان عقد الكفالة -----------------------------------------
17
أولا : الرضا -------------------------------------------------------------- 17
- الأهلية : --------------------------------------------------------------- 17
- عيوب الإدارة ------------------------------------------------------------ 18
ثانيا : المحل -------------------------------------------------------------- 19