بحث حول عقد الامتياز تعريف عقد الامتياز أركانه وخصائصه
المطلب الأول تعريف عقد الامتياز
المطلب الثاني أركان عقد الامتياز
المطلب الثالث:خصائص عقد الامتياز
المبحث الثاني : مكانة عقد الامتياز في تشريع الإدارة المحلية والنزاعات الناتجة عنه
المطلب الأول : مكانة عقد الامتياز في قانون البلدية و الولاية
المطلب الثاني : النزاعات الناتجة عن الامتياز
خاتمة
مقدمة
لقد بات واضحا في كل الدول وبعد انتهاج سياسات اقتصادية كثيرة ومتنوعة أن النهوض بأعباء التنمية الشاملة في أي دولة لا يمكن أن يضطلع به القطاع العام لوحده أيا كانت وسائله البشرية والمادية ، بل ينبغي لضمان أطر ناجحة إفساح المجال للقطاع الخاص ليساهم في بناء الحركة التنموية ويدفع بها إلى الأمام.
وترسخ الاعتقاد في كل الدول أن السياسة التنموية الهادفة والجادة هي التي تسعى إلى الرفع من المستوى المحلي و تهدف إلى جعل الجماعة المحلية البنية الأساسية للتنمية وقطب إشعاع اقتصادي واجتماعي.
واتخذت مساهمة القطاع الخاص أشكالا كثيرة في العملية التنموية منها عقد الامتياز ،والذي ارتبط ظهوره بتطور وظائف الدولة .فالدولة حتى وقت قريب كانت تمارس وظائف تقليدية من أمن وعدل ودفاع ،غير أنها ونظرا لدواعي موضوعية اضطرت إلى التدخل في ميادين شتى اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.وشمل تدخلها كل المشاريع التي عرفت باسم المنافع الكبرى كالكهرباء والغاز والاتصالات والنقل والمحروقات.
وظهر على المستوى القانوني والاقتصادي مبدأ الحماية الاقتصادية الذي استوجب هذا التدخل بهدف تلبية وإشباع الحاجات العامة .
ولا أحد يستطيع أن ينكر أن التدخل المفرط للدولة في ميادين عدة وقطاعات متنوعة سبب لها متاعب جمة. وتأكدت هذه الحقيقة في كل الدول. لذا بات لازما التفكير في أطر أخرى تحفز القطاع الخاص على الاضطلاع بأعباء التنمية وتفتح سبل الشراكة بينه وبين القطاع العام وفقا لضمانات محددة ومعروفة وهو ما ترجمته قوانين الاستثمار في العديد من الدول ومنها الدول المغاربية. وكأن هذا التطور لوظائف الدولة سيقودنا حتما إلى التوقف بهدف التمعن في مفهوم جديد للدولة بدت في معاملة الوضوح ومفهوم جديد لإدارة المرافق العامة.
وإذا كان المشرع الجزائري كرس آليات كثيرة للتعاون والشراكة بين القطاع الخاص والإدارة المحلية وهو ما أكدته تشريعات وتنظيمات ،فإن السؤال المطروح:
إلى أي مدى ساهم عقد الامتياز في تطوير علاقة الشراكة بين الإدارة المحلية والقطاع الخاص؟
المبحث الأول : تعريف عقد الامتياز أركانه وخصائصه
المطلب الأول : تعريف عقد الامتياز : سنتولى في هذه المداخلة عرض التعريف التشريعي الفقهي والتعريف القضائي.
أ) التعريف التشريعي :
الأصل أن المشرع يعزف عن إعطاء تعريف لمصطلحات قانونية تاركا هذه المهمة للفقه والقضاء غير انه وبالرجوع لبعض القوانين نجدها قد عرفت عقد الامتياز من ذلك المادة 4 من الأمر 96-13 المؤرخ في 15 يونيو 1996 و المتضمن قانون المياه: (يقصد بالامتياز بمفهوم القانون عقد من عقود القانون العام ،تكلف الإدارة بموجبه شخصا اعتباريا عاما أو خاصا ،قصد ضمان أداء خدمة ذات منفعة عمومية)
ب) التعريف الفقهي :
اعتبر الدكتور سليمان الطماوي عقد الامتياز من أشهر العقود الإدارية المسماة،ولعله كما قال أهمها أيضا في الدول غير الاشتراكية .وعرفه أنه "عقد إداري يتولى الملتزم فردا كان او شركة بمقتضاه وعلى مسؤوليته، إدارة مرفق عام اقتصادي واستغلاله مقابل رسوم يتقاضاها من المنتفعين، مع خضوعه للقواعد الأساسية الضابطة لسير المرافق العامة فضلا عن الشروط التي تضمنتها عقد الامتياز".1
وعرفه الدكتور عصمت عبد الله الشيخ بأنه :2 " اتفاق يتم بين الإدارة وبين أحد الأفراد أو الشركات بمقتضاه يتعهد الملتزم بتقديم خدمة عامة للجمهور على نفقته وتحت مسؤوليته وطبقا للشروط التي يحددها ذلك الاتفاق من حيث السعر أو من حيث الكيفية التي تؤدى بها الخدمة وذلك مقابل الإذن لهذا الفرد أو لهذه الشركة باستغلال المشروع لفترة معينة من الزمن ويقوم الاستغلال عادة في صورة التصريح للملتزم بتحصيل رسم معين من المنتفعين من المرفق"
وعرف جانب من الفقه في الجزائر3 عقد الامتياز بأنه :عقد أو اتفاق ،تكلف الإدارة المانحة سواء كانت الدولة أو الولاية أو البلدية بموجبه شخصا طبيعيا (فرد) أو شخصا معنويا من القانون العمومي (بلدية مثلا) أو من القانون الخاص (شركة مثلا) يسمى صاحب الامتياز بتسيير و استغلال مرفق عمومي لمدة محددة ،ويقوم صاحب الامتياز بإدارة هذا المرفق مستخدما عماله وأمواله ومتحملا المسؤولية الناجمة عن ذلك وفي مقابل القيام بهذه الخدمة أي تسيير المرفق العمومي ، يتقاضى صاحب الامتياز مقابل مبلغ مالي يحدد في العقد يدفعه المنتفعين بخدمات المرفق.
ورغم أن عقد الامتياز يعتبر عقدا يتجلى فيه مبدأ سلطان الإرادة كأي عقد ولو في جوانب جزئية ومحددة، إلا أنه مع ذلك يتضمن جوانب عامة ويحتوي على سلطات إدارية معترف بها لجهة الإدارة تمارسها تجاه المتعهد بما يجعله أكثر اقترابا من عقود القانون العام .
ج) التعريف القضائي :
جاء في قرار مجلس الدولة الجزائري الصادر في 9 مارس 2004 قضية رقم 11950 فهرس رقم11952 ما يلي: "أن عقد الامتياز التابع لأملاك الدولة هو عقد إداري تمنح بموجبه السلطة الامتياز للمستغل ،بالاستغلال المؤقت لعقار تابع للأملاك الوطنية بشكل استثنائي وبهدف محدد ومتواصل مقابل دفع أتاوة لكنه مؤقت وقابل للرجوع فيه..."
من هذا التعريف يتضح لنا أن مجلس الدولة اعترف صراحة بالطابع الإداري والطابع العام لعقد الامتياز بما يخوله من سلطات استثنائية لجهة الإدارة تمارسها تجاه الطرف المتعهد .
المطلب الثاني : أركان عقد الامتياز
يتمتع عقد الامتياز بأركان خاصة تميزه عن غيره من العقود الأخرى هي كما يلي :
الأطراف أو ما يطلق عليه بالجانب العضوي :
و يتمثل أساسا أن عقد الامتياز أو الالتزام يضم وجوبا جهة إدارية ممثلة في الدولة أو الولاية أو البلدية من جهة وأحد الأفراد أو الشركات من جهة أخرى.
المحل :
ينصب عقد الامتياز أو الالتزام على إدارة مرفق عام عادة ما يكون اقتصاديا فلا يتصور أن تعهد الإدارة لأحد الأفراد أو الشركات بإدارة مرفق إداري لما في ذلك من خطورة تمتد آثارها لفئة المنتفعين.ثم أن المرافق الإدارية عادة لا تستدرج في نشاطها القطاع الخاص بحكم عدم استهدافها لمعيار الربح. وهو المعيار المحرك لهذا القطاع.
الشكل :
إن نقل المرفق لأحد الأفراد أو الشركات يتم بموجب وثيقة رسمية تتضمن جميع الأحكام المتعلقة بتسيير المرفق وضمان أداء الخدمة والتي تضعها الإدارة بإرادتها المنفردة ويجب على الملتزم التقيد بها إذا رضي التعاقد مع الدولة أو الولاية أو البلدية .
ومن هنا فلا إلزام إلا بموجب دفتر الشروط تحدد فيه الإدارة سلفا سائر الأحكام المتعلقة بتسيير المرفق بما في ذلك الأحكام التي تمتد آثارها إلى فئة المنتفعين.
وجدير بالإشارة أن عقد الامتياز وإن تجسد في رابطة قانونية تجمع بين الإدارة والمتعاقد معها ، إلا أن هذا العقد يبنى أساسا على دفتر شروط تقوم الدولة أو الولاية أو البلدية بإعداده.ومثال ذلك دفتر الشروط المتعلق بالامتياز الممنوح من الدولة إلى البلديات لاستغلال المحلات التجارية للعرض السينمائي والمنشئ بموجب قرار وزاري مشترك المؤرخ في 17 مارس 1967 (جريدة رسمية رقم 26).
وكذا دفتر الأعباء النموذجي المتعلق بمنح امتياز الطريق السريع والمنشئ بموجب المرسوم التنفيذي رقم 96-38 المؤرخ في 8 سبتمبر 1996 (جريدة رسمية رقم 55).
المطلب الثالث : خصائص عقد الامتياز
نستنتج من التعريف التشريعي والتعريفات الفقهية والقضائية سابقة الذكر أن عقد الإمتياز يتمتع بالخصائص التالية.
1-أنه عقد إداري يربط بين سلطة إدارية وبين أحد الأفراد أو الشركات.وليس هناك ما يمنع أن يربط عقد الامتياز بين شخص إداري وشركة من القطاع العام.
2-إن الإدارة في هذا العقد بالذات تتمتع بسلطات استثنائية تفرضها صفتها كشخص من أشخاص القانون العام. وهذا بغرض حماية فئة المنتفعين.
3-يلزم المتعاقد مع الإدارة أن يتولى تسيير مرفق عام يحدده العقد. ويتقيد بكل الضوابط بما فيها المالية.وكذلك تجسيد المساواة بين فئة المنتفعين.
4-يتحمل الملتزم في عقد الامتياز النفقات الناتجة عن تسيير المشروع ويضمن له سيرا منتظما ومطردا . وبالمقابل تلتزم جهة الإدارة في حال اختلال توازنه المالي بأن تعيد له هذا التوازن وهذا ما أقره القضاء المقارن .
المبحث الثاني : مكانة عقد الامتياز في تشريع الإدارة المحلية والنزاعات الناتجة عنه
المطلب الأول : مكانة عقد الامتياز في قانون البلدية و الولاية
لجأت السلطات العمومية في الجزائر منذ الاستقلال إلى استخدام عقد الامتياز لكن بنسب متفاوتة بين مرحلة وأخرى وهذا بالنظر للنظام السياسي والاقتصادي السائد. وهذا أمر طبيعي طالما عرفت البلاد أربعة دساتير تضمنت قواعد مختلفة. وأوكل كل دستور دورا مختلفا للدولة وبالتالي لكل من الولاية والبلدية.
فلقد اهتمت السلطة في السنوات الأولى للاستقلال بالتأميم كآلية تحكم في إدارة المشروعات الاقتصادية الكبرى. وبعد صدور قانون البلدية الأول بموجب الأمر 67-24 المؤرخ في 18جانفي1967 كان لزاما على السلطة الاعتراف بعقد الامتياز محاولة منها لتوسيع إدارة المرافق العامة.
واعترفت المادة 220 من الأمر المذكور للبلديات باللجوء للامتياز غير أنها جعلت اللجوء لهذه الوسيلة طريقة استثنائية إذ الأصل هو الاستغلال المباشر المكرس بموجب المادة 212 من نفس الأمر .أو الاستغلال بطريق المؤسسة الثابت بموجب المادة 219 من قانون البلدية.وصدر الأمر 69-38 المؤرخ في 23ماي 1969 المتضمن قانون الولاية وتضمنت المادة 136 منه إمكانية لجوء الولاية لعقد الامتياز لاستغلال بعض المصالح العمومية بعد مصادقة وزير الداخلية على ذلك.
وبذلك تعذر اللجوء للامتياز بالنسبة للإدارة المحلية إلا إذا ثبت عدم إمكانية إما الاستغلال المباشر أو الاستغلال بطريق المؤسسة.
وطالما تبنت الجزائر النظام الاشتراكي أسلوبا ونمطا اقتصاديا لأكثر من عقدين من الزمن وتكرس ذلك أساسا في الميثاق الوطني وفي دستور الدولة خاصة لسنة 1976فقد فرض عليها هذا النظام أن تركز أكثر على القطاع العام وتشجع فكرة إنشاء المؤسسات العمومية الاقتصادية المحلية والمقاولات وصولا للهدف الكبير ألا وهو سيطرة الدولة أو القطاع العام على كل النشاطات والقطاعات وهو ما أدى إلى اتساع وظائف الدولة بشكل مفرط وبالنتيجة أدى إلى تضاءل نسب اللجوء لعقد الامتياز ومحدوديته كآلية شراكة خاصة مع القطاع الخاص.
ولقد صدرت مراسيم كثيرة عقب ظهور قانون البلدية لسنة 67 تعترف للبلدية كهيئة عمومية بممارسة الامتياز من ذلك المرسوم 67- 167 المؤرخ في 24أوت 1967 المتضمن منح امتياز المحال التجارية ذات الاستعمال أو الطابع السياحي من طرف الدولة للبلديات.
وهاهو الأمر 76-130 المؤرخ في 22 يوليو 1967المتضمن تنظيم النقل البري يعترف صراحة في المادة 22 منه أن الأولوية في مجال النقل البري تعطى للقطاع الاشتراكي أو البلديات أو للأشخاص المعنوية العامة وبصفة استثنائية تعطى لأشخاص طبيعيين.
و بعد أن شهدت الدولة دستورا جديدا سنة 1989 أفرغ من الجانب الإيديولوجي جاء قانون البلدية لسنة 90-رقم 90-08 المؤرخ في 7 أبريل 1990 ليكرس عقد الامتياز بموجب المادة 138 والتي جاء فيها:
إذا لم يكن استغلال المصالح العمومية البلدية استغلالا مباشرا دون أن ينجم عن ذلك ضرر جاز للبلدية منح الامتياز.
يصادق الوالي على هذه الاتفاقيات التي حررت لهذا الغرض بموجب قرار إذا كانت مطابقة لنماذج الاتفاقيات المعمولة حسب قواعد الإجراءات السارية المفعول .
وثبت عقد الامتياز في المادة 130 من القانون رقم 90-09 المؤرخ في 7 أبريل 1990 والمتعلق بالولاية إذا تعذر استغلال المصالح العمومية الولائية في شكل استغلال مباشر أو مؤسسات يمكن للمجلس الشعبي الولائي أن يرخص باستغلالها عن طريق الامتياز.
يصادق على العقود المبرمة في هذا الصدد بموجب قرار من الوالي . وينبغي أن تكون مطابقة لدفتر الشروط النمودجي المصادق عليه وفقا للقواعد والإجراءات المعمول بها.
وبالرجوع إلى أحكام المادتين المذكورتين نستنتج أن المشرع يشترط على الإدارة المحلية عند اللجوء إلى أسلوب الامتياز في إدارة وتسيير المرافق العامة ما يلي :
أ-تعذر إدارة تسيير المرفق العام بإحدى الطرق العامة كالاستغلال المباشر والمؤسسة العامة نظرا لتنوع وظيفة الدولة وتدخلها في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وتوسع نطاق الخدمة.
ب- ضرورة إجراء مداولة من طرف المجلس الشعبي البلدي أو الولائي حسب الحالة .
وهو ما يؤكد الطابع الجماعي في اتخاذ قرار اللجوء للامتياز.
ج-إبرام اتفاق بين الطرفين (عقد الامتياز) شريطة أن يكون مطابقا لدفتر الشروط النموذجي الذي يحدد القواعد القانونية السارية على المرافق العامة التي تدار بهذه الطريقة والذي تضعه وتعده الإدارة مسبقا وبإرادتها المنفردة .
-تصديق الوالي على الاتفاق المتضمن عقد الامتياز كشكل من أشكال الرقابة الإدارية.
ومما هو جدير بالذكر وعند الجمع بين قانون الولاية وقانون البلدية يتبين لنا أن جهة المصادقة على الامتياز وإن كانت واحدة ،غير أن المشرع كان أكثر دقة في قانون الولاية حيث احترم في نص المادة 130 سلم الأولويات بشأن أساليب إدارة المرافق العامة فذكر الاستغلال المباشر وتبعه بأسلوب المؤسسة وفي المرتبة الثالثة أسلوب الامتياز.في حين اكتفى في المادة 138 من قانون البلدية بذكر أسلوب الاستغلال المباشر وتبعه بأسلوب الامتياز وأغفل بذلك أسلوب المؤسسة العمومية.
ومهما يكن من أمر فإن مكانة عقد الامتياز أو أسلوب الامتياز بالنسبة للإدارة المحلية يأتي بعد أسلوب المؤسسة .
غير أن الواقع المالي للبلديات والذي عانت منه أكثر من عقد من الزمن دفع هذه الجهات الإدارية إلى تراجع واضح خاصة في الميدان الاقتصادي وبالتحديد في المجال المتعلق بإنشاء المؤسسات الاقتصادية المحلية بنوعيها التجارية والصناعية.ويكفي إجراء مقارنة من حيث عدد المؤسسات البلدية والمقاولات بين مرحلة سابقة لسنة 2000 ومرحلة لاحقة لها.
وإذا كان قانون البلدية قد اعترف للبلدية بممارسة اختصاصات ذات طابع اقتصادي وهو ما أعلنت عنه مواد كثيرة منها خاصة المادة 88 والمادة 109 من القانون 90/08، إلا أن السياسة الاقتصادية للدولة والتوجه الاقتصادي الجديد أدى إلى تضاءل هذا الدور.
ومن المؤكد أن عدم إقدام البلديات على استغلال المرافق العمومية الاقتصادية بواسطة مؤسسة محلية مستقلة سيؤدي بها حتما إلى اعتماد أسلوب الامتياز بهدف المحافظة على دورها الاقتصادي من جهة وتلبية الحاجة العامة من جهة أخرى وتفعيل قواعد قانون البلدية وهو ما يجعلنا أمام حقيقة لم يمكن إنكارها أن رهان المستقبل سيجعل من عقد الامتياز أحد أهم أدوات وآليات مشاركة القطاع الخاص مع الإدارة العمومية في الاضطلاع بأعباء التنمية الشاملة.
المطلب الثاني : النزاعات الناتجة عن الامتياز
قد يفرز ابرام عقد الامتياز وتنفيذه منازعات شتى بين صاحب الامتياز والهيئة المانحة للامتياز وأخرى بين صاحب الامتياز والغير ويقصد بالغير المنقسمين من الامتياز يجعل اللجوء إلى القضاء أمرا مفروضا للفصل في هذه المنازعات. وسيتم تفصيل أولا المنازعات الناتجة عن امتياز في مجال القانون 10-03 المحدد لشروط وكيفيات استغلال الأراضي الفلاحية التابع للأملاك الوطنية الخاصة.
أولا- المنازعات الناتجة عن امتيازات الأراضي الاستصلاحية :
يعرف الاختصاص القضائي بأنه الأهلية القانونية لجهة القضائية بالنظر في المنازعات ويتفرع إلى اختصاص نوعي وإقليمي ويشكل قاعدة الاختصاص القاعدة الأولى التي تثيرها وينظر فيها القاضي الإداري أو العادي مهما كانت طبيعتها (قاعدة الاختصاص النوعي. أو قاعدة الاختصاص الإقليمي(
وعليه ستعرف الجهتين انقسامين حول الاختصاص هل صاحب الاختصاص القضاء الإداري او القضاء العادي؟
أ-الجهة الإدارية أو القضاء الإداري :
نصت المادة 800 من قانون الإجراءات الدنية والإدارية ((...تخص بالفصل في اول درجة بحكم قابل للاستئناف في جميع القضيا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا منها)) فالمبدأ العام الوارد في المادة 800 هو تكريس للمعيار العضوي.
وقد أكد الدكتور عمار عوابدي أن المعيار العضوي يمتاز بالبساطة والوضوح والمنطقية- إلى حد ما- إلا أنه يتصف بالسطحية والعجز في بعض الحالات إلى تحديد اختصاص المحكمة الإدارية .
وعملا بالمعيار العضوي المعتمد في القانون الجزائري فإن المنازعات المثارة بين صاحب الامتياز والإدارة المانحة للامتياز يؤول الاختصاص فيها الي القاضي الإداري فكل نزاع تكون الدولة طرفا فيه .
ب- الجهة القضائية العادية :
بدون شك أن المنازعات المثارة بين صاحب الامتياز والغير حول تنفيذ عقد الالتزام تخضع الاختصاص القضاء العادي. كونها منازعات بين أشخاص طبيعيين أو الخواص وهي متعلقة بالمسؤولية التقصيرية؛ دون تدخل الإدارة كطرف فيها.
ثانيا- المنازعات الناتجة عن الامتياز في إطار قانون التوجيه الفلاحي :
لم تنص النصوص القانوني المتعلقة بالتوجيه الفلاحي على أنه تدخل للقضاء سواء القضاء الإداري أو القضاء العادي. ولم يحدد قواعد خاصة متعلقة بالمنازعات. كما كان في السابق في إطار القانون 87-19 والمنازعات المتعلقة بالمستثمرات الفلاحية وهذا بناءا على المراسيم التنفيذية المعتمدة وهي: 89-51 المحدد لكيفيات تطبيق المادة 29 من القانون87-219. السالف الذكروالمرسوم التنفيذي 90-51 الذي يضبط كيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية الخاصة وتحدد حقوق المنتجين وواجباتهم وهذا عند إخلال أحد أو مجموعة أعضاء المستثمرة الفلاحية الجماعية أين يتم رفع دعوى من المستثمرة الفلاحية ممثلة في ممثلها القانوني بصفتها شركة مدنية أو في حلة إخلال المستثمرة الفلاحية للالتزامات الواقعة عليها.
تجدر الإشارة أنه في حالة إطلال صاحب الامتياز بالتزاماته أجاز للإدارة اعتماد مباشرة الفسخ الإداري ولصاحب الامتياز مدة شهرين من تاريخ تبليغه من أجل الطعن.
خاتمة
يعد عقد الامتياز من أشهر العقود وأقدمها على الإطلاق فقد اشتهر منذ العصور الأولى للعهد الإسلامي ثم العهد العثماني وبعده العهد الاستعماري انتفالا للمرحلة الاشتراكية للدولة المستقلة ثم مرحلة الاقتصاد الليبيرالي التي تبنتها الجزائر الديمقراطية بعد دستور 1989 م وقد اعتبر وليد الايديولوجية الليبرالية في تسيير المرافق العمومية. كما ساير كل الأنظمة خلال كل المراحل باعتباره وسيلة للتسيير والاستغلال والإدارة فهو اختيار ايديولوجي يتماشى مع النظام الليبرالي يسمح بخوصصة تسيير واستغلال المرافق العامة من طرف الخواص بأكثر فعالية.
كما أنه يتماشى الامتياز مع إدارة واستغلال الأملاك الوطنية العمومية التي تخضع لقاعدة المنع الثلاثية وللنظرة التقليدية القائمة على الاستعمال الجماعي للأملاك والاستعمال المباشر أو عن طريق المرافق العمومية هذا من جهة ومن جهة أخرى الامتياز أن الأملاك العمومية الخاصة تؤدي وظيفة امتلاكيه ومالية فإنها بلا تتماشى والامتياز وبالرغم من هذا فإن المشرع خرج عن هذا المبدأ العام وطبق الامتياز على هذه الأملاك وعلى العقارات التابعة للدولة خاصة الفلاحية والصناعية غير أنه تختلف عن الامتياز في القواعد العامة لكونه لا يتضمن قرارات تنفيذية ولا يجوز للإدارة التدخل في إدارة الأملاك سوى حقها في المعلومات حول إدارة المشروعات وحق الرقابة.
المراجع
1 الدكتور سليمان محمد الطماوي،الأسس العامة للعقود الإدارية،دار الفكر العربي،الطبعة الخامسة،1991،ص 108
2 الدكتور عصمت عبد الله الشيخ،مبادىء ونظريات القانون الإداري،جامعة حلوان،جمهورية مصر،2002،ص 188
وأيضا الدكتور عمار بوضياف،الصفقات العمومية،جسور للنشر والتوزيع،الجزائر،2008،
3الدكتور ناصر لباد،الوجيز في القانون الإداري، الطبعة الأولى،منشورات لباد،2006،ص 212.
4 مجلة مجلس الدولة،العدد 5- 1004 ،ص57
5 الدكتور عمار بوضياف،الوجيز في القانون الإداري،جسور لنشر والتوزيع،2007،ص 356